الغرب أراد أن يرسخ نموذجه للاسلام في الحكم من خلال أنظمة موالية له تلبست لبوس الاسلام وصنعت وعي الشعوب بفتاوى تخديرية لتتواءم مع الوجود الصهيوني في المنطقة.
النموذج الذي جهد الغرب في إرسائه في منطقتنا يركز على أسس ودعائم ومقومات أهما : الانهزام النفسي لشعوب المنطقة، الاقتناع أن جيش الصهاينة قوة لا تقهر، قلب المفاهيم الدينية وتوظيفها في صالح الاستعمار من خلال وضع أنظمة حليفة لهم لكنها تتلبس لباس الدين وتستمد شرعيتها من فقهاء السلطة ، وهذا لمعرفتهم مدى أهمية الدين في حياة الانسان من خلال دراساتهم الانثروبيولوجية للمنطقة، وتشخيصهم من خلال هذه الدراسات العلمية المناهج الأكثر ولوجا في وعي الشعوب لصناعتها والهيمنة عليها.
بقلم: إيمان شمس الدين
وبقي هذا النموذج يشق دربه في العالم العربي والإسلامي بمعية أنظمة تلبست الاسلام منهجا لكنها واقعا شوهت كل معالمه.
ورغم ذلك كان هناك خط ومنهج مقابل يحاول مواجهة هذا المنهج من خلال النضال وتحرير العقول سواء بسلاح الجهاد أو سلاح القلم والكلمة . وكان هذا التيار يواجه على مر التاريخ بالقتل والتشريد والسجن وبمباركة الأنظمة وكثير من النخب والشعوب بعد أن يتم شيطنته، لكسره كنموذج مقابل يمكن أن يغير معايير ومفاهيم ووعي الشعوب.
لكن استمر نضال هذا الخط بمختلف توجهاته إلى أن شاءت الأقدار وانتقل هذا النضال وهذا الفكر من صفوف أفراد وتيارات إلى مستوى دولة قدمت هذا المنهج كجزء من مقوماتها كدولة ضمنه دستورها في مواد عديدة، لم تبق فقط حبرا على ورق بل تحولت لخريطة طريق تم تبنيها من ذلك الوقت حتى ظهرت معالمها ونتجت ثمارها اليوم.
فالجمهورية الإسلامية التي نجح بثورتها الإمام الخميني ، وضع نظامها على أساس جمهوري إسلامي يجمع بين مشروعية الله ومقبولية الشعب، حيث تقوم الدولة فيها على أسس ومعايير ومقومات جلها ثابته إلهية وبعضها متغيرة تتبع اجتهاد الفقهاء وفق متطلبات الزمان والمكان .
ومن هنا انطلق فتيل الحرب في المنطقة، فبينما الغرب أراد أن يرسخ نموذجه للاسلام في الحكم من خلال أنظمة موالية له تلبست لبوس الاسلام وصنعت وعي الشعوب بفتاوى تخديرية لتتواءم مع الوجود الصهيوني في المنطقة من جهة ومع بقاء الأنظمة الموالية من جهة أخرى بشرعية اسلامية كي يبقى مهيمنا على ثروات المنطقة، وإذا بإيران بقيادة فقهاء أجلاء تكسر هذا النموذج وتبدأ تشق طريقها بتقديم نموذج إسلامي حركي يسعى للعدالة ولكرامة الإنسان ويناضل لأجل المظلومين في كل بقاع الأرض، ويجعل بوصلته فلسطين المحتلة وعدوه الأول أمريكا والصهاينه لمعرفته أن زوال هذا الكيان هو خلاص حقيقي للمنطقة وشعوبها من كل أنواع الذل والاستعباد.
ولذلك تم مواجهة مشروع الجمهورية الإسلامية من ذلك الحين فأشعلوا فتيل الحرب معها عسكريا، ثم حاصروها اقتصاديا، وحاولوا بشتى الطرق عزلها عن العالم ورغم ذلك بقيت مستمرة في دعم الحركات المقاومة ومد يد العون للمظلومين .وعمدوا أيضا لشيطنة هذا النموذج وبناء جدار عازل بينه وبين البوابة العربية المطلة عليه حتى لا تتطلع الشعوب إليه كحلم تسعى لتحقيقه.
ورغم ذلك دعم الإمام حركات المقاومة خاصة ضد الكيان الصهيوني ومنها المقاومة الإسلامية في لبنان، والتي استطاعت بفضل جهاد علمائها ودم شهدائها ومثابرتها أن تحقق انتصارا تاريخيا على الكيان الصهيوني وتحرر أرضها وتطرده كمحتل منها في عام ٢٠٠٠ م، وهو ما عد انجازا تاريخيا أسقط مقولة الجيش الذي لا يقهر من عقلية الشعوب وكان أول ثمارها انطلاق انتفاضة عريضة في فلسطين وإحياء وعي كان في حكم الميت، هو الوعي لفكرة النهوض والمقاومة والرفض.
ومن هنا بدأت تحولات جديدة في المنطقة استدعت قوى الاستعمار وأدواتها للبدء بحملة جديدة تكسر نموذج الانتصار والاعتماد على الذات، وكان للاعلام دور بارز في هذه الحملة التي شنتها تحت شعار كي الوعي.
بدأت حملة شيطنة المقاومة وكان السلاح الأنجع لذلك هو المذهبية، والتفكير بخلق محور اسلامي آخر بعنوان مذهبي يواجه إيران ويتبنى ظاهريا محاربة الصهاينة ولكنه لا يمانع من مد جسور التعاطي السياسي معها، وكان النموذج السني تمثله تركيا التي يدغدغها حلم الخلافة العثمانية،
وبعد أحداث الربيع العربي وما تلته من تداعيات أسقطوا قناعة الناس بالاسلام كبديل صالح للحكم كضربة ظنوا أنها قاضية للترويج للمبدأ العلماني في الحكم. لكن أيضا باءت محاولاتهم بالفشل وذلك لاستمرار محور الممانعة بخطاه ثابته في إحراز إنجازات هامة في الميدان وتطوير نموذجها الاستقلالي النهضوي التحرري.
فشلوا في العراق تحت ضربة فتوى المرجعية في الدعوة للجهاد ضد داعش، ذلك الشيطان الذي صنعوه وربوه على نسق القاعدة لتشويه الاسلام من جهة ولاستخدامه كأداة في الضغط لتحقيق منجزات على طاولات الحوار السياسية، وأحرز الحشد الشعبي إنجازات كبيرة في هذا الصدد وهو ما دفعهم أيضا للقيام بحملات إعلامية كبرى لتشويه صورة الحشد الشعبي بسبب تصرفات فردية لا تمثل إلا أصحابها قاموا بتضخيمها وصناعة حدث منها وتعميمها لشيطنة نموذج الحشد وللتعتيم على انتصاراته وتحويلها لهزائم.
فشلوا في سوريا بعد حرب دامت ٥ سنوات حشدوا فيها عتاد بشري من ٨٠ دولة بحجة الديموقراطية ورغم ذلك لم يستطيعوا تحقيق أي تقدم يذكر .فشلوا في لبنان وفي اليمن ولم يبق لديهم أوراق ضاغطة فكشفوا قناعهم و رؤوسهم وأعلنوا تعاونهم مع الصهاينة لمواجهة محور الممانعة.
خاصة بعد أن أدارت أمريكا ظهرها لهم بسبب إخفاقاتهم المتتالية وقامت بالتوقيع مع إيران على الاتفاق النووي ورفعت العقوبات، وهو اعتراف صريح بإيران كقوة إقليمية وازنة، هذا الاعتراف الذي سيعيد رونق نموذج إيران في الحكم وفي النضال وتقدم نموذج إسلامي متقدم في الحكم.نموذج إيران يقوم على ركائز مهمة : الاستقلال الذاتي، وثقافة المقاومة والرفض، والعالمية والمكنة والقدرة المبنية على إرادة حرة تحترم الذات والآخر وتعتبر الصهاينة عدوها الأصيل . والأهم من ذلك كله تقدم فهم حضاري للإسلام مقنع للعقل وموائم للزمان والمكان وقادر على تقديم بديل عادل للشعوب وهذا ما يخيفهم أكثر كونه يؤدي إلى تعريتهم كنماذج تحكم باسم الدين .
إننا اليوم في مرحلة انتقالية سياسيا وجغرافيا والأهم أخلاقيا ، وكلما اشتد نزاع القوم وخسارتهم سيشد هؤلاء على أهل الثبات والحق صيحاتهم وحملاتهم . إذا هذا هو إرهابهم الذي يريدون محاربته بعد تشكيل تحالفهم الذي البسوه الاسلام ، الانقضاض الشرس على محور الممانعة الذي يقف حجر عثرة أمام مشاريع هيمنتهم على المنطقة من خلال يدهم الكبرى المتقدمة الكيان الصهيوني ، وكلما صمد هذا المحور في وجه هذه الحملة العالمية كلما اشتدت شراستهم وزاد طغيانهم.
إن مجرد الصمود في وجه الأحزاب التي اجتمعت رغم اختلافاتها الإيديولوجية والمذهبية والثقافية والهويانية على هدف واحد هو محو ثقافة الممانعة ورجالها ليس فقط من أذهان الحاضر بل من التاريخ من خلال تزويره بتشكيلات وهمية شعارها الاسلام و حجتها محاربة الإرهاب ، هذا الصمود هو صمود تاريخي وإنجاز كبير ونصر عظيم سيتحدث عنه الأجيال مستقبلا بعد أن تنكشف أغبرة المعارك وتفصح ألسنة الصباح عن الحقيقة .
معايير النصر ليست مادية تُحسب بعدد الخسائر البشرية ومساحة الجغرافيا التي يهيمن عليها كل فريق ، معايير النصر تحسب بالقوى وتوازناتها ، وبحجم المؤامرة ومدى نجاحها في التطبيق الميداني وفشلها ، وبالصمود من عدمه ونوعية هذا الصمود ونوعية العدو الذي يواجه ..
إن محور الممانعة أمام حرب كونية،، تاريخيا حدثت هذه الحرب وحققت ما أرادت لعدم وجود ممانعة جامعة مع عدم إنكارنا لمقاومة الأبطال .. اليوم هي ذات الحرب الكونية بأدوات مختلفة وشعارات ضبابية ملتبسة لكن الفارق وجود محور مقاوم ممانع حقق انجازات تاريخية وانتصارات حقيقية أحدثت ربكة في مخططاتهم ، وجعلتهم لا يهدؤون ليلا ولا نهارا ولا يهنؤون .
كان هناك استعمار ومؤامرات تاريخيا لكن اليوم مع استمرار هذه المؤامرات هناك صمود أسطوري أمام كل المخططات وتغييراتها وأمام كل التحالفات وأدواتها وعدتها وعتادها .وما يقدمه اليوم هذا المحور ليس فقط على مستوى العسكر أو مستوى الدعم اللوجسستي أو على مستوى التقدم التقني بل أهمها على المستوى الأخلاقي والقيمي ..
اليوم نموذج تم محوه من ذاكرة الشعوب بالتقادم وهو نموذج الاكتفاء الذاتي والنهوض بالاستغناء عن الآخر وصناعة المجد بأيدينا والتحول من ثقافة التلقي والاستهلاك والتصدير ، إلى ثقافة الانتاج والتوريد والتفاعل .. لذلك إعادة هيبة هذا النموذج يعني بالضبط زوال كيانات وأنظمة وتبدل موازين القوى وسقوط قوى عظمى على أعتاب أقدام المناضلين من أجل الحرية الحقيقية والتحرر من كل مظاهر العبودية والاستعباد والاستعمار.
معركتنا اليوم وجودية لذلك ستشتد ويسقط أبرياء وعلينا توطين أنفسنا على البذل والتضحية لأجل العدالة والحرية والكرامة التي تمهد القابليات للحق وتمكن الحقيقة من الانبعاث مجددا ، لتحيا الأجيال القادمة أمل النور ، ومرحلة العبور الحقيقي وتترحم علينا لما قدمناه لأجل أن تهنأ هي بالسلام الحقيقي.