مثل قصة ابريق الزيت، هكذا تحوّل قرار تصحيح الأجور في لبنان. الحكومة تصدر القرار الرقم 1. جزء من ممثلي العمال يرفض. تعيد الحكومة الصياغة، فتعلن القرار الرقم 2 وتفصّله على قياس الهيئات الاقتصادية.
رشا أبو زكي
مثل قصة ابريق الزيت، هكذا تحوّل قرار تصحيح الأجور في لبنان. الحكومة تصدر القرار الرقم 1. جزء من ممثلي العمال يرفض. تعيد الحكومة الصياغة، فتعلن القرار الرقم 2 وتفصّله على قياس الهيئات الاقتصادية. يتعزز الرفض ليشمل جميع الاتحادات والنقابات العمالية. وفي هذه الأثناء، يعلن التجار بدء المزاد. يرفعون الأسعار أضعافاً، في ظل غياب رقابي مفضوح. والمواطنون يراقبون بصمت، ويسألون: من سيكتب نهاية هذه القصة؟
إنه قرار مذلّ ومهين واستخفاف بعقول الناس. توصيف موحد خرجت به جميع التكتلات والاتحادات النقابية أمس. وبعكس الانقسام العمالي ـــــ السياسي الذي لف القرار السابق للحكومة (زيادة 200 ألف ليرة على الأجور ما دون مليون ليرة، و300 ألف ليرة على الأجور ما بين مليون ليرة ومليون و800 ألف ليرة)، خرج كل من الاتحاد العمالي العام وهيئة التنسيق النقابية والاتحادات النقابية المستقلة بقرار موحّد: لا لقرار الحكومة الأخير لزيادة الأجور.
هذه الـ«لا» ترجمتها هيئة التنسيق بإعلان الإضراب والتظاهر يوم الخميس المقبل، تحت شعار «رفض القرار المذل والمهين لتصحيح الرواتب والأجور». رئيس الاتحاد العمالي، غسان غصن، فاض شعارات «ثورية» وأعلن تنفيذ الإضراب والتظاهر ... لكن في نهاية الشهر الجاري. وعلى الرغم من أن هيئة التنسيق النقابية نزعت من مطالبها فقرة «تطبيق الضمان الشامل لجميع اللبنانيين»، إلا أن غصن اعتبر أن هيئة التنسيق تسير وفق إشارات لها بالتحرك العاجل، «في حين أن الاتحاد يحتاج الى وقت لكي تعقد النقابات والاتحادات العمالية المنضوية فيه الجمعيات العمومية اللازمة للتحضير للتحركات».
وبعيداً عن الإشارات التي يغمز منها غصن، خرجت أصوات نقابية لتفصّل أساس رفضها للقرار الحكومي، إذ عمدت الحكومة عبر قرارها الى خلق التباس كبير في تحديد النسب المئوية للزيادة على الشطور. إذ لا يمكن تحديد نسبة الزيادة على الشطر الأول بـ 30 في المئة، ومن ثم يحدد القرار نفسه سقف الزيادة بـ 200 ألف ليرة. فزيادة 30% على راتب قيمته مليون ليرة، تعني فعلياً زيادة 300 ألف ليرة، لا 200 ألف ليرة. وأكثر، فإن تحديد نسبة الزيادة بهذه الصيغة يرفع قيمة الإيجارات القديمة وفقاً لهذه النسبة، لا وفق الزيادة الفعلية التي حصل عليها العمال ... ثغرات كثيرة تفيض من القرار الحكومي. ثغرات ردها البعض الى «الخطأ المقصود» لكي يعود القرار الى مسرح المماطلة والرفض والأخذ والرد ... فكيف كان الحراك النقابي أمس؟
خرجت الجمعيات العمومية المشتركة للأساتذة والمعلمين في القطاعين الرسمي والخاص، وفي مراحل التعليم الأساسي والثانوي وفي التعليم المهني والتقني والموظفين الإداريين وسائر موظفي القطاع العام، بإجماع على بندين:
1ـــ تنفيذ الإضراب العام والتظاهر يوم الخميس في 15/12/2011 في جميع الثانويات والمدارس الرسمية والخاصة وفي معاهد ومدارس التعليم المهني والتقني وفي الإدارات العامة.
2ـــ دعوة الأساتذة والمعلمين في القطاعين الرسمي والخاص وفي مدارس ومعاهد التعليم المهني والتقني الرسمي وفي الإدارات العامة إلى المشاركة الكثيفة في التظاهر عند الساعة الحادية عشرة قبل الظهر في يوم الإضراب عينه، انطلاقاً من تقاطع بشارة الخوري ـــــ السوديكو، وصولاً إلى السرايا الحكومية، وذلك من أجل تصحيح الرواتب والأجور في القطاعين العام والخاص بما يتناسب ونسبة التضخم منذ عام 1996 على أساس 60% للشطر الأول و40% للشطر الثاني و20% للشطر الثالث، مع التأكيد على جملة شروط بالنسبة إلى الزيادة في القطاع العام.
الاجتماع السريع للهيئة، قابله هدوء مريب كالعادة للاتحاد العمالي العام. فقد شرح غصن لـ«الأخبار» أن الاتحاد يرفض بالمطلق القرار الحكومي المتعلق بتصحيح الأجور. «إنه إهانة، وخروج عن التزامات الحكومة في قرارها السابق، وانتقاص من حقوق العمال». وحدد غصن (قبل اجتماع المجلس التنفيذي للاتحاد اليوم!) موعد الإضراب والتحركات التي سينفذها الاتحاد بين 24 و28 كانون الأول. تأجيل ينطبق عليه مثل «سيكون حينها من ضرب ضرب ومن هرب هرب».
تصريح غصن جاء إثر لقاء جمع الأخير بوفد من الهيئات الاقتصادية زاره في مقر الاتحاد العمالي العام. يرفض غصن تسميته «اللقاء الاسترضائي»، ويبرره بأنه «اجتماع نتج منه رسالة حملها الوفد الى رئاسة الحكومة والوزراء، تشير الى أسباب رفض الاتحاد للقرار الوزاري، وللآليات الممكن اتباعها في إيجاد المخارج والحلول».
رئيس اتحاد المصالح المستقلة ورئيس نقابة عمال الكهرباء شربل صالح كان له موقف آخر. فهو عضو في الاتحاد العمالي العام «ولكن إذا لم يقر الاتحاد موعد التحرك اليوم، فسنعود الى اتحاد المصالح المستقلة، ونقرر الخطوات الواجب اتخاذها». يعتبر صالح أن قرار الحكومة جاء متوافقاً مع طروحات الهيئات الاقتصادية بالكامل، من دون الأخذ برأي ممثلي العمال. يشرح أن هذه الزيادة مجحفة، ولا تتوافق مع نسب غلاء المعيشة، في ظل غياب الرقابة عن التجار الذين يرفعون الأسعار من دون حسيب أو رقيب. سأل: «كيف أقرّت الحكومة الحد الأدنى للأجور 600 ألف ليرة، في حين أن الهيئات الاقتصادية نفسها وافقت على زيادته الى 700 ألف ليرة سابقاً؟». يرى صالح أن عدم زيادة بدلات النقل يزيد من طين الإجحاف بلة. «هل انخفض سعر البنزين لكي لا تتم زيادة بدلات النقل؟». فهذا القرار تسوية بين الحكومة وأصحاب العمل على حساب العمال. إنه مسّ بحقوق العمال، ويخرج عن كل القوانين والمراسيم المتعلقة بتصحيح الأجور في لبنان.
أما رئيس اتحاد موظفي المصارف جورج الحاج فقد اعتبر أن القرار الحكومي هو استخفاف بعقول الناس. «كيف يمكن تحديد نسب الزيادات على الشطور، ومن ثم يتم تحديد سقوف للزيادات؟ إنها ظاهرة فريدة في تاريخ لبنان قامت بها الحكومة الحالية». الزيادة السابقة التي أقرتها الحكومة كانت أفضل، يقول الحاج، فقد غاب عن متن القرار الحالي بدل النقل والزيادات العادلة على الحد الأدنى للأجر، والتصحيح العادل للأجر. لا بل تمادت الحكومة في صلب قرارها لتعتبر أن الزيادات التي لحقت العمال خلال عام 2010 مشمولة بالزيادة الحالية، مشدداً على أن أي زيادة إدارية لا علاقة لها بزيادة غلاء المعيشة، يؤكد الحاج أن القرار الحكومي بمعظم بنوده غير قانوني، ويختم «يا ريت ما فتحوا موضوع تصحيح الأجور من أساسه!».
رئيس نقابة عمال ومستخدمي مياه الشمال، كمال مولود، رأى أن القرار الحكومي «منقوص». يشرح أن الجميع يتساءلون عن مصير زيادة بدل النقل.
36%
هي نسبة الزيادة التي حرم منها العمال نتيجة قرار الحكومة الأخير في زيادة الاجور وفق وزير العمل شربل نحاس. وشكك في التزام المؤسسات بهذا القرار لكونه سيزيد نحو 60 في المئة من الأعباء عليها.
تحرك معيشي السبت
دعا الاتحاد الوطني لنقابات العمال والمستخدمين في لبنان كافة القوى النقابية إلى التحرك والتصدي لقرار الحكومة «الذي ينفذ رغبات الهيئات الاقتصادية في عملية تصحيح الأجور». وطالب الحكومة بتصحيح الاجور وفق اقتراحات هيئة التنسيق النقابية والاتحاد الوطني، وبإقرار مشروع وزير العمل شربل نحاس «الذي يعيد للعمال بعضاً من حقوقهم المسلوبة». وكذلك، دعا الى المشاركة في اعتصام امام مصرف لبنان يوم السبت المقبل دفاعاً عن لقمة العيش.