في وقت تستعد فيه القوات الأميركية لمغادرة العراق، كشفت صحيفة نيويورك تايمز الأميركية عن نصوص لسلسلة من المقابلات العسكرية التي أجريت قبل بضع سنوات مع أفراد بالجيش الأميركي بشأن مجزرة مدينة حديثة العرا
في وقت تستعد فيه القوات الأميركية لمغادرة العراق، بعد إعلان الرئيس الأميركي باراك أوباما عن انتهاء الحرب هناك، كشفت صحيفة نيويورك تايمز الأميركية عن نصوص لسلسلة من المقابلات العسكرية التي أجريت قبل بضع سنوات مع أفراد بالجيش الأميركي بشأن مجزرة مدينة حديثة العراقية، حيث وجدها مراسل الصحيفة في عربة مقطورة بإحدى الساحات المخصصة لإلقاء النفايات خارج العاصمة بغداد.
وهي المقابلات التي تمت في صورة استجوابات، وبلغ عدد صفحاتها 400 صفحة، وأقسم فيها أفراد قوة مشاة البحرية الأميركية، تباعاً، على سرد الحقيقة فيما يتعلق بمجزرة حديثة، التي وقعت عام 2005، وتعتبر واحدة من أكثر الحوادث المروعة التي وقعت خلال فترة وجود القوات الأميركية في العراق، وراح ضحيتها عشرات المدنيين.
وورد بإحدى المقابلات اعترافات للكولونيل توماس كاريكر، وهو أحد القادة في محافظة الأنبار آنذاك، خلال حديثه مع المحققين وهو يتحدث عن الفوضى التي كان يشهدها العراق " ما أعنيه سواء كان ذلك نتاج أعمالنا أم أعمال آخرين، أننا اكتشفنا 20 جثة مذبوحة، و20 جثة مفصولة الرأس، 20 جثة هنا، و20 جثة هناك".
ولفت كاريكر إلى أن "الوفيات كان تقع في بعض الأحيان نتيجة للهجمات التي كانت تُشَن بالقنابل اليدوية على نقاط التفتيش، وأن الضمانات، تكون مع المدنيين". وأوضحت الصحيفة من جهتها أن تلك النصوص، التي كانت تعتبر سراً من أسرار الحرب، كان من المفترض أن تُدَمَّر، مع قرب رحيل القوات الأميركية البلاد.
لكن مراسل الصحيفة عثر على تلك النصوص ورزمة من الوثائق السرية الأخرى، التي تتضمن خرائط عسكرية تبرز المسارات الخاصة بالمروحيات وقدرات أنظمة الرادار، وذلك في ساحة خاصة بالمخلفات خارج العاصمة بغداد. وقد تحصل عليها المراسل في الوقت الذي كان يشعل فيها أحد الحاضرين النار كوقود لوجبة عشاء يعدها.
وتابعت الصحيفة بقولها إن الوثائق – المُصَنَّف كثير منها باعتبارها وثائق سرية – تشكل جزءا من التحقيق الداخلي الذي أجراه الجيش، وتؤكد كثيراً مما وقع في مدينة حديثة، حيث قتل أفراد مشاة البحرية 24 عراقياً، بمن فيهم رجل مسن يبلغ من العمر 76 عاماً جالس على كرسي متحرك، وكذلك سيدات وأطفال وبعض الأطفال الصغار.
وأضحت مجزرة حديثة هذه لحظة فارقة في الحرب، حيث ساعدت في تعزيز مشاعر الشك العراقية في نوايا الولايات المتحدة، وولدت حالة كبيرة من الغضب والاستياء نتيجة لعدم محاسبة أي من قوات مشاة البحرية. ومع هذا، لفتت الصحيفة إلى الأهمية التي تحظى بها المعلومات التي وردت بالوثائق، حيث كشف عن مدى الضغوطات الاستثنائية التي كانت تلقى على كاهل الجنود وإحباطاتهم ومقابلاتهم التي كانت مؤلمة في غالبها مع شعب لا يستطيعون فهمه. وبحسب اعترافاتهم، التي سجلت في الوثائق، فقد تميزت تلك الحرب بطبيعتها غير الإنسانية. وفي شهادته، قال الميجور جنرال ستيف جونسون، قائد القوات الأميركية في الأنبار، إن المدنيين العراقيين كانوا يقتلون طوال الوقت. وأشار كذلك إلى أن ضغط العمليات القتالية أسفر عن إصابة بعض الجنود بالشلل. وأوضحت نيويورك تايمز في الإطار ذاته أن الجنود، الذين تعرضوا للإيذاء نتيجة تصاعد أعمال العنف وشعورهم بأنهم محاصرون باستمرار، قد باتوا مضربين على نحو متزايد، وباتوا يقتلون المزيد والمزيد من المدنيين في مواجهات عرضية. بينما تجرد آخرون من مشاعرهم، وأضحوا بلداء الإحساس، لدرجة أنهم كانوا يتعمدون إطلاق النار على المدنيين العراقيين، بينما يقوم زملاؤهم بتصويرهم، وهو ما كان يخضعهم لمحاكمات عسكرية.
وقد تم إسقاط التهم ضد ستة من جنود البحرية في واقعة حديثة، وتمت تبرئة آخر، بينما من المقرر أن يتم النظر في آخر قضية متبقية بحق أحد الجنود العام المقبل. وأعقبت الصحيفة بتأكيدها أن هذا الشعور بالحصانة الأميركية قد قضى في الأخير على أي فرص لبقاء القوات الأميركية في العراق، لأن العراقيين لن يسمحوا لها بالبقاء دون الخضوع للقوانين والمحاكم العراقية، وهو الشرط الذي لا يمكن للبيت الأبيض قبوله.
وبخصوص تلك الوثائق التي تم العثور عليها، قال الكولونيل باري جونسون، متحدث باسم الجيش الأميركي في العراق، إن كثيرا من الوثائق لا تزال سرية ويجب أن تُدَمّر. وتابع " برغم الطريقة غير الملائمة التي تم التخلص بها من تلك الوثائق حتى جاءت في حوزتك، إلا أنه غير مصرح لنا بأن نخوض في مناقشات بشأن معلومات سرية".
إلى ذلك، أوضحت الصحيفة أن الوثائق قادت في النهاية إلى تقرير خلص إلى أن القيادة بسلاح البحرية تورط في "إهمال متعمد" بشأن عدم التحقيق في مجزرة حديثة وأن قادة السلاح كانوا مستعدين إلى حد بعيد لتحمل حدوث خسائر في صفوف المدنيين.
ثم مضت الصحيفة تتحدث عن الطريقة غير الأخلاقية التي كان يتعامل بها الجنود الأميركيون مع المواطنين العراقيين، وقالت إن مثل هذه الأجواء هي التي مهدت لما شهدته حديثة يوم التاسع عشر من تشرين الثاني/ نوفمبر عام 2005. وقد ظلت تلك الوثائق التي عثرت عليها الصحيفة سرية نظراً لما كانت تحويه من مواد، منها مذكرات مكتوبة بخط اليد من الجنود وتنازلات من جانب جنود البحرية عن حقوقهم في عدم تجريم الذات ومخططات للأماكن التي عثر فيها على القتلى من النساء والأطفال.