ألقى سماحة العلامة السيّد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عددٍ من الشخصيّات العلمائيّة
ألقى سماحة العلامة السيّد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عددٍ من الشخصيّات العلمائيّة والسياسيّة والاجتماعيّة، وحشدٍ من المؤمنين، ومما جاء في خطبته السياسية: تعيش المنطقة العربيّة والإسلاميّة في ظلّ حمى صراعات دولية وإقليمية وداخلية، تجد تعبيراتها على أكثر من صعيد، فيما التّفجيرات الوحشيّة المدمّرة تنتقل من باكستان والعراق إلى العاصمة السورية دمشق، وتكاد تكون رسالتها واحدة: لا مجال للحديث عن استقرارٍ تنعم به المنطقة، بل لا بد من أن تبقى هذه المنطقة تعاني من استنـزاف في كل موقع من مواقعها إلا إذا خضعت للسياسات الاستكبارية المرسومة لها...
إنّ هذه التّفجيرات الوحشيّة إنما تستهدف إغراق البلدان العربيّة والإسلامية في حمى صراعات داخلية وأتون فتنةٍ مذهبيّةٍ للإمساك بزمام هذه المنطقة وقرارها بعد إضعافها واحتوائها بفعل هذه الصراعات...
إن هذا الواقع يستدعي وعياً من قِبَل هذه الشعوب، فلا تقع في الفتنة المذهبية خدمةً للواقع السياسي وللمخططات الاستكبارية، وهو ما يتطلب حركةً واعيةً من المرجعيات الدينيّة والقيادات المسؤولة، الّتي يُفترض بها أن تهبّ لمواجهة الرّياح الطائفيّة والمذهبيّة العاتية الّتي تأتي من كلّ النّواحي، وخصوصاً من تلك الجهات التكفيريّة الحاقدة،
والّتي لا تنفتح على الإسلام في عمقه وأصالته وتطلّعاته الإنسانيّة والرّساليّة الكبرى...
ونحن نقدّر في هذا المجال كل موقف يعمل لإطفاء نار الفتن وإيقاف الصراعات الداخلية، وخصوصاً ما صدر عن الأزهر الشّريف، الذي قارب مسائل الخلافات والحساسيات الداخلية والسياسية والطائفية في بلادنا، بتأكيد حقّ حريّة الاعتقاد والتّسليم بمشروعيّة التعدّد، ورعاية حقّ الاختلاف، ووجوب مراعاة مشاعر الآخرين، والمساواة على قاعدة المواطنة والشراكة، إضافةً إلى ما ورد فيها من "رفض نزعات الإقصاء والتّكفير ورفض التوجّهات التي تدين عقائد الآخرين".. إننا نؤكد على ضرورة أن يتردد هذا الصوت ليكون شاملاً وعاماً...
أمّا في سوريا، فإنّنا في الوقت الّذي لا نزال نتطلّع إلى نجاح مهمّة المراقبين العرب، رغم محاولات التّشكيك من داخلها ومن خارجها، ندعو إلى متابعة هذه المهمّة ودعمها وتطوير دورها، ليكون دور الممهّد لفتح قنوات الحوار الداخليّ في هذا البلد، للوصول إلى الإصلاح المنشود، وإيقاف نزيف الدم المستمرّ...
إنّنا ندعو كلّ الّذين يتطلّعون إلى الإصلاح في سوريا، إلى أن يعوا المخاطر التي تترتب على هذا التدخل والذي لن يكون لمصلحة الشعب السوري، بل لمصلحة الدول المستكبرة التي إن دخلت لن تخرج إلا بعد تحقيق أهدافها...
إنّنا نرى إيجابيّةً في كلّ ما استمعنا إليه من القيادة السوريّة، لحرصها على إصلاحاتٍ تساهم في تطوير سوريا لتكون أكثر قدرةً على الوقوف أمام المخطّطات الاستكباريّة الّتي ترسم لها...
في هذا الوقت، ووسط كلِّ هذا الواقع الّذي يستنزف مواقع القوَّة فينا، علينا ألا نغفل عن فلسطين، الّتي باتت رهينة الاستباحة الاستيطانيّة الكبرى، ولا سيَّما في ظلّ حكومة نتنياهو الّتي حطّمت الأرقام القياسيَّة في الاستيطان، حيث زاد البناء الاستيطانيّ أكثر من 20% في العام 2011، في وقتٍ يتواصل البناء في أكثر من 142 مستوطنة...
ولعلّ ما يثير الأسى أنّ ذلك كلّه يتمّ في ظلّ تعامى العيون العربيّة الرّسميّة عنه، وفي ظلِّ عودة السّلطة الفلسطينيّة تدريجاً إلى التفاوض مع العدوّ، بعد اللّقاءات الأخيرة في عمّان مع مسؤولين إسرائيليّين، والإعلان عن لقاءات أخرى مقبلة...
إنّنا ندعو الفلسطينيّين، وخصوصاً فصائل الانتفاضة والمقاومة، إلى أن يوحِّدوا صفوفهم، ويزيلوا كلّ الإشكالات والحساسيّات الّتي تباعد بينهم، وأن يتحرّكوا لتسير عجلة المصالحة في الاتجاه الّذي تفرضه القضيّة الأساس، وأن يعوا أهداف العدوّ الّذي أدمن اللّعب على الوقت سابقاً، وهو يعرف كيف يحوّل الأمور لمصلحته، حيث لا دولة فلسطينيّة على جدول أعماله، ولا استقلالاً حقيقيّاً، أو حتّى تلبية الحدّ الأدنى من حقوق الشعب الفلسطيني..
ومن فلسطين إلى إيران، حيث لا تزال الإدارة الأمريكيّة تمارس الضّغوط السياسيّة والاقتصادية لإضعاف الجمهورية الإسلامية في إيران، ودورها في مساعدة حركات المقاومة وكل مواقع الممانعة، وهذا يجري في ظلّ عمليّات أمنيّة، تطاول كبار علماء التكنولوجيا فيها، وذلك ترجمة لمحاولات دؤوبة لإجهاض النهوض العلمي لإيران...
إننا في ظلّ هذه الضّغوط الّتي تشهدها الجمهوريّة الإسلاميّة بذريعة استمرارها في برنامجها النّووي، والّتي طالما أكّدت على سلميّته، نخشى أن تؤدّي هذه الضّغوط إلى إشعال حربٍ في المنطقة، والّتي إن حصلت لن تقف حدودها عند إيران، بل ستمتد آثارها إلى كل المنطقة...
ومن هنا، إنّنا ندعو الدّول العربيّة والإسلاميّة إلى وعي خطورة المخطّطات الأمريكيّة والغربيّة، والعمل لمنعها من متابعة مشروعها والعمل لإعادة الحوار الذي شجعت إيران إليه ودعت تركيا إلى احتضانه، حتّى نجنّب المنطقة، وخصوصاً الخليج، تداعياتها الخطرة على الجميع...
أمّا البحرين، فإنّ شعبها لا يزال يعيش المعاناة اليوميّة، من دون أن تقوم حكومته بمعالجة جديّة وعميقة لحلّ المشكلات الّتي يعاني منها، والّتي تضطرّه إلى الخروج إلى الشّوارع للمطالبة بها سلمياً...
إنّنا نعيد التّأكيد على الحكومة البحرينيّة بضرورة الالتفات إلى حاجات شعبها، وتفهّم هواجسه، ووعي متطلّباته، لإعادة البحرين إلى استقرارها، ولعب دورها الإيجابي في المنطقة، ولتكون أنموذجاً يُحتذى به في التّلاقي الإسلاميّ الوطني..
إننا نعتقد أن الحوار هو السبيل الأمثل لمعالجة الهواجس المتبادلة والمشاكل العالقة، فالعنف لا يولد إلا العنف ولا يحقق النتائج التي يرتجيها الجميع.. إننا نؤكد ضرورة إخراج الواقع في البحرين من إطاره المذهبي ليبقى وطنياً مطلبياً..
أمّا في لبنان، فقد كُتب على الطّبقات المحرومة أن تقلّع شوكها بأظافرها، وأن تمتصّ آلامها المتصاعدة في مهزلة تصحيح الأجور الّتي لم تنتهِ فصولاً، والّتي أظهرت قصوراً واستخفافاً لدى المسؤولين عبر ترحيل الأزمات والأولويّات، بينما الأسعار في تصاعدٍ والمشاكل تتفاقم..
إنَّنا نرى أنَّ الحكومة قادرة على معالجة الكثير من الأزمات إذا قرَّرت أن تقوم بدورها كحكومةٍ تعمل كفريقٍ واحدٍ متجانس، وبجديّة ومسؤوليّة، وخرجت من كل الحسابات المذهبية والطائفية والانتخابية، وسعى الجميع للتخطيط والعمل لحساب الوطن ولمصلحة الإنسان المعذّب فيه...
إنّ استحقاقات كثيرة تنتظر الحكومة، وعليها أن تكون على مستوى المسؤوليّة في مواجهتها، وأبرزها تلبية حاجات الناس الاقتصادية والمعيشية بعدما وصلوا إلى حافة اليأس في رهانهم على المسؤولين، والعمل لحفظ هذا البلد وحمايته من الضّغوط الدوليّة الّتي يتعرّض لها من قِبَل ما يسمّى المجتمع الدّوليّ، وإبعاده عن العواصف الإقليميّة الّتي تريد جرّه إلى ساحة صراع داخليّ دائم...
كما أن على الحكومة مسؤولية كبرى تتمثل في متابعة التصدي لملف عملاء العدو الذين استباحوا الأمن اللبناني على مستوى الاتصالات وغيره لمصلحة العدو، والذين تكشف الأجهزة الأمنية عن المزيد منهم.. إن المسؤولية هنا تستدعي ليس محاكمة هؤلاء فحسب، بل العمل لكشف كل شبكاتهم وأفرادهم حتى لا يبقى البلد رهينة بيد العدو على كثير من المستويات...
أيّها المسؤولون، إنّ اللّبنانيّين يستحقّون أن يناموا هانئين لحقهم في أن تكون لهم دولة تفكّر فيهم، وترعى حاجاتهم ومتطلّباتهم في الحاضر والمستقبل وتسهر الليل من أجلهم، لا أن يروا ذلك في أحلام نومهم، ليستيقظوا بعد ذلك فلا يجدوا إلا المعاناة والألم والجوع، وذلك حين يصطدمون في كل صباح بحاجات أولادهم وأقساط مدارسهم وجامعاتهم وضرورات عيشهم...