يستعمل التونسيون كلمة "سوري" عادة لتوصف كل ما هو غربي وعصري وحديث ومتطور، فالتونسيون يقولون لمَن يتكلم بالفرنسية "يحكي بالسوري".
يستعمل التونسيون كلمة "سوري" عادة لتوصف كل ما هو غربي وعصري وحديث ومتطور، فالتونسيون يقولون لمَن يتكلم بالفرنسية "يحكي بالسوري".
أما المأكولات الغربية التي ليست من المطبخ التونسي فهي "ماكلة سوري"، في حين توصف الأزياء غير التقليدية والأوروبية في تونس بأنها "لبسة سوري".
كما يُطلق التونسيون هذا الوصف على المعمار الأوروبي للبيوت، فـ"الفيلا السوري" هي البيت الذي يُبنى على الطراز الغربي لا على الطراز المحلي الذي يُسمى "دار عربي".
كما تُسمّى قاعة الجلوس في البيت إذا كانت مصمّمة على نمط غير تقليدي أو مؤثثة بأثاث مستورد "صالة سوري"، وذلك بخلاف صالات البيوت التي تؤثث بأثاث تقليدي وتونسي وتُسمّى "صالة عربي".
إذن، تستعمل كلمة سوري في الثقافة التونسية كنقيض لوصف "عربي"، وتُوصف الحفلات الليلية (وخاصة الأعراس) التي تقام على غير النمط التقليدي المحلي بأنها "سهرية سوري"، بخلاف الحفلات التي تراعى فيها التقاليد المحلية من فلوكلور وديكور وأزياء وتُسمّى "سهرية عربي".
في كتابه "تونس والتحديث" (ص. 18)، يقول الدكتور الهادي التيمومي، المؤرخ وعالم الاجتماع التونسي، إن تأثيرات الحداثة الأوروبية "وصلت إلى تونس في القرن الـ19 بطرائق مختلفة، سلمية وغير سلمية، وقد سبق هذه التأثيرات بعقودٍ طويلة وقوعَ البلاد تحت الاستعمار الفرنسي المباشر عام 1881".
ويضيف التيمومي أن هذه التأثيرات دخلت البلاد "عبر قناتين متداخلتين ومتزامنتين: القناة الفرنسية (رأسماليون، مدرسون، مبشرون، دبلوماسيون، زوار...) والقناة الشرق أوسطية (تأثير حركة محمد علي التحديثية في مصر، ضغط الآستانة، نشاط رجال الأعمال والصحافيين السوريين بتونس مثل أحمد فارس الشدياق، أو منصور الكرليتي، أو رشيد الدحداح، الأمر الذي جعل كلمة "سوري" تعني إلى اليوم كل ما هو عصري".
ومن هنا يتّضح أن عملية التحديث والعصرنة السياسية والثقافية التي شهدتها تونس في القرن التاسع عشر، والتي ساهم فيها مثقفون وصحافيون سوريون جنباً إلى جنب مع الأوروبيين وخاصة الفرنسيين، جعلت التونسيين يصفون كل ما هو عصري وحديث وغير تقليدي ومتطور بأنه "سوري". كما يستعملون هذا الوصف للتعبير عن الشيء المستورد والغربي.
وقد ساهم السوريون في عملية التحديث التي شهدتها البلاد منذ بداية القرن الـ19. فمنصور الكرليتي كان مديراً للمطبعة الرسمية في تونس، كما اشتغل مدة 17 عاماً في مجلة "الرائد التونسي"، وهي المجلة الرسمية للدولة والتي تم تأسيسها في شهر يوليو 1860.
وعن تأثير هؤلاء المثقفين السوريين في الثقافة التونسية، يضيف الدكتور الهادي التيمومي في كتابه المذكور، "أثر الكرليتي كثيراً في الثقافة التونسية في النصف الثاني من القرن 19، شأنه في ذلك شأن بعض كبار المثقفين الشوام الآخرين الذين ترددوا على تونس واشتغلوا بها أو أقاموا فيها فترات طويلة أو قصيرة".