25-11-2024 03:53 PM بتوقيت القدس المحتلة

السيد فضل الله : إنّنا نهيب بالشّعب العراقيّ وقياداته أن ينطلقوا بموقفٍ واحد

السيد فضل الله : إنّنا نهيب بالشّعب العراقيّ وقياداته أن ينطلقوا بموقفٍ واحد

ألقى سماحة العلامة السيّد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عددٍ من الشخصيّات العلمائيّة

ألقى سماحة العلامة السيّد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عددٍ من الشخصيّات العلمائيّة والسياسيّة والاجتماعيّة، وحشدٍ من المؤمنين، ومما جاء في خطبته السياسية:يتصرّف الكيان الصّهيونيّ على أنّه الحقيقة الوحيدة الثّابتة في المنطقة، وأنّ ما سواه من دول وطوائف ومذاهب ومجموعات وطنيّة وقوميّة، هي أرقامٌ قابلة للتّغيير والتّقسيم والتّفتيت وما إلى ذلك...


ولذلك يتابع بكلّ حريّة مشاريعه الاستيطانيّة الّتي بلغت حدّاً كبيراً، إلى جانب سياسة القتل والتّهجير، غير عابئ بمتطلّبات الشعب الفلسطينيّ وحاجاته، ولا بمشاعر الشّعوب العربيّة والإسلاميّة، بعد أن ضمن انشغالها بما يجري من حراكٍ داخل بلادها. ومن هنا، كان إعلانه عن مشروع قانون مطروح في الكنيست الصّهيونيّ، بإعلان القدس عاصمةً أبديّةً موحّدة للشّعب اليهوديّ..
إنَّ هذا المشروع الخطير يستدعي من الشّعوب العربيّة والإسلاميّة ومن دولها، التحرّك السّريع لمنع هذا الكيان من تحقيق ما يصبو إليه..
إنّنا نعتقد أنّ عدم اتخاذ أيّ موقف فاعل، هو إذن غير مباشر للعدوّ الصّهيونيّ بالاستمرار بخطّته التهويديّة للقدس.. ولذلك على الشعوب العربيّة والإسلاميّة والجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي وكل الجهات الفاعلة، أن تؤكّد لهذا الكيان، أنَّ حراكها الدّاخليّ لا يعني ابتعادها عن قضيّتها الأساس فلسطين، في الوقت الذي نؤكد فيه على الفلسطينيين توحيد صفوفهم، وإزالة كل الشوائب التي تمنع من الوصول إلى هذه الوحدة...


أمّا العراق، الّذي نخشى أن تتفاقم الأزمة السياسيَّة فيه، مع عودة التّفجيرات الّتي طاولت مواقع متعدِّدة في العاصمة العراقيّة، وأوقعت عدداً كبيراً من القتلى والجرحى.. فإنَّ هذا الواقع الدامي يستدعي استنفاراً من كلّ القيادات السياسيّة والدّينيّة، وكلّ الحريصين على العراق، لتوحيد جهودهم، والوقوف صفّاً واحداً في مواجهة الّذين يعملون لإثارة الفتنة الطّائفيَّة والمذهبيَّة، سعياً لإرباك الواقع السياسيّ والأمنيّ في العراق، وبعث اليأس في قلوب العراقيّين، حتّى لا يتابعوا تجربتهم بالنّهوض ببلدهم، وليقبلوا بأيّ أمر واقع يُراد أن يُفرض عليهم..
إنَّنا نقول لكلّ الّذين يلوِّحون بإثارة الغرائز المذهبيَّة أو يتحدثون عن تقسيم العراق، أنَّ الفتنة عندما تنطلق فلن تقف عند حدود، بل ستحرق الجميع، وستجعل العراق مشرّعاً على كلّ رياح الآخرين العاتية، ولا سيّما أنّ الاحتلال الذي خرج من الباب منهزماً، يريد العودة مجدّداً عبر النّوافذ السياسيّة والأمنيّة المتعدّدة...


إنّنا لا يمكن أن نرى العراق إلا موحّداً بكلّ تنوّعاته الطائفيّة والمذهبيّة والعرقيّة، لذلك نرى أنَّ وعي القيادات العراقيّة، وتجاوزهم للحسابات الخاصّة والخطاب الطّائفيّ المتشنّج، سوف يساهم في منع انزلاق هذا البلد نحو ما يهدّد أمنه وسياسته، وسيمنع كلّ الّذين يريدون الدّخول إلى ساحته وجعله ورقةً في حسابات المساومة...
إنّنا نهيب بالشّعب العراقيّ وقياداته المسؤولة، أن ينطلقوا بموقفٍ واحد في رفض كلِّ كلمات التّقسيم و"الفدرلة" والتشظّي، حتى وإن انطلقت للتّهويل أو للضّغط في هذا الاتجاه أو ذاك، لأنّ المرحلة لا تحتمل اللّعب على أعصاب الشّعوب الّتي تشعر كياناتها المتعدّدة بأنّها لا تعيش أيّة حالة من حالات الاستقرار الحقيقيّة...


وعندما نطلّ على سوريا، الّتي تتلظّى بنيران التفجيرات الدّمويّة، إلى جانب ما يصيب شعبها من مآسٍ أخرى بفعل الأزمة الّتي تستنزف أرواح شعبها الصّابر، كما تستنزف اقتصادها وأمنها وموقعها الاستراتيجيّ في مواجهة العدوّ، فإننا لا نرى خياراً غير الحوار الدّاخلي لتجاوز الأزمة، وأنّ دور المراقبين العرب أو غيرهم، لا يمكن أن يكون بديلاً عن الدّور الّذي ينبغي للشّعب السوريّ أن يتحرّك به على مستوى نخبه الواعية وطلائعه المسؤولة الّتي تخاف الله وتحمل هموم الأمّة في حركتها وتطلّعاتها، سواء كانت في المعارضة أو في المواقع الأخرى...
إنَّنا نريد لحركة المراقبين العرب أن تكون عاملاً مشجِّعاً في عودة الهدوء إلى هذا البلد، لا أن تكون مجرَّد حركةٍ مرسومةٍ تمهّد للتَّدويل، فقد آن الأوان أن يعي الجميع حجم النَّتائج الّتي تترتَّب على استمرار هذا النَّزف والوقوع في حبائل الفتنة الطائفيّة والمذهبيّة الّتي يُراد لسوريا أن تغرق فيها...


ونعود إلى البحرين، هذا البلد المنسيّ من الجامعة العربيّة ومنظّمة التّعاون الإسلاميّ، وكل العالم الذي يتحدث عن الحرية وحقوق الشعوب، هذا البلد الّذي لا يزال يعاني من القمع ومن أساليب العنف التي تنطلق بدلاً من بدلاً من لغة الحوار، والتّسويف في المعالجات بدل السّرعة فيها.. فإنّنا ندعو الدّولة في البحرين إلى الوفاء بالتزاماتها، بتنفيذ نتائج التّحقيقات الّتي صدرت حول الأحداث الدّامية فيه، والعمل للإسراع في الحوار والانفتاح على شعبها، لأنّ الحوار هو السّبيل الوحيد للخروج من الأزمة الّتي نريد للبحرين أن يخرج منها سريعاً...
أمَّا لبنان، الّذي نخشى أن يكون قد أُدخِل في حمّى ما يحصل في سوريا، تأثّراً أو تأثيراً، فإنّنا نعيد التأكيد على اللّبنانيّين، على مستوى القاعدة والقيادة، أن يكونوا أداة إطفاء ورسل محبّة ووئام، ودعاة حوار، لجعل سوريا تخرج من أزمتها بأقلّ الخسائر، لأنّ الرّهان على الأزمة هناك واحتدامها ووصولها إلى المنعطفات التصاعديّة الصّعبة، قد يرمي بثقله الكبير على البطن اللّبنانيّ الرّخو، الّذي هو بأمسّ الحاجة إلى الرّاحة قليلاً، بعدما أثخنته جراح القضايا العامّة والخاصّة...
ولذلك، فإنَّنا ندعو الحكومة إلى القيام بواجباتها في هذا المجال، لوقاية هذا البلد من كلّ النّتائج السلبيَّة الّتي تترتّب على هذا الصّراع، لا أن يكون مادّةً للسّجال الحكومي، كما نريد لها أن تلتفت جيّداً إلى قضايا النّاس، والخروج من دائرة المراوحة في مسألة تصحيح الأجور وغيرها، لأنَّنا نخشى من أن القضيّة باتت تقتضي تصحيح المسار، قبل أن تأكل القضايا المتناثرة في المنطقة وفي الدّاخل البقيّة الباقية من موائد الفقراء والطّبقات المحرومة والمستضعفة...


ولا بدّ لنا ونحن على أبواب عام جديد، الّذي نبتهل إلى الله أن يكون عام خير وبركة ووحدة على اللّبنانيين جميعاً، لا بدّ من أن نعيد التّأكيد على أن نحسن التّعامل مع هذه المناسبة، فلا تكون مناسبة فرح ولهو غير واعٍ، أو مناسبة تسقط فيها المحرّمات وتغيب فيها العقول، بل محطّة للاستفادة من كلّ إيجابيّات السنة الفائتة، ولتجنّب السّقوط في المنعطفات السلبيّة والتّجارب المعقّدة الّتي حصلت خلالها، ثم التّخطيط لسنةٍ جديدةٍ على مستوى فرديّ واجتماعيّ عام ووطني وعلى مستوى الأمة بشكل عام...
وفي هذا المجال، لا بدّ من إعادة التّذكير بضرورة عدم الوقوع فيما تعارف عليه بعض النّاس، من إطلاق النّار والأسهم الناريّة والمفرقعات ليلة رأس السنة، والّتي أدّت وتؤدّي إلى ما لا تُحمد عقباه، فكم من النّاس في السنوات السابقة قُتلوا وجُرحوا وأصيبوا، وكم من الأطفال خافوا وارتعبوا، وكم من البيوت احترقت أو تضرّرت نتيجة هذه العادات الّتي لا تمتّ بصلة إلى عقل أو دين، بل هي نتاج تخلّف في التّعامل مع بدايات الزّمن..


إنَّنا ندعو إلى أن تكون هذه المناسبة فرصةً للاجتماع على الخير وعلى طاعة الله، وفرصةً للفرح الرّوحيّ في كلّ ما نتزوّد به من توبة على ماضٍ قصّرنا فيه، ومستقبل نحرص على أن نعيشه بوعي ومسؤوليّة...
وليكن دعاؤنا: اللّهمّ وهذه سنة جديدة، فأسألك فيها العصمة من الشّيطان، والقوّة على هذه النّفس الأمّارة بالسّوء، والاستفادة بما يقرّبني إليك يا كريم...