تناولت الصحافة الصادرة في بيروت اليوم الأربعاء بشكل أساسي موضوع إستقالة وزير العمل اللبناني شربل نحاس من الحكومة بعد إصراره على عدم توقيع مرسوم بدل النقل قبل إقرار اقتراح القانون في الجلسة النيابية.
تناولت الصحافة الصادرة في بيروت اليوم الأربعاء بشكل أساسي موضوع إستقالة وزير العمل اللبناني شربل نحاس من الحكومة بعد إصراره على عدم توقيع مرسوم بدل النقل قبل إقرار اقتراح القانون بهذا الخصوص في الجلسة النيابية العامة المقررة اليوم.
السفير :
صحيفة السفير عنونت"السفير تنشر الرواية الكاملة لرحلة وزير العمل من المرسوم إلى .. القدر المرسوم"و"استقالة شربل نحاس: النظام يهزم فرصة إصلاحية"
وكتبت تقول"فعلها شربل نحاس. قدم استقالته ومضى عائداً الى عالمه الذي كان قد خرج منه موقتاً في مغامرة وزارية وصلت الى نهاية درامية، لعلها كانت متوقعة منذ البداية، بعدما تبين من اليوم الأول لولادة الحكومة أن الرجل هو بمثابة «جرعة زائدة» ضُخت في جسم نظام سياسي واقتصادي لا يحتمل «صدمات» من هذا النوع، وكان من المنتظر أن «يلفظه» في أي وقت".
فعلها نحاس، ثم أقفل خطه الهاتفي مفضلاً أن يغيب عن السمع والرؤية، تاركاً للتأويلات والاجتهادات أن تأخذ مداها في تفسير خطوته التي ستبقى مثار جدل لوقت طويل، علماً أن ردود الفعل الأولى أظهرت أن البعض ينظر إليه باعتباره «شهيداً» لحلم كبير بالتغيير لم يأت زمانه بعد، بينما وجد البعض الآخر في ما فعله انتحاراً عبثياً، كان يمكن تفاديه بقليل من الواقعية السياسية.
وإذا كان اللبنانيون قد انقسموا حول تفسير أبعاد استقالة نحاس، إلا ان المفارقة تمثلت في ان القوى السياسية والاتجاهات الاقتصادية، بكل تناقضاتها، أجمعت تقريباً على وجوب التخلص منه، مع فارق في الدوافع والخلفيات. وبهذا المعنى، يمكن القول إن «مصيبة» نحاس جمعت الكل، ليحقق الرجل بذلك إجماعاً نادراً في زمن الانقسامات الحادة حول كل شيء.
ولعل نحاس اكتشف الآن انه بالغ في توقعاته المسبقة، وأن الرهان على إحداث التغيير من الداخل كان متسرعاً بعض الشيء، فهو لم يكن عضواً في تكتل الحزب الشيوعي الصيني، ولا وزيراً في حكومة الـ«بروليتاريا»، بل هبط فجأة فوق منظومة من المصالح المعقدة التي لا تطيق عادة ضيوفاً من طينته.
ولئن كان تمرد نحاس على قرار عون بتوقيع مرسوم النقل قد أحرج الجنرال ودفعه الى اتخاذ القرار الصعب، إلا ان ذلك لا يحول دون القول إن استقالته هي خسارة بالدرجة الأولى لعون وتكتله اللذين فقدا «حكومة في وزير»، ذلك أن نحاس لم يختص فقط في شؤون حقيبته، سواء أيام وزارة الاتصالات أو خلال توليه وزارة العمل، وإنما كان شريكاً مشاكساً في أي نقاش يحصل داخل مجلس الوزراء، لا سيما حول المسائل المالية والاقتصادية التي كان يبرع في تفكيك ألغامها المضمرة وقنابلها الموقوتة.
صحيح أن العديد من أعضاء تكتل التغيير والإصلاح سيتنفسون الصعداء منذ اليوم، بعدما تخلّصوا من عبء زميل مشاغب، ولكن الصحيح ايضاً أن الكثيرين في قاعدة التيار الوطني الحر سيفتقدون الى صولات وجولات نحاس، وسيشعرون بشيء من الإحباط نتيجة فشل التعايش بينه وبين التيار البرتقالي، برغم أن كليهما يرفع شعار التغيير والاصلاح!
ويبقى السؤال.. هل كانت استقالة نحاس حتمية؟
بالنسبة الى المتحمسين له، فإن الرجل تحمل الكثير خلال مغامرته الوزارية، وهو لم يتخذ قرار الابتعاد إلا بعدما أيقن ان بقاءه في الحكومة وبالتالي في تكتل التغيير والاصلاح لم يعد ذا جدوى، مع شعوره بأن هناك رغبة في تكبيله وسط حصار غير مسبوق ضُرب عليه وشارك فيه الحلفاء والخصوم، بدءاً من رئيس الحكومة المصاب بداء «الحساسية « حياله، وصولاً الى تكتل التغيير والإصلاح الذي كان بعض أعضائه لا يجدون حرجاً في التصويت ضده في مجلس الوزراء، ناهيك عن قضم الصلاحيات ومد اليد الى مشاريع تقع في خانة اختصاص وزارته.
من هنا، يرى مؤيدو نحاس أن الموضوع لا يتعلق بمجرد توقيع يضعه أو لا يضعه على قصاصة ورق، بل بات يرتبط بموقف مبدئي يختزن كل قناعات الرجل، حيث لا حل وسطاً بين احترام القانون ومخالفته، لمن كانت سيرته الشخصية مبنية أصلاً على هذا الخيار.
وفي المقابل، يعتقد أصحاب الواقعية السياسية أنه لم تكن هناك ضرورة لمثل هذه البطولات الوهمية، آخذين على نحاس أنه ذهب بعيداً في رومانسيته، في حين كان بمقدوره أن ينسب لنفسه ولتكتله انتصاراً مهماً تمثل في النجاح بالدفع نحو قوننة بدل النقل من خلال صدور قانون بهذا الشأن عن مجلس النواب ينهي سنوات من المخالفات المزمنة، على أن يبدي الرجل في موازاة ذلك شيئاً من المرونة التكتيكية بالتوقيع على مرسوم بدل النقل، خصوصاً أنه قُدم له المخرج الذي يحفظ ماء وجهه عبر دعوته إلى أن يرفق التوقيع بمذكرة اعتراضية مفصلة ومنفصلة عن المرسوم، تحال إلى مجلس شورى الدولة.. ولكنه رفض.
وبانتظار ما ستؤول إليه جلسة مجلس النواب اليوم، يبدو واضحاً أن عون قرر أن يحتفظ بكتاب الاستقالة ويبقيه معلقاً الى حين تبيان مسار الجلسة ويتأكد من أن اقتراح القانون المقدّم من النائب إبراهيم كنعان سيمرّ، وعندها يتصرف.
الرواية الكاملة
ولكن، كيف وصلت الأمور الى هنا؟
عندما كان شربل نحاس يُسأل عن سر توزيره، كان يقول إنه ليس ابن عائلة سياسية يطمح الى الحفاظ على نسلها ولا هو صاحب ثروة مالية يريد أن يزيدها او يحميها، وما من طموح نيابي أو وزاري لديه يمكن أن يجمعه مع ميشال عون.. «لقد تعرفت الى عون عند عودته الى لبنان عام 2005، وقبل ذلك الحين لم أكن أعرفه وربما لم يكن يسمع بي».
وبعد التعارف تعدّدت لقاءات الرجلين اللذين سرعان ما اكتشفا ان هناك توارد افكار بينهما وأن حلم التغيير والإصلاح يجمعهما. هكذا، اقتنع عون أن بمقدور
نحاس ان يشكل قيمة مضافة لمشروع التغيير والإصلاح، وعلى هذا الأساس اتخذ قراره بتوزير نحاس الذي لم يتردد في قبول المهمة بعدما شعر بأن المساحة المشتركة مع الجنرال واسعة.
ولكن الطريق نحو الأهداف المرسومة لم تكن مفروشة بالورود، وكثيراً ما واجه نحاس اختبارات دقيقة، لعل أصعبها ما صادفه داخل الفريق الواحد، كما حصل في إحدى الجلسات الشهيرة لمجلس الوزراء، حين فوجئ وزير العمل بأن وزراء تكتل التغيير والإصلاح بمن فيهم المنتمون الى التيار الوطني الحر قد صوّتوا ضد مشروعه لتصحيح الأجور لمصلحة الاتفاق الرضائي الشهير، الى جانب إقرار مرسوم بدل النقل بأكثرية الأصوات. يومها جلس نحاس في منزله يفكر ملياً بالاستقالة، ولكنه أرجأ حسم قراره الى ما بعد لقاء عون. وبالفعل، اتصل نحاس بالرابية طالباً لقاء الجنرال الذي حدد له موعداً سريعاً. بعد نقاش مستفيض، خرج نحاس من الاجتماع وقد صرف النظر عن خيار الاستقالة، بل لم يتردد في القول لبعض المقريين منه: لقد كنتم مخطئين في قراءة موقف عون.. الجنرال ما في مثله.
في تلك الجلسة الصريحة بين عون ونحاس، روى وزير العمل ما جرى في جلسة مجلس الوزراء، شاكياً التخلي عنه من الأقربين، وأكد انه لا يستطيع ان يوقع مرسوم بدل النقل لأنه مخالف للقانون، سائلاً عن مصير شعار الإصلاح والتغيير، ومبدياً استعداده في الوقت ذاته للاستقالة من أجل تسهيل أي تسوية مفترضة. حينها قال عون لنحاس: انت تؤكد انك لا تستطيع ان توقع مرسوماً مخالفاً للقانون، وأنا أضيف انه لا يحق لك أصلاً التوقيع عليه. ترك نحاس الرابية مطمئناً الى ان المعركة لم تنته بعد، ومتيقناً من أن مظلة الجنرال ما زالت فوق رأسه.
وعندما أكد عون في مقابلته التلفزيونية الأخيرة أن نحاس ليس مقطوعاً من شجرة وأن إقالته تعني تطيير الحكومة، ازداد اطمئنان وزير العمل الى صلابة «البيئة الحاضنة» التي تحميه وتغطيه، وهو الشعور ذاته الذي انتابه حين كان يسمع كلمة عون في عشاء مهندسي التيار الحر السبت الماضي. في تلك الليلة، اقترب نحاس من الجنرال وقبّله مهنئاً إياه بعيد ميلاده، فشكره عون ثم همس في إذنه: أريد منك أن توقع مرسوم النقل.
حيّرت هذه العبارة نحاس، وظل يفكر بدلالاتها حتى اليوم التالي، حيث تأكد الشك باليقين مع تلقيه العديد من الرسائل التي تحثه، سواء عبر الاتصالات الهاتفية ام عبر موفدي الرابية، على توقيع المرسوم، لا سيما أن مطلب قوننة بدل النقل سيتحقق وفق ما ينادي به تكتل التغيير والإصلاح. انقطع نحاس عن العالم الخارجي، وبقي في منزله يُقلّب الاحتمالات والخيارات، باحثاً عن المخرج الذي يتيح له الجمع بين الوفاء لعون من خلال التوقيع، والانسجام مع قناعاته بوجوب عدم مخالفة القانون.
ومرة أخرى، قرر نحاس أن يلتقي عون مباشرة، ليضع أمامه على الطاولة مرسوم بدل النقل مذيلاً بتوقيعه، ومرفقاً بكتاب استقالته. بمعنى آخر، كان وزير العمل يريد أن يبلغ الجنرال المعادلة الآتية: توقيعي يعبر عن وفائي، واستقالتي تعبر عن كرامتي.
حمل نحاس هاتفه، واتصل بالرابية لطلب لقاء عاجل مع عون. بعد قرابة 30 دقيقة، أجابه الشخص المعني بترتيب مواعيد الجنرال أن الأخير منشغل جداً ولا يستطيع مقابلته. كرر نحاس المحاولة من جديد، مقترحاً أن يحصل اللقاء في توقيت آخر، فجاءه الرد ذاته: الجنرال مشغول.
وإزاء تعذر الاجتماع مع عون، اتصل نحاس ببعض المقربين من الجنرال مستفسراً عما يجري، فقيل له بوضوح إن المطلوب قبل كل شيء توقيع مرسوم بدل النقل، التزاماً بالقرار الصادر عن رئيس تكتل التغيير والاصلاح، وتقيداً بالتفاهم الذي تمّ بهذا الشأن. ومن باب تسهيل الأمر عليه، تبلغ نحاس اقتراحاً من الرابية بأن يوقع المرسوم ثم يطعن به أمام مجلس شورى الدولة.
فهم نحاس الرسالة، وأدرك أن هامش الحركة أمامه أصبح ضيقاً. ومع ذلك، راح يسعى في ربع الساعة الأخير الى إيجاد كوة، على طريقته، في الجدار المسدود. ولعله ظن، بعد تفكير ومشاورات مع المقربين، انه توصل الى اختراق هذا الجدار عبر مبادرته الى توقيع المرسوم بعدما أدرج على الصفحة الأولى منه عبارة: «جانب مجلس شورى الدولة، الرجاء إبداء الرأي في نص المرسوم». كان نحاس يريد من هذه العبارة، كما يشرح المحيطون به، ان يحول دون ان تُنتزع منه براءة ذمة مجانية عن كل المخالفات القانونية المتراكمة على مدى السنوات الماضية، وأن يمنع الرئيس نجيب ميقاتي من استخدام توقيعه على المرسوم للتوظيف السياسي والقول بأن وزير العمل خضع في نهاية المطاف لما كان ينادي به رئيس الحكومة. لقد أراد بهذه الطريقة أن يصيب عصفورين بحجر واحد، الأول أن يستجيب لرغبة عون في التوقيع والثاني أن يحرم ميقاتي من فرصة أن يستخدم هذا التوقيع في السياسة، فكانت العبارة المشار إليها، والملتصقة بنص المرسوم، بمثابة الضمانة.
لاحقا، ارسل نحاس هذه الصيغة الى النائب إبراهيم كنعان ليطلع عون عليها. لم يتأخر الجنرال في رفضها بعدما وجد فيها نوعاً من التشاطر غير المقبول على قراره بالتوقيع، إضافة الى انها تحرجه مع الرئس نبيه بري الذي وضع وإياه خريطة الطريق للحل، لا سيما ان الجنرال معروف بأنه لا يتراجع عن كلمته مهما كان الثمن.
أوفد الجنرال النائب آلان عون الى نحاس طالباً منه ان يوقع مرسوم بدل النقل من دون أي زيادة او نقصان، على أن يضع إشعار الإحالة الى مجلس شورى الدولة في صفحة مستقلة. تجهّم نحاس وقال لزائره العوني: هل المطلوب مني أن أصبح مثل البعض في مجلس الوزراء.. أنظر إليّ، هل ترى فيّ هذا الشكل؟ وتابع: أريد منك أن توصل هذه الأمانة الى العماد عون.
سأله عون: أي أمانة؟
أجاب نحاس: كتاب استقالتي.
وبالفعل، خطّ نحاس على ورقة جملة مختصرة جاء فيها: أتقدم من جانب مقام مجلس الوزراء باستقالتي من عضوية مجلس الوزراء.
وقبل ان يغادر آلان عون مكتب نحاس، خاطبه الأخير بالقول: أتمنى عليك ان توصل هذه الأمانة الى الجنرال وان تبلغه انني لا أستطيع للحظة أن أخونه وأخون قناعاتي التي كانت مشتركة بيني وبينه طيلة الوقت.. أتمنى عليكم أن تعفوني من تجرع الكأس المرّة.. أنا عرف متطلبات الواقعية السياسة، وانطلاقاً منها ومن شروط اللعبة الديموقراطية أنا أريد إعفائي من موقعي الوزاري لأنني لا أستطيع تحمل كلفة ما يطلب مني.
الأخبار :
صحيفة الاخبار عنونت"هكذا استقال الوزير المشاكس"
وكتبت تقول"سطر واحد كان كفيلاً باسدال الستارة على فصل كامل من وعد «التغيير والاصلاح»، او ما يحب بعض اللبنانيين تسميته بـ «الثورة من فوق». سطر واحد شديد الايجاز، ولكنه كثيف بدلالاته، جاء فيه «اتقدّم باستقالتي من عضوية مجلس الوزراء ـ الامضاء شربل نحّاس»، حمله النائب الان عون ظهر امس كـ «أمانة» ليسلّمه الى رئيس تكتّل التغيير والاصلاح النائب ميشال عون... وما كان على الرسول الا البلاغ".
لم يكن وزير العمل يرغب بتقديم استقالته بـ «الواسطة»، فهو ما انفك يعبّر عن حرصه على البقاء الى جانب ميشال عون في كل معاركه «الاصلاحية» وفي اي موقع داخل الحكومة او خارجها، الا ان دروب الرابية كانت قدّ سدّت امامه منذ الاثنين الماضي، عندما حمل هاتفه واتصل يطلب موعداً لأمر ملح وضروري، فاذا بالمجيب يبلغه ان «الجنرال» مشغول اليوم (الاثنين) وغداً (الثلاثاء). فهم نحّاس الرسالة جيّداً، وهي كانت قد بلغته عبر اكثر من قناة اتصال، ومفادها: «وقّع ثم اعترض».
كان نحّاس قد توصّل الى صيغة اراد ان يطرحها على عون في لقاء ثنائي يجمعهما معاً (وحدهما)، حسبما اوضح بعض الذين عملوا على خط التواصل بينهما، اذ قرر بعد تفكير مضن ان يذهب الى الرابية ومعه ورقتان، الاولى سمّاها «الوفاء» لعون وتحمل توقيع وزير العمل على مرسوم بدل النقل تنفيذاً لتعليمات رئيس التكتّل الذي سمّاه لتولّي حقيبة وزارة العمل وقبلها حقيبة وزارة الاتصالات، والثانية سمّاها «الكرامة» وتحمل استقالته من مجلس الوزراء لانه مؤمن بأن عون يفهم تماما معنى هذه الكلمة على عكس الكثيرين ممن يحسبون انفسهم «براغماتيين»، فهو الذي اعلن انه لا يوقّع على صك استسلامه عندما بدأت الحرب لاخراجه من قصر بعبدا بعد ابرام اتفاق الطائف والتسليم الدولي بالوصاية السورية على لبنان. بل اوضح هؤلاء، ايضاً، ان نحّاس كان ينوي ان يودع عون مسودة مشروع القانون الذي كلّفه باعداده مجلس الوزراء وعمل عليه لاكثر من شهر ووضعه تحت عنوان «تحديد مفهوم الاجر وشروط حمايته وصونه» بدلا من «تحديد قيمة بدل النقل».
يقول بعض المطّلعين ان عون، ربما، لم تبلغه نوايا نحّاس كما هي، او ربما لم يلتقط من الرسائل المتبادلة سوى رغبة «وزيره» بعدم التوقيع على مرسوم يخالف القوانين ويثبّت ممارسات شائنة منذ عام 1995 حتى اليوم (وهي ممارسات يعتبر رئيس الجمهورية ميشال سليمان أنها صارت كالعرف واكتسبت قوّة القانون)... ولهذا قرر عون ان يقفل الباب امامه على قاعدة «لا كلام الا بعد توقيع المرسوم»، ولعل هذا «الالتباس» هو الذي دفعه، بعد اجتماع التكتّل امس، الى التعليق على حدث «الاستقالة» بأن «القصة فاجأتنا في مرحلتها الأخيرة».
هل فوجئ عون فعلاً؟ يعود المطّلعون في سرد القصّة الى جلسة مجلس الوزراء المنعقدة في 18/1/2012 عندما تُرك نحّاس وحيداً يصوّت لصالح مشروعه المتعلّق بتصحيح الاجور، في حين ان الجميع، بمن فيهم وزراء التيار الوطني الحر، صوّتوا لصالح المشروع الآخر الذي يقونن ما سمّي بـ «الاتفاق الرضائي»، فحرموا الاجراء من مكاسب كثيرة على صعيد قيمة الاجر وحصانته القانونية. يومها اعلن نحّاس في الجلسة، وقبل التصويت على «بدل النقل»، انه لن يوقّع على المرسوم لأن ثلاثة آراء صدرت عن مجلس شورى الدولة تعتبر ان لا وجود لعنصر خارج الاجر يسمّى «بدل النقل»، فضلاً عن قرارات اولية اصدرها المجلس اخيراً تقضي بابطال كل مراسيم بدل النقل والمنح التعليمية الصادرة منذ عام 1995 بناء على 32 مراجعة طعن تقدّمت بها هيئات اصحاب العمل... وقد سانده في موقفه يومها وزير العدل شكيب قرطباوي والامين العام لمجلس الوزراء القاضي سهيل بوجي اللذان لفتا نظر المجلس الى ان مشروع المرسوم، كما يطرحه الرئيس نجيب ميقاتي، يتضمن اقراراً واضحاً بالمخالفة، باعتبار ان اول جملة في مادّته الاولى تقول حرفياً «بانتظار صدور قانون عن المجلس النيابي، تُحدد قيمة بدل النقل بكذا»، ما يعني ان مجلس الوزراء يتخذ قراراً وهو مدرك تماماً ان لا قانون يجيز له ذلك!.
الا ان الرئيس ميقاتي اصر على طرح مشروع المرسوم على التصويت ففاز بـ19 صوتاً، بينهم وزراء حركة امل وتيار المردة، في حين صوّت وزراء التكتّل وحزب الله ضده. عندها همّ نحّاس بمغادرة قاعة مجلس الوزراء، فتدخّل الوزير محمد فنيش وطرح تسوية قضت بأن يعدّ نحّاس مشروع قانون في هذا الشأن كمخرج من هذا المأزق، وهو ما عدّ بمثابة حل يقوم على اقرار القانون اولاً، ثم التوقيع على المرسوم ثانياً. لكن نحّاس لم يكن مرتاحاً لما الت اليه تلك الجلسة، فقد سبقها قبل ساعة اجتماع ضمّه الى الوزراء جبران باسيل وعلي حسن خليل ومحمد فنيش، وقد فهم من هذا الاجتماع ان هناك توافقاً يقضي بأن يتم تمرير «تصحيح الاجور» وفقا لـ «الاتفاق الرضائي»، من دون ان يعني ذلك انه سيحظى بأصوات التيار الوطني الحر وحزب الله، كما فهم ان وزيري حركة امل، بالاضافة الى وزيري حزب الله، سيقفان مع وزراء تكتّل التغيير والاصلاح (اي اكثر من ثلث الوزراء) لتطيير نصاب الجلسة في حال أصرّ ميقاتي على طرح بدل النقل على التصويت، الا أن اياً من الامرين لم يحصل في ما يمكن وصفه بالخديعة، ففكر نحّاس بالاستقالة جدّياً، لكنه سرعان ما تراجع عن هذا «التفكير» عندما التقى عون الذي ابلغه بوضوح انه «يدعمه بعدم توقيع مرسوم يخالف القانون ويهدد حقوق الاجراء»... اكتفى نحّاس بهذا الموقف معتبراً ان عون لم يتراجع الا تكتيكياً وهو مستمر في معركته للاصلاح.
بعدها غاب الكلام عن ضرورة توقيع مرسوم بدل النقل، بل عُقدت اكثر من جلسة لمجلس الوزراء، وخاض فيها شربل نحّاس اكثر من معركة باسم تكتّل التغيير والاصلاح، الى ان حصل الصدام في شأن التعيينات، وأعلن ميقاتي تعليق الجلسات حتى رضوخ عون، فاذا بالمفاجأة الفعلية تكمن بتحويل نحاس الى عنوان الخلاف، ويصبح توقيعه على المرسوم قبل جلسة مجلس النواب الشرط الالزامي لدعوة مجلس الوزراء للانعقاد مجدداً، فبدأت الضغوط تنهال من كل حدب وصوب، بما في ذلك اعلان رئيس الجمهورية عن النيّة باقالة نحّاس او تبديل حقيبته، وهو ما اثار حفيظة عون فأعلن قبل 9 ايام ان نحاس خط أحمر ورأسه يساوي رأس الحكومة.
بقي نحّاس مطمئناً الى موقف عون الى ان التقاه في حفل عشاء اقامه مهندسو التيار في عيد ميلاد الجنرال، السبت الماضي، اي بعد يوم واحد من غداء عين التينة. ابلغ عون وزيره بضرورة التوقيع على المرسوم، علماً ان عون نفسه كان قد اعلن في كلمته في الحفل نفسه ان اي مرسوم لن يُوقع الا بعد «قوننته»، ففوجىء نحّاس، وبدأت رحلة البحث عن المخارج وصولاً الى اقتراح صيغة تقضي بأن يوقّع على المرسوم ويحيله على مجلس شورى الدولة لابداء الرأي فيه، فوافق نحّاس يوم الاحد على ان يكون كتاب الاحالة الى مجلس الشورى ونص مشروع المرسوم متصلين، بما يمنع اي استخدام لتوقيعه قبل صدور رأي المجلس، الا ان قنوات الاتصال بين نحّاس وعون أبلغته الاثنين بأن الاخير لم يوافق لانه التزم مع الرئيس نبيه بري على توقيع المرسوم مباشرة، وعليه ان يلتزم بذلك. وبعد ذلك حصل ما حصل وصولا الى الاستقالة.
بعد ذلك حصلت وساطات من جانب اعضاء في التكتل، ولكن نحاس كان يتلقى الرسالة نفسها، بأن عليه احترام قرار عون اولا، علماً ان الاخير لم يطلع نحاس على حقيقة ما تم في اجتماعه مع بري، وهو الاتفاق الذي تبين ان الرئيس ميقاتي كان قد اطلع عليه فور الانتهاء من اجتماع عين التينة. وما زاد في تعقيد الامر، عدم تحديد موعد لنحاس في الرابية. كان على نحاس اتخاذ القرار الاقرب الى عقله ثم الى قلبه.
النهار:
بدورها صحيفة النهار عنونت "استقالة نحاس تنقذ التركيبة الوزارية مرحلياً"و"المجلس يمنح الحكومة فرصة إعداد مشروع جديد"و"برّي :لكل حادث حديث بعد استقالة نحاس وقبولها"و"نواب المعارضة لن يصوّتوا لمشروع كنعان لأنه يخالف الاتفاق مع أصحاب العمل"
وكتبت تقول "استقال أم لم يستقل، هذا كان السؤال ليل أمس، ذلك ان استقالة وزير العمل شربل نحاس التي قبلت في تكتل التغيير والاصلاح لم تترجم على الارض ولم تبلغ دوائر رئاسة الحكومة الجهة المعنية مباشرة ورسمياً بها". وهو امر اعتبره رئيس الجمهورية ميشال سليمان خطوة جيدة ودستورية إن صحّت اي اذا لم تكن في اطار المناورة السياسية"، مشيراً الى ان "وضعها في تصرّف العماد ميشال عون لا يعطيها الطابع الرسمي لانها لم تسلم الى المرجع الصالح"، كما قال في تعليق متلفز عبر محطة "ام تي في".
لكن مفاعيل الاستقالة لم تكن ايجابية امام الحل، اذ أربكت كل الاطراف حتى ساعة متقدمة من الليل في البحث عن مخرج لا ينسف اياً من بنود الاتفاق الذي رعاه رئيس مجلس النواب نبيه بري لترميم العلاقة بين مكونات الحكومة.
وفي المحصلة الليلية، رجّح إعطاء رصيد اضافي للحكومة بعدم التصويت على المشروعين لبدل النقل المقدمين الى الجلسة الاشتراعية اليوم، والاتفاق على العودة الى طاولة مجلس الوزراء لصياغة مشروع بديل يتم التوافق عليه ضمن الصلاحيات التي يمنحها المجلس للحكومة، ودفعها الى معاودة جلساتها، خصوصاً ان خطة انعاشها ستواجه في القريب العاجل حجر عثرة في ملف التعيينات الذي لن يكون أخفّ وطأة، استناداً الى مصادر حكومية تخوّفت من ان يكون مضي عون في التسوية في مقابل وعد تلقاه في ملف الوظائف العامة.
واذا كان من حق الوزير الرديف نقولا فتوش توقيع مرسوم بدل النقل متى قبلت استقالة نحاس رسمياً، فإن الواقع الذي أصر عليه الاخير، هو انعقاد الجلسة الاشتراعية لمجلس النواب اليوم قبل توقيع المرسوم، وقبل تقديمه الاستقالة، مما يفرض واقعاً عمل له في المدة الاخيرة. لكن التزام عون الاتفاق يستدعي وصول الاستقالة الى رئاسة الحكومة صباح اليوم، وهي المهلة التي كان الرئيس نجيب ميقاتي وافق عليها كمهلة اخيرة قبل ذلك لتوقيع المرسوم.
لكن تخوف عون من مواقف المعارضة والنائب وليد جنبلاط من اقتراح مشروع النائب ابرهيم كنعان قد يدفعه الى تأخير ارسال كتاب الاستقالة، وهو الامر الذي أوردته قناة "المنار" التابعة لـ"حزب الله" وسمّته "القطبة المخفية" بأن لا يجد الكتاب طريقه الى السرايا قبل اقرار اقتراح القانون المعجّل المكرر، وخصوصاً في ظل غموض موقف النائب جنبلاط وكتلته الذي قال لـ"النهار" إنه نسّق الامور مع الرئيس بري، من غير ان يفصح عن تفاصيل هذا التنسيق.
ورأت مصادر في "تكتل التغيير والاصلاح" ان الاستقالة حصلت وان اقتراح القانون المقدم يفترض ان يحصل على الاكثرية في مجلس النواب، وهنا يترجم الالتزام اذا كان جدياً، والا فان العلاقة ستكون على المحك وليس فقط الاستقالة. وأوضحت ان ثمة التزاماً من الاكثرية يجب ان يترجم اليوم، وعندها، تأخذ الاستقالة مسارها.
وعلم ان اتصالات استمرت بين الرئيسين بري وميقاتي والنائب جنبلاط من اجل ضمان الاكثرية لاقتراح القانون الذي قدمه النائب كنعان.
كنعان
وصرّح النائب كنعان لـ"النهار" بأن هناك سعياً من الاكثرية لاقرار الاقتراح لانه يشكل حلاً وضمانة لعمل الحكومة ولعدم ابطال المراسيم التي تحدد بدل النقل وكيفية التعامل مع هذه الامور، لأنه حلّ وليس مخرجاً لنقص في التشريع عمره 15 سنة ويفترض في الاكثرية ان تضمن اقراره.
وفي معلومات لـ"النهار" ان الاتجاه لدى بري في محصلة اتصالات ليل امس هو الى سحب اقتراح قانون بدل النقل اذا لم ترسل استقالة نحاس قبل الجلسة.
وأفادت هذه المعلومات ان البحث تطوّر ليلاً نتيجة الاتصالات الى وضع مصير الجلسة الاشتراعية على المحك، وربطها بتوقيع مرسوم بدل النقل.
وقالت مصادر مواكبة لـ"النهار" ان الرئيس بري قد يعمد الى ارجاء الجلسة او الى نقض المشروعين المقدمين، والاتفاق على العودة الى الحكومة لصياغة مشروع بديل يتم التوافق عليه، وقاعدته اتفاق بعبدا مع الهيئات الاقتصادية.
برّي
ولم يشأ الرئيس بري التعليق على استقالة نحاس. وقال لـ"النهار" ليلاً: "ان الكلام الذي اعلنه العماد عون في مؤتمره الصحافي سليم مئة في المئة، ويؤكد عمق القيادي المسؤول وخصوصاً لدى اعلانه ان استقالة وزير العمل ستقدم الى مجلس الوزراء".
وماذا عن الجلسة النيابية اليوم؟ اجاب: "لا يزال الوقت امامنا، وبعد استقالة وزير العمل وقبولها لكل حادث حديث".
وعلمت "النهار" ان رئيس "جبهة النضال الوطني" النائب جنبلاط بعث برسالة الى بري مفادها "انا معك في كل ما تقرره وتعمل عليه في مجلس النواب".
وفي اتصال لـ"النهار" معه ليلاً قال: "نحن جزء من هذا الائتلاف الحكومي المتنوّع الذي يضم الرؤساء سليمان وبري وميقاتي زائد حزب الله وتكتل التغيير والاصلاح. صحيح ان هناك خلافاً سياسياً عميقاً مع الحزب والتيار على النظام السوري، لكن هذا الامر لن ينعكس على عمل الحكومة ومستقبلها والعلاقات بين أطرافها لأننا نشدد على التعاون والتنسيق العملاني. لا مانع لدينا من تنظيم الخلاف داخل الجسم الحكومي الواحد".
وعلم ان جنبلاط لن يشارك في الجلسة النيابية اليوم.
وحتى ساعة متقدمة من ليل أمس لم تكن رئاسة الحكومة قد تسلمت كتاب الاستقالة، وقالت مصادرها: "مصرون على توقيع مرسوم بدل النقل، وقبل توقيعه لا بحث في أي اقتراح قانون لبدل النقل وهذا موقف مبدئي يتعلق بانتظام العمل داخل مجلس الوزراء. والأمر ليس نكايات".
المعارضة
في المقابل، أبلغت مصادر نيابية في المعارضة "النهار" انه لم يتم اي اتصال او تشاور أو تنسيق معها في موضوع بدل النقل اليوم.
لكن نواب المعارضة لا يمكن أن يقبلوا باقتراح كنعان لانه يفتقر الى روح الاتفاق الذي تم بين أصحاب العمل والعمال ويورط الخزينة والقطاع الخاص في أعباء لا يقدران على تحملها.
حماده
وصرح النائب مروان حماده لـ"النهار" بأنه لا يرى أن مشروعي بدل النقل اللذين قدمهما النائبان كنعان ودو فريج "قابلان للتصويت في مجلس النواب غدا (اليوم) اذا لم يوقع وزير العمل المرسوم أو لم يستقل لأن في ذلك تشابكا خطيرا بين السلطتين الاجرائية والتشريعية وخروجا كاملا عن الدستور في مواده المتعلقة بمجلس الوزراء".
وسألت مصادر في قوى 14 آذار عبر "النهار" عن مصير ملف التعيينات "الذي كان السبب الاصلي لأزمة الحكومة وهل صار طيّ النسيان؟ ".
"تيار المستقبل"
ورأى نائب رئيس "تيار المستقبل" انطوان اندراوس ان "استقالة وزير العمل تشكل فصلا من فصول مسرحية النأي بالنفس، الى درجة أن وزراء رئيس تكتل التغيير والاصلاح ميشال عون ينأون بأنفسهم عن رئيس حكومتهم وهكذا يكون أصبح لنا رئيسان لحكومة واحدة".
مجريات أمس
ماذا في وقائع أمس؟
اتفق معظم الاطراف في الحكومة أول من أمس على المضي في توقيع المرسوم عشية انعقاد جلسة مجلس النواب. ولكن حتى ظهر امس لم يكن نحاس قد وقع، فاتصل رئيس الحكومة براعي الاتفاق رئيس المجلس الذي اتصل بدوره بالعماد عون، معلنا أنه مضطر في اجتماع "كتلة التنمية والتحرير" في الاولى بعد الظهر الى اتخاذ موقف معلن من نقض الاتفاق. وعندما حصلت اتصالات بالوزير نحاس، أبلغ الاخير سائليه انه يوقع استقالته قبل توقيعه المرسوم. وهذا ما حصل بعد إصرار العماد عون على المضي بالاتفاق، وأرسل كتابا في هذا الشأن الى الرابية حيث عقد اجتماع لتكتل التغيير والاصلاح اعلن بعده عون "أن لا أحد فوق ارادة التكتل" وأن استقالة نحاس "لا تأتي في سياق التهديدات التي أطلقت في الفترة الاخيرة والتصريحات الهمايونية، بل بسبب رفض الوزير التزام ما قرره التكتل مجتمعا".
وبعدما شكر عون نحاس "على خدمته معنا، وعلى تعاونه" أضاف أن "ظروفه لم تعد تسمح له بالتعاون معنا الآن".
ولفتت مصادر مواكبة الى ان ثمة فرصا أتيحت لنحاس للحفاظ على ماء وجهه واحترام خياراته، وخصوصا بعد الايام الاخيرة. وهو بعدما أعلن اعتراضه في المرة الاولى على ما أقدمت عليه الحكومة ورئيسها، عاد وخفف هذا الاعتراض. لكنه في المرة الثانية أبدى ملاحظاته واعتراضه على المرسوم في صدر المذكرة الموجهة الى مجلس الشورى بدلا من فصل المسألتين، الامر الذي لم يلق قبولا من قيادة "التيار الوطني الحر" ولم يجد نحاس في النهاية سبيلا سوى الاستقالة.
البناء :
أما صحيفة البناء فعنونت" ميقاتي يتسلّم الاستقالة وفتوش يوقّع المرسوم قبل اقرار القانون في مجلس النواب"و"عون يعتبر المشكلة داخلية ويتريث في قبول قرار نحاس "
وكتبت تقول" بدا واضحاً أمس أن التسوية التي انتهت إليها أزمة بدل النقل أدت إلى إخراج وزير العمل شربل نحاس من الحكومة من خلال إصراره على عدم توقيع مرسوم بدل النقل قبل إقرار اقتراح القانون بهذا الخصوص في الجلسة النيابية العامة المقررة اليوم. فكان أن وضع نحاس استقالته بتصرف رئيس تكتل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون الذي تركها معلقة إلى أن تقر الجلسة النيابية اليوم اقتراح قانون بدل النقل ليصار بعدها إلى قبول الاستقالة وتعيين بديل منه في وزارة العمل من داخل فريق التيار الوطني الحر".
وأوضح العماد عون بعد ترؤسه اجتماع التكتل عصر أمس أن المشكلة هي داخل تكتل التغيير والإصلاح. وقال الاستقالة وصلتني وموضوع معالجتها يكون مع الحكومة وليس معي". أضاف: "ننتظر غداً (اليوم) إقرار قانون بدل النقل لإكمال كل شيء بخير".
وكشف عون أنه عندما نتخذ قرارنا بالتكتل يكون ملزماً للجميع ولا أحد يمكنه أن يجمد قرارنا مع اعترافنا بكفاءات نحاس وأدائه ولا أحد فوق الإرادة التي يمثلها التكتل مجتمعاً".
وقال رداً على سؤال "إن الوزير الجديد سيكون من التيار الوطني الحر وإلا نعود إلى الأزمة الحكومية نفسها".
أوساط ميقاتي: الموقف ما زال على حاله
وأوضحت أوساط الرئيس ميقاتي مساء أمس لـ"البناء" أنه وحتى ما قبل حضور ميقاتي والعماد عون العشاء الذي أقامه الوزير نقولا صحناوي مساء على شرف رئيس الحكومة لم يكن ميقاتي قد تسلم استقالة الوزير نحاس.
وقالت الأوساط إنه إذا لم يتسلم ميقاتي كتاب الاستقالة قبل الجلسة النيابية العامة فإن موقف رئيس الحكومة من موضوع إقرار اقتراح قانون بدل النقل ما زال على حاله. أضافت أن كل شيء يبقى مرهوناً بتسلم كتاب الاستقالة والتوقيع على مرسوم بدل النقل قبل إقرار اقتراح القانون في مجلس النواب، موضحة أن موقف ميقاتي من طرح اقتراح القانون خلال الجلسة يتوقف على هاتين المسألتين.
الأجواء التي أدت إلى الاستقالة
وفي معلومات لمصادر مواكبة لما حصل في الساعات الماضية أن إصرار وزير العمل شربل نحاس على دمج تحفظاته بورقة مرسوم بدل النقل والتوقيع على الصيغة التي أرادها أديا إلى خيار الاستقالة التي قدمها للعماد عون في جو كان فيه رئيس تكتل التغيير والإصلاح حريصاً على الالتزام بما اتفق عليه في لقائه الأخير مع الرئيس بري في عين التينة.
أما السيناريو الذي أوصل إلى الاستقالة فمرّ بمراحل ثلاث:
1 ـ عندما صاغ وزير العمل مرسوماً على طريقته وضمنه عبارات صريحة ضد الحكومة ورئيسها، وخرق القانون، لكن هذه الصيغة بطبيعة الحال رفضت من الجميع.
2 ـ خلال الاجتماع بين بري وعون اتفق على صيغة تراعي تحفظات نحاس وتمرر المرسوم بتوقيعه، وهذه الصيغة قضت أن يوقع وزير العمل على المرسوم، وأن تكون التحفظات على ورقة ثانية، ولديه الحرية في إرسال المرسوم والتحفظات إلى مجلس الشورى، لكن نحاس فاجأ الجميع في الساعات الماضية بما في ذلك العماد عون عندما وضع تحفظاته على رأس المرسوم ورفض هذا الأمر شكلاً ومضموناً، لكن وزير العمل بقي مصراً على موقفه دون أي تعديل، الأمر الذي أثار اعتراض العماد عون وأدى إلى ما أدى إليه.
3 ـ ماذا جرى بعد ذلك؟
أبلغ العماد عون تكتل التغيير والإصلاح بكل وضوح حول الاتفاق الذي تم بينه وبين الرئيس بري والذي كان وافق عليه الرئيس ميقاتي، وهو الاتفاق الذي يأخذ بعين الاعتبار قوننة بدل النقل من الآن وصاعداً والتوقيع على المرسوم.
ونقل أعضاء في تكتل التغيير والإصلاح أن العماد عون كان يتكلم بأجواء مريحة حول هذا الاتفاق.
أما في عين التينة فقد قوبل تصريح الجنرال عون بارتياح كامل من قبل الرئيس بري الذي أعرب عن ارتياحه أيضاً لأجواء اللقاء الذي جمعه مع العماد عون يوم الجمعة الماضي ونتائجه وللعلاقة بينهما.
ماذا سيجري اليوم؟
ماذا سيجري في جلسة مجلس النواب اليوم؟
المصادر المطلعة تقول إنه يفترض أن تحول الاستقالة إلى الحكومة في الساعات المقبلة فيوقع المرسوم الوزير بالإنابة (نقولا فتوش) وعندها يكون الطريق معبداً أمام اقتراح النائب كنعان.
ورداً على سؤال عما إذا تأخر التوقيع إلى حين بداية الجلسة، تقول المصادر إن مجلس النواب لن يبدأ باقتراح كنعان وإن الوقت متاح ليكون التوقيع قبل إقرار القانون.
ولم تستبعد المصادر أن تؤجل الجلسة إلى الغد، مؤكدة أن الأجواء النيابية هي مع إقرار القانون.
اللواء:
أما صحيفة اللواء فعنونت" نحّاس يضع إستقالته من الوزارة والتغيير والإصلاح بتصرّف رئيس التكتّل دون رفعها لميقاتي "و"عون: مشكلة وزير العمل ليست مع الحكومة بل مع التكتّل والبديل عنه سيكون من التيار"
وكتبت تقول"نأى وزير العمل شربل نحاس بنفسه منذ السبت الفائت عن الاعلام او الحضور الى مكتبه في وزارة العمل ، واقتصر ظهوره على تمثيله لرئيس الجمهورية في المؤتمر الاول للجمعية العربية للضمان الاجتماعي في فندق «كورال بيتش» معطياً لذاته فسحة من الوقت من التفكير والتأمل قبل ان يأخذ موقفاً نهائياً من موضوع التوقيع او عدمه على مرسوم بدل النقل. غير ان تفكير الوزير نحاس لم يدم طويلاً وهو الذي لطالما كان يردد في الاعلام وفي مجالسه الخاصة ،انه ليس في وارد التوقيع على اي قرار غير دستوري ولست في وارد ان أتخلى عن مبادئي مقابل اي موقع او منصب ،فكان القرار بالاستقالة، التي حملها معه امس الى الرابية واودعها رئيس تكتل «التغيير والاصلاح» النائب ميشال عون بعد ان فشل عون في اقناعه بالعدول عن القرار الذي سجل فيه الوزير نحاس سابقة اولى بعد اتفاق الطائف".
من المعلوم انه جرت بعد لقاء العماد عون والرئيس نبيه بري يوم الجمعة الماضي مداولات مع الوزير نحاس على صيغة معينة لتخريج مرسوم بدل النقل . وتمت صياغة اقتراح القانون الذي قدمه النائب ابراهيم كنعان يوم السبت بالتشاور مع نحاس ، وكذلك مخرج ارسال نحاس مرسوم بدل النقل الى مجلس شورى الدولة . لكن وامام اصرار الوزير على موقفه لا سيما بعدما ارسل المرسوم الى مجلس شورى الدولة بصيغة رسالة رغم المفاوضات المكثفة التي اجراها معه النائب الان عون ، كان لا بد من فتح الخيارات فارسل نحاس كتاب الاستقالة الى عون الذي ابقاه في يده في انتظار نتيجة جلسة اليوم في مجلس النواب لوضع نوايا الحلفاء والشركاء على المحك ، فاذا مر اقتراح القانون في الهيئة العامة يبنى على الشيء مقتضاه لا سيما وان الوزير نحاس لم يرفع كتاب استقالته الى رئيس الحكومة. والسؤال: ماذا لو حالت حسابات الكتل ومواقف المعارضة والهيئات الاقتصادية دون اقرار اقتراح التكتل بخصوص بدل النقل . هل يجمد عون الاستقالة ؟ وفي حال عدم اقرار اقتراح كنعان او نبيل دو فريج هل يوقع نقولا فتوش كوزير للعمل بالوكالة مرسوم بدل النقل ؟ وفي حال سير الامور وفق المتفق عليه ، هل تستأنف جلسات مجلس الوزراء ، ام يعود الخلاف الى نقطة البداية تحت عنوان التعيينات وسير العمل في السلطة التنفيذية والاختلاف حول صلاحيات رئيس مجلس الوزراء ومجلس الوزراء؟
ان خطوة وزير العمل التي تعد الثالثة من نوعها في تاريخ الحكومات في لبنان، بعدما كان استقال الوزير جورج افرام عام 1993، والوزراء الشيعة عام 2006، كانت امس طبقاً رئيساً على طاولة اجتماع تكتل «التغيير والاصلاح» الذي غاب عنه نحاس وقد اعلن في اعقابه النائب عون قرار وزير العمل بالاستقالة، وقال: أن التكتل «يسعى لقوننة مرسوم بدل النقل حتى لا يردّه مجلس الشورى كما فعل بالسابق مع قوانين اخرى».
اضاف: «لذلك استغربنا ودعمنا قرار وزير العمل رفض توقيع المرسوم لأن مجلس الشورى يرد المشاريع غير القانونية، وبدأنا نبحث بحل الموضوع إلى أن تم تعيين الجلسة التشريعية بمجلس النواب وهي فرصة كي تتم قوننة قرار مجلس الوزراء، وعلى هذا الأساس حصل تفاهم على هذا الموضوع بيني وبين رئيس مجلس النواب نبيه بري على مشروع القانون الذي تقدّمنا به وبعدها حصل تفاهم مع رئيس مجلس الوزراء نجيب ميقاتي».
و فنّد عون مراحل بحث مخرج لامتناع نحّاس عن توقيع قانون بدل النقل، فقال: «اتفقنا على متابعة المراحل القانونية وتكلّمنا مع نحّاس الذي نشكره على خدمته معنا وتعاونه وكفاءته العالية لكن ظروفه لم تسمح له بالتعاون معنا وهو طلب منا أن يوقع مرسوم بدل النقل على أن يطعن به بمجلس الشورى ونحن وافقنا على طرح الأمر على مجلس الشورى. وعلى الأثر قام نحّاس بوضع المرسوم ورسالة الطعن على الصفحة عينها لتصبح رسالة وليس طلب طعن على اعتبار أن الأخير يجب أن يكون على صفحة والمرسوم على الصفحة الثانية، وبالتالي هو لم يوقّعه على صفحتين كما نريد وبات الخلاف بيننا وبينه»، مضيفاً: «لو لم يكن هناك قانون لم نكن لنوقعه وكنا نكتفي بالطعن فيه وكانت الحكومة تتحمل المسؤولية. نحن لن نقبل بالمرسوم اذا لم يقونن ولن نوقّعه ونحن أخذنا وقتنا كي يتم التوصل لمرسوم يحافظ على الحقوق بين العمال وأرباب العمل.. وننتظر غداً (اليوم) قوننة المرسوم».
واذ اعتبر أن «المشكلة باتت داخلية (في التكتل)» أعلن عون أن «استقالة الوزير نحاس وصلته ومعالجتها هي مع مجلس الوزراء وليس معه إلا أنّها في النهاية سيتم إرسالها إلى الحكومة لبحثها». وتابع :»أنا استقبلت نحاس بالأمس (الاثنين) واليوم (امس) كنت مشغولاً لم استقبله وأطلعت التكتل على استقالته، وحتى الآن لم أعلن قبولي لها بعد والإستقالة ما زالت معي وانا أرسلها ساعة أشاء».
وأضاف: «إن قانون العمل وزيادة الأجور من الآن فصاعداً ستُنظم كما قام بها نحاس وليس بتصرفات همايونية»، متمنياً «لنحاس التوفيق مع كل التقدير له».
ورداً على سؤال عن إستقالة نحاس واعتباره ضربة للتكتل، قال عون: «عندما نأخذ قراراً بالتكتل يصبح كل التكتل ملزم به ونحن حافظنا على مصلحة العمال ولا أحد يستطيع أن يقف بوجه القرار مع الإحترام لنحاس ولا أحد فوق إرادة التكتل مجتمعاً»، مشدداً على أن «مشكلة نحّاس ليست مع الحكومة بل مع التكتل». وتابع:» أكيد أن البديل عن شربل سيكون من التيار وإلا سنعود للمشكلة عينها».
وحول امكانية تسليمه استقالة نحاس لميقاتي في العشاء الذي سيحضراه الليلة (امس) عند وزير الإتصالات نقولا الصحناوي، أجاب: «العشاء مع ميقاتي ليس سرياً وسيحضره وزراء وسفراء وهي مناسبة اجتماعية وليست للعمل ولا للبحث بشؤون وزارية، وفي العشاء السابق الذي حضرته مع ميقاتي لم أبحث معه «ولا كلمة بالسياسة».
وكان عون تطرق إلى الأزمة الحكومية، فقال: «القصة فاجأتنا بمرحلتها الأخيرة حيث حصل خلاف على التعيينات بمجلس الوزراء وخرج رئيس الحكومة (نجيب ميقاتي) ليقول إنه علّق الجلسات إلى حين توقيع مرسوم رئيس مجلس القضاء الأعلى على الرغم من أن مجريات جلسة مجلس الوزراء لم تتطرق أبداً لهذا الموضوع بل كنا نتناول البحث التعيينات الإدارية، وبعدها بدأت مرحلة «المرجلة والصريخ».
و لفت إلى أن التكتل «درس موضوعاً هاماً وهو تقديم إقتراح على مجلس الوزراء بتثبيت الموظفين المتعاقدين مع الخارجية». وأضاف في هذا المجال: «حتى الآن الوزارة لم تتقدم بهذا الإقتراح وهي تملك النية لذلك. نحن نخاف أن تذهب الحقوق ولا نريد تكرار مأساة سيدة بقيت متعاقدة مع الوزارة 28 عاماً وتقاعدت وهي لا تزال على الوضع عينه»، آملاً من وزير الخارجية عدنان منصور «أن يقدّم المشروع».