21-11-2024 11:04 AM بتوقيت القدس المحتلة

بعد تمويله المحكمة هل يعالج ميقاتي ملف شهود الزور على طريقته؟

بعد تمويله المحكمة هل يعالج ميقاتي ملف شهود الزور على طريقته؟

طالما شكل ملف "شهود الزور" في قضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري مادة دسمة للسجال والتخاطب السياسي والاعلامي في لبنان خصوصا بين فريقي "8 و14 آذار" ولطالما تراشق كلا الفريقين بالتهم حول هذا الملف.

طالما شكل ملف "شهود الزور" في قضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري مادة دسمة للسجال والتخاطب السياسي والاعلامي في لبنان خصوصا بين فريقي "8 و14 آذار" ولطالما تراشق كلا الفريقين بالتهم حول هذا الملف، ففيما يعتبر فريق "8 آذار" ان الفريق الاخر صنّع هؤلاء الشهود لحرف مسار التحقيق والعدالة باتجاهات معينة للنيل من اشخاص وجهات معينة، يدعي فريق "14 آذار" ان لا علاقة له بشهود الزور وان هذا الملف يتم اختلاقه لاضاعة بوصلة العدالة في قضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري.


‫لكن طالما يطرح السؤال حول أي من الفريقين صاحب الحق في هذا الموضوع، وهل ان شهود الزور هم كذلك أم أنهم كغيرهم من الشهود في أية دعوى قضائية اخرى؟ بالتأكيد انه للجواب على هذا السؤال يجب معالجة هذا الملف بشكل موضوعي للوصول الى نتيجة واضحة عادلة فيه.


ولكن كيف يمكن ضمان ان من سيفتح هذا الملف لن يكون له مصلحة معينة منه خصوصا من فريقي 14 او 8 اذار؟ وهنا لا بدَّ من البحث عن جهة لا تنتمي الى أي من هذين الفريقين لمعالجة هذا الملف، ولعل الحكومة الحالية التي يرأسها نجيب ميقاتي(الذي طالما أعلن انه وسطي) وفيها من لا يعتبر نفسه لا ضمن 14 ولا ضمن 8 آذار، كالنائب جنبلاط والوزير الصفدي ووزراء رئيس الجمهورية، هي الجهة الصالحة للتعامل بموضوعية مع ملف شهود الزور بما يضمن استقرار ومصلحة لبنان.


‫وهنا يسجل للرئيس ميقاتي انه ألزم نفسه بتمويل المحكمة الدولية رغم معارضة أغلب وزراء حكومته، انطلاقا من أدبيات استخدمها وهي ان "منطلقات العدالة ووطنيته وسنّيته لا تسمح له الا ان يموّل المحكمة" ما دفع الامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله لمطالبة ميقاتي(الذي أعلن ان ملف شهود الزور موجود وسيفتح في الوقت المناسب) للاسباب نفسها وللادبيات نفسها التي استخدمها ان "يفتح ملف شهود الزور"، علما ان ميقاتي قد لا يكون له مصلحة مباشرة في فتح ملف شهود الزور كما حصل مع تمويل المحكمة، وبذلك يكون سجل للرئيس ميقاتي انه اقدم على تمويل المحكمة رغم عدم رضى فريق 8 اذار ويكون قد عالج موضوع الشهود الزور دون رضى 14 آذار، اي ان ميقاتي يكون قد "عدل" بين الفريقين في تمرير ملفي تمويل المحكمة وشهود الزور.


‫ولكن السؤال الذي يطرح هل سيقدم ميقاتي على وضع ملف شهود الزور على جدول اعمال مجلس الوزراء ام انه سمتنع عن ذلك لاسباب معينة؟ ام انه سيقوم بتحويل هذا الملف الى القضاء بمخرج لا يعلمه الا الله والراسخون في تدوير الزوايا؟ وماذا عن اعتبار المحكمة الدولية نفسها غير مختصة بملف شهود الزور الذي كوّن ايام لجنة التحقيق الدولية التي انطلاقا من تحقيقاتها تابعت المحكمة عملها؟ ولماذا تقول المحكمة الدولية إنها غير مختصة رغم ان الموضوع مرتبط ومتلازم بشكل كبير مع الدعوى القائمة امام المحكمة؟ وهل ان القضاء اللبناني سواء الجزائي العادي ام المجلس العدلي مختص بمثل هذا الامر خاصة ان الدعوى الاساسية المتعلقة باغتيال الحريري والاغتيالات الاخرى ليست موجودة امام هذا القضاء اللبناني؟ فكيف يمكن معالجة هذه الاشكالية قانونا؟


‫للجواب على هذه التساؤلات توجهنا بالسؤال الى الخبير القانوني الدكتور وسيم منصوري الذي رأى ان "موضوع شهود الزور أحدث جدلا كبيرا في لبنان ولكن انطلاقا من الوقائع التي يقر بها الجميع بطريقة او بأخرى فهذا الموضوع موجود في دنيا الواقع"، واعتبر ان "كل ما يخرج عن اختصاص المحكمة الدولية يدخل ضمن اختصاص القضاء اللبناني"، ولفت الى ان "قرار مجلس الامن الذي وضع معاهدة المحكمة الدولية (التي كان من المفترض ان تعقد مع لبنان) موضع التنفيذ نقل اختصاص بعض الجرائم ومنها الاغتيالات المتعددة بعد العام 2005 ومنها جريمة اغتيال الرئيس الحريري الى المحكمة الدولية"، واشار الى ان "اختصاص المحكمة الدولية استثنائي هنا وبالتالي نقل الاختصاص يفسر بصورة ضيقة لا واسعة ولذلك اذا ما نقل الاختصاص لا تنقل معه الامور المترابطة او المتلازمة معه كموضوع شهود الزور هنا".


‫واوضح منصوري في حديث لموقع قناة "المنار" الالكتروني ان "المحاكم الدولية صاحبة اختصاص قضائي استثنائي وهي بذلك لا تنظر مثلا بموضوع التعويض عن الجرائم التي تحكم فيها رغم انه متلازم ومترابط مع موضوع الدعوى بل ينظر به القضاء المحلي او الوطني"، مضيفا ان "المحاكم الدولية لا تنظر سوى بموضوع التجريم نفسه أو الجرم نفسه".


وأكد منصوري انه "طالما ان المحكمة الدولية أعلنت عدم اختصاصها في ملف شهود الزور فإن القضاء اللبناني هو المختص"، وتابع ان "مجلس الوزراء يمكنه إحالة بعض الجرائم المنصوص عليها في قانون العقوبات اللبناني الى المجلس العدلي"، واضاف ان "هذا الموضوع يقرره مجلس الوزراء بعد دراسة قانونية للموضوع"، معتبرا ان "للسياسة دور في هذا الموضوع لان الافرقاء داخل الحكومة هم من سيقرر الاحالة الى المجلس العدلي من عدمه"، وختم انه "بكل الاحوال فإذا لم يحل الموضوع الى المجلس العدلي فهذا لا يمنع ان القضاء اللبناني الجزائي العادي لا يزال صاحب الاختصاص بالنظر بموضوع شهود الزور وبالتالي يمكن للنيابة العامة في لبنان التحرك ووضع يدها على الموضوع ومتابعته اصولا".


‫من جهة ثانية اعتبر مصدر سياسي مطلع ان "ملف شهود الزور يحتاج الى تصحيح في تسميته حيث ان الشهود هم الذين يدلون بشهادتهم امام المحكمة بينما الاشخاص الذي تطلق عليهم تسمية شهود الزور ادلوا بإفاداتهم امام لجنة التحقيق الدولية مما يجعل تسمية هذا الملف بمضللي التحقيق اولى وأصح"، ولفت الى ان "هناك من تضرر بشكل كبير من هذا الملف خصوصا الضباط الاربعة وغيرهم من المواطنين اللبنانيين وانصافهم واجب وضروري نزولا عند متطلبات العدالة"، واضاف "إلا انه من المهم قراءة الظروف الحالية في لبنان والمنطقة والبحث عما يثّبت الاستقرار والسكينة في البلد بدل البحث عن مواضيع تشكل مادة للسجال الاعلامي والسياسي خصوصا ان المحكمة الدولية اعلنت عدم اختصاصها".


‫وقال المصدر إن "معالجة ملف شهود الزور غير ممكنة في هذا الوقت بالتحديد في ظل شغور مركز رئيس مجلس القضاء الاعلى خصوصا ان هناك من يدعي ان للقاضي سعيد ميرزا صلة بهذا الملف فأين سيدلي ميرزا بشهادته وأمام اي مرجع قضائي؟"، واضاف ان "ميرزا اليوم هو صاحب أعلى سلطة قضائية ويعتبر صاحب مصلحة في هذه القضية فهل يمكن ان يكون مدعيا ومدعى عليه في القضية نفسها؟"، واضاف انه "بعد تعيين رئيس لمجلس القضاء الاعلى وتعيين الشواغر في المراكز القضائية كما هو الحال في المجلس العدلي وإعداد وزير العدل الملف الكامل حول هذا الموضوع يمكن لمجلس الوزراء البدء ببحث هذا الملف اذا توفرت له الظروف المناسبة".


 

وحقيقة الامر ان ملف "شهود الزور" بات اليوم في "ملعب" الرئيس ميقاتي حيث أن أغلبية حلفائه في الحكومة يؤيدون مطلب معالجة هذا الموضوع ولن يعارضوا بالتأكيد إقدامه على تحريك هذا الملف إحقاقا للحق وتأكيدا لتمسكه بالعدالة عندما اعلن تمسكه بتمويل المحكمة الدولية، فوضع ملف شهود الزور على السكة الصحيحة لمعالجته لا يحتاج سوى لإلزام رئيس الحكومة نفسه بملف قد يكون له آثاره في بالوصول الى العدالة والحقيقة.