كانت القدرات البحرية لـحزب الله خلال حرب تموز 2006 خارج الحسابات الاستخباراتية الاسرائيلية التي لم تكن تتوقع امتلاك الحزب لصواريخ بحرية من طراز C- 80 بالرغم من قيام استخبارات البحر بعمليات تحر عن ذلك.
كانت القدرات البحرية لـحزب الله خلال حرب تموز 2006 خارج الحسابات الاستخباراتية الاسرائيلية التي لم تكن تتوقع امتلاك الحزب لصواريخ بحرية من طراز C- 80 بالرغم من قيام استخبارات البحر بعمليات تحر عن ذلك...
تروي صحيفة «السفير» اللبنانية في الحلقة الخامسة من كتاب «أسرى في لبنان: الحقيقة عن حرب لبنان الثانية» للمؤلفين، المعلّق السياسي والعسكري في صحيفة «معاريف» وقناة التلفزيون الاسرائيلية العاشرة عوفر شيلح والمعلق العسكري في قناة التلفزيون الاولى يوءاف ليمور، القصة الكاملة لضرب البارجة، بدءاً من دخولها المياه اللبنانية الى حين إصابتها. علماً أن ضرب البارجة الصاروخية «حانيت» او «ساعر 5» أثار جدلا واسعا في الأوساط السياسية الاستخباراتية ما زال صداه يتردد حتى يومنا هذا. كانت البارجة «حانيت» قد خرجت يوم الخميس 13 تموز فجرا على رأس أسطول صغير مؤلف من 4 زوارق صواريخ و3 زوارق دورية. من أجل تطبيق الحصار البحري على لبنان. وقد أبحرت الزوارق على مسافة 16 ميلا من الشاطئ وهي مسافة تدل على حالة اللامبالاة، إذ إنه لو أخذ بالحسبان وضع يحتمل فيه التعرض لخطر حقيقي يتمثل بإطلاق صاروخ تجاه الزوارق لكانت المسافة أطول بكثير.
«في الساعة السادسة صباحا عقدت جلسة لتقويم الوضع في مقر استخبارات تابع لسلاح البحر، وقد فاجأ أحد الضباط الذين حضروا الجلسة، وهو برتبة لفتنانت كولونيل زملاءه بقوله «لدي شعور أن حزب الله يملك صاروخ من طراز C- 802».
رفض الآخرون أقوال زميلهم معتبرين انها «خيالية وباطلة». إلا أن الضابط أصر على رأيه وبعث برسالة الى رئيس استخبارات البحر رئيس وحدة الكوماندوس البحري السابق البريغادير رام. لكن هذه الرسالة لم تؤثر كما أن كبار القادة في سلاح البحر في غرفة القيادة لم يعلموا بها. قبل يوم من ذلك تم تسجيل «إخطار غريب فقد اتصل الوزير ايلي يشاي برئيس الحكومة وقال له انه قام بزيارة حاخام لم يذكر اسمه، وهذا الأخير اخبره انه في يوم غد أي يوم ضرب «حانيت» سيقوم الأعداء بإغراق قطعة بحرية إسرائيلية. فطلب أولمرت من سكرتيره العسكري نقل هذا البلاغ الى الجيش لكي يرى ما يمكن فعله تجاهه» وبالفعل حوله السكرتير الى الجيش. كان يوجد على ظهر الزورق ما لا يقل عن أربع منظومات إلكترونية سالبة وموجبة، بدءا من الصواريخ والمدافع المضادة للصواريخ وانتهاء بأجهزة التضليل الالكترونية القادرة على منع تعرض الزورق للاصابة بصاروخ C- 802 الذي كان يعتقد انه غير موجود. إلا انه لم يكن كافيا أيضا، إذ ان تسلسلا غريبا من التقصير والعثرات، مكّن الصاروخ الذي طار في الجو لمدة دقيقة منذ اطلاقه الى حين انفجاره، من الوصول الى زورق الصواريخ الحديث بدون إزعاج. ففي صبيحة اليوم الذي تعرضت فيه «حانيت» للهجوم حدث خلل جزئي في الرادار. حيث تعطلت إحدى سماعتي البث الراداري، وضعفت قدرته على اكتشاف الصواريخ والطائرات المهاجمة بنسبة 50 بالمئة. ونتيجة لذلك اصبحت «حانيت» عمياء تماما بحيث لم تعد قادرة على مشاهدة إطلاق الصاروخ. «في هذا الجو من اللامبالاة الشاملة، ونظرا لأن النشاط الالكتروني الثقيل للجيش في المنطقة قاد الى تحريات كانت من دون جدوى كثيرة، عملت المنظومة بصورة جزئية فقط أيضا. وبالطبع لم تتوافق مع المعطيات المحددة للصاروخ الذي لم يكن احد يعرف عنه شيئا بالتأكيد. وبعد الحرب تذرعوا في سلاح البحر بأنه حتى لو تم التعرف الى الصاروخ، فإن أفراد الطاقم كانوا سيعتقدون ان هذه قطعة طيران إسرائيلية، لان احدا لم يخطر بباله ان هناك صواريخ ارض ـ بحر جاهزة للانطلاق.
كما انه لم يجر التخطيط لممرات منفردة لأدوات الطيران المهاجمة في بيروت وللزوارق في البحر من اجل تجنب فوضى الكترونية كهذه. قال ضبّاط كبار في سلاح البحر بعد ضرب «حانيت» إن «من لم يحرص على قيام الزوارق الحربية، الموجودة قبالة السواحل اللبنانية، بالإبحار على هيئة حرب، وليس على هيئة مسيرة استعراضية، يجب ألاّ يستغرب حقيقة ان المصيبة التي حلت بسلاح البحر حدثت في الوقت الذي كان فيه قائد سلاح البحر الميجور جنرال ديفيد بن بعشاط موجودا في منزله. عندما أطلق من الساحل صاروخان من طراز C- 802 فإن الإصابة كانت أصبحت حتمية. وقد أخطأ احد الصاروخين زوارق سلاح البحر، واستمر في انطلاقه يبحث عن هدف الى ان تمكن في النهاية من إصابة سفينة تحمل علم كمبوديا على مسافة 35 ميلاً من الشاطئ. أما الصاروخ الثاني فقد شق طريقه إلى «حانيت» من دون إزعاج. فالصاروخ يحتوي على جهاز تفجير مزدوج، وهو يصبح جاهزا للانفجار عند الاصطدام الأول، الذي يفترض ان يكون في جسم «حانيت» او فوق سطحه، ويفترض ان ينفجر بعد ثوان من ذلك داخل بطن الزورق نفسه. ولو كان الصاروخ انفجر في داخل الفضاء المغلق، لأدى التفجير الى إحداث تأثير قاتل بشكل أكبر، ولأصبحت فرصة إغراق الزورق كبيرة، غير أن الحظ تدخل هنا وأنقذ «حانيت» من الغرق كما أدى الى نجاة طاقم المقاتلين من الموت. فالصاروخ أصاب «حانيت» في المنطقة التي يوجد فيها مروحية تابعة لسلاح الجو، وهي توضع بشكل ثابت على ظهر البارجة، وبشكل عارض أصاب الصاروخ رافعة كانت تقف بالقرب من مهبط المروحية. «كانت هذه الإصابة الأولى، ووقع الانفجار في ظهر البارجة «حانيت» وليس في جوفها. الأمر الذي جعل قوة الصدمة تضرب ظهر «حانيت» من الخارج. حيث أدى الانفجار الى مصرع أربعة جنود، اثنان منهم من الطاقم الجوي للمروحية. «عدم حدوث الانفجار في بطن الزورق، منع الاحتمال الذي بموجبه كانت «حانيت» ستغرق وهذا يعني ان افراد طاقمها الـ80 الموجودين على متنه حينها، كانوا سيواجهون الموت الفوري. شبّت النيران في منطقة التفجير، الموجود فيها براميل وقود نفاث مخصصة لاستخدام المروحية. حاول أفراد الطاقم إطفاء النيران، وهنا تكشف تقصير آخر، فمفاتيح الخزانة التي كانت تحتوي على معدات الإطفاء الخاصة بالبارجة لم تكن فيها. فبقيت النار مشتعلة فترة طويلة ثم انطفأت بذاتها، وليس بفعل نشاط أفراد الطاقم، بحسب ما ادعي بعد ذلك.
كما ان عمليات أساسية مثل إبعاد براميل الوقود وقطع كوابل الكهرباء لم تجر. هذا التقصير، إضافة إلى كمية الوقود التي اشتعلت، تسبب بعدم اكتشاف ثلاث من جثث القتلى الذين أصيبوا في التفجير الأول حتى اليوم التالي. وفي الساعات الأولى التي تلت إصابة البارجة لم يكن أحد قادراً على التأكيد أن جثثا او حتى أشخاصا أحياء لم يسقطوا في البحر.
وقد تم استدعاء غواصين من الكوماندوس البحري وطاقم من وحدة الإنقاذ في سلاح الجو الى الموقع. وانضم أفراد الكوماندوس البحري الى جهود الإنقاذ من الساحل، حيث نفذوا نشاطا سريا في منطقة بيروت. وقد استغرقت أعمال البحث ساعات طويلة ومخاطرة غير قليلة، بحياة الأشخاص من اجل التأكد من أن جنودا آخرين أحياء أو أمواتا لم يختفوا في المياه. ان الطريقة التي بنيت فيها «حانيت» ساهمت بشكل كبير في عدم غرقها. فزورق الصواريخ الحديث مبني بطريقة خاصة، بحيث ان الاصابة بأحد أجزائها لا تتسبب في الغالبية العظمى من الحالات بغرقها بالكامل. فهي مبنية بشكل مماثل للمدمرة الاميركية «كول» التي تعرضت لعملية انتحارية في اليمن، ولم تغرق حينها. وقد لحق بـ«حانيت» ضرر قدر بـ40 مليون دولار، أي اكثر من ربع تكلفة بنائها بكاملها، إلا أنها بقيت تعمل. بقيت «حانيت» طوال الليل قبالة الشواطئ اللبنانية، لا حول لها ولا قوة وغير قادرة على الدفاع عن نفسها. ولحسن الحظ فإن «حزب الله» لم يطلق صواريخ إضافية تجاهها، ولو أطلق صواريخ باتجاه حانيت وطواقم الإنقاذ فإن المصيبة كانت لتكون أشد بكثير.
ومن الصعب أن نصف التأثير الذي كان أحدثه موت العشرات من المقاتلين في آن واحد، فيما كان لا يزال في وعي الكثيرين من مواطني إسرائيل ناهيك عن زعمائها، ان الحرب ليست اكثر من مصادمة تستغرق عدة ايام من المعارك. مع الصباح سمح «لحانيت» بالإبحار بما تبقى لديها من قوة الى ميناء أسدود الذي جرى تحصينه فورا من اجل حمايته. وقد أراد سلاح البحر والجيش الإسرائيلي أن يبرهنوا بالإبحار الذاتي لـ«حانيت» أن «حزب الله» لم ينجح في هزيمته. أما عمليا فقد رمزت الرحلة البطيئة للزورق المتفحم والمصاب بثقب مفتوح بجانبه الخلفي، الى الشاطئ الإسرائيلي الى نسف الأوهام التي تحدثت عن انتصار إسرائيلي براق. اعترف قائد سلاح البحر بن بعشاط بعد الحرب بأنه «كنا أسرى الفهم الخطأ». في حين قال ضابط كبير في البحرية، ان زوارق الصواريخ تصرفت كما لو كانت هي ملوك البحر الذين لا يهزمون. فالبحرية الإسرائيلية التي كانت خططها الحربية أعدت لسنوات كثيرة لاستخدامها ضد أسلحة بحرية نظامية، والذي كان واقعه على الأرض لا يتعدى فرض حصار بحري على صيادي اسماك اللقّز وإغراق معدات قتالية مهربة، لم يكن مستعدا لصد حتى صاروخ يتيم واحد. إن الضرر الأكبر المتمثل بضرب «حانيت» إذا ما استثنينا موت أفراد الطاقم الأربعة، كان ذلك الذي أصاب وعي القادة، فالغطرسة التي أظهرها كل من أولمرت وبيرتس وحلوتس في جلسة الوزراء السبعة قبل بضع ساعات من ظهور نصر الله لم تختف. بل أضيف إليها الحنق والإحباط نتيجة التأثير الذي خلّفه هذا الظهور والاهانة التي سببها «قصف حانيت». صباح السبت اتصل حلوتس بالسكرتير العسكري لرئيس الحكومة غادي شامني، مؤكدا ان «الأهداف انتهت ويجب علينا القيام بالمزيد من الضغط ومن غير الممكن ان نأتي اليكم للحصول على المصادقة لقصف كل مبنى». وافق أولمرت فحصل بعدها الجيش على مطلق الحرية في قصف الضاحية وبعلبك مصعّدا هجماته الجوية. أما في الجنوب اللبناني فلم يعد هناك أهداف يمكن قصفها.