بعد استخدام روسيا الفيتو للمرة الثانية، واقفة بذلك في وجه المساعي الغربية والعربية المتمثلة بإصدار قرار يدين النظام السوري، كان لنا هذه المقابلة مع السفير الروسي في لبنان
للوهلة الأولى، يبدو ألكسندر سازبكين شخصاً يتسم بديناميكية كبيرة. فور دخوله يدعوك للجلوس والبدء بطرح أسئلة المقابلة التي يفضل أن تكون بمثابة "دردشة" بين شخصين، فارضاً عليك بذلك عدم التقيد كثيراً "بالرسميات" التي قد يفرضها موقعه كسفير لروسيا في لبنان. لكن لحظة الغوص في الموضوع السوري وتعقيداته، يلتزم سازبكين السير بين خطوط حمراء تبدأ بعدم تسمية تلك الدول التي تدعم الجماعات المسلحة في سورية وتنتهي بعدم الحديث في تفاصيل ما يحدث في شمال لبنان، حيث يُحكى أن تلك البقعة باتت معبراً للسلاح والمقاتلين إلى سورية. بعد انتهاء الحوار مع سازبكين، الذي يقطن في لبنان منذ عام 1973، تصل إلى نتيجة واحدة: الفيتو سيبقى حاضراً عندما يتعلق الأمر بسورية.
سمية: سعادة السفير كيف تفسر لنا التناقض الذي شاب تصريح وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف عقب اجتماع وزراء الخارجية العرب، فمن جهة أكد الأخير رفض بلاده لأي مقررات لا يوافق عليها النظام السوري ومن جهة أخرى أعلن دراسة اقتراح الجامعة إرسال جنود لحفظ السلام إلى سورية؟
السفير الروسي: لا أرى هناك تناقضاً في تصريح لافروف، لأنه لا يمكن تحقيق هذا الإقتراح إلا بموافقة السلطات السورية وفي نفس الوقت من المفيد دراسة اقتراح الجامعة بكافة تفاصيله. لذا فبرأينا إن إرسال قوات حفظ السلام لا يتمّ إلا بوقف العنف الذي نعمل على تحقيقه منذ بدء الأزمة، نحن نعتبر ذلك أمراً أساسياً.
سمية: هل سيكون هناك تغيير ما في الموقف الروسي حيال الوضع في سورية، هل ستستمرون باستخدام الفيتو لمنع صدور أي قرار في مجلس الأمن يدين النظام؟
السفير الروسي: موقفنا تجاه أي قرار يتعلق بسورية ينطلق من عدة ثوابت: البحث عن تسوية سياسية سلمية للنزاع الداخلي السوري وبدون أي تدخل خارجي، وقيام حوار شامل بين النظام وكافة فصائل المعارضة. نحن لا نرى مستقبلاً جيداً لسورية من خلال إسقاط النظام بل من خلال تطبيق خطوات إصلاحية تتمثل بوضع دستور جديد وإجراء انتخابات.
سمية: بعض الملوك العرب يتهمون روسيا بالوقوف في وجه الإجماع العربي ومخالفة إرادة الشعب السوري بالوقوف الدائم إلى جانب النظام، كيف تردّون على ذلك؟
السفير الروسي: نحن نحترم قرارات الجامعة العربية، لكن في الوقت عينه لدينا رأينا الخاص بالنسبة لبعض القرارات التي نتحفظ على مضمونها. فبالنسبة لعمل بعثة المراقبين نعتقد أن البعثة لعبت دوراً ايجابياً خلال وجودها في سورية وكان من الأفضل الأخذ بمضمون ما توصلت إليه خلال عملها في سورية. نحن نأخذ مواقف الجامعة بعين الإعتبار لكننا لا نستطيع تبني كل ما يصدر عنها خصوصاً إذا خالف ذلك قناعاتنا.
سمية: سعادة السفير لماذا استخدمتم الفيتو مرتين للحؤول دون صدور قرار يدين النظام السوري أو يسمح بتدخل خارجي في سورية، في الوقت الذي اكتفيتم فيه بالإمتناع عن التصويت في ما يخص القرار 1973 الذي منح الأطلسي حق التدخل العسكري في ليبيا؟
السفير الروسي: بالنسبة لليبيا، فقد كانت تلك التجربة الأولى من نوعها خلال أحداث الربيع العربي. لقد امتنعت روسيا وقتها عن التصويت لأننا اعتقدنا أن تنفيذ قرار الحظر الجوي سيؤدي إلى تقليص عدد القتلى في صفوف المدنيين. لكن الأطراف الأخرى تجاوزوا الصلاحيات التي منحت لهم وفقاً للقرار ونفذت عملية ناتو تجاه ليبيا وهذا مخالف تماماً للموقف الروسي، لقد كانت تلك تجربة سيئة. نحن منذ البدء وعلى لسان الرئيس ديميتري ميدفيديف أبلغنا كل الأطراف أننا لن نوافق على قرار مشابه وتجربة مشابهة في سورية.
سمية: هل تنفي سعادة السفير وجود بعد استراتيجي لموقفكم تجاه الوضع في سورية؟
السفير الروسي: لسورية أهمية خاصة ليس فقط بالنسبة لروسيا، بل إن لهذا البلد أهمية على المستوى الدولي والإقليمي أيضاً. لا ننكر أنه لدينا علاقات ودية مع سورية، ولكننا لا ننظر للنظام السوري كحليف لروسيا لأنه منذ عهد الإتحاد السوفياتي لا نعتبر أية دولة حليفة لنا، لأن السياسة الروسية ليست مبنية على تحالفات بل على الشراكة مع أكبر عدد من الدول. لذلك فنحن نؤكد أنه بالنسبة لسورية ندافع ليس عن النظام السوري بل عن الشرعية الدولية.
سمية: هل تعتبرون أن ما يجري في سورية ليس بثورة، أو بمعنى آخر هل تعتقدون أن هناك مؤامرة تحاك ضد سورية من خلال دعم الجماعات المسلحة بالسلاح والعتاد؟
السفير الروسي: منذ البدء، حمل الحراك الشعبي في سورية مطالب تتمثل بتطبيق الحرية والديمقراطية ومعالجة المشاكل الداخلية الإقتصادية والإجتماعية وغيرها. كنا نتعاطف مع التظاهرات السلمية ولكن على هامش هذه التظاهرات بدأت الجماعات المسلحة بالظهور بشكل متصاعد. لقد بدأت تلك الجماعات المسلحة باكتساب القوة ومحاربة النظام وهي لا تسعى للإصلاحات الديمقراطية بل إلى تغيير السلطة.
سمية: هل نفهم من كلامك سعادة السفير أن الشعب السوري لا يريد سقوط النظام بل يريد فقط الإصلاح؟
السفير الروسي: بكل تأكيد الشعب السوري يريد الإصلاح، لذا من المطلوب إجراء انتخابات شفافة ونزيهة، وسنرى وقتها من سيختار الشعب السوري لإدارة شؤون بلاده.
سمية: هل هناك بحسب معلوماتك من يقوم بتمويل الجماعات المسلحة في سورية من أجل تطبيق أجندة معينة؟
السفير الروسي: أنا لا أستطيع تقديم أي معلومات تفصيلية حول تمويل أو تهريب السلاح، لذا سأكتفي بالتحليل السياسي. هذا التحليل يدلّ على أن هدف الجماعات المسلحة هو إسقاط النظام.
سمية: برأيك، ما هي الأسباب الكامنة خلف هذا الإصرار العربي على إسقاط النظام في سورية؟ وكيف تفسر الإزدواجية في الموقف القطري تجاه الأحداث، بحيث أن الحكومة القطرية تسعى جاهدة إلى إسقاط النظام السوري وفي الوقت عينه تلزم الصمت تجاه ما يجري في البحرين؟
السفير الروسي: في اتصالاتنا مع الدول العربية ومع دول الخليج، نحاول دائماً ايجاد القواسم المشتركة معهم، بحيث استقبلنا في موسكو وزير خارجية البحرين ووزير خارجية الإمارات، وحاولنا التشديد على ضرورة وقف العنف وايجاد حلّ سياسي في سورية وسوف نواصل الجهود للتعامل مع دول الخليج. وفي نفس الوقت لا بد من الإشارة إلى أن الصراعات والتناقضات الإقليمية تؤثر بطبيعة الحال على الظروف التي تحكم النزاعات الداخلية بما في ذلك ما يحدث في سورية والموقف العربي تجاه النظام هناك. لا أريد إطالة الحديث عن هذه الصراعات، لكننا نتمنى أن تتفوق المصالح العليا للشعوب على المصالح الذاتية للدول.
سمية: هل تعني بذلك أن خلف إصرار قطر على ضرورة تنحي الرئيس الأسد انصياع للصراعات الإقليمية وتطبيق لأجندة خارجية؟
السفير الروسي: مرة أخرى أنا لا أريد اتهام أي طرف. لكننا نعتقد أن بعض الوسائل الإعلامية تقوم بتغطية الأحداث لصالح أطراف معينة، ونحن نعمل عبر كل الوسائل المتاحة إلى توضيح حقيقة الوضع والموقف الروسي مما يحدث في سورية.
سمية: لقد تحدث هنري كيسنجر عن حدوث حرب قريباً في المنطقة، إضافة إلى ذلك فقد صرّح مسؤولون اسرائيليون عن ضربة سيوجهها كيان العدو إلى ايران، هل ترجحون إمكانية اندلاع حرب قريباً في المنطقة؟
السفير الروسي: بالنسبة للموضوع الإيراني تحديداً الملف النووي فإن حلّه لا يكون إلا بالطرق السياسية والديبلوماسية. من الأفضل لكل الأطراف الإبتعاد عن أي نزاع عسكري مع ايران لأن ذلك سيجلب الكوارث للمنطقة. برأيي الشخصي، فإنه من المستبعد حدوث مثل هذه الكارثة، لكن ذلك لا يمنع من أن نكون حذرين وأن نتابع كيفية سير الأمور. نحن نبذل كل الجهود لمنع حدوث حرب في المنطقة.
سمية: ما صحة ما قيل عن تقديم اغراءات لروسيا مقابل امتناعها عن استخدام الفيتو وذلك خلال الساعات الأخيرة التي سبقت جلسة التصويت في مجلس الأمن؟
السفير الروسي: يجب أن يكون واضحاً تماماً أن استخدام روسيا الفيتو لم يكن بسبب عجز الأطراف الأخرى عن اقناعنا بعدم استخدامه. لقد كان ذلك موقفنا المبدئي المبني على مفهومنا لما يحدث في سورية، لم يدر أي حديث أو نقاش حول مساومات معينة. لقد كان النقاش حول مضمون مشروع القرار وكان هناك تقدم فعلاً، في موضوع التدخل الخارجي وفي البند المتعلق بفرض عقوبات، استطعنا وجود قواسم مشتركة في ما يتعلق ببعض البنود. لكن مشروع القرار كان يتضمن بعض البنود غير المتوازنة بالدرجة الأولى التركيز على أعمال العنف التي تمارسها السلطات السورية. وكنا نعترض أيضاً على التطبيق الكامل للمبادرة العربية التي تنص على انتقال السلطة، نحن قلنا أنه يجب أن يتم ذلك عبر الإنتخابات وباختيار من قبل الشعب السوري.
سمية: مؤخراً، بعث نائب وزير الخارجية السوري فيصل المقداد رسالة مبطنة إلى لبنان مفادها أن بلاده ستقوم بمطالبة دول الجوار حيث يتم دعم الجماعات المسلحة بتهريب السلاح، ما موقفكم من ذلك؟
السفير الروسي: من المهم للسلطات اللبنانية توفير الأمن والإستقرار وقطع الطريق أمام تهريب السلاح. نحن ننظر بإيجابية إلى انتشار الجيش اللبناني في الشمال .
سمية: ما هو المطلوب من الأخوان المسلمين، تحديداً في مصر، على صعيد السياسة الداخلية والخارجية؟
السفير الروسي: سياسياً نحن مستعدون للتعاون مع الأحزاب الإسلامية. بالنسبة لمصر، فإننا نرى أن عملية الإصلاح بدأت ولكنها لم تستكمل بعد، المطلوب من جميع الأطراف بمن فيهم الليبراليين والإسلاميين والجيش القيام بخطوات متقدمة لاستكمال تحقيق أهداف ثورة شعب المصري كحلّ المشاكل الإقتصادية والإجتماعية. أما على الصعيد الإقليمي، نحن نصرّ على أنه لا يجوز إهمال القضية الأساسية المركزية في المنطقة المتمثلة بالنزاع العربي الإسرائيلي وايجاد حلّ شامل للنزاع وإحلال السلام.
سمية: كيف تقيّمون الوضع في ليبيا حالياً؟
السفير الروسي: الوضع صعب في ليبيا، فقد خلّف الناتو دماراً كبيراً في البلاد. كما أن التدخل الخارجي يؤدي إلى مزيد من التدهور في ليبيا، هناك فوضى والإشتباكات مستمرة في بعض المناطق. ونتمنى أن تتم خطوات نحو تطبيع الأوضاع في ليبيا بشكل متكامل.