على الرغم من إنفاق أكثر من 300 مليون دولار لسدّ اتعاب مئات الموظفين الدوليين الذين كلّفهم مجلس الأمن الدولي بكشف الحقيقة، عجزت المحكمة الدولية عن تحقيق مجرّد انجاز قضائي واحد يخدم العدالة ويعيد الحقّ
عمر نشابة - الأخبار
تحتفل المحكمة الدولية الخاصة بجريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري بعيدها السنوي الثالث هذا العام، في ظلّ تأخر انطلاق المحاكمات. فعلى الرغم من انطلاق التحقيق الدولي في جريمة 14 شباط 2005 بعد أسابيع قليلة على وقوعها، وعلى الرغم من إنفاق أكثر من 300 مليون دولار لسدّ اتعاب مئات الموظفين الدوليين الذين كلّفهم مجلس الأمن الدولي بكشف «الحقيقة»، عجزت المحكمة الدولية عن تحقيق مجرّد انجاز قضائي واحد يخدم العدالة ويعيد الحقّ الى أصحابه. ففي ملف اغتيال الحريري أصدر المدعي العام دانيال بلمار قرارات اتهامية بحقّ مقاومين منتسبين الى حزب الله مبنية على معلومات مشكوك بصدقيتها. ولا يمكن ان ينفي أحد ان ابرز ما خلّفته تلك القرارات، منذ تسريب مضمونها الى مجلة «دير شبيغل» الالمانية، هو تحريض بعض اللبنانيين على بعضهم الآخر. وعلى الرغم من ذلك (أو بفضله) يتوقّع أن يمرّ تمديد مجلس الأمن ولاية المحكمة الدولية ابتداءً من آذار المقبل، من دون أية عقبات تذكر. وكان مكتب بلمار قد ختم العام 2011 بمنح شهود الزور الذين تسببوا في اعتقال أشخاص لنحو أربع سنوات تعسّفاً هدية ثمينة تمثّلت بإصرار المحكمة على حمايتهم من الملاحقة القضائية، اذ صدرت مذكرة عن المسؤول في مكتب المدعي العام ايكهارت فيتهوبف، باسم المدعي العام، يوم 30 كانون الأول الفائت موجّهة الى قاضي الاجراءات التمهيدية دانيال فرانسين تضمنت دعوة إلى عدم تسليم أحد ضحايا الاعتقال التعسّفي، اللواء الركن جميل السيد، مستندات أو محاضر تذكر أسماء بعض الشهود وتدلّ على هويتهم. وكان السيد قد أودع المحكمة في 2010 طلب اطلاعه على مستندات تكشف الشهادات التي احتجز بموجبها لنحو أربع سنوات لكي يتمكن من الاستناد الى مضمونها لمقاضاة المتسببين في الجريمة التي تعرّض لها أمام القضاء الفرنسي. وبعد سلسلة طويلة من المماطلات والتلكؤ، وبعد ردّ دائرة الاستئناف في المحكمة طعونَ بلمار بقرارات القاضي فرانسين، ختم مكتب بلمار العام 2011 بالتشديد على حماية شهود الزور. وكان القاضي فرانسين قد أمر المدعي العام في 21 تشرين الاول الفائت بوضع تقرير يعرض الأسباب التي لا تسمح بتسليم المستدعي اللواء السيد مستندات تتضمّن أسماء بعض الشهود. تلكأ مكتب بلمار في تنفيذ الأمر حتى آخر يوم عمل في العام الفائت (30 كانون الأول) فتضمّن تقريره النقاط الأساسية الآتية: أولاً، وافق مكتب المدعي العام على احالة بعض المستندات التي طلب السيد الاطلاع عليها لكن بصيغة معدّلة. وبالتالي ذكر فيتهوبف أن الموظفين في مكتب بلمار سيحذفون اسماء وبعض المعلومات الواردة في تلك المستندات. ثانياً، عارض الادعاء العام الإفصاح عن مضمون شهادات بعض الاشخاص بنحو قاطع بحجة أن هناك أسباباً أمنية قد تعرّض هؤلاء الأشخاص للخطر. ثالثاً، عارض الادعاء العام تسليم السيد بعض مستندات التحقيق التي طلبها بحجة أنها لا تتضمن معلومات مرتبطة بأسباب اعتقاله. رابعاً، ادعى مكتب المدعي العام أن بعض الشهادات متوفرة باللغة العربية وبالتالي لا يمكن البحث في تسليمها الا بعد ترجمتها. خامساً، طلب المدعي العام من القاضي اعادة المستندات التي يرفض توصيات بلمار بشأنها اليه قبل تسليمها، ليتمكن من ادخال بعض التعديلات عليها. يذكر أن مكتب بلمار والمسؤولين الاعلاميين في المحكمة الدولية كانوا قد أكدوا مراراً وتكراراً الفصل بين لجنة التحقيق الدولي المستقلة (أنشئت بموجب القرار 1595/2005) والمحكمة الخاصة بلبنان (أنشئت بموجب القرار 1757/2007)، لكن الغريب في الامر أن المدعي العام في المحكمة يشدّد على عدم تسليم مستندات تعود الى لجنة التحقيق الدولية وذلك بهدف حماية أشخاص يبدو أنهم تلاعبوا بالتحقيق خدمة لجهات سياسية محلية ودولية. أما بشأن رفض تسليم المستندات الى اللواء جميل السيد ووكيله القانوني بحجة أن ذلك قد يعرض بعض الشهود للخطر، فتتضمن اتهاماً غير مباشر وغير قانوني. اذ إن التهديد بتعريض الناس للخطر يشكل جريمة يعاقب عليها القانون. فاذا كان بلمار معلومات عن تعرّض أشخاص للخطر، فلا بد أن تؤخذ التدابير اللازمة لملاحقة مصادر الخطر. لكن بلمار لم يفعل، بل فضّل اتخاذ خطوات لا تتناسب مع المعايير المهنية عبر اختلاق حجج أمنية وتوجيه اتهامات غير مباشرة لا تبرّرها الا وظيفته السياسية.
إن موقع المنار غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبر إلا عن وجهة نظر كاتبه