بعد ظهر يوم الجمعة 8 آذار 1985 كانت هذه المجزرة المروعة التي حاولت المخابرات المركزية الأميركية من خلالها اغتيال سماحة السيّد الراحل محمد حسين فضل الله، باعتباره يشكل الخطر الكبير على مصالحها في المنط
نادر عزالدين
بعد أحداث الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر عام 2001 رفعت الولايات المتحدة الأميركية شعار "مكافحة الإرهاب" ونصّبت نفسها منذ ذلك الحين المحامي الأول عن العالم، وتحت هذا اللواء مارست الإرهاب بأبشع أشكاله بهدف إخضاع شعوب العالم لسيطرتها، فدمّرت أفغانستان واحتلت العراق ونشرت الفتنة المذهبية والطائفية لا بل العرقية في الشرق الأوسط، ولا يمكننا أن ننسى دعمها المباشر للعدو الإسرائيلي في عدوانه على لبنان في تموز/ يوليو 2006 وعلى قطاع غزّة. إلا أن هذا لا يعني بأن الإرهاب الأميركي بدأ منذ عشر سنوات مضت وحسب، فالدولة التي قامت أساساً على قتل الأميركيين الأصليين (الذين أطلق عليهم اسم الهنود الحمر) واحتلال أراضيهم لها تاريخ حافل بالإرهاب، يبدأ ولا ينتهي، فمن جرائمها في فييتنام وقتلها مئات الآلاف في هيروشيما وناكازاكي، مروراً بتدخلها العسكري في كوريا الشمالية وكوبا، وصولاً إلى الدور الكبير الذي لعبته في تفتيت الإتحاد السوفييتي، كوّنت أميركا ملفها الإجرامي الذي لا ينتهي.
وبالعودة إلى الشرق الأوسط فقد أصبحت البصمة الأميركية كعلامة الجودة، تلمع من المحيط إلى الخليج عندما تتعرض مصالحها سواء المعلنة أو الخفية لخطر ما، فتخلع لباس ما تسميه بالديمقراطية وتضعه على نصب الحرية لتخفيه عن الأعين.
وهذا ما تجلّى بوضوح في لبنان عام 1985 فعلى إثر انطلاق الحالة الإسلامية التي رفعت لواء التحرّر من الصهيونية والإستكبار بمختلف ألوانه وأشكاله، وعملت على إفشال مخططات هذا الاستكبار الذي يمارس إرهابه على الشعوب ويصادر ثرواتها وقرارها، وبرزت مقاومة الإحتلال الصهيوني في شكل غير مسبوق، أعلنت أميركا الحرب على هذه الحالة ورأت الإستخبارات الأميركية أنّ الوسيلة الفضلى للإجهاز على هذا الإسلام إنما تكون من خلال العمل على اغتيال رموزه وشخصياته التي يشكل نشاطها خطراً على مواقع سيطرتها.
ولذا لم تتورع في هذا السبيل عن ارتكاب أبشع المجازر، وبمختلف الأساليب الوحشية التي كان منها المتفجرة التي وضعتها في محلة بئر العبد، والتي حصدت العشرات من النساء والأطفال والشيوخ والشباب الأبرياء لتكون عنواناً من عناوين الهمجية الأميركية.
فبعد ظهر يوم الجمعة 8 آذار 1985 كانت هذه المجزرة المروعة التي حاولت المخابرات المركزية الأميركية من خلالها اغتيال سماحة السيّد محمد حسين فضل الله، باعتباره يشكل الخطر الكبير على مصالحها في المنطقة من خلال دوره في احتضان وتوجيه حركة المقاومة المتنامية ضد العدو الصهيوني والإستكبار الأميركي.
"لقد كنت في ذلك الوقت خارج المنزل وسمعت الخبر على إذاعة "صوت لبنان" التابعة لحزب الكتائب والتي أكدت فور سماع دوي الإنفجار بأنً السيّد محمد حسين فضل الله وأهل بيته تحت الأنقاض، عندئذٍ لم أتمالك نفسي وجريت مسرعاً نحو المسجد وعندما وصلت تفاجأت بهول المشهد فسألت مباشرة عن سماحته فطمأنوني أنه بخير وأن العائلة كانت موجودة في المنزل وبالرغم من تضرره إلا أن أحداً من أهلي لم يصب بأذى"، يقول سماحة السيّد علي فضل الله، نجل آية الله الراحل السيد محمد حسين فضل الله، واصفاً ردة فعله الأولى.
ويضيف السيد فضل الله: "بالطبع كان الشعور مؤلماً ووقع الصدمة كان كبيراً، إلا أننا في النهاية جاهزون دائماً لمثل هذه المحاولات الجبانة خاصة وأن حجم التحديات التي كانت تواجه السيّد في تلك المرحلة كانت كبيرة وكنا نشعر بخطر كبير يدنو منه، فكنا نتوقع بأن يتم استهداف سماحة السيّد الوالد وكانت هناك رغبة لدى جهاز الحماية بإغلاق الطريق المؤدية إلى المنزل والمسجد ولكن السيّد لم يقبل بذلك تسهيلاً لحركة سكان المنطقة، وعلى هذا الأساس لم تتخذ هكذا تدابير فاستفاد العدو من بعض نقاط الضعف الموجودة لينفذ عمليته".
ويشرح السيّد علي فضل الله الظرف الذي كان سائداً آنذاك فيقول "كان السيّد محمد حسين فضل الله في مواجهة إسرائيل وفي موقع متقدم في المقاومة، وشعرت الولايات المتحدة وإسرائيل آنذاك بالخطر من سماحته واتهمتاه بالوقوف وراء العملية التي استهدفت قوات المارينز في لبنان مما أشعرنا بأن هناك شيئاً ما يحضّر له، وقد استغربنا في اليوم الذي سبق عملية التفجير من حشد الإعلاميين الغربيين وأجهزة الإعلام العالمية التي طلبت إجراء مقابلات مع سماحته وكأنها تحضّر لإلتقاط الصورة الأخيرة له، وبلا شك فإن أميركا هي التي كانت تقف وراء هذه العملية عبر أدوات لبنانية وخارجية تعمل لصالحها وقد ورد ذلك في مذكرات مدير المخابرات المركزية الأميركية في وقتها "ويليام كايسي"، واعتقل من كان لهم الدور في التنفيذ ومن خلال التحقيق معهم ثبت هذا الأمر".
ويتابع السيّد علي فضل الله "أما السبب الرئيسي لمحاولة إغتيال والدي عبّر عنه "ويليام كايسي" عندما قال بأن "السيّد فضل الله أصبح مزعجاً للسياسة الأميركية وأنّ عليه أن يرحل"، فقد كان سماحته في واجهة الحركة الإسلامية والحالة الإسلامية والمقاومة الإسلامية ولحضوره أهمية كبيرة على مستوى مواجهة العدو الإسرائيلي، وقد برز تأييده للجمهورية الإسلامية في إيران، عدا عن ذلك مواجهته للمخططات الأميركية ودوره في إسقاط إتفاقية 17 أيار، كل هذه العناصر تجمّعت لتشكل رغبة عميقة لدى أميركا لإنهاء هذه الظاهرة. ونحن نعتبر أن هذا الصراع مستمر وممتد وقد كان سماحته مستعداً دائماً لتحمّل كل أعباء هذا الصراع وكان يعتبر أنه من الطبيعي أن يواجه ما واجهه إلا أن ألمه كان كبيراً على المواطنين الذين استشهدوا يومها، من رجال ونسوة وأطفال ورضّع، وهذا يظهر بالتأكيد صورة أميركا الحقيقية التي يجب أن يُنظر إليها من هذه الزاوية وألا ينخدع ببريقها أحد فهذه هي أميركا على حقيقتها".
في الجزء الثاني: كيف تمّ التحضير لمحاولة الإغتيال؟ كيف نجا سماحة السيّد محمد حسين فضل الله؟ هل من دول عربية متورطة؟ ومن نفّذ العملية؟