ألقى سماحة العلامة السيّد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عددٍ من الشخصيّات العلمائيّة والسياسيّة والاجتماعيّة،
ألقى سماحة العلامة السيّد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عددٍ من الشخصيّات العلمائيّة والسياسيّة والاجتماعيّة، وحشدٍ من المؤمنين، ومما جاء في خطبته السياسية: لا تزال فلسطين في دائرة المعاناة المستمرة، حيث يستهدف العدو الصهيوني أهلها بمزيد من الاعتقال، ولقد امتلأت سجونه بآلاف المعتقلين الذين يعانون أقصى حالات الضغط النفسي والجسدي والتعذيب، والتي جعلت بعضهم يضطر للّجوء إلى الإضراب عن الطعام للاحتجاج على التعذيب وسوء المعاملة الذي يعانيه الأسرى الفلسطينيون.. هذا كله إلى جانب استمرار عمليات الاستيطان وتهديم بيوت المقدسيين وطردهم من القدس، فضلاً عن استمرار الغارات الصهيونية شبه اليومية على قطاع غزة، حيث يسقط جراء ذلك المزيد من الشهداء والجرحى، وكل ذلك يتم في ظلّ غيابٍ تام للمنظمات الدولية والعربية والإسلامية وحقوق الإنسان...
وهنا نجدد التأكيد على الشعوب العربية والإسلامية على ضرورة عدم نسيان هذه القضية وإبقائها من الأولويات في كل هذا الحراك العربي، ونقول للجميع إن فلسطين تبقى أمانة في أعناقكم، ولا يظننّ أحدٌ أن ربيعاً أخضر يمكن تحقيقه إن بقيت فلسطين تعاني، أو بقي العدو الصهيوني يستبيح أهلها وشعبها، ويبقى السؤال متى تأتي الساعة التي يشرب فيها العرب حليب السباع لينطلقوا من موقفٍ موحّد ضد عدوّهم ويشعروه بقوتهم وتماسكهم في وجهه، كما هي الحال في قضايا وملفات أخرى...
وفي هذا الوقت، لا يزال نزيف الدم مستمراً في سوريا، وبات الوضع فيها ينذر بعواقب وخيمة على هذا الصعيد...
إننا نعيد التأكيد على الجامعة العربية أن تعمل بكل جدية لفتح قنوات الحوار بين كل مكوّنات هذا الشعب، بدلاً من أن تطرق أبواب الأمم المتحدة التي نخشى أن تجعل سوريا موقعاً للتجاذبات الدولية وصراع النفوذ فيما بينها، لا على مستوى المنطقة فقط، بل في العالم..
ومن هنا ندعو إلى ضرورة تلقف أي عمل إصلاحي مهما كان متواضعاً للبناء عليه، لعلّ ذلك يشكّل بداية طريق لحلّ الأزمة في سوريا ووقايتها من كل الصراعات الداخلية الدامية، والتي بدأت تأخذ بعداً مذهبياً وعرقياً، حتى تستعيد سوريا دورها الرائد والإيجابي في العالم العربي والإسلامي، لتكون قوة في مواجهة كل المخططات التي تواجه المنطقة العربية والإسلامية من الكيان الصهيوني ومن الاستكبار العالمي...
وننتقل إلى البحرين، هذا البلد الذي لا يزال يعيش المعاناة المستمرة منذ أكثر من سنة، حيث يعاني أهله من عدم اعتراف النظام بمطالبهم وإدارة الظهر لها، في الوقت الذي يدعو هذا الشعب إلى حوارٍ موضوعي وجدي ومنتج مع حكومته من أجل وصول البحرين إلى شاطئ الأمان، كما يعاني من مشكلة الذين يعتبرون هذا الحراك في الدائرة الطائفية والمذهبية، ونسيان كل المطالب الوطنية التي يطالب بها هذا الشعب وحرصه على سلمية حركته وفتح باب حوار مع السلطة...
إننا نرى أن العنف لا يحلّ أي مشكلة في أي حراك شعبي، حيث لا بدّ من الإصغاء إلى الجهات الفاعلة والواعية من الشعب البحريني للوصول إلى نتائج إيجابية.. إننا نريد للبحرين، كما نريد لكل دول الخليج، أن تكون واحة استقرار، وأن تقدم أنموذجاً في الوحدة الإسلامية والوطنية، وتحقيق العدالة وحقوق الإنسان...
إننا أمام كل ما يجري في المنطقة كلها نريد للبنانيين أن لا يسمحوا بانعكاس كل ما يجري من حولهم على الداخل، ونحن في الوقت الذي نؤكد، أن من حق كل فريق ديني أو سياسي أن يكون له نظرته إلى ما يجري حوله ليأخذ موقفاً منه، ولكن ليس من حق أحد أن يعبث بالأمن والاستقرار في هذا البلد أو يؤدي أسلوبه في التعامل مع ما يجري من حوله إلى إيجاد مناخ لفتنة داخلية، فلنعمل بكل مسؤولية على النأي بالبلد عن كل ما يجري من حولنا...
وليكن رهاننا جميعاً على وحدة هذا البلد وقوته وأن تكون مصلحته ومنعته هي الأساس...
إن قدر اللبنانيين أن يعيشوا معاً في هذا البلد وأن يحفظوا كل عناصر التوازن فيه، وأن لا يحولوا بلدهم إلى ساحة للمحاور الدولية والإقليمية، التي لم تنقذ أحداً بل كانت سبباً في كل الويلات التي نعاني منها..
ومن هنا نقول للبنانيين، الذين عاشوا المآسي والويلات من خلال عمليات الاغتيال الآثمة، والتي كان على رأسها اغتيال الرئيس الحريري، والتي لا يزال لبنان يعاني من تداعياتها، إن الحل لا يمكن أن يكون بالكلمات الحادّة ولا بخطابات التشنّج، ولا بهجوم من فريق على الآخر، فهذا لن ولم يحل أي مشكلة، بل يزيد الأمور تفاقماً..
إن الحلّ يكون بالحوار الموضوعي الهادئ التي تُدرس فيه كل الملفات العالقة ويتم معالجتها من خلال النظر إلى المصلحة الوطنية، لا إلى مصلحة هذه الطائفة أو تلك، أو هذا الموقع السياسي أو ذاك، أو لحساب هذا المحور الدولي أو الإقليمي أو ذاك..
وعلى هذا الأساس، فإننا نقدّر كل دعوات الحوار التي انطلقت من هذا الفريق وذاك، ولا سيما الحوار في داخل الساحة الإسلامية لوأد الفتنة التي بدأت تطل برأسها من أكثر من اتجاه، لأننا نرى في حماية الساحة الإسلامية وتحصينها حماية للوحدة الوطنية وللبلد كله...
إننا ندعو الجميع إلى عدم الانتظار، وليبدأ الحوار ثنائياً أو ثلاثياً، إن لم نكن نستطيع أن نقوم بحوار شامل، فليكن الحوار بين الأطراف الفاعلة والأساسية والمؤثرة في هذا البلد، ولا ينتظر أحد المبادرة من الآخر، بل ليبادر هو، ولا ينتظر أحد ما يجري من حوله حتى يحاور من موقع القوة، بل لنسارع، حيث لا خيار لنا كلبنانيين إلاّ العمل الجاد في هذا السبيل..
وأخيراً، فإننا نتوقف عند ذكرى استشهاد القادة، الشيخ راغب حرب، والسيد عباس الموسوي، والحاج عماد مغنية، وكل الشهداء، لنؤكد أهمية الدور الذي قامت به المقاومة، ولا سيما المقاومة الإسلامية التي قدمت أغلى التضحيات، لا من أفرادها فحسب، بل أيضاً من قياداتها على مذبح الوطن، كل الوطن..
إننا نعيد التأكيد على الجميع بضرورة حفظ هذه المقاومة وعدم إدخال سلاحها في السجالات الداخلية، ولا سيما في هذه المرحلة التي يطلق فيها العدو التهديدات، ونخشى من مغامراته، ولا سيما في ظل ما يحدث في أكثر من بلد..
إن خيار إضعاف المقاومة في هذه المرحلة، هو جعل لبنان مستباحاً لمخططات العدو الصهيوني..
أيها المسؤولون.. أيها المعنيون.. أيها الحريصون على وحدة البلد، وعلى وحدة الصف الإسلامي ووحدة المسلمين، إن عليكم أن تعرفوا أن لا مجال لوأد الفتنة وإسقاط عناصرها إلا من خلال استعادة الثقة بين الجميع، وخصوصاً الأطراف التي تتنازع وتتساجل من بعيد، ولا مجال لاستعادة هذه الثقة إلا من طريق الحوار المباشر، لا من خلال السجالات الإعلامية وعبر الشاشات والفضائيات...
لقد آن الأوان لسلوك طريق الصراحة والوضوح، والدخول إلى قلب الأزمة ومعالجة كل التفاصيل، والانتصار على كل الحساسيات، وقد قال علي(ع): "واعلموا أنكم لو تكاشفتم لما تدافنتم"...أيها الأحبة، لننطلق جميعاً في خط العزة والحرية والكرامة، وفي خط الوحدة الإسلامية والوحدة الوطنية، وفي خط الإحسان للمسلمين والمؤمنين.