19-05-2024 07:44 AM بتوقيت القدس المحتلة

إحدى جرائم الحرب التي ارتكبها (الناتو)..العودة إلى صرمان

إحدى جرائم الحرب التي ارتكبها (الناتو)..العودة إلى صرمان

وفي اليوم التالي، وعند الساعة الثانية تقريبا، بحسب توقيت غرينتش، أنهى الموظفون في مقرّ حلف شمال الأطلسي (الناتو) الرئيسي في بروكسل جدولة هجمات (الناتو) الجوية على ليبيا لليوم الثاني والتسعين

 

 كتب: د. فرنكلين لامب
ترجمة: زينب عبدالله

صرمان / ليبيا


 الزمان: الصباح الباكر من نهار الإثنين الواقع في 20 حزيران/ يونيو 2011.
 المكان: على طول الساحل الليبي.


وفي اليوم التالي، وعند الساعة الثانية تقريبا، بحسب توقيت غرينتش، أنهى الموظفون في مقرّ حلف شمال الأطلسي (الناتو) الرئيسي في بروكسل جدولة هجمات (الناتو) الجوية على ليبيا لليوم الثاني والتسعين. وبعد ثلاثين دقيقة قام موظفو المركز الإعلامي للناتو في نابولي بوضع المعلومات على الموقع الخاص بالحلف على شبكة الإنترنت. وقبل أربع وعشرين ساعة من ذلك، ختمت كل من وحدة القيادة في حلف الأطلسي الواقعة على بعد 48 كيلومترا قبالة الساحل الليبي الممتد بخط مباشر مع مالطا، ووحدة الاستهداف لدى (الناتو)، ختمتا نهار 20 حزيران/ يونيو بتسع وأربعين مهمّة للقصف والتفجير. وتجدر الإشارة إلى أن ذلك اليوم كان آخر أيام فصل الربيع وآخر أيام التفويض الأصلي الممنوح من الأمم المتحدة للحلف بالقصف في ليبيا.


أما سلطة (الناتو) في ما يتعلق بقصف ليبيا، والتي تجاوزت التقديرات السابقة إلى حدّ بعيد من خلال قتل وجرح بين 90000 و120000 ليبي وأجنبي، فضلاً عن تشريد أكثر من مليوني ليبي وعامل أجنبي، فيزعم أنها تابعة لقراري مجلس الأمن في الأمم المتحدة المتبنيان على عجل وهما 1970 و 1973. وكان من شأن هذين القرارين أن منحا (الناتو) سلطة الفصل السابع لدى الأمم المتحدة بفرض منطقة محظورة الطيران فوق الأجواء الليبية، وكان من المفترض أن يدوم ذلك مدة 90 يوماً، إلا أنه انتهى قبل يوم واحد من قصف (الناتو) منطقة صرمان.


وقد أصرّ الرعاة الأساسيون للقرارين على تنفيذهما، وهم فرنسا وبريطانيا وإيطاليا والولايات المتحدة التي إدّعت أن "منطقة محظورة الطيران في ليبيا يمكن أن تحمي المدنيين الليبيين من غيظ حكومة الزعيم الليبي معمّر القذافي". وقد طلب حلف (الناتو) يومين إضافيين على الأيام التسعين لإتمام مهمّاته الليبية التي عززت أجواءه حتى نهاية العام 2011 لاستكمال حامي العمليات الموحد. وفي الصباح الباكر من يوم الإثنين الواقع فيه 20 حزيران/ يونيو 2011:


صرمان، المدينة الليبية الهادئة والمسالمة، تقع على بعد 72 كيلومترا غربي طرابلس وبالقرب من ساحل البحر المتوسط في حي الزاوية من منطقة طرابلس شمال غرب ليبيا. وتجدر الإشارة هنا إلى أن معظم أطفال تلك المدينة قد نشأوا على اكتشاف الآثار الرومانية الرائعة حقا في منطقة صبراتة والتي يعود تاريخها إلى القرن الثالث. ويعتبر بعض علماء الآثار مدينة صبراتة الواقعة تقريبا على خط مباشر مع روما عبر البحر المتوسط، والمبنية على منحدر صخري عال فوق البحر، أنها العمارة الرومانية الأكمل علماً أنه لم يتم التنقيب في هذه المدينة الرومانية الكبيرة سوى عن جزء بسيط منها. وقد زرت صبراتة مرّات قليلة منذ أواسط الثمانينات وكانت كل زيارة تقدم مزيدا من الرهبة. أما العائلات التي تعيش في صرمان والقرى المجاورة فتأتي باستمرار لزيارة المنطقة والتنزه فيها.


وفي الساعات الأولى من يوم الإثنين ذاك، كانت صرمان مظلمة ليس فيها إلا ضوء خافت لقمر غير مكتمل. وكان هناك القليل من أضواء الشارع الشاحبة وبعض المنازل المضاءة من الداخل والتي تبعث القليل من النور إلى الشارع عندما كان سكان المدينة يبدأون الإستيقاظ استعدادا لصلاة الفجر. وفي منزل خالد الحميدي، رئيس المنظمة الدولية للسلام والرعاية والغوث ذو السنوات السبع والثلاثين، وتجدر الإشارة إلى أن هذه المنظمة من أكثر المنظمات فاعلية على صعيد الخدمات الاجتماعية، كان الجميع نياما عقب حفلة عيد الميلاد الصاخبة لابنه الذي بلغ من العمر ثلاث سنين. وكان من بين أفراد عائلة خالد الحميدي ابنه خويلدي ذو السنوات الثلاث، وابنته خالدة وعمرها خمس سنوات، وزوجته الحامل الجميلة صفا، وعمّته ناجية، وقريبته سلام وعمرها ست سنوات، وغيرهم.


وفي مركز التحكم والقيادة لدى (الناتو)، كان استهداف صرمان ضمن مهمات القصف الأربع والتسعين المخططة لصباح ذلك الإثنين، وبذلك ارتفع عدد الطلعات الجوية الاستكشافية التي قد قام بها (الناتو) فوق ليبيا إلى ذلك الحين إلى 11930 طلعة. ويمكن أن يرتفع هذا الرقم إلى 26500 بحلول منتصف ليل 31 تشرين الأول/ أوكتوبر أي تاريخ انتهاء حملة (الناتو) الجوية على ليبيا. أما الغارات النهارية فيمكن أن تسجل 4521 هدفا مقصوفا. وكان يمكن أن يفوق هذا العدد 11781 خلال الخريف الماضي عندما صدرت الأوامر لحلف (الناتو) بإنهاء حامي العمليات الموحد.


استعداد (الناتو) لقصف صرمان "مركز القيادة والتحكم"

وقبل أن تقصف الغارات على المجمع الذي يسكنه خالد الحميدي، اتخذ أفراد (الناتو) عملية مؤلفة من ست خطوات كان أولها المراقبة عبر طائرات (أم.كي- 9) التي تستخدم أحيانا لإطلاق الصواريخ. وكان في أجواء صرمان أيضا طائرة بدون طيار مع تسجيل مصور للتحركات كافة. وفي 19 حزيران/ يونيو والساعات الأولى من اليوم التالي، ختمت الطائرات طلعاتها بمعلومات مستحدثة حول استهداف منزل الحميدي وبثتها إلى مركز القيادة لدى (الناتو).


ولم يكن منزل الحميدي كما زعم (الناتو) أنه "هدف بوقت حرج"، ولذلك كان هناك متسع من الوقت لجنود (الناتو) لنقل المعلومات حول الموقع المستهدف من طائرات الاستطلاع غير المسمّاة إلى المحللين الاستخباراتيين. وأكاد أجزم، بحسب مصادر في صحيفة "جاين الأسبوعية"، بأن طائرات (الناتو) قد رصدت منزل الحميدي خلال أيام عدة ومن المرجح أنها شاهدت جزء من حفلة عيد الميلاد للطفل خويلدي في اليوم الذي سبق صدور الأمر بقصفه. وتشكل قواعد الإشتباك لدى حامي العمليات الموحد مجموعة من الوثائق المصنفة التي تعرض تعليمات محددة ومفصلة حول ماهية الأهداف الشرعية ومن يصادق على الهدف سواء كان مخططا مسبقا أم "واقعا بالصدفة" حينما يحظى طيار ما بأحد الأهداف.


أما الهجوم على منزل الحميدي فكان مخططا له كجزء مما يسميه (الناتو) "دورة العمل الجوي المشتركة". وقد وضع فريق تطوير الأهداف منزل الحميدي على قائمة الأهداف اليومية في 20 حزيران/ يونيو. وقد استند الفريق إلى تقرير صادر عن محللي الاستخبارات في (الناتو) والذين صمموا أن الموظف المتقاعد والد خالد الحامدي، أحد الأفراد الأساسيين في الانقلاب الذي قاده القذافي ضد الملك إدريس عام 1969، والعضو السابق في مجلس القيادة الثوري لثورة الفتاح، كان يعيش في ذلك العقار. وقد صدر الأمر باغتياله من (الناتو) ذلك أنهم أملوا بإضعاف النظام بطريقة أو بأخرى علما أن الحامدي الأب قد تقاعد ولم يكن له أي دور في صناعة القرارات في ليبيا.


وفي 19 حزيران/ يونيو، أي اليوم السابق للهجوم بالقصف على آل الحامدي في صرمان، اضطر حلف (الناتو)، من خلال تنظيماته الخاصة بالإضافة إلى القانون الدولي للنزاع المسلح إلى إجراء "مراجعة محتملة للأضرار المتلازمة" حول تلك المهمة. ولم يكن هناك من دليل على أن المراجعة قد تمت بالكامل. وفي ما يخص المراجعة التي طلبها المكتب المشترك بين الكونغرس الأميركي وحلف (الناتو) حول إعتداء صرمان، والتي طلبها بشكل أولي من ليبيا في الثاني من آب/ أغسطس، فقد تمت تلك المراجعة في أوائل شهر أيلول/ سبتمبر 2011 ولم تستطع إيجاد أي دليل موثق أو أي إثبات آخر على أن "بوشّار" أو أي أحد آخر في وحدة تحديد الأهداف لدى (الناتو) قد قدّر أو ناقش أو حتى أخذ بعين الإعتبار إحتمال وجود ضحايا مدنيين في منزل الحميدي في صرمان. وعقب إعطاء "بوشّار" الضوء الأخضر لقصف منزل الحميدي، تم تثبيت الإحداثيات على 32 درجة جنوبا و 12 درجة شرقا. وقد تم اختيار أهداف محددة قي عقار الحامدي وتحضير ثماني قذائف وصواريخ لوضعها في الطائرات التي ستشن الهجوم.


وفي صرمان، استخدم (الناتو) أنواعا مختلفة من القذائف والصواريخ ومن بينها "وحدة القصف الحية - 109" مدمرة الملاجئ المصممة لاختراق 18 قدما من الإسمنت. وقد استخدم (الناتو) أيضا مجموعة طائرات (أم.كي) الأميركية التي تبدأ من زنة 227 كيلوغراما إلى طائرات (أم.كي) 81 و 82 اللتان يبلغ وزنهما 454 و 907 كيلوغرامات على التوالي، فضلا عن طائرة (أم.كي 84)، وتجدر الإشارة إلى أن إسرائيل استخدمت هذه الطائرات جميعها وبنطاق موسع خلال عدوان 2006 على لبنان. أما هذين النوعين من الأسلحة الجوية فيتم تخزينهما في إسرائيل كجزء من استعداد كلا البلدين المنتظرين حربا مقبلة في المنطقة.


وعقب الأعمال الشيطانية في صرمان، رفض (الناتو) تحمل المسؤولية، ولكن في اليوم التالي أقر الحلف بشن هجوم جوي في مكان ما من مدينة صرمان ولكنه عاد لينكر وجود مدنيين بين القتلى علما أن طائراته الاستطلاعية قد جمعت أشرطة مصورة عن قرب. وقد أصدر مكتب (الناتو) الإعلامي في نابولي بيانا زعم فيه أن "هجمة جوية دقيقة قد شنت على موقع رفيع المستوى للقيادة والتحكم في منطقة صرمان ومن دون أضرار متلازمة". وقد صرح المتحدث باسم (الناتو) لمنظمة العفو الدولية ومنظمة "هيومن رايتس ووتش" بأن "الهدف كان هدفا عسكريا شرعيا وجميع الاحتياطات اللازمة قد أخذت بالحسبان قبل شن الهجمة التي قللت أي خطر محتمل بالتسبب بضحايا غير مطلوبين".


ولم يتغير سجل (الناتو) الرسمي حول قصفه على ليبيا في 20 حزيران/ يونيو 2011 وقد جاء فيه ما يلي:


"قيادة القوة المتحالفة المشتركة، نابولي، شايب، مقر (الناتو) الرئيسي"
على مدى الساعات الأربع والعشرين الماضية قام (الناتو) بالأفعال التالية بالاشتراك مع حامي العمليات الموحد:
عمليات الطلعات الجوية في 20 حزيران / يونيو: 149
الهجمات في 20 حزيران/ يونيو: 52
الضربات الرئيسية في 20 حزيران / يونيو:
بجوار طرابلس: منطقة قيادة وتحكم، و 8 راجمات صواريخ أرض - جو، وناقلة صواريخ أرض - جو
بجوار مصراتة: 3 شاحنات أسلحة، وسلاحين ذاتيي الدفع مضادين للطيران، ودبابة
بجوار ترهونة: وسيلة تخزين العتاد العسكري
بجوار الخمس: وسيلة تخزين ناقلة عسكرية
بجوار الزنتان: راجمة صواريخ

ولكن، وبصورة غريبة، لم تتخلل سجلات (الناتو) في ذلك اليوم ولا التقارير اللاحقة عن الهجمات الجوية عن كل من 20 و 21 حزيران/ يونيو في سجلاتها اليومية أي ذكر لقصف صرمان أو الاعتداء على مسكن عائلة الحامدي الذي أودى بحياة 15 مدنيا ولا مكان للجدال في ذلك. ولكن قبل الهجمة بوقت قصير، ذكر شهود العيان رؤيتهم بقع سوداء في السماء تلاها وميض ضوء قوي، ومن ثم انفجار كالرعد يصم الآذان ذلك الذي اتضح فيما بعد أنه عبارة عن ثماني قذائف وصواريخ أميركية دمرت منزل جارهم. وبلمح البصر ماتت عائلة خالد الحامدي بأسرها. فسحقت أجساد الأولاد وأجساد الأصحاب والأقرباء الذين باتوا تلك الليلة جميعا في ذلك المنزل، وتمزقت أشلاؤهم.


وقد نتج عن هذا الاعتداء مقتل 13 فردا وجرح 6 آخرين أصيبوا بجروح بليغة. والقتلى هم:
1. المهندسة صفا أحمد محمود زوجة المهندس خالد الحامدي
2. الطفلة خالدة خالد الخويلدي الحميدي (4 سنوات ونصف): الإبنة
3. الطفل الخويلدي خالد الخويلدي الحميدي (3 سنوات ويوم): الإبن
4. الطفلة سلام محمد نوري الحميدي (6 سنوات): إبنة أخ المهندس خالد الحامدي
5. ناجية بلقاسم الحميدي عمة المهندس خالد الحامدي
6. الطفلة آمنة عصام جمعة (8 سنوات): إبنة الجيران
7. الطفلة أميرة عصام جمعة (8 أشهر): إبنة الجيران
8. محمد محمد الحامدي إبن عم المهندس خالد الحامدي
9. عماد أبو عويجيلة الطرابلسي: حارس المنزل
10. عبدالله النبي: حارس المنزل
11. بشير إسحاق علي من السودان: طباخ في المنزل
12. عائشة الكليه من المغرب: مدبرة منزل
13. بشرى يالي من المغرب: مدبرة منزل

الجرحى:
1. السيد خويلدي الحميدي (أصيب إصابة بليغة في ساقه): الأب
2. السيدة خويلدي الحميدي (أصيبت إصابة بليغة في ذراعيها ومفاصلها): الأم
3. الآنسة خويلدي الحميدي (طالبة في كلية الطب، أصيبت إصابة بليغة وأجريت لها عملية معقدة في فمها): الأخت
4. آية محمود: إحدى الأقرباء
5. فتحية (أصيبت إصابة بليغة وفقدت ساقها): جليسة أطفال من المغرب
6. مفتاح القماطي (أصيب بإصابات متعددة في ساقيه وأجريت له عمليات كثيرة): سائق


كان خالد يعمل في وقت متأخر، فيحضر لقاءات مع الليبيين المشردين الذين جيء بهم من منازلهم والذين هم بأمس الحاجة لمساعدة المنظمة الدولية. وعندما عاد إلى البيت، رأى من نافذة سيارته برقا من السماء وسمع أصوات انفجارات. وإذ دخل العقار الذي يوجد فيه بيته تجمد من شدة الرعب لرؤيته عمال الإغاثة يحفرون باهتياج ومن دون جدوى لمحاولة تحريك قطع الإسمنت السميكة لمنزله المدمر على أمل ضعيف بإيجاد ناجين ولو بأعجوبة.


وقد أعلن المتحدث باسم الحكومة الليبية آنذاك موسى إبراهيم مقتل 13 شخصا من بينهم 6 أطفال في القصف على صرمان. وقد عبر عن تفجير (الناتو) ذاك بأنه "فعل إرهابي محض ولا يمكن تبريره". وقد رأى المحققون الذين زاروا مستشفى صبراتة على بعد 10 كيلومترات من صرمان تسع جثث من بينها جثث ثلاثة أطفال. وقد رأوا أيضا أشلاء ومن بينها رأس طفل. أما بالنسبة لأولئك الذين زاروا مجمع آل الحامدي في الشهر نفسه عقب الحادثة، وكنت أنا منهم إذ زرت المنطقة قبل مرور أقل من أسبوع على الجريمة كجزء من وفد دولي، فلم يكن المشهد سوى دمارا كليا.


وكان الإسمنت منهارا ومتطايرا والبيوت مغطاة بالقرميد، والأشلاء تناثرت حول المكان مع بعض ممتلكات العائلة ومذكراتها، أما الأشجار فتبعثرت وأصبحت شبه عارية من الأوراق، أما الحيوانات فمات بعضها وارتعب الآخر، وكان من بين حيوانات الحديقة الميتة الطيور الاستوائية وطيور النعام والغزلان والحيوانات الصغيرة فضلا عن حيوانات الأيل الكبيرة ومصدرها الشمال الأميركي، كان معظم هذه الحيوانات ميتا وبعضها الآخر يحدق بخبل في الفراغ في ما تبقى من مآويهم وهم يموتون إما من الجروح وإما من وقع الصدمة عليهم.

وخارج أحد المنازل المدمرة لاحظت وجود صناديق مسحوقة من المعكرونة والسباغيتي ومعلبات صلصة الطماطم المخزنة للتوزيع إلى المحتاجين كجزء من عمل المنظمة الدولية خلال الصيف وكجزء من الاستعداد لقدوم شهر رمضان المبارك والحفاظ على القيام  بالأعمال الخيرية والنشاطات الإنسانية الفردية. وتحت الضغط المتزايد من قبل المجتمع الدولي الذي يتضمن الدول الأعضاء في حلف (الناتو)، زعم مقر (الناتو) الرئيسي وجود قصور في أداء المعدات، وأخطاء بين الأهداف، وتواضعا في العمل الاستخباراتي، وأخطاء ارتكبها طيارون. وأخيرا، اعترف وزيرا الدفاع الأميركيين "غايتس" وخلفه "ليون بانيتا" بأن (الناتو) فقد العمل الاستخباراتي الفعال على الأرض لتحديد أهداف عسكرية مؤكدة. وفي نقده لعمليات (الناتو) في ليبيا قال وزير الدفاع السابق "غيتس" إن (الناتو) استخدم في ليبيا نموذج إطلاق الصواريخ أولا ومن ثم طرح الأسئلة. فالصورة تبدو على هذه الحال.


إلا أن هذه الأعذار لا تبرئ (الناتو) ولا الدول الأعضاء فيه التي يبلغ عددها 28 دولة من المسؤولية ولا بأي شكل من الأشكال. أما الليفتنانت الكندي الجنرال "شارل بوشّار" فيصر إلى يومنا هذا على أنه ما من شيء استهدف في ليبيا سوى الأهداف العسكرية، فقال للصحافة من مكتبه في بروكسل: "إن هذه الضربة القوية ستحط من عزم قوات نظام القذافي بشكل كبير وبوجه هجومهم البربري على الشعب الليبي". والحقيقة أن موت المدنيين في صرمان جاء مباشرة بعد ساعة من تصريح (الناتو) بأن واحدا من صواريخه ضلّ طريقه في وقت مبكر من نهار الأحد فضرب حيا سكنيا في طرابلس.


وبناء على طلب خالد الحميدي المطلوب من قبل الحكومة الليبية الجديدة، وعلما بأنني كنت عائدا إلى صرمان، أحسست بالشرف لمجرد توجهي إلى قبور أحبائه في مسكن العائلة حيث التقيته للمرة الأولى وكان الهدف من ذلك إيصالي رسالة منه إلى أحبائه. ومتلمسا طريقي بين الأنقاض في الظلام، وتحت وطأة البرد ونظر اثنين من رجال الميليشيا المشبوهين، وقفت في البقعة نفسها حيث كانت قبور أفراد العائلة المحفورة حديثا في 27 حزيران/ يونيو عندما كان خالد يصف شهادته في ما يخص تفاصيل الرعب والجحيم الذي ألحقته قوات (الناتو) بعائلته أمام وفدنا الذي وقف مصدوما حيال ذلك.


وقد تراجعت إلى الوراء حيث كان آخر المجموعة بينما كان خالد يتحدث عن فقد أطفاله وحسناواته وزوجته العزيزة التي كانت حاملا. وقد أحرجت لأسباب عدة، ولم تجف الدموع على وجهي، ورغم أنني حولت بصري إلى مكان آخر إلا أنني رأيت أن خالد قد لاحظ ذلك. وقد تحركت مشاعري عندما دنا إلي شاب لا أعرفه ووضع ذراعيه يربت بهما على كتفي. وقد اتضح له أن كلا منا يستطيع الشعور بألم الآخرين، حتى ولو كانوا أغرابا عنا فإنهم سيبنون علاقة بيننا من خلال أحبائنا الذين نفقدهم نحن أيضا في هذه الحياة.


ولاحقا، عندما عرفت المزيد عن عائلة خالد ورأيت أكثر صورهم تعبيراً، بدأت أصدق أنه وبالنسبة إلى العدوان الإجرامي الجائر الذي تسبب بآلاف الوفيات لأناس أبرياء خلال الفترة التي امتدت تسعة أشهر ضد ذلك المجتمع البسيط واللطيف، أن ناجية وصفا وسلام وخالدة وخويلدي والآخرين الذين ذبحوا في صرمان لن يكونوا سوى أيقونات تمثل المدنيين الأبرياء الذين ذبحوا في ليبيا منذ شهر آذار/ مارس 2011.


وخلال زيارتي الأخيرة إلى صرمان وقفت في نفس المكان كما وقفت بعد أسبوع من المجزرة، فألقيت نظرة على المنطقة ثم دنيت من قبور ناجية وصفا وسلام وخالدة وخويلدي. وفي تلك العتمة الباردة، كانت أكوام الأنقاض تفتعل شيئا من الغرابة. وإذ ركعت قريبا من تلك القبور شعرت بشيء من الدفء يحيطني ونظرت إلى كتفي ثم همست في ذلك الليل الهادئ بأن معي رسالة من زوجك المحب، وأبيك المحب، وعمك، وابن أخيك الذي طلب إلي إيصالها إليكم مع خالص محبته. وقرأت تلك الرسالة التي كلّفت بإيصالها. وتركت نسخة عربية منها أرفقتها بباقة الورود. وكان في الرسالة:
"أرجوك أرسل لهم تحية كبيرة وقل لهم إنني آت.
أرجوك قل لهم "لن أترككم وحدكم وقد اشتقت كثيرا إلى كل واحد منكم".
وأرجوك اترك لكل منهم رسالة، لناجية وصفا وسلام وخالدة وخويلدي، فرنكلين قل لهم:
"إنكم حياتي، وحبي، لقد اشتقت إليكم كثيرا جدا.
إن الحياة من دونكم مؤلمة للغاية، وصعبة وفارغة جدا.
لن أبقى لأعيش بعيدا عنكم. أعدكم بذلك.
سأعود لأبقى إلى جانبكم، البابا سيعود.
أحبكم."


وإذ كنت عائداً في طريقي إلى الشارع الرئيسي باحثا عن سيارة أجرة، أوقفني أحد رجال الميليشيا وسألني عن سبب وجودي هناك، ثم صادر آلة التصوير خاصتي وأمرني يالإنصراف فوراً. توقفت قليلا ونظرت إلى ما كان بيت عائلة محبة، وإلى حديقة الحيوانات، وإلى ملجأ الطيور الذي لطالما أبهج الأطفال في ذلك الحي. ودنا مني صبي وفتاة أظنهما أخوة وأعمارهما بين 6 و 7 سنوات، وكانا برفقة مربيتهما الأثيوبية، ثم سألوني: "أين خالدة؟ وأين خويلدي؟ متى يرجعون إلى البيت؟" لم أكن قادرا على الكلام، قبلت رأسيهما الصغيرين وربّتّ عليهما ثم أكملت مسيري.

رسالة إلى "أوكامبو": حامي العمليات الموحد - (الناتو) في ليبيا إن خالد الحميدي رجل قوي، عميق الإيمان، ومؤمن بالقدر. لقد تعهد لعائلته ولأصدقائه حول العالم بأنه سيكمل عمله مع المنظمة الدولية للسلام والرعاية والغوث بالرغم من أن الحياة قد أفقدته أعز أحبائه. إنها لعائلة مشرفة، وإنها لمدينة مسالمة ومضيافة، أما البلد فمدمر بالكامل. ورغم ذلك كله يطالب المجتمع الدولي المصدوم والغاضب بالعدالة لأولئك الذين أرسلوا "الحامي الموحد" وفرضوا منطقة محظورة الطيران تسيطر عليها قوات (الناتو) لتدمير ليبيا بهدف "حماية المدنيين".


يمكنكم التواصل مع فرنكلين لامب على بريده الإلكتروني


fplamb@gmail.com