الاسلاميون.. دورهم في الحراك العربي ومشروعهم السياسي، ومدى جدية المخاوف من احتواء الثورات.. هذه العناوين كانت محور مقابلة أجراها موقع قناة المنار مع الباحث الاسلامي المغربي إدريس هاني.
في مرحلة تضج بالأحداث والمتغيرات تكثر الأسئلة وبالتالي القراءات والتحليلات، اذ لم تشكل أحداث ما عُرف بـ "الربيع العربي" -وحدها- عنوان المرحلة، بل إن صعود نجم الحركات الاسلامية وبروزها في واجهة السلطة بات يشكل عنواناً آخر لمرحلة لا يزال يشوب خلفيات أحداثها شيء من الغموض.
الاسلاميون.. دورهم في الحراك العربي ومشروعهم السياسي، ومدى جدية المخاوف من احتواء الثورات.. هذه العناوين كانت محور مقابلة أجراها موقع قناة المنار مع الباحث الاسلامي المغربي إدريس هاني.
الاسلاميون: دورهم في الحراك العربي ومشروعهم السياسي
يعتبر الباحث الاسلامي ادريس هاني أن الاسلاميين بالعموم لم يكونوا هم من فجر الحراك الشعبي في المنطقة، ويذهب أبعد من ذلك ليعتبر أن بعضهم وقف كعقبة في مواجهة هذا الحراك، فجرّم وكفّر من خرج إلى الشارع مشيراً بذلك إلى مواقف بعض رموز التيار السلفي في مصر، الذين كانوا يخشون ردة فعل النظام وعندما أدركوا أنهم تخلفوا عن الركب تداركوا الأمر وسارعوا إلى قطف الثمار، بحسب قوله.
وفي حين يقول أن لكل بلد ظروفه التي تميّزه عن البلد الآخر، يضيف أن الحركات الاسلامية أطياف واتجاهات، ولا يمكن حصرها بتجربة معينة. ففي تونس، يعتبر هاني أن الثورة التونسية كانت مطلبية في الأساس، لم يقودها الاسلاميون في البداية ، هذا في الوقت الذي كان الحديث يجري عن دور البوعزيزي في تفجير الثورة بينما اهتم الاسلاميون بما قام به، حتى ان الكثيرين رفضوا اعتباره شهيداً، مضيفاً بأن البوعزيزي نفسه بات اليوم أيقونة الثورة التونسية والثورات العربية.
ويتابع أنه عندما دخلت تونس في اللعبة الديمقراطية كان لا بد للحزب الاسلامي أن يلعب دوراً كونه الأكثر تنظيماً وخبرة وتكامل ذلك مع كون الحزب الاسلامي صاحب الكتلة المالية فحددت مصير الفائزين في هذه الانتخابات.
وفيما يتعلق بمصر، يلفت هاني إلى أن الاخوان المسلمين هناك يختلفون عن باقي الحركات الاسلامية كونهم يستندون إلى تاريخ وتراث فكري، وكون هذه الحركة حافظت على تنظيمها وتوازنها رغم كل القمع الممنهج الذي مورس ضدها طيلة السنوات الماضية.
ويشرح بأن تجربة إخوان مصر أهون من كثير من التجارب الأخرى التي خضعت لافتعال، مشيراّ بذلك إلى بعض الحركات التي لم تكن تتعاطى السياسة والتي ابتعدت عن الحراك وتصدرت القائمة فيما بعد، لأن الريع النفطي لعب دوراً كبيراً لصالحها في اللعبة الديمقراطية بحسب تفسيره.
وفي حديثه يوضح الباحث الاسلامي المغربي أن تنظيم الاخوان المسلمين في سورية مختلف تماماً عن تنظيم الإخوان بمصر، فالإخوان في سورية اختاروا طريقاً محكوماً بالاحتقانات الطائفية وبروح الثأر، وأوقفوا الزمن السوري عند أحداث قديمة لم تجرِ مراجعتها يعرّفونها في أدبياتهم على أنها "مجزرة حماة". وما حصل في حماة عام 1982 -بحسب رأيه- يمثل عقدة لهؤلاء، اعتُمد فيها الكثير من الخيال والتضخيم رغم أنها كانت -بنظره- شبه فتنة لأن بعض الأطراف الاسلامية كانت متورطة بعمليات القتل والاغتيال.. كل هذا لم تتناوله مراجعات الاخوان في سورية، وبعد أن كانوا يطالبون بإقامة الخلافة ويتغنون في أنشوداتهم "سورية اليوم بركان سيول دم شام الرسول منار نار ملحمة.."، اليوم بقفزة سحرية نراهم يتحدثون عن الديمقراطية والتعددية.
ويستغرب أنه لم يكن في ضمير الاسلاميين يوماً أن يستنجدوا بالغرب، ويتساءل: متى كانت الحركات بالمدلول الديني تتحدث عن جمعة التدخل الخارجي؟؟! ومتى كانت تلتقي المظاهرات الاسلامية بالسفير الأميركي وترفع العلم الاسرائيلي كما جرى في حماة.
ويردف هاني مستغرباً: الاسلاميون اليوم يمدون يدهم اليوم للولايات المتحدة ويقدمون خطابات في الأيباك يطمئنون فيها "اسرائيل"، فيما نرى بالمقابل بشار الأسد يطالب بالحوار ويتحدث عن اصلاحات وتعديلات في الدستور.. مع أن بمقدوره أن يقدم ورقة صغيرة فيبيع كل هؤلاء لأميركا ليبقى على رأس السلطة.
ويشير إلى أنه رغم كل هذا لا يمكننا أن ننكر أن هناك تعاطفا من قبل الحركات الاسلامية خارج سورية مع الاخوان، موضحاً أن هذا التعاطف ناجم عن عدم استيعاب للأحداث الحقيقية ولتعقيدات المشهد السوري، ويضيف بأنه قد تصل بعض الصور التي تؤثر في الحركة الاسلامية في الخارج، ولكن واقعاً ما يجري في سورية مغاير تماماً.
كما ينظر إلى تجربة الاسلاميين في ليبيا على أنها مغايرة تماماً للتجارب الأخرى، فيجزم أنه لولا الاسلاميين في ليبيا وعلى رأسهم مجموعات "المقاتلة" لما سقط القذافي، بعد سوء التفاهم الذي وقع في اللحظة الأخيرة بينهم وبين القذافي بسبب أخطاء ارتكبها الأخير عندما قتل بعضا من قياداتهم.
ويلفت الباحث هاني إلى أن "المقاتلة" رجعوا ضمن ما عُرف بـ "الأفغان العرب" ودخلوا السجون ومن ثم قدموا مراجعات فيها شيء من الفرادة بالمقارنة مع الحركات الاسلامية الأخرى، كما أن قياداتها تمتعت بمستوىً كبير من الوعي السياسي والفكر الديني وقطعت مشواراً في تجديد خطابها. ويشير إلى أنهم عندما شاركوا في "الجهاد الأفغاني" كانوا مستقلين وبعيدين عن القاعدة وكانت لهم رؤيتهم الخاصة. لكن الخشية في أن يتمّ توريطهم في سياسات تلهيهم عن انتظاراتهم.
وحول المشروع السياسي، يعتبر الباحث الاسلامي ادريس هاني أن الحركات الاسلامية تفتقد إلى مشروع سياسي متكامل، منتقداً شعاراتهم التي لطالما أشاروا فيها أنهم يملكون حل المشاكل الاجتماعية والسياسية. ويردف بأن على هذه الحركات أن تكون أكثر واقعية في شعاراتها وطروحاتها لتعترف بتواضعها وأنها لا تمثل البديل الاسلامي الحقيقي، معتبراً أن القيّمين على هذه الحركات كغيرهم من السياسيين فهم أرادوا أن يدخلوا في اللعبة السياسية كي يفوزوا بالسلطة.
الثورة المضادة والتبييض الديني
وفي حديثه مع موقع المنار، يؤكد الباحث هاني أن هناك مخاوف جدية من تنفيذ ما وصفه بالثورات المضادة لاحتواء مفاعيل الثورة، معتبراً أن بعض الحركات باتت تمارس نوعاً من التدليس السياسي للعب دور التبييض الديني للثورات المضادة.
ويتساءل ما هي القيمة المضافة لوصول الاسلاميين إلى الحكم إذا كانوا قد تنازلوا عن كل ما يميزهم عن غيرهم؟؟ مشيراً إلى أن الحكومات باتت حكومات إسلاميين لا حكومات إسلامية، ويضيف بأنه لا يتوقع نجاح محاولات الاحتواء باعتبار أن هؤلاء يشكلون طيفاً من أطياف الحركة الاسلامية وليس كل الحركات الاسلامية.
ويلفت أن التيار الاسلامي الحقيقي المعوّل عليه اليوم هو تيار الاخوان المسلمين في مصر، ويضيف أن تأثيرات سياسته لن تنحصر في مصر كونهم سيكونون مسؤولين عن النموذج الاسلامي الأهم في العالم العربي، وعن صد أي ثورة مضادة، وسيتحملون مسؤولية أي خطر من شأنه أن يجعل الثورة نقيضاً للمقاومة.
كما يحمّل الاخوان في مصر مسؤولية أن يكونوا مجرد أدوات في ممارسة التبييض الديني للمشاريع الامبريالية وللسياسات الخارجية في المنطقة، ويؤكد أنه إذا صمد المصريون فلا قيمة لكل من دخل في الصفقات التاريخية، مشدداً أنه إذا فسدت مصر فسد العالم العربي ولذلك هم لن يتركوها بسلام.
ويربط هاني ما يحصل في سورية بأحداث مصر، شارحاً أن احتواء سورية من شأنه اضعاف الدور المصري، وبحسب رأيه فقد وقع الاخوان في فخ المخطط الدولي واستسلموا للاحتواء من قبل بعض الاطراف العربية التي تشكل دعامة أساسية للمخطط الغربي في المنطقة، فانصبت الامكانيات على سورية حتى لا تكون سورية حليفة لهذه الدول الحديثة العهد بالثورات لأن سورية من ناحية استراتيجية ستؤمن معبر الثورة إلى المقاومة، فقد نجحت الثورات وبقي أمامها تحدٍ آخر بأن تعبر الثورات نحو المقاومة، فكان قطع الطريق أمام هذا التكامل والالتقاء بين التجربتين، وكان الخوف من التلاقي، ما يفسر الى أي حد جدية العالم في محاربة سورية.
كما يشير إلى أن "المقاتلة" في ليبيا يقدمون نموذجاً آخر، وكونهم رغم محاولات خداعهم لازالوا يراقبون الأمور بذكاء. وقد يخضعون للضغوط ولتعقيدات اللعبة السياسية، متحدثاً أن هؤلاء يواجهون تحديات حقيقية في بلدانهم ولذلك بدأت تظهر في ليبيا أحداث كثيرة كالمظاهرات والاقتتال.
واعتبر أن هناك من يريد أن يسرق الثورة من ثوار ليبيا، ولذلك فشلت بعض الأسماء التي طرحت في المجلس الانتقالي وهذا ما يفسّر خروج محمود جبريل من ليبيا.
الدور القطري في احتواء الثورات، والانبهار بالنموذج التركي وتعميمه كنموذج حكم للاسلاميين، وهل هي صحوات أم صفقات.. عناوين أخرى سيتم تناولها في الجزء الثاني من حديثنا مع الباحث الاسلامي إدريس هاني