سُئل كيسنجر ماذا ترى بعد انهيار الاتحاد السوفياتي؟ فأجاب: "حرب المئة عام بين السنة والشيعة".
سُئل كيسنجر ماذا ترى بعد انهيار الاتحاد السوفياتي؟ فأجاب: "حرب المئة عام بين السنة والشيعة".
لم يكن كلام وزير الخارجية الأميركي السابق يندرج في إطار التوقعات، بقدر ما هو تعبير عن السياسة الأميركية التي تعمل على عدد من بنوك الأهداف، ولا غرابة في أن يكون ضرب وحدة المسلمين في سلم أولوياتها.
ولطالما سعى النهضويون والاصلاحيون إلى تكريس مفهوم الوحدة الإسلامية من خلال احتضانهم لمؤسسات التقريب، التي يعدّ تجمع العلماء المسلمين في لبنان من أبرزها.
تجمع العلماء المسلمين
في حزيران من العام 1982 وبالتزامن مع انعقاد "مؤتمر المستضعفين" في العاصمة الايرانية طهران، أقدم العدو الصهيوني على اجتياح لبنان، وبعد تدارس الموقف لم يجد وفد لبنان المشارك في المؤتمر أفضل من وحدة المسلمين كرد لمواجهة الإحتلال، ومن هنا إنطلقت فكرة إنشاء تجمع للعلماء المسلمين في لبنان، التي حظيت برعاية شخصية من الإمام روح الله الخميني –قدس سره-.
ويشير مسؤول العلاقات العامة في تجمع العلماء المسلمين الشيخ حسين غبريس بأن هدف إنشاء التجمع كان توجيه الأمة المنتفضة من خلال المساجد والمسيرات إلى توحيد صفوفها والتعبير عن غضبها ورفضها للإحتلال.
غبريس: حالة الجهالة والعصبية الصنمية تشكل أهم تحدٍ يواجه وحدة المسلمين
وفي حديث له مع الموقع الالكتروني لقناة المنار، يقول الشيخ غبريس إن التجمع في بدايات عمله كان يقود الساحة من خلال مباركته ودعمه للمقاومة الشعبية، وعمله على توحيد الجهود لأن العدو لم يفرق يوماً بين سني وشيعي.
وعن واقع حال المجتمعات الإسلامية، إعتبر الشيخ غبريس أن هناك العديد من التحديات التي تواجه التجمع اليوم، وأردف أن أهم الصعوبات هي "حالة الجهالة والعصبية الصنمية التي تختزل الواقع الإسلامي"، وغياب الخطاب الوحدوي عن الإعلام بما فيها الإسلامي، لأن هذا المشروع غير مقبول عند كثيرين، كون بعض المحطات تجد في الترويج للفتنة مادة دسمة، من خلال تقديم صوت نشاز يستثير العاطفة ويخدر العقل.
وتابع بأن جهود الإصلاح والوحدة يضيّعها الآخرون بمجرد موقف أو كلمة، لافتاً في الوقت عينه إلى أن للوحدة الإسلامية جمهورها أيضاً. وأضاف: "نحن نجد دائماً أبواباً مفتوحة... وقد عقد التجمع أكثر من اتفاقية ثنائية مع العديد من المؤسسات الدينية والاجتماعية والثقافية في أكثر من بلد عربي وإسلامي للتعاون في المجالات المتنوعة ولعقد المؤتمرات والندوات المشتركة".
ورداً على سؤال حول مبادرات التجمع، قال مسؤول العلاقات العامة في تجمع العلماء المسلمين بأن وفداً من التجمع قام قبل فترة بزيارة لشيخ الأزهر أحمد الطيب ولمفتي الديار المصرية الشيخ علي جمعة، وأكمل الشيخ غبريس: "حالياً ننسق مع الأزهر لعقد لقاء في مصر يضم نخبة العلماء العالم الإسلامي على اختلاف مذاهبهم، بغية وضع ميثاق ينطلق من خلاله العلماء لمنع أي صوت نشاز ممكن أن يؤثر على الوحدة الاسلامية".
وأضاف أن هناك إتفاقاً ثنائياً مع حركة نهضة العلماء في اندونيسيا، التي يفوق عدد أعضاءها 30 مليون عالم دين، وأن الحركة الاندونيسية استشعرت خطراً قد ينتج عن محاولات لتأجيج فتنة سنية-شيعية في احدى الجزر الاندونيسية، فطلبت من تجمع العلماء المسلمين في لبنان المساعدة لمعالجة الأمر.
الرفاعي: الوحدة الاسلامية ليست دعوة لإلغاء الاختلافات والقناعات
ويعلّق عضو المجلس المركزي للتجمع، الشيخ مصطفى الرفاعي، بأن فكرة تجمع العلماء المسلمين في لبنان تلاقت مع جهود النهضويين سنة وشيعة، سواء في الجمهورية الاسلامية الإيرانية التي قدمت الدعم المادي والمعنوي للتجمع في لبنان، أو مساعي إنشاء دار التقريب في القاهرة التي عملت في اطار توجيهات الشيخ حسن البنا الذي يردد "نحن معشر ينبغي أن نتعاون فيما اتفقنا عليه وان يعذر بعضنا بعضاً فيما اختلفنا فيه".
ويروي أنه في عهد الاستعمار البريطاني إلتقى آية الله الكاشاني، أحد كبار مراجع الدين في إيران، مع الشيخ حسن البنا، فاستنفرت الاستخبارات البريطانية واعتبرت اللقاء خطيراً ويهدد كيان المستعمرة البريطانية.
وفي حديثه مع موقع المنار، أكد الرفاعي أن المسلمين اليوم أحوج من أي وقت مضى للوحدة الاسلامية، شارحاً بأن الدعوة للوحدة ليست دعوة لإلغاء القناعات والإختلافات، لأن الإختلاف مطلوب، وهو يشكل غنىً للمكتبة الاسلامية ولفهم النص الديني. وتابع: "لا ضير في الإختلافات التي يجب أن يبحث فيها أهل العلم وليدلي كل منهم بدلوه شرط أن يحترم كل منهم رأي الآخر".
البريدي: الإسلام بريء من المتطرفين السنة والسبابين الشيعة
و في حديث خاص لموقع المنار، اعتبر الشيخ إبراهيم البُريدي، عضو المجلس المركزي لتجمع العلماء المسلمين، أن التجمع حقق إنجازات على صعيد العمل التقريبي والوحدوي، وأضاف بأن أعضاء التجمع لمسوا ذلك كل ضمن بيئته.
ولفت البريدي أن ما يراد تظهيره وكأنه خلاف عقائدي بين السنة والشيعة، هو خلاف سياسي بحت، مذكراً أن إيران كانت أيضاً شيعية في عهد الشاه بهلوي يوم كانت تزود الطائرات الإسرائيلية بالقنابل، إلا أن البعض لم يكتشف ذلك إلا بعد أن أطلق الامام الخميني (قدس سره) مقولته "اليوم طهران وغداً القدس".
وتساءل من المستفيد من الشقاق والتنازع بين الأخوة في الدين غير العدو؟
وهاجم الشيخ البريدي"المتطرفين السنة والسبابين الشيعة" على حد سواء، معتبراً أن الإسلام منهما براء، وأنه لا يحق لأي كان تضليل الآخر او الإساءة إليه. وتساءل "حتى ولو خرج البعض عن الدين هل نسقط إنسانيته كإنسان؟ وأين ذلك من حديث الإمام علي (ع) الناس صنفان أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق؟"
وأردف قائلاً "للأسف، الجهات التي تنطق بالخلاف معها الاعلام والمال، نحن ندفع لنقول كلمتنا فيما يُدفع للآخرين ليقولوا كلمتهم".
المهداوي: الاختلاف بين السنة والشيعة إختلاف فقهي
من ناحيته، قال عضو المجلس المركزي للتجمع الشيخ دياب المهداوي إن إسهامات وجهود الجمهورية الإسلامية في مساعي التقريب وتوحيد صفوف المسلمين كبيرة وكثيرة، وأن إيران كانت ولازالت داعماً ومؤيداً لعمل التجمع في لبنان، مضيفاً بأنه فور انتصار الثورة الإسلامية في إيران أفتى الإمام الخميني (قدس سره) بوجوب توحد المسلمين، محولاً بالتالي ذكرى المولد النبوي التي يختلف في تاريخها السنة والشيعة إلى أعظم مناسبة للوحدة والتلاقي.
وتابع بأن فتوى الإمام الخامنئي (دام ظله) بحرمة التعرض والإساءة للصحابة وأم المؤمنين" لم تكن حديثة إلا أنّها ظُهّرت للعلن لمنع السبّ"، ومن باب توضيح وجهة نظر علماء الشيعة من الأعمال الشاذة التي يمارسها البعض باسم الدين، مشيراً للحديث النبوي الشريف: "ما بُعثت سبّاباً ولا لعّاناَ".
وشدّد المهداوي في حديثه مع موقع المنار أن لا خلاف بين السنة والشيعة بل اختلاف فقهي، تماماً كالاختلاف بين المذاهب الأربعة للطائفة السنية، لأن المسلمين يعبدون إلهاً واحداً ويجمعهم نبي وقبلة وقرآن واحد.
وأردف "نحن واعون إلى أهمية ودور الإعلام، ولهذا ندعو إلى إنشاء قناة إسلامية فضائية تمثل الحالة الاسلامية الواحدة، فتتصدى إلى فضائيات التكفير والتضليل وتعمل على تقديم الإسلام بصورته الحقيقية"، وعلى تكريس مفهوم الوحدة وردم الهوة التي يعمل على إفتعالها البعض. واعتبر الشيخ المهداوي أن المطلوب إيجاد قناة إسلامية غير محسوبة على جهة أو فئة أو حزب، بحيث تضيع هويتها الطائفية لصالح هدفها الرسالي.