22-11-2024 05:38 AM بتوقيت القدس المحتلة

قطر وتركيا مستبعدتان .. مجلس غليون مغيّب، والمعارضة السورية شريكة في الحكم

قطر وتركيا مستبعدتان .. مجلس غليون مغيّب، والمعارضة السورية شريكة في الحكم

مضحك كان الموقف القطري بعد الإجتماع الأخير لوزراء الخارجية العرب في الدوحة، والذي عبّر عنه رئيس وزراء قطر ووزير خارجيتها الشيخ حمد بن جاسم آل ثاني،

مضحك كان الموقف القطري بعد الإجتماع الأخير لوزراء الخارجية العرب في الدوحة، والذي عبّر عنه رئيس وزراء قطر ووزير خارجيتها الشيخ حمد بن جاسم آل ثاني، بتوجيهه "الإنذار الأخير" لدمشق لتوقع على البروتوكول الرامي إلى إرسال بعثة من المراقبين إلى سورية، وما زاد الموقف سخرية انسحاب الأمين العام لجامعة الدول العربية نبيل العربي من المؤتمر الصحافي تاركاً حمد يتخبط وحيداً بمواقفه. فالعالم في خفايا مفاوضات اللحظات الأخيرة يؤكد بأن قطر ممثلة بوزير خارجيتها كانت على معرفة مسبقة بموافقة دمشق على توقيع البروتوكول قبل أن تعلن إنذارها يوم السبت الماضي، والذي لم يقدم أو يؤخر في مجريات الأحداث، لا بل أظهر العجز العربي بشكل فاضح.


وتؤكد مصادر سياسية مطلعة على تفاصيل ما حدث في ذلك اليوم على أن الإنذار الشهير لم يكن سوى محاولة قطرية فاشلة للإيحاء بأن قرار توقيع سورية على البروتوكول العربي قد جاء نتيجة الخوف من هذا الإنذار. وتشير المصادر بأن الدافع وراء هذا السلوك القطري كان شعورها في الآونة الأخيرة بتراجع كبير في دورها أمام أدوار أخرى، لا سيما الدور الذي لعبته مصر والعراق للتبريد من حدة الأزمة ومعالجتها بهدوء، خاصة بعد فشل الدوحة بسياستها وإعلامها في إسقاط الرئيس بشار الأسد. كما تضيف المصادر بأن انسحاب نبيل العربي من المؤتمر الصحافي سببه الرئيسي عدم موافقة مصر على إنذار بن جاسم من جهة، واستيائها مع بعض الدول الأخرى كالعراق والجزائر والسعودية من تصرفات وزير الخارجية القطري الذي يتصرف منذ فترة وكأنه الآمر الناهي في قضايا الأمة العربية، ومن التضخيم المفتعل للدور القطري، خاصة وأن الموقف "غير المبرر" بحسب تعبير مسؤولين سوريين، جاء أثناء تبادل الرسائل الذي كان لا يزال قائماً بين العربي ووزير الخارجية السوري وليد المعلم، وأن الجامعة قبلت أكثر من 70 في المئة من التعديلات السورية على مشروع البروتوكول، لا بل انها قبلت أن يكون التنسيق بشأن المراقبين مع الحكومة السورية، وأن تتولى الجامعة دفع مبلغ مليون دولار لتغطية تكاليف المراقبين (بينما في السابق كانت تريد من دمشق أن تدفع ذلك).

 كما قبلت أن يكون البروتوكول نتيجة اتفاق بين الجانبين وليس مجرد إملاء من الجامعة، فعنوان البروتوكول هو "مشروع بروتوكول المركز القانوني ومهام بعثة مراقبي جامعة الدول العربية بين الجمهورية السورية والأمانة العامة لجامعة الدول العربية بشأن متابعة تطورات الوضع في سورية". هذا بالإضافة إلى أن البروتوكول هو لمدة شهر قابلة للتمديد بموافقة طرفي الجامعة والحكومة السورية، وبناء على ذلك يمكن القول بأن الجامعة تراجعت كثيراً عن تشددها السابق، وهذا كان سبباً إضافياً، إلى جانب النصيحة الروسية، في قبول سورية توقيع البروتوكول في القاهرة وليس في الدوحة أو أي عاصمة أخرى.


ربما يشعر رئيس الوزراء القطري اليوم بحراجة الموقف، وهو كان أول من استخدم لغة التهديد والوعيد حيال النظام السوري، كما أشعر العالم بأن المبادرة العربية يجب أن تطبق بحذافيرها فوراً ومن دون أي تعديل، ولكن تبين أن هذا الطرح غير قابل للتطبيق وأن النظام السوري لا يزال يتعاطى مع أزمته بكثير من الثقة بالنفس المبنية على قوة أمنية كبيرة ودعم روسي وإيراني كبيرين. هذا الإحراج كان قد بدأ فعلياً بعد الرسائل الإيجابية والحميمة التي بعثها الأمير نايف بن عبد العزيز إلى الرئيس الأسد بعيد تعيينه كولي للعهد في السعودية، واستكمل بعد زيارة مستشار الأمن الوطني العراقي فلاح الفياض يرافقه وفد حكومي إلى دمشق، حيث التقى الرئيس الأسد وأبلغه وقوف العراق  إلى جانب سورية، وهذا الموقف شكل بحد ذاته صفعة للطروحات القطرية.


موقف آخر أثار سخرية المراقبين بعد توقيع سورية على البروتوكول العربي، ألا وهو الكلام المرتبك لرئيس ما يسمى المجلس الوطني السوري برهان غليون، حيث اعتبره "مراوغة سورية جديدة" ورفضه بشكل قاطع. وإن دل ذلك على شيء فهو يدل على التغييب التام لغليون وأتباعه عن المفاوضات العربية-السورية، وكأن مجلسه غير موجود أصلاً وأنه لا يعدو كونه أداة صنعتها تركيا، غير صالحة للإستخدام أثناء المفاوضات والتسويات الجدية، خاصة مع انكفاء الدور التركي وتراجعه لأسباب عدة.

 فتلاحظ المصادر السياسية أن هذا الإنكفاء جاء مع تصاعد الأصوات المعارضة داخل حزب العدالة والتنمية والمجتمع والجيش في تركيا على التهور في الأداء التركي إزاء الأزمة السورية. أضف إلى ذلك موقف أحزاب المعارضة، التي تحوذ على ما يقارب نصف أعضاء البرلمان، المعارض على سياسة رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان تجاه النظام السوري الذي كان حتى الأمس القريب صديقاً مهماً لتركيا. كما كان لافتاً موقف رئيس حزب "السعادة" التركي، وهو حزب إسلامي كبير أسسه في وقت سابق مؤسس الحركة الإسلامية التركية الراحل نجم الدين أربكان، بما يؤشر الى أن قسماً كبيراً من الإسلاميين الأتراك يرفض أن تكون بلاده "رأس حربة المشروع الأميركي في المنطقة". والعالمون بالشؤون التركية يعرفون أن أحد أسباب خلاف أربكان مع تلاميذه أردوغان وداود أوغلو ورئيس الدولة عبدالله غول، يعود إلى إتهام أربكان لهم بالإنفصال عنه لإرضاء الولايات المتحدة الأميركية والإتحاد الاوروبي ووقوفهم وراء الإنقلاب العسكري ضد حكومته في أواخر التسعينات من القرن الماضي.


ولعل أهم الأسباب التي أدت إلى انكفاء الدورين القطري والتركي، هو الموقف الروسي الرافض للتدخل الدولي في سورية، والذي يتسم بالحدية وبالسعي الجدي إلى حل الأزمة، فقبول سورية للمبادرة العربية والتوقيع على البروتوكول، لم يأتيا أبداً من قناعة فعلية بقدرة الجامعة العربية على الحل، بل لتقوية موقف روسيا بعد تقديمها مشروعاً خاصاً بسورية في مجلس الأمن. إذاً لا شك في أن توقيع دمشق بروتوكول بعثة المراقبين العرب قد أربك جميع الأطراف التي كانت تسعى الى تدويل الأزمة السورية، وبحسب مصادر متابعة للتطورات الأخيرة فإن توقيع هذا البروتوكول هو أحد بنود "تسوية تاريخية" مرتبطة بالمشروع الروسي، تفتح الباب أمام حل سياسي للوضع السوري، بإدارة الرئيس الأسد شخصياً، وتؤدي إلى مشاركة بعض المعارضة في حكم البلاد مستقبلاً.

للتواصل مع نادر عزالدين على بريده الإلكتروني:


Nader.ezzeddine@hotmail.com