ألقى سماحة العلامة السيّد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عددٍ من الشخصيّات العلمائيّة والسياسيّة والاجتماعيّة، وحشدٍ من المؤمنين،
ألقى سماحة العلامة السيّد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عددٍ من الشخصيّات العلمائيّة والسياسيّة والاجتماعيّة، وحشدٍ من المؤمنين، ومما جاء في خطبته السياسية:
تشهد المنطقة العربية والإسلامية فصلاً من فصول صراع المحاور الدولية على أرضها، مع اقتراب موعد الانسحاب الأمريكي من العراق.. حيث تتركز الجهود الأمريكية السياسية وغير السياسية لإعادة الاعتبار لدور الولايات المتحدة وحضورها في المنطقة بعد الهزيمة التي لحقت بها في العراق واضطرارها للخروج منه...
ولهذا تسعى أمريكا ومعها حلفاؤها في خطة متعددة الأشكال إلى التأثير في أوضاع سوريا، مستفيدة من الحراك الشعبي فيه وحاجة هذا الشعب إلى الإصلاح وتوقه إلى الحرية.. ومن إثارة الحساسيات المذهبية والطائفية والمشاعر القومية... وأيضاً طموحات بعض دول المنطقة لتعزيز مواقع نفوذها حيث لا يشكل العنوان الإصلاحي إلا جسراً تعبر من خلاله لتحقيق أهدافها في السيطرة، ولو من خلال المساومات عندما ترى مصالحها في هذا الاتجاه..
إننا في الوقت الذي دعينا وندعو إلى تعزيز فرص الإصلاح والسعي لتحقيقه، ندعو الشعب السوري الذي نثق بإخلاصه للقضايا الكبرى ولحجم خطر التدخلات الخارجية على أرضه، وهو الذي وقف في مواجهتها سابقاً، إلى التنبّه مجدداً إلى هذه الأخطار التي تتزايد في ظل صراع النفوذ بين المحاور الدولية الذي يُراد لسوريا أن تكون ساحته..
إننا نؤكد مجدداً ضرورة العمل بكل جدية للإسراع بفتح حوار داخلي جدي وموضوعي يراعي حاجة الشعب السوري للإصلاح ومتطلبات الاستقرار والأمان في هذا البلد الذي نؤكد ضرورة أن يبقى قوياً قادراً على مواجهة أعدائه والمخططات التي تُحاك ضده، وأن لا يكون بؤرة أمنية تتنازعها الصراعات والخلافات الطائفية والمذهبية التي نرى بعض مظاهرها قد أطلت وبشراسة..
كما وندعو الجامعة العربية إلى القيام بالدور المطلوب منها، ليكون دورها دور إنقاذ، وأن تعمل بكل جهدها لإبقاء الحوار بينها وبين هذا البلد وعدم الإسراع في إغلاقه بما يترك سوريا في مهبّ رياح الآخرين، وأن يكون تعاملها مع الأزمة في سوريا بالطريقة التي عالجت بها المسألة اليمنية حين بذلت كل جهدها لتقريب وجهات النظر بين السلطة هناك وجهات المعارضة، وأوجدت صيغة للحل ضمنت ولو بشكل تدريجي الحل في اليمن...
ومن خلال كل هذا الجو ننتقل إلى أفغانستان، هذا البلد الذي لم يكفه كل المعاناة التي تحصل من خلال تدخل حلف الناتو، وعلى رأسه أمريكا، على أرضه وعبثه بأمن هذا البلد وسياسته وحريته...
فقد شهد هذا البلد نوعاً آخر من معاناته من خلال المجزرة التي حصلت نتيجة استهداف موكب حسيني في اليوم العاشر من المحرم، والذي قامت به أيادٍ آثمة تريد نزف الدم الإسلامي أن يتدفق في غير موقعه الصحيح في مواجهات الأمة، وهي تعمل حتى لو لم ترد لخدمة كل الذين يخططون لتمزيق وحدة المسلمين...
إنّنا أمام هذا المشهد الدّامي في أفغانستان، نناشد عقلاء الأمّة، والمرجعيَّات الإسلاميَّة الكبرى في الأزهر الشَّريف والحجاز، وفي النَّجف وغيرها من المواقع، أن تطلق المواقف القويَّة والفتاوى الشّرعيَّة، ليس في الردِّ على هذه الحوادث والمجازر فحسب، بل لقطع الطَّريق على كلّ من يريد للعالم العربيّ والإسلاميّ أن يغرق في فتنةٍ داميةٍ وحروبٍ داخليّة متواصلة.. في الوقت الّذي ندعو إلى ضرورة ترشيد الخطاب الإسلاميّ، ليحاكي العقول ولا يستفزّ المشاعر والحساسيّات، ولا سيّما في ظلّ السّعي الخبيث من قِبَل كل الجهات المعادية للإسلام لإثارة الفتنة داخل الواقع الإسلاميّ، وهذا هو خطاب عاشوراء الّذي لا نفهمه إلا خطاباً إسلاميّاً جامعاً...
إنّنا نؤكِّد على الجميع، في هذا الجوِّ الملتهب سياسيّاً وأمنيّاً، ألا يغفلوا عمّا يحصل في فلسطين المحتلَّة من ممارساتٍ وحشيّةٍ يمارسها العدوّ ضدّ أهلنا في الضفّة الغربيّة والقدس الشَّريف، ومن زحفٍ استيطانيّ بات لا يثير أحداً في العالم العربيّ والإسلاميّ، في الوقت الّذي تتوالى الغارات الصّهيونيَّة على قطاع غزَّة، وعمليَّات الاغتيال الّتي يقوم بها العدوّ مستهدفاً النّشطاء والمؤثِّرين في فصائل المقاومة الفلسطينيّة كما حصل بالأمس...
إنَّنا نعيد التَّأكيد على ضرورة إبقاء القضيَّة الفلسطينيَّة حاضرةً في الأذهان، لأنَّ العدوَّ الصّهيونيّ ينتظر الفرصة للانقضاض على المسجد الأقصى والقدس، والذي بدأت معالمه تنكشف في المحاولات الصهيونية لهدم جسر باب المغاربة، كما نعيد التَّأكيد على الشّعب الفلسطينيّ أن يعمل على توطيد وحدته، وإزالة كل عوامل التوتر الداخلية كي يقف صفاً واحداً في مواجهة التحديات الكبيرة التي تنتظره...
ومن جهة أخرى في الوقت الذي نثمّن فيه قدرة الجيش الإيراني على التصدي لأحدث الطائرات الأمريكية التجسسية، فإننا ندعو إلى إدانة هذا العمل التجسسي وغير القانوني الذي تقوم به أمريكا متجاوزة كل المواثيق الدولية، ونرى في تلويح أوباما بالحرب على إيران بالتعاون مع كيان العدو فضيحة بكل المعايير السياسية والقانونية الدولية، كما يمثل حجم المأزق الذي تعيشه السياسة الأمريكية في المنطقة...
إننا ومن خلال متابعتنا لما جرى في لبنان مؤخراً من سجال حاول البعض أن يضعه في الخانة المذهبية، نثمّن دور كل العلماء والفاعليات الدينية والسياسية التي سارعت إلى تطويق هذا السجال.. لذلك ندعو الذين يمتلكون منابر للتوعية أن يتقوا الله في عباده وبلاده، بأن ينطلقوا من قول الله {وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن} {يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيراً من الظن إن بعض الظنّ إثم}، وأن يكون المبدأ في التعاطي مع قضايانا هو احترام التنوع الذي تزخر به الساحة الإسلامية باعتباره يمثل عنصر قوة إن أحسنّا التعامل معه..
كما نؤكّد على كلّ العاملين للوحدة أن يرفعوا أصواتهم، فأصواتهم أقوى، كونها تنطلق من المعين الصّافي، من القرآن الكريم الّذي يقول للمسلمين: {ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم} {واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرّقوا} {وإن تنازعتم في شيء فردّوه إلى الله والرّسول}... إنّنا قد نختلف في أسلوبنا أو في تقييمنا لمسألة أو رمز أو ما إلى ذلك، ولكنّ هذا لا ينبغي أن ينسينا نقاط الالتقاء الكثيرة...
في هذا الوقت علينا التنبّه إلى ما تخطط له الإدارة الأمريكية في لبنان من سعي متواصل لتحريك عناصر الفتنة في الواقع اللبناني وإدخال البلد في أتون الملف السوري، وما زيارة المبعوثين الأمريكيين، إلا محاولة لترجمة هذه التوجهات التي ينبغي للبنانيين أن يتنبهوا إليها ويعملوا لإسقاطها بوحدتهم وتماسكهم..
ونريد للحكومة اللّبنانيّة أن تتحمّل مسؤوليّاتها في خلق مناخات الحوار والثّقة بين اللّبنانيّين، وفي تأمين متطلّباتهم المعيشيّة والحياتيّة، وتصحيح أوضاعهم على مستوى الأجور، وخصوصاً أن قرارات الحكومة جاءت لا تلبي طموحات العمال والموظّفين ومخيّبة لآمال كل اللبنانيين، وقد آن الأوان للعمل على تصحيح هذا الوضع بما ينسجم مع المصلحة الوطنية في علاقة الحكومة بالمواطنين، وفي ظل خطة اقتصادية متكاملة توازن بين واقع المؤسسات الاقتصادية وحاجات العمال الأساسية...
إننا ندعو إلى عدم جعل الحكومة موقعاً للسجالات، نريد الحكومة التي تعمل كفريق، وانطلاقاً مما أعلنته كلنا للعمل، فهل هذه صورة الواقع.. أم ماذا؟