الثوار والقوات الأميركية في سباق لحسم الامر في ليبيافي ظل تحفظ أوروبي على أي تدخل عسكري اميركي في البلاد.
آخر معاقل النفط التي لم يحتلها حلف الأطلسي بشكل عام والأمريكيين بشكل خاص هي ليبيا، فهل يتأهب عسكرهم لتحقيق ذلك، خصوصاً وأن الفرصة مؤاتية لاغتنامها في ظل عدم الاستقرار الحاصل في ليبيا وعلى الرغم من تطيمنات القائمين على النفط الليبي للغرب بأن شيئاً لن يتغير. النفط ليس كل شيء في هذا البلد العربي، إذ إنه يجلس على أكبر مخزون للمياه في المنطقة على أعتاب ما يراه الخبراء أنه حرب عالمية قادمة من أجل الماء.
من نافل القول أن الغرب ورأس حربته أميركا يحاولون الالتفاق على ثورات الشعوب التي ضاقت ذرعا من ظلمٍ بُرمج ونُظم في مكاتب البيض الابيض .... هل قرار مجلس الامن اليوم هو سيناريو جديد لإيجاد الحجج والمبررات لاحتلال ليبيا .. فمعمر القذفي في النهاية منتوج أمريكي بإشراف إسرائيلي .. فلماذا هذا السخط اليوم والشهية على فرض العقوبات وتأجيل المحاسبة لاثني عشر شهراً بحق من يثبت تورطه بقتل الشعب الليبي؟
جحر الأفعى الذي لُدغت الأمة العربية منه مراتٍ عديدة لم يزل هو هو، لم يتغير وإن تغيرت وسائله ... سحرةُ الهيكل وشياطينه ما زالوا هم هم، لم يتغيروا وإن تغيرت اساليبهم ومواقفهم ... فرض مجلس الأمن الدولي بالإجماع عقوبات ضد نظام الزعيم الليبي معمر القذافي، وأحال الملف الليبي للمحكمة الجنائية في لاهاي. ونص قرار المجلس الذي يندرج تحت الفصل السابع على مجموعة عقوبات منها حظر بيع الأسلحة لليبيا ومنع العقيد القذافي والمقربين منه من السفر وتجميد أرصدتهم إضافة لتقديم المساعدات الإنسانية المستعجلة للشعب الليبي. ودعا القرار لإنهاء فوري للعنف واحترام حقوق الإنسان والسماح لهيئات حقوقية ودولية بمعاينة الأوضاع الميدانية وضمان وصول المساعدات الطبية والغذائية للأراضي الليبية.
القرار "جيد" من الناحية القانونية ....وقاصر من ناحية المحافظة على أرواح الأبرياء
الاستاذ في القانون الدولي د.شبلي ملاط تحدث إلى موقع المنار الإلكتروني واعتبر القرار "غير عادي" فهذه اول مرة في التاريخ يتحرك مجلس الامن بهذه السرعة وبهذا الاجماع في قضية تتعلق بنمط استبدادي خاص بقيادة معينة على شعبها .في الوضع الحالي، يضيف ملاط، القرار من الناحية القانونية جيد، فهو سيثبت مسؤولية القذافي عما يرتكبه من جرائم ضد الإنساسية وممارسته للإبادة الجماعية .
"أما من ناحية ثانية، فهو قرار قاصر لم يوفر حتى الآن ما يعرف في القانون الدولي بالمسؤولية في المحافظة على أرواح الأبرياء، وليس واضحا كيف سيؤثر القرار على مجريات الامور في ليبيا خصوصاً وأن النظام الليبي يقوم بإبادة الليبيين ويقتلهم في الشوارع" .
يجب الاسراع في تنفيذ الحظر الجوي وحظر تحرك المدرعات
ويرى الدكتور ملّاط أن الوقت ليس كافياً، "وعلى المجتمع الدولي ومجلس الأمن التحرك سريعاً لرفع هذا الكابوس عبر إعلان الحظر الجوي الشامل لقوات القذافي الجوية التي تقصف المدنيين حيث يسيطر الثوار، بالأسلحة المحرمة أحياناً. وفي حال لم ترتدع قوات القذافي، فعندئذ، يجب فرض ما يسمى بحظر تحرك القوى المدرعة، وهذا ما يستدعي تحركاً عسكرياً برياً"، مؤكدا أن الحظر الجوي بالنسبة للقوات الدولية وأميركا أمر سهل لتطبيقه .
وقد شكك خبير القانون الدولي في أن يكون هناك تحرك عسكري بري من قبل امريكا والدول الاوروبية، ولكنه رآه ضرورياً في حال اقتضى الأمر ، "إذ لا يجوز أن يوفر المجتمع الدولي أي سبيل من أجل منع القذافي من قتل شعبه" .
هل التحرك العسكري باب لاستعمار جديد
"الشرعية الدولية" مصطلح يلفه الشبهة، فازدواجية المعايير واستهداف الشعوب من قبل من يمثل هذه الشرعية، والنفاق السياسي جعل أصبح مريباً وفاقعاً لا ينطلي على أحد – أقلّه رغماً عن إرادته.
ومثل هذا الجدل يذهب أدراج الرياح وسط حالة الانقلاب على المنطق التي تعصف بتقاطعات المشهد السياسي الدولي. من منا أو منهم قادر على توصيف اللحظة الراهنة بكل أمانة ودقة؟ ما الذي نستنتجه من قراءة سريعة لأحداث المنطقة؟ الصورة واضحة، وابسط تظهير لها هو أن المنطقة تدخل ضمن الاستراتيجية الأميركية والنزعة الإستعمارية، وتتلخص بتقاسم النفوذ والهيمنة علينا من قبل مراكز القوى، وبالتالي دعم "إسرائيل" لتكون قوية ومتفوقة وغنية على حسابنا نحن. القرار الذي يدين القذافي والذي يندرج تحت الفصل السابع يبعث على القلق.
"دائما هناك خطر بهذا الصدد، لكن في هذه الحالة لا يمكننا ان نفكر بهذا وهو ليس وارد اليوم. فالدول غارقة في مشاكلها ولا تستطيع ان تقدِم على أي عمل عسكري"، برأي د. ملاط . لكنه شدد بالمقابل على ضرورة التدخل العسكري من اجل مساعدة الليبيين ومن اجل إرساء التوازن بين القوى الثورية وقوى القذافي التي تمتلك امكانيات هائلة مقارنة بما يملكه الشعب .
أليست ثورة ليبيا مطمعاً للدول الكبرى؟
"الشعب الليبي اليوم يريد دعما دوليا، أيا يكن من يمد له يد العون. يجب ان تتوقف جرائم القذافي، ولا خوف من استعمار جديد واحتلال عسكري. وليس من الممكن بعد أن يطاح بنظام القذافي، أن تتوقف أي سلطة ستأتي من بعده عن العمل في المصافي النفطية وبيع النفط، فلماذا تقوم اي دولة بعمل عسكري؟ هذا ليس منطقياً. أنا أستبعد أن تقوم أي دولة بهذه المغامرة التي لن تفيدها أبدا ".
ولكن في نهاية المطاف، المشروع الأمريكي واحد لا يتغير وإن تغير شكل الاحتلال بين عسكري واقتصادي لثروات ومقدرات الشعوب العربية.
وبعيد الحديث مع الدكتور شبلي الملاط، أعلن الجيش الأمريكي أن قوات بحرية وجوية ستقبع قرب ليبيا "تحسبا لتدهور الوضع في هذه المنطقة". كما أكد المتحدث بإسم وزارة الحرب الامريكية الكولونيل ديفيد لابان، أن تحريك القوات لا يعني بالضرورة أن الولايات المتحدة الأمريكية سوف تستخدم هذه القوات ضد نظام القذافي.
من جانبه قال المتحدث بإسم البيت الأبيض جي كارني، أن الخروج للمنفى قد يكون أحد الخيارات المتاحة للقذافي كي يستجيب لمطالب المجتمع الدولي. ولكن حين تم سؤاله على خطوات نفي القذافي، رد كارني بأن الأمر يتعلق بلحظة تخمين فقط، وأنه ليس مستعد لمناقشة الموضوع حاليا.
أما وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون التي تحدثت أمام مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في جنيف، قالت إن "جميع الخيارات مطروحة على الطاولة، طالما أن نظام القذافي يهدد ويقتل المدنيين".
الفصل السابع يسوغ استخدام القوة العسكرية وبالتالي يمكن القول ببأن الضوء الاخضر لهكذا خيار بات متاحاً وإن مع تحفظ أوروبي حالياً أشبه بتحفظ فرنسا على غزو العراق عام 2003، فهل تفترس اميركا وقواتها ليبيا وتستولي على ثرواتها بحجة انها تنقذ الشعب الليبي من نظام مستبد.
الألة العسكرية جاهزة والقوات الأميركية تعيد التموضع والبوارج وحاملات الطائرات أصبحت مقابل الشواطئ الليبية، وخيار النفي المطروح أميركياً لا يبدو أنه سيصمد طويلاً، وبالتالي فإن السباق على حسم الأمر في ليبيا هو بين الثوار والقوات الأميركية.