تناولت الصحف اللبنانية الصادرة صباح اليوم الثلاثاء عدة مواضيع كان أبرزها كارثة انهيار مبنى سكني في منطقة الأشرفية شرق بيروت...
تناولت الصحف اللبنانية الصادرة صباح اليوم الثلاثاء عدة مواضيع كان أبرزها كارثة انهيار مبنى سكني في منطقة الأشرفية شرق بيروت...
السفير
نتيجة الانكشاف والإهمال والجشع والفساد
كارثة الأشرفية: الموت يكبر والدولة تصغر
وتحت هذا العنوان كتبت صحيفة السفير تقول "تعددت الأسباب والمسؤوليات والنتائج ولكن الحقيقة القاسية أن كارثة إنسانية ـ اجتماعية وقعت وذهب ضحيتها كوكبة من القاطنين في مبنى قديم في محلة فسوح في الاشرفية، انهار على رؤوس قاطنيه.
إنها كارثة إنسانية ـ اجتماعية، وكل الدولة مسؤولة من رأس الهرم الى المجلس النيابي الى الحكومة الى كل المستويات البلدية والرسمية والأمنية والمحلية المعنية.
نعم لا يمكن أحداً أن يتهرب من تحمل المسؤولية، مسؤولية التقصير، غض النظر، التقاعس، الإهمال، التجاهل.. والعجز عن درء مثل هذه الكارثة، التي لا تتبدى فقط في الحجم المأساوي للضحايا الأبرياء، والتي لم تفرق بين جنسية لبنانية أو سودانية أو مصرية أو فيليبينية، حملت الحاجة أصحابها على البحث عن لقمة العيش في هذا البلد الصغير، فلاقوا حتفهم مجتمعين تحت الركام في ليلة شتوية قاسية.
إنها كارثة إنسانية ـ اجتماعية، كشفت عن فضيحة، لا بل عن فضائح متعددة الأشكال والألوان، ليس أقلها فضيحة ان الدولة مع الأسف، لا تشعر بالمأساة إلا بعد وقوعها، والامثلة لا تعد ولا تحصى في هذا السياق، وليس أقلها ايضا ان بعض تجار البناء أصبحوا، بقوة نفوذهم ومنظومة الفساد والرشوة والتغطية السياسية أو البلدية أو الامنية الرسمية التي يحظون بها، بلا رادع أو وازع برغم كل المحاذير، ولا همّ إن سقط مبنى على رؤوس قاطنيه نتيجة الجشع، وغياب الحد الأدنى من تدابير الأمان في بعض العقارات المشيدة حديثا، كما حصل في الأشرفية... حيث دفع الثمن الفقراء.
الكل شريك، فلا يكفي أن تقدم الدولة 30 مليون ليرة لتعويض عائلة كل ضحية من الضحايا التي زهقت أرواحها، ولا يكفي أن يقوم المسؤولون بزيارات للموقع هي أقل واجباتهم البديهية، ولا يكفي أن تستنفر الدولة بكل أجهزتها، ثم تذهب جهوزيتها والحدث نفسه أدراج النسيان وفي حلقة الدوران في تأليف لجنة من هنا ولجان من هناك.
ولعل ما حصل في محلة فسوح نموذج لكارثة أو كوارث مماثلة في أبنية مماثلة تتعالى صرخات أهلها في وجه من يعنيهم الأمر في الدولة فيأتي الجواب بتشخيص الداء، وبإطلاق التحذيرات من أن كثيرا من الابنية القديمة والحديثة تقريبا، هي بمثابة قنابل موقوتة آيلة للانفجار، ولكن من دون تقديم العلاج ولا الدواء ولا تحديد كيفية نزع صواعق تلك القنابل العقارية.
إنها كارثة أظهرت مجددا انكشاف الأمن العقاري في لبنان، فانهيار بناية هزّ أركان دولة وجدت صعوبة حتى في مواكبة هذا الانهيار أو التصدي له أو مواجهته، والعورة الكبرى تجلت في فقدان المرجعية الرسمية التي يمكن الركون اليها في حالات من هذا النوع، أو في حالة الكوارث الطبيعية أو غير الطبيعية، والتي تشعر المواطن بشيء من الأمان المفقود، ولعل السؤال هنا أكثر من ملح عن تلك الاتفاقات المعقودة بين لبنان والأمم المتحدة وعدد كبير من المؤسسات الحكومة الدولية والمنظمات غير الحكومية حول إدارة الكوارث.
والسؤال الكبير: أين هي هذه هيئة إدارة الكوارث الموعودة منذ سنوات طويلة ومن يمنع قيامها، وألم يحن الوقت لإخراجها الى حيز الوجود، وألم ير الناس بأم أعينهم امس، ان عمليات رفع أنقاض المبنى وهي تتم بجرافة من هذه الوزارة، وبرافعة من البلدية، وبآليات مستعارة من هذا المتعهد أو ذاك، انها فضيحة موصوفة؟
مع سقوط بناية فسوح ينبغي رفع الصوت قبل سقوط الهيكل على من فيه في لبنان. فكل شيء بات قابلا للسقوط، والكل مسؤول، ولعل هذه الكارثة الجديدة تجلب الدولة، كل الدولة، الى مدار الاهتمام الاستثنائي بمسألة سلامة الابنية والمنشآت، والذهاب فورا الى تطبيق مرسوم السلامة العامة أو تعديله، ورسم خريطة طريق هذه السلامة وتحديد دور وزارات الاشغال والداخلية والثقافة والتنظيم المدني والبلديات ونقابة المهندسين والدفاع المدني وكل من له علاقة بهذا الأمر.
ولعل المسؤولية الكبرى هنا تقع على مجلس النواب في تشريع قوانين السلامة ومراجعتها ومراقبة حسن تطبيقها، وفي وضع حد لتأرجح قانون الايجارات من تمديد الى تمديد، خاصة أن النزاعات الدائمة بين المستأجرين والمالكين تكاد تصل الى مرحلة انتهاء عمر البناء قبل ان تنتهي تلك النزاعات.
ولمواجهة هذه الكارثة ونتائجها، قرر مجلس الوزراء في الجلسة التي عقدها في القصر الجمهوري في بعبدا امس، تكليف الهيئة العليا للاغاثة مساعدة عائلات ضحايا المبنى المنهار والجرحى اللبنانيين وغير اللبنانيين. وتشكيل لجنة لإجراء التحقيق لتبيان الاسباب التي أدت الى انهيار المبنى، وتقديم الاقتراحات اللازمة بشأن وضعية الابنية القديمة التي قد تكون معرضة للانهيار، ودراسة الإجراءات القانونية الواجب اتخاذها بحق المسؤولين عن هذه الحادثة وتقديم الاقتراحات لتزويد الدفاع المدني بالمعدات والآليات والتجهيزات الخاصة لمعالجة انهيارات المباني والهزات الارضية والزلازل، وتكليف البلديات وخاصة بلدية بيروت إجراء كشف فني فوري على الابنية القديمة للتثبت من سلامتها وأهليتها للسكن وكل الاجراءات التي تمنع تكرار مثل هذه الحادثة.
الى ذلك، أعلن الصليب الاحمر اللبناني أنه أحصى انتشال 27 جثة و12 مصابا من الضحايا من تحت الركام ونقلهم جميعا الى مستشفيات الروم، الجعيتاوي، رزق الجامعي، اوتيل ديو، بعبدا الحكومي وبيروت الجامعي، وأحدهم تم إسعافه في المكان لان حالته لم تستدع نقله الى المستشفى
النهار
26 ضحية تستعيد فاجعة العجز في الأشرفية
تعويضات وتحقيق وكشف لـ20 ألف مبنى
وتناولت صحيفة النهار انهيار مبنى الأشرفية وكتبت تقول "في استعادة لكارثة تحطم الطائرة الاثيوبية قبل سنتين تماما، مطلع كانون الثاني 2010، بدا لبنان أمس تحت وطأة فاجعة جديدة مع ارتفاع حصيلة الضحايا لانهيار المبنى المنكوب في حي فسوح بالاشرفية الى 26 قتيلا حتى ليل أمس، فيما ظلت هذه الحصيلة مفتوحة على مزيد.
ولم تقتصر استعادة الكارثة على عدد الضحايا، وبينهم أفراد عائلة بكاملها، بل طاولت أمس الانكشاف المتكرر للقدرات التي تمتلكها الاجهزة المختصة في مثل هذه الكوارث والعجز المتمادي والفاضح عن استدراك هذا التقصير المزمن والمتراكم على رغم الجهود الهائلة التي تبذلها فرق الانقاذ وفي مقدمها الدفاع المدني "باللحم الحي" وبآليات تقليدية وبعناصر بشرية محدودة.
وتواصلت أعمال الانقاذ طوال الليل والنهار وتحت المطر، فيما كان أهالي المفقودين والضحايا يتجمهرون حول المبنى ويتوزعون على المستشفيات لمعرفة مصير أهلهم وأقربائهم. وحتى المساء كانت انتشلت 26 جثة، 13 منها للبنانيين و8 لسودانيين و2 لمصريين و3 لفيليبينيين، ولا يزال عشرة أشخاص في عداد المفقودين.
وفيما تستمر أعمال الانقاذ صباح اليوم، على ما أكد المدير العام للدفاع المدني ريمون خطار الى حين انتهائها، دعا نواب الاشرفية الى الاقفال غدا من الظهر الى الثالثة بعد الظهر تزامنا مع تشييع احدى الضحايا الفتاة آن ماري عبد الكريم في كنيسة السيدة بالاشرفية، فيما تنتظر العائلات الاخرى التعرف على جثث أقربائها وأبنائها الموزعين على عدد من المستشفيات.
ومع توالي التصريحات المستنكرة لمأساة الاشرفية، كان مدويا ما قاله لـ"النهار" أمس رئيس لجنة الاشغال العامة النيابية النائب محمد قباني بعد اجتماع استثنائي للجنة من ان "20 الف بناية مماثلة يمكن ان تلقى المصير نفسه لمبنى فسوح". وهو ما يطرح علامات استفهام كثيرة حول الجهات المخولة الكشف على هذه المباني وتحديد مصيرها، والعمل على تفادي كوارث مماثلة، خصوصا ان هذا الحادث كما قال قباني سبقته فاجعتان في بياقوت والمزهر. كذلك طرحت مسألة التجهيزات التي تملكها الاجهزة المختصة لاجراء عمليات الانقاذ بمنهجية.
وأرخت كارثة انهيار المبنى ومضاعفاتها بذيولها على الجلسة التي عقدها مجلس الوزراء مساء في قصر بعبدا فاحتلت الحيز الأوسع من مناقشاته ومقرراته، بينما أرجئ البحث في مواضيع كان مقررا اثارتها من خارج جدول الاعمال ولا سيما منها تصحيح الاجور.
وأبلغ رئيس مجلس الوزراء نجيب ميقاتي المجلس ان الهيئة العليا للاغاثة باشرت التحضير لاجراءات مساعدة سكان المبنى المنهار من حيث الضحايا والجرحى والاسكان في موازاة السير بالاجراءات القانونية لمحاسبة المسؤولين، اضافة الى اجراءات اسكان قاطني المبنى الملاصق حرصا على سلامتهم الى حين صدور التقرير الفني عن وضع هذا المبنى.
وعرض ميقاتي للمجلس تقريرا أوليا تفصيليا عن أسباب الكارثة ونتائجها، داعيا الى تأليف لجنة فنية تكون مهمتها اعداد تقرير تفصيلي ونهائي عن اسباب انهيار المبنى وتحديد المسؤوليات عن الانهيار، اضافة الى تقديم الاقتراحات اللازمة في شأن وضع المباني القديمة التي قد تكون معرضة للانهيار.
واتخذ مجلس الوزراء جملة قرارات من أبرزها تكليف الهيئة العليا للاغاثة مساعدة عائلات الضحايا والجرحى اللبنانيين وغير اللبنانيين وفقا للآلية المعتمدة لدى الهيئة، ومنها تأمين سكن موقت لقاطني المبنى المنهار والمبنى الملاصق له الى حين صدور التقرير الفني النهائي عن أهلية هذا المبنى، وتشكيل لجنة لاجراء التحقيق اللازم لتبيان الأسباب التي أدت الى انهيار المبنى وتقديم الاقتراحات اللازمة في شأن وضع المباني القديمة التي قد تكون معرضة للانهيار، وتقديم اقتراحات لتزويد مديرية الدفاع المدني المعدات والآليات والتجهيزات الخاصة بمعالجة انهيارات المباني والهزات الأرضية والزلازل، الى تكليف البلديات ولا سيما منها بلدية بيروت اجراء كشف فني فوري على المباني القديمة للتثبت من أهليتها للسكن.
وعلم أن مجلس الوزراء قرر تعويض كل من عائلات ضحايا الانهيار بمبلغ 30 مليون ليرة مع تأمين السكن الموقت لهم ولسكان المبنى الملاصق وكذلك تعويض العمال الأجانب بنسبة أدنى.
الى ذلك، ناقش مجلس الوزراء سبعة مشاريع قدمها وزير السياحة فادي عبود وأقر ستة منها، فيما شكل المجلس لجنة وزارية لدرس تمديد عقد استثمار مرفق مغارة جعيتا. وأوضح عبود لـ"النهار" انه رفع هذه القضية الى مجلس الوزراء بعدما تبين لهيئة التشريع والاستشارات التي طلب رايها ان تمديد هذا العقد تم عام 1997 ثم عام 2007 من دون المرور في مجلس الوزراء، وطلب من المجلس تحمل المسؤولية فتقرر احالة الملف على لجنة وزارية لدرسه في غضون شهر. ومن المشاريع البارزة التي تمت الموافقة عليها تشغيل مطار رينيه معوض في انتظار تقرير من وزارة الأشغال بعدما وافق الجيش على ذلك، وكذلك تشغيل مطار رياق في انتظار موافقة الجيش.
الأخبار
هؤلاء النائمون تحت الأنقــاض
بدورها تناولت صحيفة الأخبار كارثة الأشرفية وكتبت تقول "في الخامسة والنصف، ارتجّ المبنى، وارتجّت معه المنازل. في ثوانٍ معدودة، سقطت عشرات السنين على الأرض، ونام المبنى فوق أهله إلى الأبد. سبع طبقات سوّيت بالأرض، ورقد تحتها ثلاثة شبان هرعوا لإنقاذ والدهم المقعد، عمّال أجانب، وتلميذة المدرسة الصغيرة. عدد النائمين تخطى العشرين.
ماتت آنا ماريا عبد الكريم. التلميذة، لن تستيقظ في السادسة، لن تمشط شعرها الطويل. لن تضع نظارتها وتختار كتب اليوم. لن تلبس المريول الأخضر وتفتح المظلة البيضاء في انتظار الأوتوكار. من بين الأنقاض تسلقت مظلة إحدى الرافعات وسقطت في شاحنة، وقرب مفترق «محلة فسوح» مرّ الأوتوكار. لكن آنا ماريا لم تفتح المظلة ولم تكن في الأوتوكار. قيل كلام مشابه في أطفال كثيرين ماتوا في الحروب. في آنا ماريا يقال أكثر من ذلك، لكن لا أحد رغب في الكلام. تقول جارةُ إن الفتاة كانت «عاقلة». شعبياً، عاقلة تعني هادئة. في اللحظة الصفر، كانت في المنزل مع شقيقتها التوأم، أنتونيلا، وكان هناك الشقيق الأكبر أنتوني. أصيبت الشقيقة بكسور في يدها. قد يكون المشهد سوريالياً هنا، فـ«اليد المكسورة كانت ممدودة إلى آنا ماريا». الجارة سمحت لنفسها بالاستفاضة، بالتفكير كثيراً في المشهد؛ «لأننا نعرفهم ونحبهم». طبعاً لم تكن في المنزل معهم لحظة الانهيار، لكنها تروي قصة تمتد إلى خمس دقائق، لسرد حدثٍ استمر ثواني معدودة. ثوانٍ معدودة أنهت أعواماً طويلة في جيرة المبنى. لقد قرّر المبنى أن ينام فوق أهله متجاوزاً اعتبارات الصداقة بينه وبين الساكنين. لم يقم حساباً للمعرفة القديمة أو لبراءة القتلى الصغار. يقول صاحب سناك قريب إن المبنى الملاصق «ظهر بلا جدران دعم وخلخل المبنى المنهار». لا يشك للحظةٍ واحدة في أن صاحب ذلك المبنى مذنب، مؤكداً أن الساكنين «طالبوه في أكثر من مناسبة بالتأكد من مراعاة بيوتهم». كانت بيوتاً طاعنة في السن، وأغلب ساكنيها كذلك. هل يمكن لومهم على نداءاتهم أو الطلب منهم أن يستكينوا قليلاً الآن؟ هل يقنعهم «رجال النيات الحسنة» الذين يسكنون قصوراً لم يخرجوا منها أمس إلا لتفقد أشلائهم. ماتت فتاة في الخامسة عشرة وهم مسؤولون عن دمها.
لا بد أن يكون هناك «مسؤول غير القدر»، تقول الجارة بحسرة.
والدة آنا ماريّا، فوالا عبد الكريم، التي تعمل في محل تجاري، تلقت اتصالاً في السادسة تقريباً. نقلوا لها فيه ما حدث. قالوا لها إن المبنى اختفى. جاءت، ولا أحد يعلم كيف وصلت تبحث عن أولادها. الوالد كان خارج المنزل هو الآخر. يقول الجيران «الله كبير». الله يحب الأم فوالا، لأن «أنتوني وأنتونيلا لم يموتا». وعلى هذا المقياس، يمكن الجزم بأن الله يحب آنا ماريا أكثر من الجميع. آنا ماريا أصغر الضحايا أعواماً. أول الذاهبين إليه. وتلك الفتيات، اللواتي كن يلبسن المريول الأخضر الموشوم بإشارة «نادي الحكمة» المألوفة، واقفات أمام الأنقاض، كن متجهمات ورأين أنفسهن في ركام آنا ماريا، هذا الغضب الذي أفسد الصباح.
أخلى الجيران مبنيين ملاصقين كي لا يباغتهم الموت وحتى ساعة متأخرة، من عصر أمس، ظلّ أربعة من أفراد عائلة طانيوس فرحات من بلدة زحلتي ـــــ قضاء جزين، محتجزين تحت ركام المبنى المنهار. لعلها القصة الأشد مأساويةً؛ إذ نقل عن أقرباء الضحايا، أن جهاد، الذي طفت جثته فوق بقايا الدرج، صعد برفقة شقيقيه فرحات وشارلي، إلى المبنى رغم أنه تلقى إنذاراً من الطبقة الأخيرة، التي أعلنت بدء الاهتزاز القاتل. كانوا ثلاثة شبان في سباق مع زلزال قد يخطف والدهم. كانوا ثلاثة وصعدوا ثلاثتهم. لم يبق أحد منهم مع الوالدة جان دارك، التي غادرت الطبقة الأولى بعد طلب حاسم من الشبان، فيما كانت الشقيقتان غلاديس وغرازييلا خارج المنزل. جهاد ترك خطيبته مع والدته. غالب الظن أنهم ماتوا على الدرج. احتجزوا هناك خارج المنزل لكنهم ماتوا فيه في الوقت عينه. في تلك الحالات، الدرج هو المنزل. سكنته أرواحهم إلى الأبد. وصلت الطبقات إلى رؤوسهم بسرعة خاطفة، وبقوا هناك قرب والدهم. رفض واحدهم النجاة، فالنجاة فرادى أصعب من الموت جماعةً. يقول صديق للعائلة إن الشبان لطالما أصروا على الوالد أن ينتقل، لكنه أحب هذا المنزل لأنه لا يعرف العيش في غيره: «هذا الجيل هكذا» يستفيض صديق جهاد جازماً بأنه لا يلوم الضحية على موتها. يرسم صليباً على صدره ويصلي للموتى. تبقى هذه الجمل مجرد أقاويل تُحاك على مقاس الفاجعة. لكن الفاجعة أكبر من الأقاويل ومن مباني الأشرفيّة جميعها. جان دارك راقبت موتهم الذي ركضوا إليه. شاهدت بأم عينها شبانها الثلاثة يموتون مع والدهم. خسرت كل شيء دفعةً واحدة. صورهم دفنت معهم وأغراضهم ورائحتهم التي ابتلعها غبار كثيف. لم يكن الصعود إلى مبنى ينهار خياراً واقعياً، لكنه كان الخيار الوحيد... إذا كان الخيار الآخر هو الفرجة. لم يقبل أحد أن يرى ركاماً يغرق والده الغارق أساساً في كرسي بإطارات. ماتوا أربعتهم على الدرج. كان ينقصهم بضع ثوانٍ فقط للنجاة.
لم يسمع الجيران أصواتاً... «بتعرف يعني صقعة وتلج مين بدو يضهر بهالليل»، يقول شاب أربعيني، أتى لوداع «جيران العمر». يذكر أن عموداً انهار في الطبقة الأولى عشية الميلاد. كان إنذاراً سماوياً لم يتلقفه «صاحب المبنى كما ينبغي». الجيران ناقمون عليه، لا بل يصرّون، صاحب المبنى هو م.س. الذي يملك محلاً للخياطة في المبنى، لم يكن مفتوحاً لحظة انهياره. وللدلالة على أنه يعرف تاريخ المبنى، يقول الجار الذي هرع قبل الجميع إن المبنى كان مملوكاً من فؤاد فغالي، وباعه لرجل من آل منصور، الذي باعه بدوره لمالكه الحالي. ويلفت إلى أن الطبقتين العلويتين، المسكونتين غالبهما من العمال الأجانب، أضيفتا بطريقةٍ «غير شرعية خلال سنوات الحرب الأهليّة». ويومها «طنّشت» الميليشيات عن سير البناء الذي «لم يراع السلامة العامة طبعاً». كانت فوضى، والميليشيات تفعل ما تريده. وعندما عادت الدولة عادت بالتسويات. لم تكشف على صلاحيّة المبنى الذي سوّي بالأرض أول من أمس، وصار مسرحاً لا يمكن الجماهير التصفيق لأبطاله. فأبطاله جميعهم فقراء. الفرّان القريب موقنٌ أن «الإيجارات كلها قديمة، باستثناء العمال الأجانب، الوافدين الجدد». لا أحد منهم من الأشرفيّة أصلاً، بل قصدوها قبل الحرب وخلالها، هرباً من الفرز الديموغرافي الحاد آنذاك. غالطوا الحرب، لكن الدولة التي ورثتها أهملتهم. الجيران ساخطون. أخلوا مبنيين ملاصقين كي لا يباغتهم الموت، ويأتي السياسيون لمواساتهم، بعد خلوّ المكان من العاصفة.
يقول الشاعر الفرنسي، رينيه شار، إن العاصفة ممتعة إذا كان كان البيت قوياً. لكن البيوت كانت ضعيفة وكانت العاصفة متوحشة: استفردت بعزلة القاطنين، الذين فوجئت «الدولة» بوجودهم أمس. ماتوا لأنهم فقراء ولأنهم لا يملكون مكاناً يأوون إليه. لا شك في ذلك وجزء كبير من السكان كانوا عمالاً أجانباً. حافظ أحمد، العامل السوداني، الذي كان يقطن في شقة واحدة، مع سبعة من مواطنيه، غادر قبل ربع ساعة فقط. غادر ليحضر العشاء وعاد ليدفن الأصدقاء. هو أجددهم في المنطقة. وللمناسبة، لم يبد أي من السكان اعتراضاً على إقامة العمال الأجانب في المبنى، على عكس المناطق الأخرى، التي تشهد طفرة عنصرية ضد هؤلاء. الجميع تشارك المأساة أمس. حافظ لم يفكر في حياته أن موتهم هكذا سيكون. هناك ثمانية عشر سودانياً في أقل تقدير، حسب تقديرات حافظ، حتى الآن، رغم وقوفه في مكان الحدث، لم يعرف من مات منهم ومن نجا. يؤكد أن الشائعات التي تتحدث عن قفز أحد مواطنيه من الطبقة الخامسة، في اللحظات الأولى، صحيحة. لقد قفز الشاب السوداني، على طريقة المنتحرين من أحد برجي التجارة في نيويورك، ونجا. هذه المعلومة الوحيدة التي يعرفها الشاب، الذي لا تخفي لطافته كآبةً جاثمة على صدره. يكاد يبكي حين يعدّهم. لا يجد أغراضهم ولم يسمحوا له بالاقتراب. نُقل إليه أنهم يصنفون الموتى حسب جنسياتهم، حتى الآن: 9 لبنانيين، 6 سودانيين، مصريان، وفيليبينيتان، إحداهما كانت مارةً بالصدفة. وفي هذا الإطار، وصف السفير السوداني، إدريس سليمان الطلب من القاطنين إخلاء المبنى قبل نصف ساعة بالأمر «غير اللائق؛ لأنه كان يفترض الإغلاق منذ وقت طويل». بدوره، نفى السفير المصري وجود «أي مصريين مفقودين في المبنى»، واصفاً عمليات الإغاثة بـ«الحرفية». ورجح حافظ، العارف بأمور المبنى، أن أعداد الضحايا السودانيين سترتفع؛ لأنهم كانوا يسكنون الطبقة الأولى، في مقابل آل نعيم «أخواتنا وحبايبنا». اكتفى حافظ بالوقوف في الورشة القريبة، على طبقة مرتفعة، كي يحصي قبل الآخرين، جثث الأصدقاء.
وبين الواقفين كان هناك جار المبنى، يذكره قبل أربعين عاماً. يستدرك، موضحاً أنه لا يبالغ. هو عمره 45 اليوم والمبنى أكبر منه بقليل. من على شباكٍ، كان يقف عليه، شاهد الكارثة، فالمنازل كانت متلاصقة... «الحيط بالحيط ». يشرح: «بيت جعارة عالخامس، بيت بقلة عالرابع، وبيت نصر عالتالت، وعالأول، بيت نعيم، وعالسادس بيت عبد الكريم » يشبه المشهد بالدفن. دفن تحاول ذاكراتهم أن تكافحه. يرجح أن المبنى الميت أنشئ قبل الاستقلال، لكنه لا يستطيع الجزم. يفرك صلعته بإصبعين، كأنه يحفز ذاكرته على استعادة المشاهد. كان المبنى جميلاً والحيّ ضيعاوياً. وكانت هناك أشجار أكثر من المباني، حين سكنه آل جعارة، أصدقاؤه. تحديداً جاك، الذي درس المحاماة، وكان يعمل في مستشفى الجعيتاوي. استقبلته المستشفى أمس مرةً أخيرة، على سرير. لقد نام سريره وحيداً، تحت الركام، الذي حماه من العاصفة أربعين عاماً. يذكر أنه كان يلعب قربه حين كان طفلاً. لا يتخيّل المنطقة من دونه، وطبعاً، يقصد من دون أهله. عندما فكروا بالانتقال، مع أولادهم، كان خبراً مزعجاً. كيف تكون الحال إذا انتقلوا، هكذا، إلى الأبدية. يعاود حك الصلعة. يدقق في أشياء عالقة بين الحيطان المنهارة. قد يلمح قبعة والد جاك، أو معطفه. لكن لا شيء من ذلك يظهر. وكانت هناك سيدة خمسينية أرهقها الوقوف بين عاصفتين. العاصفة الأولى أودت بطريقة أو بأخرى بالمبنى العتيق، والعاصفة الثانية تدور في رأسها. ليس واضحاً إن كانت تهز يدها برداً أو خوفاً أو توتراً. فقد جمع وجهها صفات الألم، مبلولاً برذاذ دمع صباحي، متجهماً كالجرافات التي تفرغ حمولته في شاحنات ضخمة. وكان لسان حالها يتمتم على شفتين مثقلتين بالبرد: «برفق أيها الصليب الأحمر، برفق، أمي هنا، تحت الأنقاض، نامت بسلام». وفي مكانٍ ما إلى جانبها، رقد ليث، الفتى الأصم، الذي وقع في طفولته عن الطبقة الرابعة على سيارة متوقفة تحت المبنى، ولم يمت. فضّل الموت بعد سبع سنوات، أول من أمس، قرب والدته.
اللواء
مجلس الوزراء يستكمل غداً مناقشة مشروع التمويل بـ 8900 مليار ليرة
الدولة تواجه الكارثة: سكن مؤقت للناجين و30 مليوناً لكل ضحية ولجنة تحقيق
كما تناولت صحيفة اللواء كارثة انهيار مبنى الأشرفية وكتبت تقول "اتخذت الدولة سلسلة من الاجراءات لبلسمة جراح الناجين من الكارثة التي حلت بسكان مبنى عطا الله في محلة فسوح في الاشرفية، والتي زاد هولها انتشال ما لا يقل عن 26 جثة من ضحايا القاطنين في المبنى، اهمها: تأمين سكن مؤقت للناجين ودفع 30 مليون ليرة لبنانية لكل ضحية، على ان يتحدد لاحقاً التعويض للضحايا من غير اللبنانيين، فضلاً عن تشكيل لجنة تحقيق عليا للتحقيق في اسباب الكارثة والحؤول دون تكرار حوادث مشابهة، في وقت كانت فيه بلدية بيروت تقرر الكشف عن كافة الابنية القديمة وتدرس لجنة الاشغال النيابية ادخال تعديلات قانونية على قانون البناء ومراسيمه التطبيقية.
وعلى رغم الاهتمام الواسع بهذه المأساة، فإن كلاً من الرئيسين ميشال سليمان ونجيب ميقاتي وضعا مجلس الوزراء في نتائج محادثات كل من الامين العام للامم المتحدة بان كي مون ووزير الخارجية التركية احمد داوود اوغلو والتي ركزت على الاستقرار في لبنان من زاوية احترام القرارات الدولية والنأي بالبلد عن تداعيات التطورات المحيطة به سواء من الحدود الشمالية والجنوبية.
وفي هذا الاطار، علمت «اللواء» ان بان كي مون ابلغ الرؤساء الثلاثة سليمان وميقاتي ونبيه بري اتجاه مجلس الامن الدولي وعزمه الاكيد على التمديد ثلاث سنوات للمحكمة الدولية الخاصة بلبنان. وكشف مصدر دبلوماسي لـ«اللواء» ان الرؤساء الذين استمعوا باهتمام لكلام بان، وموقفه الجازم تجنبوا عدم الخوض في هذا الموضوع، لان قرار التجديد هو بيد مجلس الامن، ويصدر بصورة تلقائية بناء على طلب الامين العام، ولا شأن للبنان بصدوره او عدم اصداره لانه يخضع للفصل السابع.
اما قضية البت بمرسوم تصحيح الاجور، والتي كان يؤمل ان ينتهي منها مجلس الوزراء امس، فإن وزير العمل شربل نحاس المعني بهذه القضية، بحكم الصلاحية والاختصاص، فقد اوضح قبيل الجلسة، انه ما زال يدرس مشروعه لزيادة الاجور قبل اعادة طرحه غداً على مجلس الوزراء، وهو سأل إذا كان بين الهيئات الاقتصادية والاتحاد العمالي العام اتفاق رضائي فلماذا لم يبدأ بعد بتنفيذه؟.
وعلم أن مجلس الوزراء عاد إلى مناقشة قضية الصرف على أساس سلف الخزينة، وعلى أساس القاعدة الاثني عشرية، من دون أن يتطرق إلى مشروع الموازنة، الذي تقرر سحبه بناء لرغبة وزير المال محمّد الصفدي.
وفهم أن الرأي كان متفقاً على أن المخرج من قضية الصرف هو بإقرار مشروع الـ8900 مليار ليرة المقدم من الوزير الصفدي، والذي نقل عن الرئيس برّي وعده بأنه سيعمل على بته خلال الأيام العشرة المقبلة، بعدما تمّ فتح الدورة الاستثنائية للمجلس. وسيعود مجلس الوزراء الى متابعة البحث في هذه المسألة غداً الأربعاء، والذي يبدو انه سيكون مثقلاً بملفات ثقيلة إلى جانب ملف الأجور، علماً انه كان مقرراً ان يكتفي بجدول أعمال عادي، طالما انه يعقد في السراي الحكومي.
مأساة الأشرفية
وكانت مأساة سقوط مبنى فسوح في الأشرفية قد استحوذ على القسم الأكبر من مناقشات مجلس الوزراء، من زاوية كيفية مواكبة هذه المأساة ومساعدة أهالي الضحايا والجرحى، فضلاً عن تلافي تكرار سقوط مبانٍ مماثلة قديمة، حيث تقرر تعويض كل عائلة من اللبنانيين بمبلغ ثلاثين مليون ليرة، وتأمين سكن مؤقت لهم ولسكان المبنى الملاصق، كما تقرر التعويض على الضحايا الأجانب بنسبة أقل، وشكّل المجلس لجنة وزارية وفنية للتحقيق في اسباب الكارثة على ان يبدأ العمل بتطبيق الآلية كما وضعتها الهيئة العليا للاغاثة.
وبحسب المعلومات الرسمية التي تلاها وزير الاعلام بالوكالة وائل أبو فاعور، فقد افتتح الرئيس سليمان الجلسة بالوقوف دقيقة صمت حداداً على أرواح الضحايا، مؤكداً اسفه لسقوط المبنى على رؤوس قاطنيه، مشيراً إلى أن الحادثة ليست الأولى التي تحصل، لكن يجب أخذ العبرة من هذه الكارثة لتلافي السقوط المجاني للضحايا في كوارث مشابهة، داعياً إلى إعادة النظر والاعتبار إلى آلية الانقاذ عند حصول كوارث والتي سبق وأعدها الجيش ودرستها الحكومة على أن يتزامن ذلك مع تعزيز إمكانيات وتجهيز الدفاع المدني، إضافة الى اجراء مسح من البلديات للأبنية المعرضة للسقوط واتخاذ المخالفات بحق المخالفين او المقصرين.
أما الرئيس ميقاتي فقد أثنى من جهته على جهود الوزراء والمسؤولين المعنيين الذين سارعوا للقيام بواجباتهم، داعياً إلى استكمال الاجراءات التي تساعد في التخفيف من وطأة الكارثة وتفادي تكرارها.
ووضع ميقاتي الوزراء في تقرير أولي وتفصيلي عن أسباب ونتائج هذه الكارثة، مقترحاً تأليف لجنة فنية تكون مهمتها إعداد تقرير تفصيلي ونهائي حول أسباب انهيار المبنى والمسؤوليات عن الانهيار، إضافة إلى تقديم الاقتراحات اللازمة بشأن وضعية الأبنية القديمة التي قد تكون معرّضة للانهيار والتي يمكن أن تشكل خطراً على السلامة العامة، مشيراً إلى أن الهيئة العليا للإغاثة باشرت التحضير لإجراءات مساعدة سكان المبنى من ضحايا وجرحى والإسكان، بموازاة السير بالاجراءات القانونية لمحاسبة المسؤولين، إضافة إلى اجراءات إسكان قاطني المبنى الملاصق حماية لسلامتهم إلى حين صدور التقرير الفني عن وضع هذا المبنى.
تجدر الإشارة إلى أن عمليات البحث عن مصابين أو مفقودين ما تزال متواصلة تحت الركام، وقد أسفرت حصيلة عمليات الانقاذ عن انتشال 26 جثة، ويتوقع أن يرتفع العدد إلى نحو 30 ضحية وأكثر، بعدما فقد الأمل في إمكانية العثور على أحياء، فيما فتحت النيابة العامة الاستثنائية في بيروت برئاسة القاضي جورج كرم تحقيقاً في حادثة الانهيار. ويشرف القاضي كرم على التحقيقات الاولية التي تجريها فصيلة الاشرفية وهي مستمرة ولكن جلاءها لا يظهر الا بعد انتهاء عمليات الانقاذ. وكان القاضي كرم قد أجرى امس كشفا على المبنى وعاين الجرحى في المستشفيات.
كما اصدر الرئيس ميقاتي قرارا شكل بموجبه لجنة لاجراء التحقيق اللازم لتبيان الاسباب التي ادت إلى انهيار المبنى الكائن في محلة فسوح من منطقة الأشرفية.
بدوره، اكد وزير الداخلية مروان شربل ان المبنى المنكوب يقطنه خمسون شخصا مستبعدا العثور على ناجين، خصوصا ان المبنى كما يبدو فاقدا للاساس وهو اشبه بعلبة كرتون، حيث لم يتم العثور على اثار للحديد المستخدم عادة في الأبنية.
المستقبل
مجلس الوزراء يقرّ تعويضات ومساكن موقتة ويؤجّل ملف الأجور
كارثة الأشرفية.. تدقّ ناقوس مبانِ مماثلة
بدورها تناولت صحيفة المستقبل كارثة الأشرفية وكتبت تقول "طغت كارثة الأشرفية على كل ما عداها، فغاب الخلاف السياسي والعقم الحكومي والجمود المؤسساتي تحت وطأة انهيار مبنى، يكشف حال الدولة وحال المواطن فيها. فمشهد الانهيار مع جثث الأبرياء من تحت الركام كان كافياً لأن يفرض نفسه، محطة للتضامن الإنساني والأخلاقي، ومساحة تؤكد أهمية أن تبادر الدولة إلى بذل أقصى ما يمكن لتلافي أن تتحول مبانٍ كثيرة مشابهة لمبنى فسّوح، إلى مشاريع كوارث متنقلة في الشوارع والأحياء.
الضحايا كُثر، والمأساة ليست واحدة، بل تبعثرت على عائلات تحوّلت إلى أشلاء، فانشغل اللبنانيون في إحصاء عدد الضحايا، أما الدولة فانشغلت بدورها في ما يمكن أن تقوم به للتعويض على من بقي من سكان المبنى، والبحث عن حلول تمنع تكرار هذه المأساة مع عائلات أخرى في مبان أخرى، هي أشبه بل أسوأ من المبنى المنهار في الأشرفية.
وفي خطوة أولى، أقرّ مجلس الوزراء في جلسته أمس، تعويضات بقيمة 30 مليون ليرة لكل عائلة منكوبة وتأمين سكن بديل وموقت لتلك العائلات في المبنى المنهار والمبنى الملاصق له الى حين صدور تقرير في شأن وضعه، وتشكيل لجنة برئاسة وزير الداخلية مروان شربل لاجراء تحقيق في اسباب الكارثة، وتقديم دراسة حول الابنية الممكن انهيارها، وتقديم اقتراحات لتزويد الدفاع المدني بأجهزة للتعامل بمثل هذه الحالات"، كما قررت "تكليف كافة البلديات، خاصة بلدية بيروت، إجراء مسح على كل الأبنية".
في سياق آخر، طلب مجلس الوزراء من وزير الأشغال العامة والنقل غازي العريضي "وضع تقرير عن مطار رينيه معوض لاعادة تأهيله وتشغيله"، في حين غابت كل الملفات السياسية والخلافية عن الجلسة بحسب ما قالت مصادر وزارية لـ"المستقبل"، وتحديداً ملف الأجور، إلا أن وزير العمل شربل نحاس، أكد بعد الجلسة أنه "لم ينته من إعداد المشروع الجديد الذي سيقدمه غداً إلى مجلس الوزراء"، مشدداً على أنه "لن يغيّر رأيه في هذا الملف حتى لو اتفق طرفا الانتاج"، مؤكداً أن "مشروعه سيطرحه على التصويت كحل لهذا الملف".
في المقابل، أكد وزير الاقتصاد والتجارة نقولا نحاس أن "رئاسة الحكومة انتهت من اعداد مراسيم تحديد الحد الادنى وغلاء المعيشة والشطور"، وهو الأمر الذي يطرح العديد من التساؤلات حول مصير هذا الملف في ظل التجاذب المستمر من داخل الحكومة، وإصرار نحاس على الذهاب بمشروعه إلى النهاية، واستعداد رئاسة الحكومة لإقرار الزيادة بحسب ما تم الاتفاق عليه في بعبدا بين طرفي الانتاج.
وبالعودة إلى جلسة أمس، قالت مصادر وزارية لـ"المستقبل" إن "رئيس الجمهورية ميشال سليمان أكد أن الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون لم يطرح موضوع إنشاء منطقة عازلة بين لبنان سوريا لإيواء اللاجئين السوريين، لكنّه طلب أن يتم التعامل مع هذا الملف وفق ما تقتضيه القوانين والاتفاقات الدولية الموقعة من الدولة اللبنانية".
وأشارت المصادر إلى أنه "تم خلال الجلسة مناقشة الاقتراحات المتعلقة بالآلية القانونية الواجب اعتمادها لإعطاء سلفات خزينة، ومن المتوقع أن يتخذ القرار النهائي بهذا الشأن في جلسة غد الأربعاء، لكن مجلس الوزراء يعوّل على أن يقر مجلس النواب في القريب العاجل مشروع قانون 8900 مليار ليرة المقدم من وزارة المال، ليكون خطوة أولى لحل هذا الملف"، كاشفة أن "الاتصالات جارية مع الرئيس نبيه بري للإسراع في بتّ هذا الملف في جلسات الدورة الاستثنائية التي سيعقدها المجلس النيابي بعد 10 أيام".