لم تتمكن الجحافل الأميركية طيلة سنوات احتلال العراق التسع من تحقيق ما حلم به مسؤولو البيت الأبيض.. لا قاعدة عسكرية أميركية في العراق، ولا نفوذ الجنرالات سيكون له محل في البلاد بعد اليوم!
لم تتمكن الجحافل الأميركية طيلة سنوات احتلال العراق التسع من تحقيق ما حلم به مسؤولو البيت الأبيض.. لا قاعدة عسكرية أميركية في العراق، ولا نفوذ الجنرالات سيكون له محل في البلاد بعد اليوم! هكذا بددت المقاومة العراقية أوهام مسؤولي بلاد العم سام وكل من عول عليهم، وعرّت جنرالاتهم لتثبت أن المارد الأميركي لم يكن سوى نمر من ورق.
حفلت السنوات التسع من الاحتلال الأميركي للعراق بالأحداث الدامية مما حدا بالعراقيين إلى انتهاج أساليب المقاومة المختلفة العسكرية منها والسياسية، لتعيد المقاومة العراقية رسم الصورة المشرقة عن صمود الشعب العراقي.
الفصائل العسكرية للمقاومة العراقية
برزت على الساحة العراقية عدة فصائل مسلحة، والتي وعلى اختلاف خطابها إلا أنها أجمعت أن هدفها هو دحر الاحتلال وطرده من العراق، أبرز وأهم هذه الفصائل كان:
لواء اليوم الموعود، وهو الفصيل العسكري التابع للتيار الصدري ويعتبر من أبرز وأهم فصائل المقاومة التي ظهرت على الساحة العراقية، ويقدم نفسه على أنه تيار اسلامي عراقي يتبني الجهاد كوسيلة للاصلاح والتغيير في ظل وجود الاحتلال. ويعتبر أن آلية جهاده وأهدافها وتوقيتها تحدده عوامل متعلقة بالمصلحة الاسلامية والوطنية.
عصائب أهل الحق، ويعتبر الفصيل العسكري لتنظيم (المقاومة الاسلامية-أهل الحق)، وهي مجموعة انشقت عام 2004 عن التيار الصدري بسبب اختلاف حول طريقة عمل التنظيم، وبدأت بالعمل كمجموعات سرية مقاومة للإحتلال الأميركي.
كتائب ثورة العشرين، تؤمن بأن أي أرض محتلة لا تعود إلا بالمقاومة العسكرية، وتعتبر أن اي انصراف عن هذا الطريق فيه مصلحة للعدو، لذا فهي رفضت الانخراط في العملية السياسية واتخذت من الخيار العسكري خياراً وحيداً لمقاومة الاحتلال الأجنبي في العراق.
كتائب حزب الله-العراق، وتقول هذه الكتائب أنها منذ اليوم الأول لاحتلال العراق آمنت بالخيار العسكري كحل أنجع لطرد المحتل، وما انفكت تذيقه الضربات الموجعة، الا أن عدم اعلانها عن هذه العمليات كان لصالح الاحتلال. تميّز هذه الفصائل ما بين العمليات الارهابية والجهادية ولهذا فهي تؤكد أن عملياتها لا تستهدف إلا القوات الأجنبية المتواجدة في العراق.
السنة والشيعة قاتلا الأميركيين جنباً إلى جنب
ويعتبر محمد رضا الخفاجي، النائب عن كتلة الأحرار في البرلمان العراقي، أن التيار الصدري كان في طليعة الحركات السياسية التي حاربت الاحتلال وناهضت المشروع الصهيو-أميركي ليس في العراق فحسب بل في المنطقة كلها.
وذكّر الخفاجي أن عناصر التيار الصدري كانوا في طليعة المتصدين للاحتلال، مشيراً إلى أن السيد مقتدى الصدر حمل لواء المقاومة منذ العام 2003، وكان من أوائل من نادوا وطالبوا بخروج المحتل الأجنبي من العراق، مضيفاً بأن التيار الصدري قاوم حتى أجبر الولايات المتحدة الأميركية على الاعتراف بالمقاومة العراقية.
وفي حديثه لموقع المنار، اعتبر الخفاجي أن عمل المقاومة لم يكن لينجح لولا التنسيق والتكامل، مشيراً الى أن التيار الصدري لم يكن يتوقف عند بعض الانشقاقات التي خرجت من صفوفه طالما أن العنوان والهدف هو دحرالاحتلال.
وأكد أن مطلب انسحاب الاحتلال كان مطلباً جامعاً لكل العراقيين، وأنه ابان معارك النجف التي خيضت بين الاحتلال الأميركي وعناصر التيار الصدري وقف السنة جنباً إلى جنب مع الصدريين وقاتلوا دفاعاً عن النجف الأشرف.
بدوره تحدث الشيخ عمار الدلفي، مسؤول العلاقات الخارجية للمقاومة الاسلامية - أهل الحق، لموقع المنار مؤكداً ما ذكره الخفاجي عن وقوف العراقيين جنباً إلى جنب ضد الأميركي في أكثر من معركة قائلاً: "عام 2004 قاتل اخواننا السنة دفاعاً عن النجف، وفي معارك الفلوجة عصائب أهل الحق قاتلت إلى جانب اخواننا هناك."
وأضاف أن العصائب انشقت عن التيار الصدري عام 2004 بسبب اختلاف وجهات النظر حول طريقة عمل التنظيم وخيار العمل المؤسساتي، إلا أن مسألة مقاتلة الجيش الأميركي لم تكن محل خلاف، بل كانت الهدف الأساس للمقاومة الاسلامية-أهل الحق، مضيفاً " نشطت عملياتنا في أماكن الوسط والجنوب، وكنا لا نستهدف من وراء هذه العمليات الا الجنود الأجانب.. وكثيرا من عملياتنا ألغيت بسبب توخينا عدم سقوط مدنيين."
وأوضح أن المقاومة الاسلامية-أهل الحق رفضت الانخراط في العملية السياسية، ولكن في الوقت نفسه تثمن جهود الحكومة وتعترف بأنها مارست مقاومة سياسية.
وكشف أنه بعد احدى العمليات النوعية لعصائب أهل الحق في كربلاء، تدخل مستشار رئيس الحكومة العراقية سامي العسكري ليكون وسيطاً ما بين المقاومة من جهة والقوات الأجنبية من جهة أخرى، ما أدى الى خروج 220 معتقل في السجون مقابل افراج المقاومة عن 4 جنود بريطانيين.
وأردف الدلفي بأنه كان للحكومة العراقية مواقف بارزة ساهمت في خروج الأسرى ووقف اطلاق النار في أكثر من مكان أبرزهم في المدينة الخضراء، مشيراً إلى مواقف كثيرة تبناها البرلمان قطعت الطريق على صفقات وأطماع أميركية.
المقاومة السياسية: مقاومة خلف الكواليس
وفي حين يرى د. عبد العزيز التميمي، مستشار رئيس الحكومة العراقية الأسبق ابراهيم الجعفري، أنه يسجل للتيار الصدري أنه نادى بخروج القوات الأجنبية من العراق منذ العام 2003، يعتبر أنه يسجل أيضاً لحزب الدعوة أنه كان في طليعة المقاومة السياسية، خصوصاً وأن قياديي الحزب لم يدخلوا إلى العراق على ظهر الدبابة الأميركية ولم يشاركوا في المؤتمرات التي عقدت في لندن ولا التي عقدت في صلاح الدين ولا في الناصرية ولا في بغداد للتمهيد لدخول القوات المتعددة الجنسيات إلى العراق.
وفي حديث خاص لموقع المنار أوضح د. التميمي ان حزب الدعوة دخل الحياة السياسة بعد ان بات الاحتلال أمراً واقعاً، ولقناعته أن بامكانه تحقيق شيء ما عن طريق العملية السياسية، وأضاف دخلنا في مجلس الحكم ومن ثم تصدرنا رئاستي الوزراء الأولى والثانية.
وتحدث عن المقاومة السياسية موضحاً أن الناس لا تعلم ما يجري عادة خلف الكواليس من نقاشات ومطاحنات حول قرارات واتفاقيات، لافتاً أن الناس تعلم ما يخرج إلى العلن من مقررات ولكن كيف نوقشت وصيغت وماذا عدل فيها فهذا يبقى خلف الكواليس، لافتاً إلى أن الحكومة العراقية قدمت اروع الصور عن المقاومة السياسية سواء في الاتفاقية الأمنية عام 2008 أو فيما يتعلق بمنع منح اي حصانة للجنود والمدربين الأميركيين بعد خروج الاحتلال.
المقاومة قطعت الطريق على الأطماع الأميركية
ومن ناحيته، يعتبر د. عامر الخزاعي، مستشار رئيس الوزراء العراقي لشؤون المصالحة الوطنية، أن في السنوات الماضية كان هناك تكامل غير مقصود بين ما تؤديه المقاومة السياسية وبين جهود المقاومة العسكرية.
ويستعرض في حديثه لموقع المنار صور المقاومة السياسية التي مورست منذ دخول الأميركيين إلى العراق، معتبراً أنه كان هناك حالة تفاوض مستمر ما بين الحكومة والأميركيين، ساهمت في قطع الطريق على الأطماع الأميركية.
ولفت إلى أن ما ساهم في نجاح الطرف العراقي في هذه المفاوضات، هو استغلاله للظروف الداخلية التي كانت تمر بها الولايات المتحدة، كالخلاف ما بين الجمهوريين والديمقراطيين على حرب العراق، بالاضافة إلى وقوف المجتمع العراقي خلف الحكومة ودعمه لخروج القوات الأجنبية.
وقال د. الخزاعي تحول العراقيون منذ اليوم الأول لغزو العراق من معارضين لنظام صدام حسين إلى مقاومين في السياسة، "دخلنا في مجلس الحكم وكان المطلب الأميركي يومها أن يبقى مجلس الحكم في العراق شرط أن يكون تحت إمرة حاكم عسكري أميركي".
وتابع: رفضنا ذلك ومن ثم فرضنا اجراء انتخابات ديمقراطية وتشكيل الحكومة، اشترط الأميركيون عندها ان يتم تعيين وزراء أميركيين داخل الحكومة، تصدينا لذلك وتخطيناه ومن ثم عملنا على وضع دستور جديد للبلاد.
ووصف الخزاعي المقاومة السياسية بأنها عبارة عن مواقف وخطط ومفاوضات، اثبتت السنوات الماضية أن الحكومة العراقية أجادتها، معتبراً أن ذلك تجلى في الاتفاقية الأمنية التي وقعت عام 2008، واشترطت أن لا يشارك الأميركيون في أي عملية أمنية داخلية، وأن تقتصر مساعدتهم على النصح والمشورة، لا على مستوى التنفيذ.
خبراء عسكريون أميركيون: أخفقنا في الحرب والكلفة كانت باهظة
ورغم تواضع امكانياتها، فقد تمكنت المقاومة العراقية بشقيها العسكري والسياسي من كسر هيبة الجيش الأميركي في العراق، بحسب الأرقام الرسمية فقد خسرت الولايات المتحدة 4474 قتيلا و33 ألف جريح وتكبدت ما قيمته تريليون دولار على حرب فاشلة حتى بمقاييس الغربيين، كما استطاع الساسة العراقيون أن يفرضوا انسحاباً بصيغة عراقية لا تضمن نفوذاً أو حصانة أو مكتسبات لأميركا.
وقد وصف انطوني كوردسمان، الخبير العسكري بمركز الدراسات الإستراتيجية والدولية في واشنطن، الانسحاب الأميركي بأنه "لا يشكل إعلان نصر أميركي في الحرب التي شنتها على العراق في عام 2003 وإنما يشكل نهاية لحرب باهظة التكاليف من الناحية الإستراتيجية."
ويدلل كوردسمان على الهزيمة التي منيت بها الولايات المتحدة الأميركية، موضحاً بأن بلاده أخفقت في التفاوض مع العراقيين على اتفاقية استراتيجية فعالة تخدم أهداف الإستراتيجية الأميركية في المنطقة، مضيفاً بأنها أخفقت في الحد من امتداد النفوذ الإيراني واصفاً ذلك بـ "الخطأ الاستراتيجي الفادح"، مشيراً أن الولايات المتحدة الأميركية فشلت في تشكيل قوة أميركية متقدمة تمكنها من وضع خطة إستراتيجية للتعاون مع دول الخليج العربية ضد إيران.
وفي تقييمه للحرب الأميركية على العراق استعار مايكل أوهانلون، كبير الباحثين بمركز دراسات السياسة الخارجية بمعهد بروكنجز في واشنطن، المقولة الشهير ونستون تشرشل: "من النادر في التاريخ البشري أن حدث هذا الكم الهائل من التضحيات الغالية والنفيسة لتحقيق ذلك القدر الهزيل من النتائج".
وقال أوهانلون بأن الادارة الأميركية لم تحقق نصرا عسكريا ولم تنجز أهدافا إستراتيجية من حرب كلفتها آلاف القتلى والجرحى وخلفت مئات الآلاف من القتلى والجرحى العراقيين.
بدوره اعتبر البروفيسور آندرو باكيفتش أستاذ العلاقات الدولية والتاريخ بجامعة بوسطن بالولايات المتحدة أنه بعد قرابة تسعة أعوام من بداية الحرب التي شنها جورج بوش الابن على العراق ووعده بنصر سريع أسدل خلفه باراك أوباما الستار على حرب كلفت الغالي والنفيس لتظهر للعالم أجمع القدرات المحدودة للقوة الأمريكية، بعد ان كان الهدف من هذه الحرب أن تظهر الولايات المتحدة لعالم ما بعد هجمات سبتمبر أن القوة العسكرية الأمريكية هي التي ستحدد النغمة التي سيسير التاريخ على هداها وكان نظام صدام حسين الهش هدفا مثاليا لإثبات ذلك من وجهة نظر بوش الابن لتحقيق نصر سريع وحصد النتائج وإثبات اليد الطولي للقوة العسكرية الأمريكية.
هكذا في العراق قاوم الساسة وقاتل العسكر فالتحم الموقف بالسلاح، ليقطع الطريق على محتل لم يجد إلا الليل ستاراً لهزيمة كانت تستحق أن تسلط كل الأضواء عليها لتعري ساسة لطالما كان الاستكبار أبرز سماتهم.