شكّل سقوط نظام صدام حسين في العراق وبداية عهد الإحتلال الأميركي فيه نقطة الإنطلاق للعمليات الأمنية لما يسمى تنظيم القاعدة.
شكّل سقوط نظام صدام حسين في العراق وبداية عهد الإحتلال الأميركي فيه نقطة الإنطلاق للعمليات الأمنية لما يسمى تنظيم القاعدة. لحظة سقوط العاصمة العراقية بغداد بأيدي قوات الإحتلال الأميركي في التاسع من نيسان/أبريل عام 2003، أدرك العراقيون أن هناك ما طرأ على يومياتهم، لقد سقط الديكتاتور لكنه استبدل باحتلال له أهدافه المعلنة وغير المعلنة. لم يقتصر المشهد العراقي عقب ذلك التاريخ على جيش محتل وكمّ من الآليات العسكرية المنتشرة في الأحياء والمناطق، لقد اكتسب صبغة فريدة قوامها أحزمة ناسفة متنقلة وانتحاريون يؤمنون بعقيدة القضاء على الآخر، جعلوا من الموت جزءاً من ذاكرة شعب: عناصر تنظيم القاعدة.
لم يكن للتنظيم وجود معلن أو نفوذ بارز في بلاد الرافدين أثناء حكم الرئيس العراقي السابق صدام حسين. لكن بعد سقوط النظام بات التنظيم من القوى المؤثرة في الوضع الأمني خصوصاً بعد ظهور عناصر مسلحة تكنّ له الولاء وقائد يدعى أبو مصعب الزرقاوي، تمّ قتله لاحقاً إثر شنّ ضربة جوية على منزله الكائن في محافظة ديالى. صرّح التنظيم أن هدفه تحرير العراق وإقامة دولة تحكم بالشريعة الإسلامية، لاحقاً وبعد قيامه باختطاف عدد من الجنود الأميركيين والصحافيين الأجانب، حمل أداؤه صبغة مذهبية، استندت إلى الإعتقاد بأن هناك من يقوم باستهداف السنة في العراق وقتلهم في مدن كبغداد وتلعفر والموصل. دفع هذا السبب التنظيم إلى استهداف عناصر الشرطة والمدنيين في أغلب المناطق العراقية وكذلك بعض الرموز الدينية كالسيد محمد باقر الحكيم إضافة إلى الأماكن المقدسة في سامراء. هذا الظهور المفاجئ للقاعدة في بلاد الرافدين طرح أسئلة عديدة عن التوقيت والأطراف الممولة وآلية عمله التي من المرجح اختلافها بشكل ملحوظ بعد الإنسحاب الأميركي من البلاد.
هشاشة الساحة العراقية عقب الإحتلال شكلت ساحة خصبة للتنظيم الذي سينكفئ دوره تدريجياً في المرحلة المقبلة
يشرح المحلل السياسي العراقي أحمد خفاجي الأسباب الكامنة خلف ظهور تنظيم القاعدة في العراق عقب سقوط نظام صدام حسين، قائلاً إن"القاعدة تعمل وتستغل المناطق التي تشهد وضعاً أمنياً هشاً في العالم العربي والإسلامي. يستغل هذا التنظيم جهل بعض الأفراد ويلقنونهم أفكاراً متطرفة بذريعة حماية الدين وطرد الكافرين. بعد سقوط النظام الذي كان يحرص على الإمساك بالأمن الداخلي للعراق وقمع كافة الحركات الدينية، بات العراق أرضاً خصبة لتجنيد الأفراد في هذا التنظيم من أجل تأجيج الإقتتال الداخلي وصرف أنظار العراقيين عن المحتل". ويضيف خفاجي أنه "بعد احتلال العراق حصل تحالف بين أعضاء القاعدة والبعثيين المنتسبين إلى النظام السابق، وذلك من أجل تحقيق مكاسب خاصة كأعمال نهب واستحواذ على السلطة".
في اتصال مع موقع المنار، يرى خفاجي أن وجود الطرف الممول جعل من تجنيد أفراد يوالون القاعدة أمراً سهلاً، موجهاً أصابع الإتهام إلى" قطر التي تعمل بأجندة اسرائيلية وتموّل الجماعات المتطرفة لتأجيج النزاع في العراق ومنع استقراره". ويشير خفاجي إلى أنه "بعد إلقاء القبض على بعض عناصر القاعدة في العراق، اعترف هؤلاء بدعم قطر لهم مادياً ولوجستياً، لإثارة الفتن والحروب الداخلية. ويتم ذلك أيضاً من خلال شركات الحماية الأمنية التي جاءت مع الإحتلال كشركة Black Water". أما بالنسبة لمحاربة الولايات المتحدة عناصر القاعدة في العراق من خلال ما يسمى قوات الصحوة، يوضح خفاجي أن " قوات الصحوة سبق أن كانوا جزءاً من تنظيم القاعدة، وكانوا يعملون لصالح هذا التنظيم لأسباب مالية. وانشق بعض هؤلاء عن التنظيم بعد منحهم رواتب شهرية من قبل الجيش الأميركي لقتال عناصر الصحوة الذين يستهدفون قوات الإحتلال".
وفي ما يخص وضع القاعدة خلال مرحلة ما بعد انسحاب جيش الإحتلال، يرى خفاجي أن" التنظيم سيحاول تجميع نفسه مرة أخرى بعد تلقيه ضربات قوية، وذلك من خلال الذوبان في الواجهات السياسية وتحت المسمى الإسلامي، ومن خلال هذه الواجهة يُعمل على إضعاف الوضع الأمني في العراق". في الوقت نفسه، يشير خفاجي إلى أن "دور هذا التنظيم سينكفئ في العراق رغم كل شيء، لأن الغطاء الأميركي لم يعد موجوداً بحيث أنه في السابق كانت بعض عمليات قوات الأمن العراقية تتوقف بقرار أميركي، أما الآن فقد أصبح قرار التحرك بيد قوات الأمن فقط". ويضيف المحلل العراقي أنه "خلال الأربعة أشهر المقبلة سيتعرض العراق لبعض الهزات التفجيرية لكن بعدها سيبدأ الداخل بالتعافي، خصوصاً أن هناك إجماعاً لدى العراقيين على ايقاف دوامة العنف وعلى إحداث تغيير في الطبقة السياسية الحاكمة التي كانت نتاج الإحتلال من خلال الإنتخابات التشريعية المقبلة".
أمام العراق استحقاقات عدة. البلد الخارج لتوه من حقبة طويلة من الإحتلال والقتل والتفجير، ينتظر تغييراً ما يبدأ من الطبقة السياسية على اختلاف انتماءاتها. تشهد هذه الطبقة حالياً أزمة قد تؤدي إلى نسف ما يسمى حكومة الوحدة الوطنية، بعد قيام قائمة الإئتلاف العراقية بمقاطعة جلسات البرلمان والحكومة على خلفية مطالبة رئيس الوزراء نوري المالكي اقليم كردستان تسليم الرئيس طارق الهاشمي بعد اتهامه بالتورط بعمليات إرهابية. لا بدّ للشرخ الحاصل في صفوف السلطة أن ينعكس على الوضع الأمني الذي من المستبعد أن يشهد استقراراً إذا ما بقي الوضع على حاله.