25-11-2024 09:57 AM بتوقيت القدس المحتلة

السيد فضل الله : لغة الحديد والنّار للعدو لن تفيده، بل سترتدّ عليه

السيد فضل الله : لغة الحديد والنّار للعدو لن تفيده، بل سترتدّ عليه

ألا يستحق كل ما يجري في فلسطين أن تعمل الجامعة العربية ودول منظمة التعاون الإسلامي والأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان للدعوة لعقد اجتماع دولي تحت عنوان، مؤتمر أصدقاء فلسطين

السيد علي فضل اللهألقى سماحة العلامة السيّد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عددٍ من الشخصيّات العلمائيّة والسياسيّة والاجتماعيّة، وحشدٍ من المؤمنين، ومما جاء في خطبته السياسية: يتابع العدو الصهيوني استفراده للشعب الفلسطيني من خلال استمرار الغارات على غزة والاعتقالات وبناء المستوطنات في الضفة الغربية والقدس...
هذا إلى جانب استهدافه للمقدسات الإسلامية والمسيحية، ما يستدعي وقفة عربية وإسلامية مع هذا الشعب، وإننا نتساءل: ألا يستحق كل ما يجري في فلسطين أن تعمل الجامعة العربية ودول منظمة التعاون الإسلامي والأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان للدعوة لعقد اجتماع دولي تحت عنوان، مؤتمر أصدقاء فلسطين، لتدارس كل السبُل التي تضمن لهذا الشعب المضطهد والمقهور حقّه في الحرية والعيش الكريم والأمان، أسوةً بكل الشعوب الأخرى التي يتداعى العالم لنصرتها، أم تقف حرية الشعوب وحقوق الإنسان عند الشعب الفلسطيني كي لا ينزعج الكيان الصهيوني أو تتشوّه صورته..


ننتقل إلى سوريا، حيث لا تزال معاناة شعبها تتواصل على المستويات الأمنيّة والاقتصاديّة كافّة، أما أرقام الضّحايا فيها ونزف الدماء من المدنيين والعسكريين، فهي لا تسرّع في التحرّكات الجادّة لإطلاق الحوار الشّامل، بحيث تحوّل مشهد نزيف الدّم إلى ما يشبه الروتين اليومي...إنّنا نخشى من أن يكون هذا البلد العزيز قد دخل في دائرة التّجاذب الدّوليّ والإقليميّ، ما يعني أنّ الحلّ بات مرتبطاً بحوارات ومساومات، لا داخل الشّعب السوريّ، بل في ما بين الدّول الكبرى وما يتّصل بذلك من ملفّات عالقة بينها.
ولذلك نعيد التّأكيد على الشّعب السوريّ، كما على كلّ الحريصين على السّلام والأمان وعودة سوريا إلى لعب دورها الإيجابيّ في العالم العربيّ والإسلاميّ وفي القضيّة الفلسطينيّة، على ضرورة العمل الجاد للنأي بسوريا عن دائرة التجاذب الدولي والإقليمي من خلال البدء بحوار جدي مستفيدين من الخطوات الإصلاحية التي بدأت والتأسيس عليها، فالعنف لا يحل أي مشكلة في النزاعات الداخلية، بل يزيد الأمور تعقيداً ويسمح لكل الذين يريدون الدخول على خط سوريا أن يتدخلوا بكل حرية باسم حماية الشعب السوري أو حماية النظام فيه...
كما ندعو الذين يلتقون تحت عنوان أصدقاء سوريا في تونس، إلى أن يؤكدوا هذا العنوان، لا من خلال مناصرة هذا الفريق أو ذاك، بل العمل بجدٍّ وجهدٍ كبيرين لوصل ما انقطع بين كلّ فئات الشّعب السوريّ، وإطلاق عجلة الحوار في الدّاخل السوريّ، وخصوصاً أنّ الجميع يتحدّث عن انسداد الأفق، وعن سقوط الرّهانات من هنا وهناك حول هزيمةٍ حاسمةٍ لهذا الفريق أو ذاك...


أما العراق الذي عادت إليه التفجيرات الوحشية التي وان دلت على شيء فإنها تدل على ذهنية الحقد والقتل التي يعيشها هؤلاء الذين يلاحقون المدنيين والأبرياء وأماكن عملهم، من دون وازع إنساني أو ديني..
إننا في الوقت الذي نشجب هذه الجريمة النكراء التي أودت بحياة المئات من الجرحى والقتلى، ندعو الشعب العراقي بكل تنوعاته إلى الوحدة والتكاتف، والوقوف في مواجهة كل هؤلاء الذين يريدون إعادة نزيف الدم إلى العراق، ونؤكد على كل المرجعيات الدينية والسياسية في العالم العربي والإسلامي ضرورة رفع الصوت عالياً في وجه المنطق التكفيري الذي يستبيح الدماء بدون حساب...
أمّا العدوّ الصهيوني الّذي يقف على التلّ متفرّجاً على جراحات العرب وآلامهم، في ربيعٍ اختلطت فيه الآمال بالآلام الجسام، فهو يهدّد ويتوعّد مرة أخرى بإزالة لبنان عن الخريطة، كما تحدث رئيس وزراء العدو، ويبعث برسائل التّهويل الّتي تلتقطها الإدارة الأمريكيّة والإدارات الغربيّة بالتّنسيق معه، لتلعب لعبة التّخويف والابتزاز من الحرب الكبرى، ولتتحدّث عن أنّ الحكمة لا تقتضي ضرب إيران، أو فتح جبهة لبنانية...


لقد أصبحت هذه اللّعبة مكشوفةً أكثر من أيّ وقت مضى، فالعدو الصهيوني هو أضعف من أن يقوم بهذه المغامرات، وبات على العرب والمسلمين أن يوجّهوا الرّسائل الحاسمة إلى هذا العدوّ، بأنّ المعادلة لم تعد في المنطقة والعالم كما كانت من قبل، وأنّ لغة الحديد والنّار لن تفيده، بل سترتدّ عليه، فهذه الشّعوب لم تعد هي الشّعوب الّتي تُخوّف فتتراجع، أو تتلقّى الضّربات فتُهزم، بل هي الشّعوب الّتي تعرّفت إلى أسباب عزّتها، وعرفت مواقع قوّتها وبالتالي، فهي قادرة على أن تردّ الصّاع صاعين...
لقد استطاعت الشّعوب أن تخرج نفسها من وهم كونها ضعيفةً غير قادرة، إلى رحاب الاعتزاز بالله والاستفادة من مكامن القوّة الّتي تملكها، والتي ضيعتها لسنوات طويلة من خلال سياسة التخويف والتهويل التي اتُبعت معها...
وعلينا ألا ننسى في خضمّ هذه اللّعبة التّهويليّة، ما حصل من إساءةٍ للقرآن الكريم في أفغانستان، من قبل قوات الاحتلال التي حرقت ولمرة جدبدة نسخاً منه ،وما يعنيه ذلك من إساءة وحقد على الإسلام والقرآن، ما يستدعي وقفة إسلاميّة موحّدة ضدّ الّذين لا يبالون بمشاعر المسلمين أمام هذا الكتاب الذي يشكّل عنواناً من عناوين وحدتهم، بدلاً من الانغماس في لعبة الانقسامات داخل السّاحة الإسلاميّة، التي يُراد للمسلمين أن يستغرقوا فيها...


إنّنا إذ نقدّر كلّ المشاعر الّتي عبّرت عن سخطها من هذا التصرّف في أفغانستان وغيرها، ندعو إلى مزيد من المواقف والتّعبيرات المدينة لهذه الإساءة، كي يعي كلّ الذين قاموا بهذا العمل ويفكّرون في القيام فيه، أنّنا أمّة وفيّة لقيمها ومقدّساتها، كما هي وفيّة لإنسانها، ولن نسمح للحاقدين أن يجدوا في بلادنا أرضاً خصبة للتنفيس عن أحقادهم، لكننا نؤكد على أن يكون أي تحرك مدروساً لكي يؤدي الفائدة المرجوّة منه...
أمّا لبنان، فلا يزال الجمود يحكم الواقع الحكومي، حيث لا حل للمشاكل الاقتصادية والاجتماعية وحاجات الناس، فيما تبقى حرارة السجالات داخل الحكومة وخارجها غالبة على الحياة السياسية من دون أي نتائج سوى المزيد من التوتر الذي يعيشه المواطن اللبناني...
لقد تحدث البعض في لبنان عن كون هذا البلد أساساً في الحراك العربي، حيث يعتبرون شرارته انطلقت منه..
إننا في الوقت الذي نتحفظ عن هذا الأمر لكوننا لا نرى آثار هذا التغيير في هيكلية هذا النظام ولا حتى في رموزه، فالنظام السياسي هو نفسه والطاقم السياسي لم يتغير والأداء السياسي بقي هو هو...


إننا نؤكد على اللبنانيين الذين ينتظرون أن تهبّ رياح التغيير من الخارج، أن يبدأوا هم عملية التغيير، وذلك إن لم يكن بإعادة النظر في الطبقة السياسية التي كانت مسؤولة عن ويلات اللبنانيين ومآسيهم.. فهو بإعادة النظر في أسلوب تعامل المسؤولين مع القضايا الأساسية وأسلوبهم في التعامل مع حاجات الشعب ومتطلباته، وفي مواجهتهم لتحديات الخارج، الذين يريدون للبنان أن يكون ساحة تلاعبهم...
لقد آن الأوان لأن تكون المحاسبة هي الأساس في العمل السياسي والاقتصادي والأمني ليشعر كل مسؤول في هذا البلد أنه ليس حراً طليقاً يفعل ما يريد ويبدد المليارات ولا من رقيب ولا حسيب...
أيّها اللّبنانيّون: القرار بيدكم، فلتبدأ رحلة المحاسبة لكل الذين أساؤوا للبلد وليشعر كلّ مسؤولٍ بأنّه ليس في مأمن من الشعب حتى ان تحصّن بالعناوين المذهبية او الطائفية أو السياسية لأنه لا حماية للجميع إلا بغطاء العفّة والصّدق والأمانة، والعمل لبناء وطن حرّ مستقل وقويّ...