لم يولد "العراق الاميركي" بعد 9 سنوات من رحم الإحتلال، ورأى قادة الاحتلال ان تحقيق عراق اميركي لعقود طويلة كان مراهنة فاشلة..
لم يولد "العراق الاميركي" بعد 9 سنوات من رحم الإحتلال، ورأى قادة واشنطن ان تحقيق عراق اميركي لعقود طويلة كان مراهنة فاشلة.. في لبنان كان مثال سابق عندما خرج الاحتلال من الجنوب، فحين يجد اي جيش احتلال ان كفة الخسارة بدأت تطغى على كفة الربح من المنطقي ان ينسحب، بل ان الاميركي وجد ان السنوات المقبلة ستزيد خسارته بشكل نوعي، واحلامه واهدافه السياسية والامنية والاقتصادية تبتعد، والمقاومة العراقية كانت تزداد تدريبا وقدرات مع الوقت..
خيار الرحيل المرّ ..
في هذه المرحلة كان الأميركي من منظار مصلحته الاستعمارية احوج ما يكون فيها للتواجد في المنطقة، لكننا نراه قرر حزم الحقائب ليجر اذيال الهزيمة خارجاً من العراق في تصرف هو عكس منطق المصلحة الاميركية وعكس الرغبة الشديدة، فلطالما كانت مسألة العراق تُدرس لناحية الاهمية في التواجد والجغرافيا السياسية والاستراتيجيا والنفط. الاحداث في المنطقة متسارعة ويزداد التوتر ويزيد الاميركي الضغوط على ايران ويريد لها ان تركع كما يريد لسورية ان تخضع ويحرك من اجل هذه وتلك الكثير من وسائل الضغط والتهويل.. هو في ظل ذلك يحتاج لاستمرار الوجود في العراق ليس لأجل المكاسب من العراق نفسه فحسب بل لأهمية وجوده في هذه المرحلة في وسط المنطقة العربية. بعدما كان خيار الرحيل المر، حاول ان يعوض عن ذلك عبر تثبيت وتقوية وجوده في بعض دول الخليج..
عندما يكون القرار المتخذ معاكسا للارادة الاميركية بكل معنى الكلمة فهي طبعا "هزيمة محققة وليست نصرا، وانسحاب القوات الأميركية من العراق يشكل إستراتيجية مأساوية تتخذها إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما" كما يقول الخبير في الأمن القومي في مجلس العلاقات الخارجية بالولايات المتحدة ماكس بوت في مقال نشرته صحيفة وول ستريت الأميركية. ويضيف "أوباما يقول إن بلاده تنسحب من العراق بسبب تصلب موقف السياسيين العراقيين، ولكن الرئيس الأميركي لم يحاول اتخاذ المفاوضات مع العراقيين على محمل الجد".
- كانت الصورة في العراق في الآونة الاخيرة على الشكل التالي:
- الشعب العراقي والقادة السياسيون يثبتون القدرة على ترتيب صنع القرار العراقي بما ينسجم والمصالح الوطنية
- الاميركي لم يستطع ابعاد شبح الخسائر والعمليات والصواريخ وزرع العبوات من اجل ايقاع افدح الخسائر بجيش الاحتلال.. وتصفية الحساب متواصلة ولو دون صخب إعلامي
- محاولات اميركية لضرب العراقيين ببعضهم لم تنجح في تحويل الصراع الى صراع سني- شيعي واسع، وكثير من الهجمات ذات الطابع الطائفي يتهم المراقبون والعارفون الاستخبارات الاميركية بدعمها وتشجيعها بل تدبيرها..
لا مكاسب استراتيجية وامنية وثقافية ولا تطبيع مع الكيان الصهيوني
يقول المحلل السياسي العراقي عباس الموسوي لموقع المنار "ان الانسحاب بالتاكيد لم يكن ترفاً اميركيا إنما جاء بسبب اصرار المقاومة بشقيها السياسي والعسكري على اجبار الادارة الاميركية على الخروج بالطريقة المذلة".
بحسب الموسوي "كان يأمل الاميركي -خصوصا في ظل ما يحدث في المنطقة من ثورات وتغييرات واحداث- ان يبقى سنوات لإنجاح مشروعه لكن الضربات الحقيقية افشلت اهدافه .. كما بدأ التفكير جديا ان قواته غير باقية لأنها لم تحصل على حاضنة شعبية تبرر بقاءه.. وانتصار المقاومة في لبنان في تموز 2006 اثبت ان الشعوب من الممكن ان تهزم الجيوش القوية وكان ذلك مثالا حيا" ..
ماذا حقق الاحتلال وماذا فشل في تحقيقيه؟... يعدد الموسوي النقاط التالية:
-على المستوى الجغرافي هناك انكفاء والاحتلال لم يحقق إبقاء اي قاعدة عسكرية طويلة او قصيرة الامد في العراق
-على المستوى الاقتصادي لا توجد بوادر تشير الى ان الشركات الاميركية آمنة للعمل في العراق.. قد تكون تحصل على عقود لكنها ليست آمنة ولا تشهر عن نفسها
-على المستوى الثقافي والتفكير الشعبي فنسبة من انخدعوا بفكرة الاحتلال كانت عالية لكن عندما انسحبت القوات الاميركية كان شبه اجماع مسبق على رفض وجود الاحتلال.
-كان المشروع هو البقاء لأكثر من 20 سنة في العراق لبناء جيل جديد يتبنى مشروعه لكن هذا لم يحصل.
اذاً فالاميركي لم يحقق مكاسب استراتيجية وامنية وثقافية ولا التطبيع مع الكيان الصهيوني ولم يتحول العراق لبلد صديق للكيان الصهيوني.... ولا شك ان الانسحاب يقوي العراق وايران سوريا وكل قوى الممانعة" كما يؤكد الموسوي..
مكاسب محور الممانعة والمقاومة جراء هذا الانسحاب
الخبير الاستراتيجي الايراني امير موسوي اورد في حديث لموقع المنار قراءة من ثلاث نقاط لمسألة الانسحاب:
- "الأولى ان اميركا اذا أرادت ان تحتل او تعتدي على دولة تحسب الحساب: هل ان الخسائر ستكون اكبر من الارباح؟ وتجربة العراق اثبتت ان الامور ليست كما ترغب.. صحيح انها تدخلت في اسقاط النظام لكن لم تستطع ان تحصل على الارباح التي كانت تنشدها خاصة السيطرة على البترول..
-ثانيا : النزاع السياسي الايراني - الاميركي في منطقة الشرق الاوسط اثبت ان الاقوى ليس من يملك السلاح الاشد بل الايمان والصمود . وقد خسرت اميركا في نزاعها الكثير وخروجها من العراق يمكن ان نسميه انتصارا لايران وايضا لقوى الممانعة بشكل غير مباشر ، خاصة ان ايران داعمة لحكم عراقي مبني على ارادة الشعب كما هو الآن، والمالكي يحوز دعم الشعب وايران كانت الى جانبه بقوة..
-ثالثا: اميركا كانت لا تريد الخروج من العراق وخرجت على خلاف ما كانت تطبل له، وهي اليوم تتوسل الى دول اخرى لابقاء قواتها فيها، وتطرح مع مجلس التعاون الخليجي اعادة انتشار القوات الاميركية في منطقة الخليج، مع العلم ان بعض محاور دول الخليج تحاول دائما مساعدة اميركا في انتكاساتها واميركا تواجه انتكاسة معنوية واقتصادية لذا فدول الخليج تساعد على ابقاء القوات الاميركية على اراضيها ومن جهة ثانية تسهيل التخفيف من وطأة الازمة الاقتصادية الاميركية..
برأي موسوي "اثبتت اميركا اذاً من خلال توسلها لدول الخليج انها كانت ترغب في البقاء في العراق". ويلفت الى انها "العام الماضي كانت تجري مباحثات مع القيادة العراقية في سبيل موافقة المالكي على ابقائها وتمديد ذلك 6 اشهر لكن خسرت الجولة"..
ويخلص موسوي الى ان اميركا "اليوم تحاول اشعال الفتنة ودعم اعلان الحكم الذاتي واثارة القلاقل والمشاكل بين دول الجوار مثل المملكة السعودية وايران وهذا يدل على ان اميركا مضطربة امنيا ودبلوماسيا، وما زاد الطين بلّة الانجازات الايرانية الامنية واخرها اسقاط الطائرة الاميركية المتطورة"..
نقطة ارتكاز اساسية بعد افغانستان
كان يراد للعراق ان يكون نقطة ارتكاز اساسية بعد افغانستان لاستهداف متسلل لدول المنطقة كما اظهرت المعلومات، فقد جاء في كلام لـ "ويسلي كلارك" أحد أبرز القادة العسكريين الأميركيين، في كتاب له بعنوان "النصر في الحروب الحديثة.. العراق والإرهاب والإمبراطورية الأميركية" إنه عقب أحداث سبتمبر 2001 مباشرة علم بأمر خطة لمهاجمة عدة دول تباعا تبدأ بأفغانستان وتتواصل عبر العراق لتنتقل إلى لبنان وسورية والسودان حتى إيران. وأنه بعد عام من زيارته الاولى قام بزيارة أخرى وتأكد من صدور نفس الأوامر ومن تواصل التخطيط لانجاز كل تلك الحروب وتغيير الأوضاع في كل تلك الدول.
اذاً هزيمة العراق ضربت هذه السلسلة ايضا.. ليس فقط لم يحقق الاميركي اهدافه الكبرى في العراق بل استحال تواجده فيه كابوسا.. وكلمة كابوس استخدمها ريكاردو سانشيز قائد القوت الأمريكية السابق في العراق، الذي اتهم في هذا الاطار السياسيين الأميركيين بالفساد وعدم الكفاءة. اما جورج كيسي رئيس أركان القوات الأميركية البرية السابق، فيقول إن الجيش الأميركي بات يعاني بعد حربي افغانستان والعراق من اختلال فى التوازن يحتاج بين 3-4 سنوات حتى يستعيد نمط عمله الاعتيادي.
هذه أقوال أثبتت ان الاميركي منذ فترة ليست قليلة كان مقتنعاً انه لم ولا يحقق ما صبا اليه على مختلف المستويات في العراق، وخرج مصابا بالارتدادات العكسية وبرضوض مؤلمة..