رموز إسلامية مصرية تدعو لإنهاء تبعية المؤسسات الدينية للسلطة
خطاب ديني جديد يعزز سماحة الإسلام، وإنهاء تبعية الأزهر الشريف وكل المؤسسات الدينية لنظام الحكم؛ لضمان استقلاليتها وعدم خضوعها لما يتعارض مع صحيح الدين، تحسين أحوال الدعاة علمياً ومادياً ومعنوياً،
خطاب ديني جديد يعزز سماحة الإسلام، وإنهاء تبعية الأزهر الشريف وكل المؤسسات الدينية لنظام الحكم؛ لضمان استقلاليتها وعدم خضوعها لما يتعارض مع صحيح الدين، تحسين أحوال الدعاة علمياً ومادياً ومعنوياً، وكذا عودة الاهتمام بتنشئة الطالب الأزهري على أسس تمزج بين الشرعي والعصري لخدمة أمته.هذه كانت أبرز الأفكار التي التقى حولها مفكرون وعلماء دين مصريون في مسعى من جانبهم لتصحيح الخطاب والمؤسسة الدينية مما علق بها من شوائب إبان النظام السابق، مؤكدين الحاجة إلى تعديل الخطاب الديني ليتواكب مع المتطلبات الجديدة بعد ثورة 25 يناير التي شملت جميع قطاعات المجتمع وعلى رأسها الجانب الديني.
استقلال الأزهر
إلى ذلك، أشار د.جمال قطب، الرئيس السابق للجنة الفتوى بالأزهر الشريف إلى أن الأزهر يقع عليه مسؤولية كبرى بحكم مكانته في وجدان الأمة، وبحكم الظروف الحالية لمصر والعالم العربي، فلا يقتصر دور الأزهر على كونه مؤسسة للدعوة الدينية الصحيحة، إنما أيضاً التفاعل مع قضايا المجتمع ومساعدته على تحقيق مجتمع آمن وسالم وقادر على التواصل مع الآخرين.وأضاف أن تنفيذ هذه الأدوار يحتاج إلى استقلال مالي وإداري عن الحكومات، حتى يثق الناس برسوخ المؤسسة الدينية والتزامها.مشيراً إلى أن تحقيق الاستقلال يتطلب تغيير بنية الدولة ومؤسساتها، وإعادة تقسيم شؤون الأمة إلى دولة مؤسسات ثابتة مستقلة ومنها الأزهر، والتقسيم الثاني في الحكومة وحقائبها الوزارية التي تأتي من حيث التنافس.وعن مشاركة بعض علماء الدين في الثورة بميدان التحرير، أكد أن ذلك بمثابة رسالة إنذار للقائمين على الأزهر بأن ما وصل إليه من أوضاع وتبعية للسلطة أمر لا يمكن السكوت عليه، لافتاً إلى أن الأجيال المتتالية من أصغرها إلى أكبرها بحاجة إلى دورات تثقيفية تتوازى مع المناهج الجديدة التي نطمح إليها.
الاستخلاف في الأرض
أما د.آمنة نصير، أستاذة الفلسفة والعقيدة الإسلامية بجامعة الأزهر، فأكدت أن أهم الصفات التي ينبغي أن تتوافر في كل مسؤول وموظف وداعية هي "أمانة العمل، أمانة المسؤولية، أمانة التفاني"، موضحة "هذا هو حسن القصد وقوة الأداء التي يجب أن تتوافر في جميع المناصب، وليس شيخ الأزهر فقط أو نائبه، فهذا الأمر الإلهي الذي وجهه الله لنا وهو الاستخلاف في الأرض".
ومن هذا المنطلق طالبت بعدم تعيين شيخ الأزهر وكذا المفتي ورؤساء وعمداء الكليات، والبديل هو طرح الأسماء للانتخاب الحر، مشددة على أن مركز ومقام شيخ الأزهر كإمام للمسلمين يتطلب تحريره من توجهات الدولة، حتى لا تتكرر مقولة شيخ الأزهر السابق محمد سيد طنطاوي:"أنا موظف في الدولة"التي أثارت حفيظة الكثيرين آنذاك.كما نادت بأن يكون للمعاهد الأزهرية إدارة مستقلة عن شيخ الأزهر، وكذا علماء مجمع البحوث الإسلامية، حتى يستعيد الأزهر مكانته في العالم الإسلامي.
الكيف لا الكمّ
وبدوره، شدد د.فرحات المنجي، الأستاذ بجامعة الأزهر، على أهمية مراجعة كل أوضاع الأزهر، مع التركيز على البعد التعليمي، مشيراً إلى أن الخطة القادمة لابد أن تعتمد على الكيف وليس الكم.كما شدد على ضرورة اختيار مناهج التعليم الأزهري بواسطة علماء موثوق بهم؛ لأن هذه المناهج ستكون السبب الرئيسي في إنبات علماء عاملين وليسوا موجهين، بالإضافة إلى تفعيل المناهج والخطاب الديني بما يتواكب مع متطلبات العصر دون تمييع للأسس الإسلامية.
الخطاب الديني يبدأ من المنبر
وفي الاتجاه ذاته، أكد الشيخ أحمد ترك، إمام وخطيب مسجد النور، أن أساس أي خطاب ديني يبدأ من منبر المسجد، موضحاً أن الإمام أحد طرق وصول الخطاب الديني؛ لأنه الأقرب إلى الناس؛ لذلك "ينبغي تهيئة الأئمة للتفرغ لهذه المهمة خلال الفترة القادمة".
وطالب باستحداث نقابة للأئمة منوط بها تهيئة الجو العام لهم، والابتعاد عن أي ضغوط تؤثر عليهم، ودون أي إملاءات أمنية أو توجيهات سياسية.وأكد أن النقابة ستخلص الإمام من الضغوط المادية والإدارية وتبعده عن السلطة المركزية في الجهاز الإداري، كما ستكون المنبر الثاني للأئمة للتعبير عن آرائهم والمناداة بحقوقهم.
وتابع أن المسجد أداة الوصل بين الشباب ومؤسساتهم الدينية؛ لأن الداعية الحقيقي عليه ألا ينعزل عن المجتمع، وأن يعبر عنه، مشيراً إلى أن الخطاب الديني عليه دور كبير في استغلال طاقات الشباب لحماية مصر وبنائها مجدداً، وطالب باختيار الإمام وفقاً لاعتبارات علمية وإدارية وليست سياسية أو أمنية.بينما طالب سالم عبدالجليل، وكيل وزارة الأوقاف، بإنشاء كادر خاص للدعاة حتى يصبحوا قادرين على القيام بواجباتهم في تقديم الخطاب الديني الصحيح، بما يمكن أن يساعد في بناء البلاد، موضحاً أن وزارة الأوقاف ستضع الخطط اللازمة التي تساعد في اختيار الأئمة وفقاً لمعايير وضوابط محددة تعيد لإمام مكانته ومصداقيته.
توحيد جهة الإفتاء
وعن استحداث آلية لتوحيد جهة الإفتاء أوضح د.مبروك عطية، الأستاذ بجامعة الأزهر والداعية الإسلامي، أن توحيد جهة الإفتاء قضية مهمة خاصة في القضايا المصيرية.وأضاف:"ليس الجميع قادرين على الإفتاء، خاصة ممن يظهرون على الفضائيات؛ لذلك لابد أن يكون المفتي من أهل العلم المشهود لهم بالكفاءة، ويكون قادراً على استنباط الحكم، مع ضرورة تسجيل المنوط بهم الإفتاء بمجمع البحوث الإسلامية ولجنة الفتوى بالأزهر ودار الإفتاء، موضحاً أننا في حاجة إلى مواعظ مبنية على أسس علمية، فالمرحلة القادمة تحتاج إلى عزم الأمور وليس نوافلها.ودعا إلى قنوات دينية ذات منهج وخطة واضحين لمعالجة القضايا الدينية وسير الأحكام، وتكون مواكبة لحياة الناس وتعالج أمورهم ولا تتاجر بها.
تغيير الأسلوب
أما د.محمد أبوليلة، عضو المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، فطالب بضرورة رعاية الدعاة لضمان حصانتهم على المنبر، وهذا يتطلب تحسين مستواهم المعيشي حتى يتفرغوا لأداء واجبهم الجماهيري، لافتاً إلى أن الخطاب الديني وأسلوب الدعوة ينبغي أن يتطهر في اللغة والأسلوب، مؤكداً أن الأصول الدينية لا تتغير، لكن يكون التغيير في الأسلوب والفكرة والمعطيات الدعوية والرقي بأهداف الخطاب الديني، الذي يجب ألا يكون منغلقاً على ذاته.
وعن معايير هذا الخطاب واختيار الدعاة، أكد أن المرحلة الحالية لا تحتاج إلى من هو محدود الثقافة أو جامد العقل، مشيراً إلى أنه لا يوجد ما يمنع الاستعانة بالإنترنت في الدعوة الدينية باعتبارها الأقرب إلى الشباب حالياً، وأثبتت قدرتها على تحقيق الأهداف المطلوبة منها، مؤكداً أن وزارة الأوقاف عملت على وضع خطة لتوفير "لاب توب"لكل الأئمة والدعاة.بينما طالبت الداعية الإسلامية والمستشارة الشرعية والقانونية د.ملك زرار القنوات الدينية بتغيير ثوبها، واتباع خطاب ديني معاصر لمخاطبة الشباب بلغة حوارية جديدة، مشيرة إلى أنه من الصعب وجود سلطة تشريعية تخضع لها كل جهات الإفتاء، إنما الضمير هو القانون الذي يواجه السلبيات.
فأكد ضرورة تعديل مسار القنوات الدينية وتحسين خطابها، متحدثاً عن 700 قناة عربية من بينها أكثر من 60قناة دينية سواء إسلامية أو مسيحية، بدأ البعض منها إثارة الخلافات بين أصحاب الديانات المختلفة، بل وبين أتباع الدين الواحد، مؤكداً أن هذا يمثل فوضى دينية وفضائية أتاحتها تكنولوجيا الاتصال.وأضاف أن هذه الفوضى ألقت بظلالها على الجمهور الذي يعاني الغالبية منه من أمية دينية، تمثل عبئاً على المجتمعات العربية، مطالباً بوضع مواثيق شرف وضوابط للبث الفضائي الإذاعي والتلفزيوني لتحكم أداء القنوات الدينية، مؤكداً أن المرحلة القادمة تحتاج إلى ضبط الفضاء العربي وتنقيته من القنوات التي تثير الفتن وتهدد الأمن والاستقرار.
قيم الحب والتسامح
من جانب آخر، أكد المفكر القبطي جمال أسعد، أن الخطاب الديني سواء على المستوى المسيحي أو الإسلامي بحاجة إلى التعديل، مؤكداً أنه بعدما حدث أثناء الثورة من تكاتف بين عنصري الأمة لم يعد هناك ما يعرف بالمسلم والمسيحي، إنما أصبح الجميع مصريين.
وأشار إلى رغبته في أن تشهد المرحلة القادمة عدم وجود أي قوانين من الممكن أن تفرق بين أبناء الوطن الواحد، وفقا للهوية الدينية، لافتاً إلى أن القوانين التي تحدد المصري وفقاً لهويته الدينية مخالفة للدستور.وأضاف أن الخطاب الديني في مصر الجديدة لابد أن يقوم على الدعوة إلى الحب والتسامح، وأن يسهم في العمل على توحيد القيم المصرية بين الجميع، إضافة إلى ضرورة أن يخلو من أي خطب تفرق بين المصريين على مستوى الخطابين الإسلامي والمسيحي.