لم يألف القضاء اللبناني إخلاء سبيل مدانين بالعمالة للعدو، لكن ذلك حصل. حزب الله لم يسكت هذه المرّة، وكذلك القاضي سعيد ميرزا الذي «صُدم» بالخبر، فيما يحاول وزير العدل إبعاد القضية عن سكة السياسة.
محمد نزال
لم يألف القضاء اللبناني إخلاء سبيل مدانين بالعمالة للعدو، لكن ذلك حصل. حزب الله لم يسكت هذه المرّة، وكذلك القاضي سعيد ميرزا الذي «صُدم» بالخبر، فيما يحاول وزير العدل إبعاد القضية عن سكة السياسة. هل تعرّضت القاضية «الحنون» لضغوط ما، أم أن الأمر اجتهاد قضائي فقط؟
«نحن نقاتل لكي نوقف عميلاً واحداً للعدو الإسرائيلي، وليس لنطلق سراحه بعد ذلك، بل لتأخذ العدالة مجراها وينال عقابه». بهذه الكلمات علّق المدّعي العام لدى محكمة التمييز، القاضي سعيد ميرزا، على خبر إخلاء سبيل 4 مدانين بالعمالة لإسرائيل من جانب محكمة التمييز العسكرية. لا يمكن وضع كلام ميرزا في خانة الرأي الشخصي، لكونه متربعاً حالياً على رأس السلطة القضائية. لم يفهم ميرزا، لغاية يوم أمس، كيف أخلت القاضية أليس شبطيني سبيل الأربعة، المحكومين سابقاً بعقوبة السجن من 10 إلى 15 عاماً. ففي حديث له مع «الأخبار» يقول ميرزا: «شعرت بالصدمة عندما وصلني الخبر، كما صدمنا كلنا. لم نكن نتوقع حصول ذلك». القاضي المصدوم من فعلة شبطيني كان ليتفهم مبدأ «الرحمة والشفقة» لو لم يكن في المسألة «عمالة للعدو. هنا الرحمة ممنوعة في مثل هذه المسألة».
ينفي ميرزا بشدة ما ورد في بعض وسائل الإعلام عن موافقته على إخلاء السبيل، بل كل ما في الأمر أن ممثل النيابة العامة في محكمة التمييز العسكرية القاضي شربل أبو سمرا «ارتأى أن يوافق على ما قررته شبطيني، ومعها 4 ضباط في المحكمة العسكرية، من دون علمي بالأمر، علماً بأن رأي النيابة العامة استشاري وغير ملزم ولا يمكن استئنافه». وفي القانون، يوضح ميرزا أن الأربعة المخلى سبيلهم لم يكونوا موقوفين تحت عنوان التوقيف الاحتياطي، وبالتالي لم تكن قرينة البراءة ملازمة لهم، فهم مدانون قبل أن تصل القضية إلى محكمة التمييز . أما لناحية صوابية القرار من الناحية القانونية والإجرائية، فيؤكد ميرزا أنه «لا مشكلة قانونية في القرار ويمكن فعل ذلك من الناحية النظرية».
هكذا، يشير كلام ميرزا، الواضح جداً، إلى أن ما حصل ليس عادياً وأمر غير مألوف في المحاكم اللبنانية. ولأن الموضوع على هذا القدر من الحساسية، لم يوكل حزب الله إلى أحد نوابه التكلم فيه، بل عهد بذلك إلى نائب أمينه العام الشيخ نعيم قاسم. ففي مناسبة تأبينية، أول من أمس، قال قاسم: «اطلعنا في اليومين الماضيين على عمل أحد القضاة، الذين تصل إليهم قضايا التمييز في أحكام العملاء، وإذا بهذا القاضي يطلق سراح عدد من العملاء، من دون أن يأخذ في الاعتبار ملفهم المليء بالعمالة والذي يتطلب حكماً».
كلام قاسم وما أثير حول القضية في وسائل الإعلام دفع بوزير العدل شكيب قرطباوي إلى إصدار بيان، أمس، دعا فيه الجميع إلى «عدم تناول الملفات القضائية العالقة خارج أقواس المحاكم». كذلك دعا القضاة «إلى عدم الدخول في سجالات إعلامية في أي ظرف من الظروف». وفي كلام قرطباوي إشارة واضحة إلى رفضه لما قامت به القاضية شبطيني، لناحية تصريحها المباشر لصحيفة «النهار» أمس. بيد أن أحد المقربين من شبطيني يقول إنه، بعد كلام الشيخ قاسم، وبعد مقدمة نشرة أخبار قناة «المنار» النارية، لم تجد أحداً من القضاء ولا من وزارة العدل يدافع عنها، أو بالحد الأدنى ليوضح للرأي العام حقيقة موقفها. وفي هذا الإطار، علمت «الأخبار» أن قرطباوي اتصل صباح أمس بالقاضية ولامها على تصريحها الإعلامي، وخاصة أنه يتعلق بقضية ما زالت تتابعها شخصياً في المحكمة، فأخبرته بأن حديثها مع الإعلامية التي أخذت منها التصريح «لم يكن بقصد النشر، بل كان حديثاً خاصاً».
ومما جاء في كلام شبطيني أن قرار تخلية سبيل الأربعة «جاء من المحكمة ككل، ولم يمانع مفوّض الحكومة، وذلك بعد عدّة طلبات تخلية سبيل تقدموا بها منذ قبول الطعن الصادر بحقهم لدى محكمة التمييز العسكرية، لكن محاكمتهم ستتابع». وأضافت القاضية إن من بين المخلى سبيلهم 3 مرضى جداً، وهم «يكلفون الدولة مالاً لمعالجتهم، وقد مضى عامان و 10 أشهر على توقيفهم». هذا الكلام دفع بأحد القانونيين إلى السخرية من تصريح القاضية قائلاً إنها «تبدو كأم حنون من ناحية، وهذا حنان في غير محله قطعاً، وكمزايدة في الحرص على أموال الدولة من ناحية ثانية، علماً بأن تكلفة علاجهم لا تساوي شيئاً أمام قيمة الخسائر التي كبدوها للبلد من خلال عمالتهم لإسرائيل. وبالتالي، يبدو أن القاضية تعرّضت لضغوط سياسية ما لأخذ القرار، والآن تريد أن تبرر قرارها من خلال العاطفة وحنان الأم».
يذكر أن شبطيني قالت، في ما يشبه التنصل من القرار، إنها لم تخل سبيل الأربعة وحدها، بل «كان معي في المحكمة 4 ضباط، وقد وافقوا كلهم على القرار، كما أن القاضي ميرزا ارتأى ترك الأمر للمحكمة». لكن، وبعيداً عن نفي ميرزا لموافقته المذكورة، فإن الأخير أكّد لـ«الأخبار» أن الضباط الأربعة في المحكمة وافقوا فعلاً مع القاضية، فهم ومعهم القاضية يشكلون هيئة المحكمة، حيث تؤخذ القرارات بموافقة الأكثرية، وليس لدى القاضية رأي مرجح هنا. بيد أن ميرزا تزداد حيرته و«صدمته» من عدم اعتراض أيّ من الأعضاء.