الدور القطري في احتواء الثورات، النموذج التركي وتعميمه كنموج حكم للاسلاميين، وهل الحركات الشعبية كان ترجمة لصحوات أم صفقات مررت من تحت الطاولة..هذه العناوين نتناولها في الجزء الثاني من مقابلتنا مع الب
الدور القطري في احتواء الثورات، والانبهار بالنموذج التركي وتعميمه كنموج حكم للاسلاميين، وهل ما شهده العالم العربي من حراك شعبي كان ترجمة لصحوات أم صفقات مررت من تحت الطاولة.. وماذا لو فشلت تجربة الاسلاميين في الحكم؟ هذه العناوين نتناولها في الجزء الثاني من المقابلة التي أجراها موقع قناة المنار مع الباحث الاسلامي المغربي إدريس هاني.
قطر ومشاريع الاحتواء
يتابع الباحث الاسلامي إدريس هاني حديثه لموقع المنار متوقفاً عند المخاوف من الدور القطري في المنطقة، فيعتبر أن قطر باتت تمثل آداة رئيسية في احتواء الثورات العربية، وأنها تؤدي دوراً وظيفياً مفوضة به لاحتواء الثورات؛ فهي لا تسعى لأن تكون عرّابة مشروع وصول الاسلاميين إلى الحكم وحسب، بل هي باتت في الواقع عرّابة ما يُسمى بـ "الثورات المضادة"، مفسّراً إندفاع قطر بقوة نحو المشروع الأميركي بالخشية من امتداد وتفرّد النفوذ السعودي في المنطقة.
ويضيف بأن سياسة قطر الخارجية لا تأخذ بعين الاعتبار مصالحها كدولة، لأن إمارة قطر اهتدت لما يمكن أن يُصطلح عليه بمفهوم "السوبرا دولة"، ما يعني أن بامكان أمراء قطر أن يؤسسوا دولة في أي بقعة من العالم بشراء جزيرة تفوق بمساحتها قطر، وأن يستجلبوا العبيد من القارات الخمس ليحكموهم كشعب، وأن يؤسسوا المؤسسات والمنشآت ووسائل الاعلام، أي بتعبير آخر يمكن إخضاع الدولة نفسها لمنطق البيع والشراء، فكل شيء هنا قابل للشراء، وبالتالي فقلوب الأمراء لن تكون على الدولة التي قد تصنع في أي مكان آخر، ولذا فليس لديهم ما يخسرونه.
ويوضح هاني أن أمراء قطر سعوا إلى تكريس نفوذهم في تونس، مستخدمين العلاقة التي تربطهم مع زعيم حزب النهضة راشد الغنوشي، مذكراً بأن قطر احتضنت الغنوشي في المنفى. وكانت الدوحة طيلة تلك الفترة تعمل على استقطاب شخصيات روحية وسياسية وثقافية.. وبالتالي فشيوخ قطر يعتقدون بأن عليهم اليوم أن يجنوا ثمار ما قدموه لهذه الشخصيات على مدى السنوات السابقة.
ويتابع بأن العديد من الشخصيات في تونس باتت تدرك خطورة الدور الذي تلعبه قطر في المنطقة، لافتاً إلى مواقف بعض الاسلاميين وعلى رأسهم الشيخ عبد الفتاح مورو، أحد مؤسسي حركة النهضة التونسية، الذي عبر عن رفضه لزيارة أمير قطر حمد بن خليفة آل ثاني في الذكرى الأولى للثورة، وكذلك عبر العديد من الناشطين من خلال مشاركتهم في المظاهرات التي خرجت تستنكر زيارته.
وفي حديثه، يفرّق الباحث الاسلامي إدريس هاني بين علاقة قطر بحركة النهضة في تونس وعلاقتها مع الاخوان المسلمين في مصر، قائلاً إن العلاقة مع الاخوان في مصر ليس فيها إغراق، زاعماً أن مساعي البعض لإبراز القرضاوي كرمز لهذه الحركة لن تكون ناجحة، لأن العلاقة قد تكون غير متناسبة مع التحديات التي يواجهها الاخوان المسلمون من جهة، ومع علاقتهم برجل يسعى في الحدّ الأدنى لأن يكيّف مواقفه مع مواقف وسياسات تخدم الأجندة القطرية.
ويرى أن المحاولات الحثيثة التي تبذلها قطر لفتح علاقات وثيقة مع الاخوان في مصر، قد تكون مشابهة لما تقوم به قطر إزاء "المقاتلة" في ليبيا، وهذا ما يفسر زيارة الشيخ يوسف القرضاوي إلى ليبيا التي جاءت في إطار مساعي تمتين العلاقات بين قطر وإسلاميي ليبيا، على حد قوله. ويعتبر أن هناك مساعي قطرية لإغراق "المقاتلة" في وحول المستنقع السوري من خلال اللعب على الوتر الطائفي، ليكرروا سيناريو أفغانستان نفسه، فينشغل "المقاتلة" في سورية وعندما تضع الحرب أوزارها يعود هؤلاء إلى ليبيا ليعامَلوا كما عومل الأفغان العرب، وكما عوملت المقاتلة نفسها أيّام القذّافي بحسب رأيه.
ويكشف الباحث الاسلامي المغربي أن الحديث عن انتقال بعض القيادات العسكرية الليبية ومن بينهم بلحاج إلى الحدود التركية لتدريب مقاتلين سوريين ليس صحيحاً، مؤكداً في الوقت نفسه وجود بعض المجموعات الليبية المسلحة في تركيا لهذا الغرض، نافياً تورط بلحاج شخصياً في الموضوع.
وفي حين يكرر أن الحركات الاسلامية أطياف وتوجهات، يشير إلى أن ذلك يتضح في المقارنة ما بين سياسة وتوجهات الاخوان المسلمين في مصر وسورية. ويؤكد أن هناك إختلاف شاسع ما بين الحركتين، ويتابع بأن الاخوان المسلمين في سورية وقعوا بالفعل في فخ المخطط الدولي واستسلموا للاحتواء الذي تلعب دوره قطر، التي أصبحت تشكل الدعامة الأساسية للمخطط الغربي في المنطقة، كاشفاً أن بعض رموز الاخوان في سورية يعد من الكوادر في مؤسسات قطر الاعلامية وآخرون باتوا بمصاف المستشارين السياسيين للإمارة، وهذا ما يفسر تعاطي الجزيرة مع الأحدث السورية بهذا الإسراف، بعد أن باتت تشكل مأوى للمعارضة السورية على حد وصفه.
النموذج الأردوغاني: نموذج التيار الإنهزامي في تركيا
وعن الانبهار بنموذج حكم الاسلاميين في تركيا والترويج له كنموذج يجب أن يُحتذى به العالم العربي، يجيب إدريس هاني أن المقصود هو الترويج للنموذج الأردوغاني الذي لا يمثل كل تركيا، بل هو حصيلة التيار الانهزامي في تركيا. وأوضح أن ما يميّز هذا التيار عن باقي الحركات الاسلامية في تركيا بأن له القابلية على أن يوقع على بياض في التنازل عن كل ما يتعلق بالمطالب التاريخية للحركات الإسلامية ومن دون حتى أن يشترط، مقابل أن يُسمح له بهامش من التعبير.
ويضيف بأن الطروحات الأردوغانية لم تقدم حتى اليوم أي حل لمشكلة أو قضية، وأن ما توصلت له تركيا مؤخراً كان نتيجة التطور السياسي الذي وصلت إليه هذه الدولة حتى قبل مجيء أردوغان. وبحسب رأيه، فالديمقراطية والاستقرار في تركيا ليسا من صنع أردوغان، بل هما صنيعة اللعبة الدّيمقراطية التركية، متسائلاً: ماذا قدمت الحكومة التركية في المجالات الأخرى؟ فلا يزال هناك اعتقالٌ للصحافيين وقتلٌ للأكرد؟ ما الذي يغري في النموذج التركي كي يُعمم على المنطقة؟
ويعتبر هاني أن أردوغان لا يملك إلا الكلمات والخطابات التي لا تعتبر سوى فقاعات إعلامية لا ينتج عنها أي شيء ملموس، مشيراً إلى مواقف رئيس الحكومة التركية في مؤتمر دافوس عندما هاجم "إسرائيل" بحضور شيمون بيريز، متسائلاً: هل قطعت تركيا علاقاتها الأمنية وجمدت إتفاقياتها العسكرية مع الكيان الصهيوني؟.. إذاً ما قيمة كل هذه المواقف الممسرحة؟؟
ويلفت إلى أن بعض الاسلاميين الأتراك ينظر لأردوغان على أنه يمثل تيار الإنهزام، كاشفاً أن الرجل كان غير مرضي عنه من قبل مؤسس الحركة الاسلامية في تركيا ورئيس وزرائها السابق نجم الدين أربكان، الذي كان يرى فيه رجلاً يستجيب لكل الاملاءات الغربية، ورجلا متعطّشا للسلطة.
ويؤكد الباحث إدريس هاني أن تركيا عاشت في الفترة الأخيرة صعوداً لنجم التيار الأكثر إنهزامية في تركيا، مشدداً على أنه إذا كان هناك نموذج اسلامي فيجب أن يصنع في مصر وليس في اسطنبول، كون مصر مؤهلة أكثر من غيرها نظراً لموقعها الاستراتيجي في المنطقة ولإرثها الفكري العريق.
ويردف بأن الاخوان المسلمين في مصر كانوا التيار الأكثر اتزاناً رغم كل ما مورس ضدهم من قمع ممنهج، وكونهم يستندون إلى تراث تاريخي وفكري عريق، ويعتبرون أن شعاع الحركات الاسلامية انطلق من بلادهم مع أفكار الشيخ حسن البنّا. ويضيف أنهم كإسلاميين يعتبرون أنفسهم أصحاب تجربة، ولذلك فهم لا يتقبلون بأن تُملى عليهم أوامر من الخارج، مسجلاً لهم ردّهم على أردوغان بأنهم ليسوا بحاجة إلى دروس من تركيا.
صحوات أم صفقات؟
ورغم كل المخاوف والتحذيرات لحماية الثورات من أي احتواء، يبدي الباحث الاسلامي المغربي ثقته بأن ما شهدته المنطقة من حراك كان صحوة شعوب إسلامية، ينشغل الآخرون في كيفية إحتوائها وقطع الطريق عليها.
ويعتقد أن إبراز بعض الاسلاميين إلى الواجهة بهدف القيام بتبييض ديني لمشاريع استعمارية كان لهذا الغرض، مضيفاً بأن المطلوب أن تفقد الشعوب- المحبطة أساساً - ثقتها بالاسلاميين وبرامجهم، لتفتش بالتالي عن البديل.
ويوضح أن الخطة التي يعمل عليها الغرب لم توضع بهدف خدمة بعض الحركات الاسلامية أو إحترماً لخيارات الشعوب، بل لاستعمال الصحوات وتوجيهها إلى ساحات قد تخدم فيها المصالح الأجنبية، مبرراً أن الصحوات الاسلامية لا يمكن أن تلقى رعاية أميركية أو اسرائيلية.
ورغم كل المخاوف، يعتبر إدريس هاني أن الأحداث توحي بالتفاؤل، ويضيف: دخلنا في عصر الحراك الاجتماعي وعصر الجماهير، وسواء اتخذت الحركات الاسلامية البارزة في واجهة السلطة مواقف تعبر عن روح الثورة أم لم تتخذ، لن يكون هناك ما يدعو للقلق لأن الجماهير ستستبدلهم بخير منهم، مصداقا ً للوعد الالهي (يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم).
ويؤكد أن هذه الحركات إن فسدت فإن ذلك لن يكون نهاية المطاف لأن روح هذه الأمة لا تتوقف وسوف تضخ المزيد.. مشيراً إلى أن هذه الأمة أنتجت القادة النهضويين والاصلاحيين، وهي لم تعد عاجزة عن الاتيان بأمثال هؤلاء العظماء، وأنها دائما حبلى بالمزيد.
ويختم قائلاً، أياً كان التقييم نحن نعيش اليوم إنطلاقة عصر الجماهير، ما يعني أن الهرولة نحو الحكومات هي مقبرة كل من يريد أن يحكم، وبالمقابل فمن يريد أن يعيد رسم صورة مثالية له أمام الجماهير ينبغي أن يلوذ بالمعارضة. فعصر الجماهير هو عصر الشعوب التي ستراقب الحكومات وسوف تلقنها الدروس يوماً بيوم وسوف تستقوي عليها وهذا سيكون في صالح المعارضة لا الحكومات.
تبقى الآمال اليوم منعقدة على الشعوب التي وضعت آمالها وقضاياها الكبرى لدى الحركات الاسلامية.. وأمام كل التحديات والرهانات، هل سينجح إسلاميو العصر في إثبات أن الإسلام فعلاً هو الحل؟؟ سؤال تبقى الاجابة عنه برسم سياسات الأنظمة المقبلة من جهة، ووعي الجماهير بقدرتهم على تقييم الواقع وتبديله إن ساء من جهة أخرى.