إن نهضة سيد الشهداء(ع) هي حركة انسانية قبل ان تكون دينية او مذهبية او اي شئ آخر، ما يعني انها تلبي حاجة الانسان في أي زمان وفي أي مكان، بغض النظر عن دينه او اثنيته او مناطقيته او لونه او جنسه او ما ال
إن نهضة سيد الشهداء(ع) هي حركة انسانية قبل ان تكون دينية او مذهبية او اي شئ آخر، ما يعني انها تلبي حاجة الانسان في أي زمان وفي أي مكان، بغض النظر عن دينه او اثنيته او مناطقيته او لونه او جنسه او ما الى ذلك، ولذلك لا نجانب الحقيقة اذا قلنا بان كل شعب من شعوب الارض هو بحاجة الى عاشوراء في فترة من فترات تاريخه.
وأفادت وكالة الأنباء القرآنية العالمية (ايكنا) ان «حيدر نزار»، الباحث والكاتب العراقي ومدير مركز الاعلام العراقي في واشنطن، كتب في مقالة بعنوان "لكل شعب..عاشوراء" حول عاشوراء ان البعض يتسائل ربما، عن حاجتنا لعاشوراء في القرن الواحد والعشرين؟ فهل حقا اننا بحاجة الى الحسين بن علي عليهما السلام في هذا الزمن؟ وهل نحن بحاجة بالفعل الى حركة تشبه حركة عاشوراء في هذا الوقت؟.
للاجابة على هذه الاسئلة، ينبغي علينا اولا ان نفهم جوهر عاشوراء وحقيقة حركة الامام الحسين عليه السلام، وماهية كربلاء لنعرف، من ثم، ما اذا كنا بالفعل بحاجة الى كل ذلك في هذا الوقت؟ ام لا؟.
ان الحسين بن علي عليهما السلام منهج وليس شخصا، وطريقة وليس فردا، ورسالة خالدة وليس ماضيا او تاريخا سحيقا، ومثل وليس شذوذا، وتيار وليس عصبة، والى ذلك اشار عليه السلام عندما رفض البيعة للطاغية يزيد قائلا {انا اهل بيت النبوة، ومعدن الرسالة، ومختلف الملائكة، بنا فتح الله، وبنا ختم، ويزيد فاسق، فاجر شارب الخمر، قاتل النفس المحترمة معلن بالفسق والفجور، ومثلي لا يبايع مثله}.
انه خط، والطاغية يزيد خط آخر، متناقضان في كل شئ، ولا يلتقيان في نقطة، ولا يتشابهان في شئ.خطان متوازيان لا يلتقيان مهما امتدا في الزمن، ومهما حاول البعض تضليل الراي العام من خلال السعي الحثيث لتبرئة الطاغية يزيد من دم الحسين(عليه السلام).
ومن جانب آخر، فان نهضة سيد الشهداء عليه السلام، هي حركة انسانية قبل ان تكون دينية او مذهبية او اي شئ آخر، فبقراءة سريعة لمنطلقات وادوات واهداف هذه النهضة، سنكتشف عمق البعد الانساني فيها، ما يعني انها تلبي حاجة الانسان في اي زمان وفي اي مكان، بغض النظر عن دينه او اثنيته او مناطقيته او لونه او جنسه او ما الى ذلك، فهي حركة انسانية من والى الانسان في الزمكان، ولذلك لا نجانب الحقيقة اذا قلنا بان كل شعب من شعوب الارض، متدينا كان ام غير متدين، مسلما كان ام غير مسلم، شرقيا كان ام غربيا، هو بحاجة الى عاشوراء في فترة من فترات تاريخه، والتي تتحدد، هذه الفترة، عندما: اولا: ينزو على السلطة حاكم بلا تفويض من الشعب او بالضد من ارادته. ثانيا: يسحق الحاكم حقوق الناس ويتجاوز على حرياتهم ويستاثر بخيرات البلاد وبكل فرص الخير. ثالثا: تستسلم المؤسسة الدينية لارادة الحاكم الظالم فتقف الى جانبه تبرر ظلمه وتجاوزه على حقوق الناس بفتاوى (دينية) تحت الطلب، تلبي حاجات السلطة، حتى اذا اقتضى الامر لي عنق الحق والحقيقة. رابعا: يسخر هذا الحاكم الظالم المؤسسة الاعلامية لخدمة مصالحه الخاصة ومصالح اسرته وزبانيته، فيتحول الى بوق يجهر بالظلم في لباس انساني مزيف.
عندما يمر اي شعب من شعوب الارض بمثل هذه الظروف، فانه سيكون محتاجا الى نهج يشبه نهج عاشوراء، والذي يمكن تمييزه بـ الف: عدم الاستسلام للظلم مهما كانت جبهة الحق ضعيفة، عدة وعددا، وجبهة الباطل قوية، عدة وعددا، ولقد ثبت الله تعالى هذه الحقيقة بقوله عز وجل {كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة باذن الله والله مع الصابرين}. باء: اختيار الموت بعز على الحياة بذل، واختيار العار على النار، واختيار القتال حتى الاستشهاد على الاستسلام لارادة الظالم مقابل حفنة من الاطماع الدنيوية الزائلة، فـ {الموت في حياتكم مقهورين، والحياة في موتكم قاهرين} على حد قول امير المؤمنين عليه السلام.
ولقد اشار الامام الحسين بن علي عليهما السلام الى ذلك بقوله {الا وان الدعي بن الدعي قد ركز بين اثنتين، بين السلة والذلة، وهيهات منا الذلة، يابى الله لنا ذلك ورسوله والمؤمنون، وجدود طابت، وحجور طهرت، وانوف حمية، ونفوس ابية، لا تؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام}.
ان اي شعب من شعوب الارض يتبنى هذه الثوابت والقناعات والاهداف، انما هو يتمثل نهضة سيد الشهداء الامام الحسين بن علي عليهما السلام وثوابت كربلاء واهداف عاشوراء وان اختلف مع الامام في الدين او المذهب او الاثنية او المناطقية، لان الحسين (ع) كما اسلفنا، منهج وليس شخصا
وفي خطاب آخر قال عليه السلام {لا والله لا اعطيكم بيدي اعطاء الذليل، ولا اقر اقرار العبيد} وقال عليه السلام {والله لو لم يكن في الدنيا ملجأ ولا مأوى لما بايعت يزيد بن معاوية ابدا}.
جيم: مواجهة التزييف (الديني) والاعلامي الذي يسخره الظالم من خلال المؤسستين الدينية والاعلامية، وعدم ترك هذا التضليل يفل من عزيمة الانسان الثائر، او يؤثر في قناعاته.
دال: الاستقواء بالقناعات الراسخة وليس بعدد الانصار، فالقناعة كنز لا يفنى، على حد قول الحكمة الماثورة، اما التحشيد فينبغي ان لا يؤثر في قناعات الانسان اذا كان صادقا مع نفسه، ولقد تحدث الامام السبط الشهيد عليه السلام عن ثباته وعدم الانهزام او التردد على الرغم من {خذلان الناصر} على حد قوله.
هاء: الصبر على تحمل المشاق من اجل تحقيق الهدف، على حد قول الامام الشهيد {اصبر حتى يحكم الله بيني وبين القوم الظالمين} واسترخاص المال والنفس وكل شئ من اجل ذلك، على عكس ما يفعله البعض ثم ينتظرون النصر وتحقيق الهدف، كما يوبخ امير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام البخلاء والجبناء بقوله {فلا اموال بذلتموها للذي رزقها، ولا انفس خاطرتم بها للذي خلقها} والمثابرة على انجاز الخطة الى النهاية بلا تبديل او انحراف او زيغ.
ان اي شعب من شعوب الارض يتبنى هذه الثوابت والقناعات والاهداف، انما هو يتمثل نهضة سيد الشهداء الامام الحسين بن علي عليهما السلام وثوابت كربلاء واهداف عاشوراء وان اختلف مع الامام في الدين او المذهب او الاثنية او المناطقية، لان الحسين (ع) كما اسلفنا، منهج وليس شخصا.
ان نهضة سيد الشهداء تتمحور حول ثلاثة اسس رئيسية، الاول؛ هو الانسان، الثاني؛ هو اللاعنف، الثالث: ضد الظلم.
بالنسبة الى المحور الاول، فان كربلاء ارادت ان تعيد الانسان الى سابق عهده كما خلقه الله تعالى، حرا، كما في قوله تعالى {يضع عنهم اصرهم والاغلال التي كانت عليهم} وكريما، كما في قوله تعالى {ولقد كرمنا بني آدم} يتمتع بارادة الاختيار بلا جبر او اكراه، كما في قوله تعالى {انا هديناه النجدين اما شاكرا واما كفورا} او في قوله تعالى {لكم دينكم ولي دين} ليكون مسؤولا على خياراته، كما في قوله تعالى {وقفوهم انهم مسؤولون} وفي قوله تعالى {ان السمع والبصر والفؤاد كل اؤلئك كان عنه مسؤولا} ومن الواضح فان الانسان لا يمكن ان يتحمل المسؤولية الا اذا كان حرا في خياراته، وقد منحه الله تعالى ذلك فعلا، كما في قوله تعالى {الذين يستمعون القول فيتبعون احسنه} او في قوله {وان احد من المشركين استجارك فاجره حتى يسمع كلام الله ثم ابلغه مامنه}.
اما بالنسبة الى المحور الثاني، فان كل المصلحين عبر التاريخ ينطلقون بحركتهم التغييرية بشكل سلمي لا عنفي، وسلاحهم الوحيد في خوض هذه المعركة هو (الكلمة) اي المنطق والحوار والدليل والبرهان، كما في قوله تعالى {تعالوا الى كلمة سواء} الا ان الحاكم الظالم هو الذي يحول هذه المعركة (المنطقية) عادة الى حرب مسلحة يستخدم فيها كل انواع السلاح الفتاك ضد الخصم، المصلح هنا، لان الظالم عادة لا يمتلك من سلاح الحكمة والمنطق والحوار شيئا، والا لما ظلم ولما طغى، فانما يطغى الحاكم عندما يعييه المنطق فيتوسل بالسلاح الفتاك لمحاربة كل من يسعى للتغيير ويطالبه بالاصلاح.
في ذكرى عاشوراء هذا العام تحديدا، فان الشعوب العربية لجات، من حيث تريد او لا تريد، الى النهج الحسيني لتحقيق عملية الاصلاح، فها هو العالم العربي يشهد ربيعا زاهرا اراد الشارع ان يكون سلميا لا تراق فيه الدماء ولا يستخدم فيه العنف، يسير فيه على نهج الحسين السبط عليه السلام، الا ان النظام السياسي العربي الفاسد الذي يمثل الامتداد الطبيعي والتاريخي لسلطة بني امية الغاشمة والظالمة والفاسدة، ابت الا ان تكون نهضة الشعوب العربية هذه دموية عنفية وبامتياز، فلقد وغل النظام السياسي العربي الفاسد بدماء الابرياء من الذين خرجوا الى الشوارع مجردين من اي سلاح الا سلاح الكلمة مطالبين بالتغيير والاصلاح لاعادة الحرية والكرامة الى الشعوب المقهورة، فرد عليه النظام بمختلف انواع الاسلحة الفتاكة التي نزلت الى الشوارع من معسكراتها لترى النور لاول مرة، لتواجه صدور الناس العزل.
ان كربلاء ارادت ان تعيد الانسان الى سابق عهده كما خلقه الله تعالى، حرا، وكريما، يتمتع بارادة الاختيار بلا جبر او اكراه ليكون مسؤولا على خياراته . ان كل الشعوب العربية التي تحركت حتى الان ضد النظام السياسي العربي الفاسد توحدت في شعارها الذي يعبر عن اللاعنف بقولها (سلمية سلمية) الا ان بعض هذا النظام الفاسد سعى الى جرها لحمل السلاح لمواجهة سلاح السلطة، كما هو الحال مثلا في اليمن عندما دفعت اسرة آل سعود الفاسدة الشارع باتجاه العنف رغما عنه، من خلال مد اعوانها بالمال والسلاح للحيلولة دون تحقيق الهدف النهائي والمتمثل باسقاط الطاغوت واقامة البديل، الديمقراطية، لانها، اسرة آل سعود الفاسدة، تتوجس خيفة من الديمقراطية على حدودها، ولذلك فهي تحاول جر البلاد الى حرب اهلية مثلا او الى تحقيق توازن الرعب بين مختلف الاطراف في مسعى منها لاغراق البلاد بالدم، فقد يدفع ذلك الشعب اليمني الى ان يلجا اليها للتوصل الى حل تقبل به اسرة آل سعود الفاسدة وفي نفس الوقت يحقق بعض مطاليب الشعب، الا ان اليمنيين اثبتوا مرة اخرى بانهم اذكى من الاعيب آل سعود التي طالما ضحكوا بها على ذقون الشعوب العربية والاسلامية على حد سواء.
وسيتحرك بقية الشارع العربي ليأتي على ما تبقى من النظام السياسي العربي الفاسد، وهو يستلهم جوهر حركته من عاشوراء التي ارادها الحسين عليه السلام سلمية ولا عنفية الا ان الامويين ابوا الا ان يلطخوا ايديهم وسلطتهم بالدماء الطاهرة لال الرسول (ص).