15-11-2024 10:27 AM بتوقيت القدس المحتلة

في "دمـج الأذرع" بُنيـت "بنـت جبيـل"ثانيـة في النـاصـرة

في

في حزيران 2006 نفّذ الجيش الصهيوني مناورة عسكرية كبيرة حاكت اندلاع مواجهة كبيرة مع «حزب الله»،حيث تم خلالها بناء نماذج لمراكز سكنية مشابهة لمدينة بنت جبيل وبلدة تبنين للسيطرة على مناطق في الجنوب اللبن

 علي دربج-السفير

 في حزيران 2006 أي قبل شهر واحد من اندلاع «حرب لبنان الثانية»، نفّذ الجيش الصهيوني مناورة عسكرية كبيرة حاكت اندلاع مواجهة كبيرة مع «حزب الله»، حيث تم خلالها بناء نماذج لمراكز سكنية مشابهة لمدينة بنت جبيل وبلدة تبنين للسيطرة على مناطق في الجنوب اللبناني. وقبل انتهائها طلب قائد سلاح الجو الجنرال اليعازر شكدي عدم المضي بها، مقراً بالعجز عن القضاء على منصات صواريخ «الكاتيوشا» في حال نشوب الحرب.

 يوضح المعلّقان الاسرائيليان عوفر شيلح ويوءاف ليمور في كتابهما «أسرى في لبنان: الحقيقة عن حرب لبنان الثانية» الصادر عن «مدار سنتر» باللغة العربية، والذي تنشر صحيفة السفير اللبنانية الحلقة السابعة من ملخص أبرز ما جاء في فصوله، أن قائد المنطقة الشمالية أودي آدام روى لأحد اصدقائه بعد الحرب، انه عندما كان يذهب الى مناقشات رئاسة هيئة الاركان منذ تعيينه قائدا للمنطقة الشمالية، كان المجتمعون يتناقشون في ما بينهم لساعات طوال حول مسائل تتعلق بالمناطق («المحتلة»).

 بينما كانت امور مثل مقياس المغناطيسية في معبر كارني، او طول كم قميص الإنسان العربي الذي يجتاز فحصا امنيا تشكل موضوعات لبحث معمق. في المقابل لم يتحدثوا عن القيادة الشمالية سوى 30 ثانية في احسن الحالات. يوضح الكاتبان أن ادام لم يكن مبالغا في كلامه، فخلال السنوات الست التي سبقت تموز 2006 كان لبنان في مداولات رئاسة هيئة الاركان والاجهزة العسكرية يمثل كلمة فظة، إذ ان الشخص الذي يحترم نفسه ومكانته لم يكن ليتفوه بهذه الكلمة بصوت مرتفع. ومع ذلك فإنه بين الحين والأخر كان يظهر ضباط كبار، خصوصا من قادة المنطقة الشمالية، ويلفت في احاديث توجيهية انه لن يكون هناك خيار آخر، إذ سوف يأتي اليوم ونضطر فيه للدخول في مواجهة «حزب الله». كانت المخاوف من اشتعال الوضع في لبنان واجهت الكثير من قرار زعماء إسرائيل في العقد الاخير. كما ان الفرص لتفنيد عمليات أو القيام بردات فعل على عمليات إطلاق النيران من جانب «حزب الله»، كانت تدرس بحذر كبير. وبعد نشوب الانتفاضة الثانية اصبح لبنان وبشكل شبه رسمي بمثابة جبهة ثانية «ينبغي الحرص على ان لا تستيقظ».

ويضيف الكاتبان، كان الجيش الإسرائيلي قد قام في مطلع العام 2001 بأول مناورة له لمواجهة صواريخ «حزب الله» والنتيجة التي أسفرت عنها، هي انه سوف يكون من الصعب العمل على تحييد الصواريخ القصيرة المدى. حاول القادة العسكريون خلال سنوات ما قبل الحرب وضع خطط استعداداً لمواجهة «حزب الله» وابرزها الخطة التي بلورها حينها كل من رئيس أركان القوات البرية الجنرال ايال بن رؤوفين وقائد المنطقة الشمالية بني غانتس، والتي اطلق عليها اسم درع البلاد وهي قد قسمت الى ثلاث مراحل: الاولى تسمى السيطرة: بعد معركة جوية قصيرة تستغرق بضعة ايام من المفترض تنفيذ عملية مشتركة، تشمل عمليات نقل جوي وحركة برية، تتمركز في نهايتها القوات النارية على خط الليطاني وتعمل على إغلاقه لمنع هروب مقاتلي «حزب الله» وقطع امدادت السلاح الى مقاتليه في الجنوب.

 ومن المفترض أيضا ان تتمركز فرقتان عسكريتان على خط الحدود ويتركز نشاطهما على تنظيف المنطقة من مواقع «حزب الله» المحاذية للسياج، وهو إجراء عسكري أطلق عليه «جلسات صحيحة» لأبعاد الأنظار فقط عن العملية الرئيسة للفرقة المختارة. ويضيف شيلح وليمور إن «وصف مهمة فرقة النيران بأنها السيطرة، قصد به بالدرجة الأولى الإيضاح بأن الأمر لا يتعلق بمهمته احتلال الأرض فخلافا لعملية الليطاني او لحرب لبنان الاولى لن يكون هناك معنى للدخول الى بلدة بنت جبيل او اية بلدة اخرى. فالأمر الذي يجب القيام به هو السيطرة على المنطقة بواسطة قوات متفرقة تقوم بالتمركز في نقاط مشرفة بحيث تتمكن من توجيه نيرانها الى مراكز إطلاق الصواريخ. وبعد عملية السيطرة تأتي المرحلة الثانية أي عملية «المكوث» والتي حددت بستة اسابيع.

وكان مدلول ذلك انه سيكون بمقدور الجيش تحديد المناطق التي سيقوم باقتحامها، من خلال استخدام قوات محددة لكل مهمة. فإذا ما تقرر الدخول الى بنت جبيل، فسيجري حشد قوة ملائمة في تلك المنطقة لدخولها بحيث تقتل وتضرب الأهداف التي تراها مناسبة ثم تخرج. ورأى المخططون انه من المهم تحديد المدة الزمنية للمكوث وتاريخ انتهائها مسبقا. وفي النهاية تنفذ المرحلة الثالثة والتي اطلق عليها اسم «الانفصال» وبموجبها يقوم الجيش بالانتشار على الحدود الدولية مع تعديلات تكتيكية طفيفة، ومن ثم يقوم بالإغارة حسب رغبته على أهداف المقاومة المتبقية في تلك المنطقة. كانت خطة «درع البلاد» ساحرة بمعان كثيرة، فقد عبّرت عن التركيز الجديد للجيش على الدقة في تصويب النيران، والسيطرة الجوية الاستخبارية، واستخدام قوات صغيرة الحجم وماهرة في «عمليات منخفضة» والامتناع عن عمليات ثقيلة ومعقدة. فالحل الذي قدمته كان يعني تجنب الصدامات الجماهيرية وتجنب الشعور بأن لبنان لا يجلب معه إلا الحظ السيء. ويشير الكاتبان الى انه في حزيران 2006 قامت قيادة المنطقة الشمالية بإجراء مناورة للمرة الأخيرة حاكت نشوب حرب مع «حزب الله»، وقد اطلق عليها اسم «دمج الاذرع».

وفي تلك الفترة كان اولمرت اصبح رئيسا للحكومة وبيرتس وزيرا للدفاع. وكان السيناريو الافتتاحي مماثلا بصورة تثير القشعريرة لما وقع بالفعل في 12 تموز: اختطاف جندي اسرائيلي في الجنوب، وبعد ثلاثة ايام من ذلك اختطاف جندي في الشمال أيضا. الجيش يزج في معركة امام «حزب الله» تستمر خمسة أسابيع، يقوم خلالها بإطلاق أكثر من 100 صاروخ يوميا تجاه الجبهة الداخلية. شاركت في المناورة الفرق التالية: «91» بقيادة غال هيرش، «قيادة النيران» بإمرة آيال ايزنبرغ، والفرقة «62» بقيادة غاي تسور والتي استخدمت كاحتياط، بالاضافة الى قوات خاصة وسلاح الجو. وقد جرى خلال المناورة بناء مراكز سكنية في منطقة الجليل كنموذج مشابهة لقرى وبلدات ومدن جنوبية للسيطرة على مناطق في الجنوب اللبناني، إذ شكلت الناصرة نموذجا لبنت جبيل كما شكلت بلدة شفا عمرو نموذجا لبلدة تبنين. في منتصف عملية «دمج الاذرع» طلب قائد سلاح الجو الجنرال اليعازر شكدي التوقف مخاطبا كل من ادام وهيرش بالقول: «مناورتكم المعقدة لا تساوي شيئا إذ انها لا تقدم الحل لمشكلة صواريخ «الكاتيوشا» القصيرة المدى. ويجب عليكم آلا تتوقعوا منا أن نقدم لكم حلا كهذا في حال اشتعال الوضع» موضحا انه «عليكم ان تتوقعوا نجاحا بنسبة تترواح بين 1 الى 3 بالمئة أي انه من بين 100 محاولة للمس بمنصات صواريخ من هذا النوع، فأن 3 محاولات على الأكثر سوف تنجح».

 وباستثناء هذه النتيجة الحاسمة، ظهرت في مناورة «دمج الاذرع» أمور إضافية كان من شأنها ان تلعب دورا مركزيا في الحرب بعد شهر واحد. اولها توزيع المسؤولية الجغرافية. ثانيها تحديد الأهداف التي ستجري مهاجمتها. ووفقا للمناورة كانت القيادة الشمالية مسؤولة عن المنطقة الممتدة من الليطاني جنوباً، بحيث تقوم هناك بتحديد أهداف لكي يقوم سلاح الجو بمهاجمتها. وفي المناورة نفسها تمت تجربة نموذج يقوم فيه ادام بتحديد أهداف في ارجاء لبنان كافة لكي تجري مهاجمتها من قبل سلاح الجو من دون نجاح. و في نهاية الأمر تصرّف حلوتس بصورة مغايرة في الحرب. إذ قلص كثيرا من الحيّز الموجود تحت مسؤولية القيادة الشمالية وقرر ان يكون سلاح الجو هو المسؤول عن حيّز جغرافي كبير وهذا أمر لم يسبق له مثيل.

 وهذا القرار الذي لم يكن له ما يستند اليه في تجربة الجيش ساهم كثيرا في إحباط ادام، كما ادى الى تحميل سلاح الجو عبئا لم كن مستعداً له. وبعد ثلاثة ايام من القتال طلب قائد سلاح شكدي رفع عبء هذه المسؤولية عنه بقوله: «انني مجرد متعهد للتفجيرات. وقد ادى هذه التعقيد القيادي الى اهمال موضوع «صورايخ الكاتيوشا». فلم يكن واضحا مَن الجهة التي تخصص الاهداف، وما هو جدول الأولويات التي يتم بموجبها التخصيص، وفي نهاية الامر فإن احدا لم يقم بمعالجة الكاتيوشا بجدية طوال أسابيع. ويضيف الكاتبان «نهار الاحد 16 تموز وهو اليوم الذي كان يفترض ان يليه وفقا للأمر الذي يحمل اسم «تغيير الاتجاه رقم 1» وفق القتال. دخلت حرب لبنان الثانية زمنها الاغبر». الضباط الذين سئلوا بعد الحرب عما فعلوه بالضبط في تلك الايام وجدوا صعوبة في التذكر.

 كما ان القادة الذين كان يفترض فيهم اتخاذ القرارات لم يتذكروا ما تحدثوا عنه خلال الحرب. كانت الأجواء في قيادة المنطقة الشمالية كئيبة، فمجال العمل الضعيف الذي حدده حلوتس لها، الى جانب رفضه اقرار ان يكون ادام قائدا لساحة الحرب كلها زاد في الكآبة الشديدة التي نجمت عن عملية الخطف وتفجير الدبابة. وفي هيئة الأركان نفسها أيضا كان هناك صورة مماثلة للإحباط والمرارة. كبار جنرالات الجيش كانوا يتنقلون من مكان الى آخر من دون مهمة يقومون بأدائها.

 إضافة الى ذلك فان انعدام المناقشات المرتبة وعدم تدفق المعلومات من الجبهة واليها والتي هي خلاصة ماهية «موقع القيادة» العليا الذي اتخذ حلوتس قرارا قضى بعدم استخدامها طيلة أيام القتال كافة، كانا يمثلان الجانب الظاهر من المشكلة فقط. فهناك جزء اخر لايقل خطور ونجم عن الحقيقة القائلة ان خبرة وكفاءة وافكار واعتراضات اعضاء هيئة الاركان لم تسمع خلال الحرب قط. فالهيئة بأكملها وهي التي درجت العادة خلال حروب إسرائيل على الاجتماع بصورة متلاحقة (خلال حرب الغفران اجتمعت كل يوم تقريبا) كأمر روتيني، لم تجتمع طول ايام القتال في لبنان والتي استمرت 34 يوما ولا حتى مرة واحدة.

 فُتحت ذريعة ان «البئر» أي مقر وزارة الحرب في تل ابيب تمر بعملية تحسينات ولم تجتمع هيئة الأركان الإسرائيلية. وادار حلوتس القتال من داخل مكتبه مستعينا بهيئات لتخطيط شكل المعركة وبمجموعة صغيرة من الجنرالات (حلوتس كابلنسكي ايزنكوت وغانتس) وقد أطلق عليها لقب الرباعية. وكذلك كان يادلين مقربا من اذن حلوتس. اما في الميدان فقد واصل الجيش إطلاق وابل من النيران من دون وجود أهداف حقيقية. وعملت بطاريات المدفعية على قصف أهداف ميدانية بفوارق زمنية ثابتة. في محاولة يائسة لبث الرعب والخوف في نفوس مطلقي الكاتيوشا. بالمقابل «حزب الله» الذي استعد مسبقاً، فأعد سلفا مواقع محفورة جيدا في الأرض، حيث كان العنصر الذي يشغل منصة الصواريخ يفعل ذلك من داخل حفرة يبلغ عمقها عدة امتار في باطن الارض. ثم يسحب الحبل ويشغّل منصة الإطلاق، التي تصعد الى سطح الارض بالاستعانة بجهاز هيدروليكي، وبالتالي يطلق الصاروخ، ويختبئ تحت غطاء حراري لإخفاء المنصة عن وسائل الاستشعار المتقدمة التي يستخدمها سلاح الجو. وحتى لو سقطت نيران المدفعية او قنابل الطائرات على المنطقة فإن العنصر يكون بأمان. كان سلاح الجو يقوم بأعمال الدورية في الجو، ويبحث عبثا عن أهداف لتدميرها، كما حاول تطوير منظومات من الأسلحة يمكنها تقديم معلومات في الزمن الفعلي عن عمليات تطوير إطلاق الصواريخ.

 كما جرى إطلاق ذخيرة باهظة الثمن بما في ذلك صواريخ ذكية ومعدات مدفعية متقدمة من دون حساب التكلفة مقابل الفائدة والمخزون في مقابل الحاجة. ويؤكد شيلح وليمور انه «كشفت عمليات إطلاق النيران التي تفتقر الى الرقابة، النقاب عن معدات قتالية كانت إسرائيل احتفظت بها ليوم تدعو الحاجة. كما أدت الى حدوث مواجهة مع الولايات المتحدة. فعندما زُوّدت إسرائيل بمنصات صواريخ متعددة الفوهات من طراز MLRS تقرر ان يكون في وسع الجيش استخدامها في الحرب فقط، شرط ان تبلغ إسرائيل الولايات المحتدة اربع مرات في السنة عن استخدامها. وخلال الحرب سمح حلوتس باستخدام منصات هذه الصواريخ ضد المحميات الطبيعية فقط كون هذه المحميات وصفت بانها منطقة عسكرية اغلقها حزب بنفسه.

إلا ان عمليات إطلاق النار الإسرائيلية كانت موجهة الى المناطق المبنية. وعندما جرى إعلان هذا الموضوع وثارت عاصفة ادعى الجيش في البداية ان اطلاق القذائف العنقودية تم بوسائل مسموحة بموجب القانون الدولي، لكنه اعترف في وقت لاحق أن الاطلاق كان أيضا تجاه المناطق السكنية. قيادة المنطقة الشمالية أطلقت خلال الحرب اكثر من 170000 قذيفة مدفعية متنوعة. في حين أطلقت في «حرب يوم الغفران» (1973) 75000 قذيفة في مقابل جيشين نظاميين كبيرين وعلى جبهتين. اما في عملية الليطاني عام 1978 التي جرت على مساحة المنطقة نفسها لحرب لبنان الثانية، فقد أطلق 17000 قذيفة مدفعية أي اقل من 10 بالمئة من الكمية التي أطلقها الجيش ضد عدة آلاف من مقاتلي «حزب الله». وفي الوقت الذي كانت الجبهة الداخلية مقـتنعة بأن المسـؤولين في إسـرائيل لا يمكّنون الجيــش من تنظيف الأرض من الأعداء كان هذا الأخير قد اطلق كل ما عنده بالإضافة الى الغارات، من دون رقابة وفائدة. غداً: مأزق إيغوز في مارون الراس اثناء نجدة المظليين .