25-11-2024 07:47 AM بتوقيت القدس المحتلة

أطروحة"السيادة الشعبية الدينية" حصيلة الفكر والتجربة السياسية الإسلامية بإيران

أطروحة

كثر الحديث في الآونة الأخيرة حول الأطروحة السياسيّة التي يشتغل عليها الإمام الخامنئي، والتي أسماها "السيادة الشعبيّة الدينيّة"، والتي يعتبر أنّها حصيلة الفكر والتجربة السياسيّة الإسلاميّة في إيران

كثر الحديث في الآونة الأخيرة حول الأطروحة السياسيّة التي يشتغل عليها الإمام الخامنئي، والتي أسماها "السيادة الشعبيّة الدينيّة"، والتي يعتبر أنّها حصيلة الفكر والتجربة السياسيّة الإسلاميّة في إيران. وأنّها تصلح للممارسة خارج الدائرة الإيرانيّة عند شعوبٍ تطمح لممارسة القيم الإسلاميّة في الحكم. من هنا أقام معهد المعارف الحكمية للدراسات الدينيّة والفلسفيّة، في الثاني والعشرين من شهر شباط 2012، حلقةً بحثيّةً تحت عنوان "السيادة الشعبيّة الدينيّة" استمرّت ليومين، شارك فيها إضافةً إلى مدير معهد المعارف الحكميّة الشيخ شفيق جرادي، كلٌّ من رئيس قسم الدراسات في معهد المعارف الحكميّة الدكتور أحمد ماجد، ورئيس دائرة الفكر السياسيّ في المعهد الحاج علي يوسف، ورئيس تحرير مجلّة المحجّة الأستاذ محمود يونس، والباحث في الفكر السياسيّ الأستاذ بشّار اللقيس. ومن إيران، رئيس دفتر تبليغات (مكتب الإعلام الإسلاميّ للحوزات العلميّة في قم) الدكتور سماحة الشيخ أحمد واعظي، ومعاونه للشؤون الدوليّة سماحة الشيخ ديبا، ورئيس كلّيّة علوم الحديث الدكتور سماحة الشيخ صادقي، ورئيس مركز الحضارة الدكتور الشيخ محمّد تقي السبحاني. هذا واستضاف فيها في اليوم الثاني أصحاب فكرٍ سياسيٍّ علمانيٍّ وأجرى النقاش معهم.

 الجلسة الأولى : نظرية جديدة في الفكرالسياسي

الإمام الخامنئيافتتح الجلسة الأولى، بعد تلاوة آيات من الذكر الحكيم، سماحة الشيخ شفيق جرادي، موضحًا بأنّ طبيعة اللقاء تميل إلى كونها جلسة لعصف الأفكار، أكثر منها عملًا بحثيًّا، طارحًا المجموعة التالية من الأسئلة التي سيدور حولها النقاش من خلال الأوراق المقدّمة من السادة المشاركين، والحوارات التي ستتبعها:
- هل يشكّل عنوان "السيادة الشعبيّة الدينيّة" نظريّة جديدة في الفكر السياسيّ أم هي تكتيك مرحليّ؟
- هل السيادة الشعبيّة الدينيّة هي تعبير عن مرحلة الانتخابات أم هي نظام متكامل في الحكم؟
- هل تمثّل هذه النظريّة خاصيّة إيرانية يضيق بها الخناق خارج المجتمع الإيرانيّ، أم هي نموج قابل للتعميم؟ 
- هل الحديث في هذه النظريّة هو مجرّد حديث في القيم والأخلاقيّات أم أنّها تتجاوز ذلك لتطرح آليّات اشتغال عملٍ سياسيٍّ ومجتمعيٍّ وتنمويٍّ داخل إيران وخارجها، وإنْ بمراعاةٍ للخصوصيّات في كلّ منطقة؟
- هل تصلح أطروحة السيادة الشعبيّة الدينيّة للتطبيق في المجتمعات العربيّة والإسلاميّة التي تعايش الصحوة الإسلاميّة أم أنّها لا تتوافق إلّا مع الشيعة المنتمين لولاية الفقيه؟ وأين موقع هذه الأطروحة من مشاريع الديمقراطيّة والدولة المدنيّة الإسلاميّة التي ينادي بها بعض قادة الحركات الإسلاميّة اليوم؟

وانتقل بعدها الحديث إلى سماحة الشيخ هادي صادقي الذي قدّم ورقةً تحت عنوان "السيادة الشعبيّة الدينيّة" تناول فيها تفصيل النظام الإسلاميّ من خلال النقاط الأساسيّة التالية:
1- شكل الدولة:
حيث اعتبر أنّ الدولة الإسلاميّة في إيران اتخذت الشكل الجمهوريّ، الذي يرتبط في جذوره بالإسلام، ويصل نفعه إلى الناس، والهدف الأساس من إقامة الدولة هو خدمة الناس.
2- أسس المشروعيّة الدينيّة الشعبيّة:
حيث إنّ في المشروعيّة الدينيّة للسيادة الشعبيّة ثنائيّةً ترجع إلى جذر واحد هو الله عز وجل، وهذه الثنائيّة هي أولًا أهليّة الحكّام، وثانيًا رضا الناس عنهم. وهنا فصّل سماحة الشيخ هذا الموضوع بالشكل التالي:
أ‌- إسلاميّة النظام: فالإسلام دوره تحديد الهدف وخلق الشعارات للناس، والانحراف عن الإسلام سيضرب حتمًا السيادة الشعبيّة.
ب‌- شعبيّة النظام: اعتبر أنّ دور الناس ليس خلق المشروعيّة، لأنّها تذهب إلى الإذن الإلهيّ، ويكون دور الناس هو جعل هذه المشروعيّة فعليّةً، فلا تصل مشروعيّة أيّ صاحب حقّ إلى عالم الفعل إلّا مع رضا الناس، ولا يصبح التكليف ملزمًا لمن على عاتقه أداء التكليف إلّا مع رضا الناس.
3- خصائص السيادة الشعبيّة الدينيّة:
- أنْ تكون مشمولةً للهداية الإلهيّة مقترنةً بالإرادة الشعبيّة.
- رعاية العدالة بين الناس على أساس ما أمر به الإمام علي(ع) مالك الأشتر.
- الهداية الإلهيّة كإطار للنظام يؤدّي إلى نشر المعنويّة والفضائل.
- العمل دون منّة على الناس.
- شمول العدالة للجميع والسعي لكسب رضا عامّة الناس.
- الاحتراز من المحسوبيّات.
- عزل الحاكم عند فقدانه للشروط الذاتيّة والموضوعيّة التي تسمح له بالحكم.
- حاكميّة العقل الجمعيّ على السيادة الشعبيّة.

الإمام الخامنئي
4- الإسلاميّة، ولاية الفقيه، والقيادة:
 واعتبر فيها أنّ الولاية المطلقة للفقيه لا تتنافى مع كون هذه الولاية خاضعةً للقانون.
5- الجمهوريّة والشعبيّة:
وعرّفها بحسب قول الإمام الخامنئي: إنّ الديمقراطيّة تعني السيادة الشعبيّة، أيْ حاكميّة ومعياريّة رأي الناس في النهج السياسيّ للدولة ولإدارة البلد.
وتتمثّل آثار حضور الشعب في الحكم من خلال الانتخاب والاستفتاء فيشكّل ذلك مصدر قوّة الشعب ووحدتهم. وهو إلى جانب كونه حقًا لهم فهو أيضًا تكليف ملقىً عليهم.
واستُتبعت هذه المداخلة بحوار بين المشاركين، بحيث تساءل سماحة الشيخ شفيق جرادي عن ضرورة أن تكون الأولويّات في هذا النظام أكثر وضوحًا، فمصلحة وإرادة من تتقدّم؟ إرادة الوليّ الفقيه أم الشعب؟ حيث تظهر ضرورة هذا الأمر في المنطقة المتداخلة بين الناس والوليّ الفقيه، فمتى يتوقّف دور الناس، ومتى يتراجع الولي الفقيه أو متى لا يصحّ من الناس إلّا الموافقة على أوامره وتدبيراته؟
وسأل سماحته عن الفرق بين الشرعيّة والمشروعيّة. معتبرًا أنّ شرعيّة النظام هي من النصّ الإلهيّ، أمّا مشروعيّته فهي من موافقة الناس عليه لأنّ المشروعيّة صنو الفعّاليّة.
واعتبر السيّد عبد الله نظام أنّنا بحاجة إلى تبسيط هذه الولاية وتفصيلها.
فأجاب سماحة الشيخ صادقي: إننا إذا نظرنا إلى ولاية الفقيه من حيث الهدف من تطبيقها، تصبح الأمور أكثر وضوحًا، فالأساس الكلاميّ لابدّ من الإشارة إليه، فإذا كان الهدف هو تحقيق العبوديّة للناس، فلا يمكن تحقيقه بالقوّة والإكراه، فلا بدّ من العمل على أنّه في ظلّ ولاية الفقيه، لابدّ من توافق الشعب مع الوليّ، باستثناء أمور الرشد والهداية. ومن واجبات الوليّ الفقيه تربية الناس حتّى لا يختاروا قرارات تتناقض مع الشريعة.
أمّا الحاج علي يوسف، فاعتبر أننا نحاول جاهدين لجمع متناقضين لا يجتمعان، وهما السيادة الدينيّة، والسيادة الشعبيّة. وهذا الأمر سيظلّ محور نقاش، طالما أنّنا لم نحدّد بدقّة، ما هي الأمور التي يعود الحسم فيها للوليّ، والأخرى التي يعود فيها للشعب. فالوليّ الفقيه يعجز مثلًا عن متابعة احتياجات الشعب المعيشيّة والاقتصادية اليوميّة حيث يجب أن يكون القرار فيها لهم.

وأردف الدكتور الشيخ ديبا، أنّ هناك نقطتين تمّ الخلط بينهما:
1- البحث حول السيادة الشعبيّة.
2- دور الناس بعد تأسيس الدولة الدينيّة.
وختم النقاش الدكتور الشيخ صادقي، الذي أكّد على أننا "لن نجد في أيّ ديمقراطيّة في العالم سيادةً شعبيّةً مطلقةً، فالناس يختارون مجموعةً من الضوابط العامة، فيعتمدون على الدستور ويؤيدون لوازمه. أمّا المشكلة فتظهر عندما يتبنّى الناس الأصول ويتنصّلون من التطبيق العمليّ".
وأوضح أنّ المشروعيّة لا تعني الشرعيّة، بل تعني أن يكون للوليّ حقّ التصرّف، وهذا الحق يأتي من الشرع أو الناس، وفي السيادة الشعبيّة الدينيّة؛ حقّ التصرّف هو حقّ إلهيّ.
ومن ثمّ أعطى مدير الجلسة الأولى، الأستاذ محمود يونس، الكلام للدكتور أحمد ماجد، لقراءة الورقة الثانية في هذه الجلسة، والتي تحمل عنوان: "مقاربة أوّليّة في الديمقراطيّة والإسلام"، والذي اعتبر فيها أنّ مفهوم الديمقراطيّة، الذي ولد في سياق تطوّر الحضارة الأوروبيّة، لا ينتمي إلى الحقل الدلاليّ الإسلاميّ، ولا يتّكأ إلى مرجعيّة نصّيّة. بل إنه حضر للمرّة الأولى في عصر النهضة الإسلاميّة الأولى نتيجة التعارف بين الحضارات، حيث تمّ تبنّيه كأمر مجرّد وهو ما نجد معالمه عند الطهطاوي، وخير الدين التونسي، ونامق كمال، ...وصولًا إلى عبد الرحمن الكواكبي.
إلّا أنّ هذه المقاربة للديمقراطيّة أثارت وجهة نظر مناقضة، كان أبرز رجالها المفكّر العثمانيّ علي السعاوي، ومن ثمّ تبلورت أكثر مع أبي الأعلى المودودي، الذي اضطر فيما بعد للاعتراف للبشر بنوعٍ من الحاكميّة، أسماها "الحاكميّة الشعبيّة المقيّدة" بعد أنْ كان يصرّح بأنّه ليس للبشر أيّ حقّ في الحاكميّة.
هذا وشهد هذا النقاش مراجعةً منذ منتصف الثمانينات من قبل الإسلام الحركيّ الإخوانيّ، وفي هذا المجال اعتبر الغنوشي الديمقراطيّة مفهومًا واسعًا يتّسع لمعان، تلتقي عند معنى، أنّها نظام سياسيّ يجعل السلطة للشعب، ويمنح المحكومين الحقّ في اختيار حكّامهم، وفي التأثير فيهم والضغط عليهم وعند الاقتضاء تغييرهم عبر آليّات قد تختلف من نظام ديمقراطيّ إلى آخر، ولكنّها تلتقي عند آليّة الانتخاب الحرّ.


وأشار الدكتور ماجد، إلى رفض الإمام الخميني(قده) وصف الدولة بالـ "الجمهوريّة الإسلاميّة الديمقراطيّة"، وهذا الأمر، برأيه، لم يكنالإمام الخامنئي عشوائيًّا، لأنّ القبول بهذا اللفظ، يعني بأنّ النظام يستند إلى أساسين: الإسلام، والديمقراطيّة، وهذه الازدواجيّة قد توهم بأنّ الحرّيّات الفرديّة والديمقراطيّة التي سيتمتّع بها الأفراد في ظلّ الجمهوريّة الإسلاميّة، منبثقة من الصفة الديمقراطيّة، لا الإسلاميّة. وقد يفهم من هذه الازدواجيّة، أنّ الحرّيّات والحقوق الفرديّة والديمقراطيّة تنبثق من الأسس الديمقراطيّة للنظام، لا من الأساس الإسلامي. بينما أحكام العبادات والمعاملات والأحوال الشخصيّة تنبثق من الأساس الإسلاميّ للنظام.
وشدّد الدكتور على أنّ الحاكميّة الإسلاميّة ليست كوابحَ للإنسان، إنّما هي عمليّة تسمح للإنسان بالتكامل، فيتحوّل فيها إلى شاهدٍ وشهيد، وبالتالي فالدستور لا يكون هو الأصل باعتباره المرجعيّة المطلقة، إنّما هو رسالة تُوجد: "الأرضيّات العقائديّة للنهضة... والظروف المناسبة لتربية الإنسان على القيم الإسلاميّة العالميّة الرفيعة".


وكان الدكتور الشيخ واعظي أوّل المعقّبين على ورقة الدكتور ماجد، فاعتبر أنّه علينا العمل على تقديم تفسيرات للحاكميّة الإسلاميّة في داخل الإطار الشيعيّ، إضافةً إلى المجتمعات الأخرى، التي نعتقد بوجوب تقديم هذه الفكرة إليهم على أنّها قائمة على إعطاء الحاكميّة للإسلام، مشيرًا إلى أنّ التمييز الذي قام به الدكتور أحمد ماجد بين السيادة الشعبيّة الدينيّة، والسيادة الشعبيّة في الغرب -على أنّ الفرق الأساس هو ولاية الفقيه- غير دقيق؛ لأنّه لا يغطّي جميع أشكال السيادة الشعبيّة الدينيّة.


أما حول ما طرح عن أنّ السيادة الشعبية لا يمكن أن تكون مقبولةً؛ لأنّ الديمقراطيّة محفوفة بقيمٍ غربيّةٍ، تجعل تطبيقها فرضًا للقيم الغربيّة على الإسلام؛ فإنّ هذا الطرح مهم جدًّا ويوجد الكثير من المنظّرين لهذا الأمر. وهنا أشار الدكتور واعظي إلى أمرين:
1- التمييز بين الديمقراطيّة، والديمقراطيّة الغربيّة، فمن المسلّم بأنّ لكلٍّ من الاثنين قيمه ومبادئه، ولذا فالديمقراطيّة الليبراليّة لا تنسجم مع الإسلام، أمّا أصل الديمقراطيّة بوصفها آليّةً لإدارة المجتمع فهي ومع أنّها مبنيّة على قيم إلّا أنّ هذه القيم لا تتعارض مع الإسلام، مثل المساواة في الانتخابات وإبداء الرأي.. وغيرها من القيم المشابهة.
2- تحمّل الحكّام لمسؤوليّاتهم وخضوعهم للمساءلة، وهذه موجودة في الإسلام تحت عنوان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
وتساءل هنا سماحة الشيخ شفيق جرادي، إلى أي مدى قرأنا التجربة المصريّة التي قاربها كمال أبو المجد، والتجارب الأخرى، ماذا يمكننا أن نقدّم لهم حين لا يكون هناك وليّ فقيه، حيث لن يقبلوا بولاية الفقيه. فماذا يمكننا أن نقدّم لهم في إطار التجربة السياسيّة، ولماذا لا نقدّم لهؤلاء أطروحة السيادة الشعبيّة الدينيّة حتّى وإن كانت هذه المجتمعات تعدّديّة مثل لبنان، لأنّ لهذه الأطروحة جاذبيّةً إسلاميّةً وإنسانيّةً عامّةً.


الإمام الخامنئيودعا إلى الانتقال من مرحلة النظر البحت، إلى مرحلة البحث الثقافيّ العمليّ الذي يتّكئ على آليّات واضحة ومحدّدة، في العلاقة بين الحاكم والمحكوم والمؤسسات. هنا، أجاب الدكتور واعظي عن هذه الاستفسارات معتبرًا أنّه بوصفه شيعيًّا، فإنّه يعتقد بنظامِ الإمامةِ وولايةِ الفقيهِ نائبِ الإمام، وأمّا في مقام المقارنة بين الأشكال المتصوّرة للأنظمة السياسيّة، فيعتقد د. واعظي، أنّ المرتبة الأدنى من ولاية الفقيه – في نظرية االسيادة الشعبيّة الدينيّة – لو قوبلت بالأنظمة الأخرى فستكون أقلّ مفسدةً. فإنّ نظام السيادة الشعبيّة الدينيّة برأيه، يشتمل، ولو لم يكن هناك ولاية فقيه، على الحدّ الأقصى من القيم الإسلاميّة. وهنا كانت مداخلة للأستاذ بشّار اللقيس، اعتبر فيها أنّ النقاش في الديمقراطيّة لا يمكن اعتباره نقاشًا في أنواع الديمقراطيّات، وأضاف أنّه لا يمكننا الحديث عن الديمقراطيّة الغربيّة بمعزل عن حقلها المنتج، الذي رأى في مرحلة من المراحل، انقطاع الغيب عن الطبيعة. مضيفًا أنّ الحديث عن الديمقراطيّة الدينيّة، هو الحديث ما بين الغيب والإنسان، الإنسان والطبيعة، وإحكام النظرة في هذه النقطة سينتج عنه الكثير. مشدّدًا على أنّ غايات الدولة وأهدافها يجب أن تدرس على ضوء علاقة الإنسان بالطبيعة- الإنسان-الغيب.


ومن ثمّ عقّب الشيخ صادقي، مفيدًا بأنّ الإمام الخميني كان حريصًا على القول بأنّ هذا المشروع مستنبطًا من المشروع الإسلاميّ نفسه، وفي فترة الإصلاحيّين، استخدم خاتمي كلمة الديمقراطيّة، والمجتمع المدنيّ. فاستخدم الإمام الخامنئي نظريّة الحاكميّة الشعبيّة الدينيّة، والمدينة النبويّة، إلّا أنّه عاد واستدرك –أي صادقي- بأنّ أصولها كانت منذ الإمام الخميني. ودعا إلى التمييز ما بين الديمقراطيّة بوصفها منهجًا، والديمقراطيّة بوصفها قيمةً من القيم، فالديمقراطيّة الغربيّة ليست قيمةً بحدّ ذاتها، بل تحتوي على مجموعة قيم منها الحرّيّة والفردانيّة. وما يضع الديمقراطيّة بوصفها منهجًا هو قدرة الناس على المشاركة في الحكم، ويمكن له أن ينسجم مع قيمٍ متعدّدة ومتنوّعة. فهذه الديمقراطيّة المنهجيّة، لا يمكن لنا القول بأنّها غربيّة بالكامل، فالرسول بنى مدينته بالبيعة.


هذا وختم الدكتور أحمد ماجد الجزء الأول من هذه الحلقة البحثيّة مشدّدًا على أنّه لا يمكننا استخدام مصطلح في غير البيئة التي انتجت فيه، لأنّه سيكون مشبعًا بالقيمة المكتنزة من الأرض المنتجة، في الوقت الذي يحتوي فيه الدستور الإيرانيّ على الكثير من الأمور التي تختلف بشكلٍ كلّيٍّ عن المنطلقات الغربيّة.
أمّا عن انتقال "السيادة الشعبيّة الدينيّة" إلى المجتمعات الأخرى فيرى الدكتور ماجد أنّ المشكلة تقع في العلاقة بين ولاية الفقيه والإمامة المرتبطة في أذهان الناس.
ومن ثمّ رفعت الجلسة الأولى في تمام الساعة الثانية عشرة والثلث، لاستراحة الصلاة والغذاء، قبل أن تعود الجلسة الثانية لتنطلق عند الساعة الثانية ظهرًا، برئاسة الدكتور أحمد ماجد، حيث افتتح الدكتور سماحة الشيخ واعظي الحديث بإثارة مجموعة من النقاط من خارج الورقة المعدّة سلفًا من قِبله، حيث رأى، ونتيجةً للنقاش الذي دار في الحلقة الأولى، أولويّةً في طرح ومناقشة تلك النقاط، وتبعه سماحة السيّد عبد الله نظام الذي قدّم ورقةً تحت عنوان "الحاكميّة الشعبيّة الدينيّة ونظريّة الحكم الديمقراطيّ"، ومن ثمّ كانت آخر الأوراق المقدّمة لليوم الأوّل مع سماحة الشيخ شفيق جرادي تحت عنوان: "السيادة الشعبيّة الدينيّة".


 في جوجلةٍ لخلاصة الأفكار التي طرحت من قبل المشاركين في أولى جلسات الحلقة البحثيّة، وللنقاط الخلافية التي دار النقاش العلميّ حولها، أعاد الدكتور سماحة الشيخ واعظي طرح النقاط التي رأى أنّها تحتاج إلى المزيد من التفكّر والحوار.
 فاعتبر سماحته، أنّه حينما يدور الحديث حول "السيادة الشعبيّة الدينيّة"، قد يفهم من هذا الشعار، أنّنا نُحضّر فكرةً من خارج النظريّة السياسيّة الإسلاميّة، لنقحمه في فكرنا الدينيّ، وهذا غير صحيح. بل إنّما نحن نحاول الاستفادة من موضوعٍ مركّب لا يتنافى مع الإسلام.
ولو خالف الإمام الخميني(قده) مفهوم الديمقراطيّة، فإنّ ذلك يعود إلى أنّ فكرة الجمهوريّة الديمقراطيّة الإسلاميّة، تشكّل قيدًا على الإسلام، وتظهره وكأنّه لا يشتمل على عناصر هذه الديمقراطيّة، ولذا يجب أن تضاف إليه. أمّا مصطلح السيادة الشعبيّة الدينيّة، فلا يُسقط أيّ قيد على الإسلام.


ورأى الشيخ واعظي، أنّ في تاريخ الفكر السياسيّ، من "الدولة – المدينة" في اليونان، وصولًا إلى يومنا هذا، يوجد قراءات متعدّدة للديمقراطيّة، ولا يستطيع أيّ تفسير الإدعاء بأنّه هو الديمقراطيّة الحقيقيّة، بل لكلّ أمّة الحقّ في أن تقدّم نموذجها ورؤيتها للديمقراطيّة، مستشهدًا بأحد المفكّرين في علم السياسة الذي يقول إنّ الديمقراطيّة ليست آلةً تخترع لمرّة واحدة فقط، بل لكلّ أمّة أن تخترع ديمقراطيّتها.
وأشار سماحة الشيخ إلى أنّ الفارق الجوهريّ بين "السيادة الشعبيّة الدينيّة" والقراءات الليبراليّة للديمقراطيّة، يكمن في البحث عن مرجعيّة الدين وحاكميّته بوصفه إطارًا لكلّ الأنشطة الإداريّة والتنفيذيّة للأمور التي تقوم بها الدولة؛ إضافةً إلى دور الناس في الغرب، حيث يعتبر المواطن كآلة ووسيلة لتداول السلطة وانتقالها من شخصٍ لآخر. وفي الواقع فإنّ مشاركة الشعب وحضوره في الغرب هو زمانيّ محدّد، وخاضع للدعاية الإعلاميّة القويّة، أمّ في فكرنا الدينيّ فمشاركة الناس وحضورهم هو حضور دينيّ وإيمانيّ.


 وغالبًا، بحسب ما يرى سماحته، يلجأ المعارضون للسيادة الشعبيّة الدينيّة إلى الاعتبار بأنّ الديمقراطية عمومًا وحتّى الدينيّة منها، تؤدّي إلى تجاهل الربوبيّة الشرعيّة لله سبحانه، وتسمح للناس أن يشرّعوا. بل وقد يصل البعض – مثل حزب التحرير – إلى اعتبار كلّ دولة تحتوي على نظام ديمقراطيّ وبرلمان، هي دولة كفر ونظام كافر.
وهنا ردّ الدكتور الشيخ واعظي على هذه الإشكالات، بتأكيده بأنّه أحيانًا نقول في إدارة المجتمعات أنّه يجب على كلّ عمل أن يوافق الشريعة، وفي أحيان أخرى، يكون الحديث بأنّ كلّ ما يعمل به في المجتمعات يجب أن لا يخالف الشريعة، ومن هنا فلا يشترط بكلّ القوانين والقرارات أن توافق الشريعة (بمعنى أن تكون متخذةً من الشريعة بشكلٍ مباشر)، ولكن عليها بالتأكيد أن لا تخالفها.
 وتناول من بعده السيّد عبد الله نظام، ورقته المقدّمة تحت عنوان "الحاكميّة الشعبيّة الدينيّة ونظريّة الحكم الديمقراطيّ" والتي كانت مقسّمة على النحو التالي:
‌أ- الحاكميّة الشعبيّة الدينيّة:
حيث تولّى سماحة السيّد التأصيل لموضوع "السيادة الشعبيّة الدينيّة" قرآنيًّا، وعلى ضوء السنّة الشريفة، قبل أن ينتقل إلى الحديث عن حاكميّة الدين لجميع مناحي الحياة، من المستوى العقائدي، إلى التشريعي، ثم الجهادين الأكبر والأصغر.

 

‌ب- نظريّة الحكم الديمقراطي:
شرح السيد نظام في هذا العنوان الديمقراطيّة، بالمعنى الغربيّ والليبراليّ، مشدّدًا على غياب القيم الأخلاقيّة، وأنّ الشعب فيها هو مصدر السلطة، وهو من يمنحها المشروعيّة.
‌ج-  المقارنة بين النظامين:
حيث عرض مجموعة الفوارق بين الديمقراطيّة الليبراليّة، والسيادة الشعبيّة الدينيّة.
د- المقارنة بين الحاكميّة الشعبيّة والديمقراطيّة المذهبيّة.
ه- فعّاليّة موانع الاستبداد في كلتا الحكومتين.
و- الولاية العامّة.


وكانت آخر الأوراق المقدّمة لليوم الأوّل مع سماحة الشيخ شفيق جرادي، الذي قدّم قراءةً تحت عنوان "السيادة الشعبيّة الدينيّة"، والتي ألقت بنظرة تحليليّة للخطاب الأخير –الملقى باللغة العربيّة- للإمام الخامنئي(دام ظلّه)، مستنتجًا أنّ مقوّمات الرؤية الإسلاميّة النهضويّة، تتّسم بحسب ما يرى الإمام الخامنئي بالنقاط التالية:
أوّلًا: المعاصرة الواثقة والمستقلّة:
فلا هم إنْ أسماها البعض ديمقراطيّةً أو سلفيّةً، فالمشكلة تكمن في المضمون لا المفردات. فكلنا ديمقراطيّون إذا كانت الديمقراطيّة تعني الشعبيّة والانتخابات الحرّة. وكلّنا سلفيّون، إذا كانت السلفيّة تعني العودة إلى أصول القرآن والسنّة.
ثانيًا: الانطلاق من القيم الإسلاميّة السياديّة:
وهي المعنويّة المتمحورة على التوحيد، العدالة كتعبيرٍ عن معنويّة الرحمة، ودون أن تكون مجرّد سيف مسلّط، التعقّل الحكيم، الشجاع، المدبّر، والذي من دونه قد تتحوّل المعنويّة إلى مجرّد حال فرديّ يذهب في الزهد بعيدًا، كما قد تتحوّل العدالة إلى حرفيّة مقيتة تنظر للعلاقة بين الإنسان والقانون، وكأنّما الإنسان خلق من أجل القانون والدين وليس العكس.
ثالثًا: السيادة الشعبيّة الدينيّة:
وهي أسلوب الإدارة التي دعا إليها الإمام الخامنئي، الحراك الإسلامي، والمستقاة من التجربة الإيرانيّة.
رابعًا: إرجاع السبب المباشر لحراك الصحوة للعمل إلى طلب تحصيل الكرامة، ورفض الاستبداد والتخلّف والاستعمار.
ويحدّد الشيخ جرادي جملة أصول لـ"السيادة الشعبيّة الدينيّة" وهي:
الأصل الأوّل: حاكميّة الله المطلقة على الوجود.
الأصل الثاني: أصالة الشريعة الإسلاميّة في بناء مؤسّسة الإدارة والحكم.
الأصل الثالث: أصالة الحقوق الشعبيّة التي أولاها الله للناس. ويشير هنا سماحة الشيخ إلى المادّة الثانية من الدستور الإيرانيّ، والتي حينما تورد مرتكزات النظام الإسلاميّ في إيران فإنّها تنصّ بأنّ الإيمان بالعقائد الأساسيّة من الإيمان بالله سبحانه، ثم الإيمان بالوحي ثم المعاد، والعدل، والإمامة، وتضيف في الختام "كرامة الإنسان ومكانته السامية، وحرّيّته ومسؤوليّته أمام الله.
 أمّا عن الديمقراطية فيطرح سماحة الشيخ شفيق جرادي تعريف مالك بن نبي، والذي يقول إن الديمقراطيّة بما هي (سلطة الشعب) أو (سلطة الإنسان)، يمكن لنا قراءتها كنظريّة ويمكن قراءتها كتجربة حكم، إلّا أنّه اقترح قراءتها من موقع الاستعدادات النفسيّة فقال: "يجب أن نعتبر الديمقراطيّة من ثلاثة وجوه:
1- الديمقراطيّة كشعور نحو الـ(أنا).
2- الديمقراطيّة كشعور نحو الآخرين.
3- الديمقراطيّة كمجموعة الشروط الاجتماعيّة السياسيّة اللازمة لتكوين وتنمية هذا الشعور في الفرد.

ويخلص ابن نبي إلى الاعتبار بأنّ وجود الديمقراطيّة في الإسلام لا يتعلّق ضرورةً بنصٍّ فقهيٍّ مستنبط من السنّة والقرآن. بل يتعلّق بجوهر الإسلام بصفة عامّة وعلى وجه الخصوص كمشروع ديمقراطيّ تفرزه الممارسة، ونرى من خلاله موقع الإنسان المسلم من المجتمع الذي يكوّن محيطه، وهو في الطريق نحو تحقيق القيم.. بحيث ترتبط حركته التاريخيّة بالمبادئ العامّة التي أقرّها الإسلام في صورة بذور غرست في الوعي الإسلاميّ، وفي صورة شعور عامّ ودوافع تكون المعادلة الاجتماعيّة في كلّ فردٍ من المجتمع.
ويرى سماحته أنّ هناك أمرين فاتا ابن نبي وهما:
الأوّل: كيفيّة ربط البعد الموضوعيّ بالبعد الذاتيّ- الشعوري:
وهو ما تكفّلت ببيانه أدبيّات النهضة الإسلاميّة المعاصرة، والذي نلمحه بتوجيهات الإمام الخميني(قده)، والنصوص الواردة في الدستور.
الثاني: مسألة الدولة ونظام الحكم، فللإسلام في هذا الباب أيضًا نظريّاته وآراؤه الخاصّة. والأهليّة الفرديّة في أمر الدولة في الإسلام قضيّة أساسيّة وعلى جانب كبير من الأهمّيّة.


ويخلص الشيخ جرادي إلى مجموعة من المسائل، التي يجب التثبّت منها، لتوسيع دائرة الإمكانيّة لحركة أطروحة السيادة الشعبيّة الدينيّة، في أقطار وبلدان خارج إيران، ومنها:
أوّلًا: انتقال الاجتهاد الإسلاميّ من مجرّد كونه أمرًا فقهيًّا ضيّقًا إلى اجتهاد فقهيٍّ موسّع يلحظ كلّ حيثيّات النصّ الدينيّ، بما فيه مرحلة ما قبل الجعل التشريعيّ من ملاكات، وما بعد الجعل التشريعيّ. ولا يخفى أنّ الانطلاق من مرحلة الجعل الشرعيّ لفهم ووعي منطلقات الملاكات فيه، تفتح لنا منافذ الرؤية الشرعيّة إضافةً  للأحكام التكليفيّة.
ثانيًا: التدقيق في الإجراءات والقيود العملانيّة التي يمكن لها منع الحاكم–الولي من ممارسة سطوة في سلطته، وهو أمرٌ يعود إلى الدور العملانيّ الذي تقدّمه الأطروحة في بناءاتها العملانيّة وتجربتها الحيّة.
ثالثًا: إجراء مراجعة حاسمة تجاه ما ساد الثقافة الإسلاميّة في العصور الأخيرة، من أنّ الحقّ لا يتناسب مع الأكثريّة من الناس، والتي حشدت لها أدبيّات المسلمين الآراء والمواقف والأفكار، من اعتبار أنّ الجهل سمة العامّة من الناس، وأنّ الحقّ مع الخاصّة منهم.
 وكان الختام مع سماحة الشيخ السبحاني الذي رأى أنّ مع أهمّيّة وضرورة الخوض في التجربة، ولكن يجب عدم تجاهل الجانب النظريّ. حيث اعتبر أنّ أصل نظريّة ولاية الفقيه قُدّمت مع شيء من الفراغ النظريّ والعمليّ، وحتّى الدستور، فقد كُتب في حالة من الفراغ عمليًّا.
واعتبر أنّ لولاية الفقيه ركنين أساسيّين هما، علم الكلام والرواية، ونحن لدينا خلل ممعرفيّ في هاتين النقطتين، فعبر التاريخ الشيعيّ لم يكن لدينا علم كلام سياسيّ، ولا فكر سياسيّ يُستند إليه. فلم يرتبط بحث الإمامة بعلم الكلام، بل كان المراد منه الردّ على السنّة، وحتّى في مجال البحث الفقهيّ طرحت الولاية، في مجال الولاية على القاصرين وغيره، بعيدًا عن الإطار السياسيّ.
وفي الحديث عن الديمقراطية، يعتبر الشيخ السبحاني أنّه إذا كانت الديمقراطيّة هي المشاركة في الانتخابات، فإنّ أكثر الأنظمة دكتاتوريّةً، تكون ديمقراطيةً. بل إن النظام الديمقراطيّ هو النظام الذي يوافق الناس على أصوله العامّة.


وفي ختام كلام الشيخ السبحاني رفع الدكتور أحمد ماجد، الجلسة إلى اليوم التالي؛ الخميس في الثالث والعشرين من شباط 2012؛ حيث عُقدت الجلسة الثالثة بمشاركة عدد من الأكاديميّين والباحثين المتخصّصين وهم الدكتور الشيخ أحمد واعظي من إيران، والدكتو مشير عون من لبنان، وغاب الدكتور وضّاح شرارة عن المشاركة، وتغيب الأمير حارث شهاب.

الجلسة الثالثة: كيف يقرأ الخصوم عناوين السيادية الشعبية الدينية
 وفي حضور نخبة من المتابعين والمثقّفين. ترأّس الجلسة الثالثة بشار اللقيس، وتحدّث فيها الشيخ شفيق جرادي عن هذا "اللقاء الذي هو ضمن جملة من النقاشات حول مسائل نعتقد بحساسيتها وانعكاساتها". وقال: نعيش في عالم لم تعد الخصوصيّات ملكًا لأحد، وقراءة الذات تقتضي أن نرى انعكاساتها في الآخرين، وفي انطباعاتهم. أضاف، من المواضيع الحسّاسة المثارة مؤخّرًا مسألة ولاية الفقيه، ونظام الحكم في الإسلام، وفي ما أطلق عليه الربيع العربيّ، ومفهوم السيادة الشعبيّة الدينيّة.وسأل كيف يقرأ أصحابنا وإخوتنا وحتّى بعض الخصوم مثل هذه المفاهيم والعناوين؟ لذلك كان هذا اللقاء أقرب إلى النقاش من أجل أن نتكامل في وحدتنا الإنسانيّة.
ثم تحدّث الدكتور مشير عون "عن بعض الأفكار بشأن مسألة السيادة الشعبيّة الدينيّة"، موضحًا "أنّ مرجعيّة الفكر التي أنتمي إليها هي مسيحية في أصلها وعلمانيّة في تطوّرها".
وقال: لا ينشط الفكر إلّا بالخصومة الموضوعيّة، والقلوب شاهدة على المودّة والإلفة.
وأعرب عن سروره لهذه المناقشة "لأنّ بعض اللبنانيّين والعرب اعتبروا أنّ مناقشة مسألة ولاية الفقيه محرّمة، ولكنّ الشيخ جرادي بإدارته لهذا المعهد متسامح في مناقشة هذه الأمور".
تابع: نناقش مسألة ولاية الفقيه، وهذا الأمر ديمقراطيّ.
وقارن بين معصوميّة البابا في المسيحيّة، وولاية الفقيه. وقال: الكاثوليك يقولون إنّ المعصوميّة لا تستقيم لبابا روما إلّا إذا اجتمعت لها عناصر التأييد، ومنها: أن يقول الحقّ في مراعاة الأمانة لوديعة الدين المسيحيّ، وأن يؤيّده أهل الكنيسة في هذا القول، وأن يعبّر عن الحسّ الإيمانيّ الجماعيّ، في حين أن التصوّر العلمانيّ في شرعة حقوق الإنسان، هو شرعة تروم الحياد في مناصرتها للقيم والكرامة الإنسانيّة.


ولفت إلى أنّ من اعترافات التصوّر العلمانيّ، القول بأنّه لا يمكن لفرد إنسانيّ مهما علا شأنه أن يدّعي العصمة بسبب المساواة بين الناس من حيث الفطرة، وبضرورة البلوغ إلى تصوّرات إجماع من خلال التشاور الحرّ المنفتح على جميع الآفاق..
وأوضح أنّ الاعتراضين المنبثقين من شرعة حقوق الإنسان هما قائمان على تصور للإنسان يقول بأنه مفطور على انتهاج سبيله التاريخيّ في تربة الوجود الإنسانيّ التعدّديّ.
وقال: إذا أتينا إلى مسألة ولاية الفقيه وأردنا أن نستخرج منها بعض الجوانب الإيجابيّة، فنرى أنّ الخلفيّة الفكريّة التي تستند لها الولاية ليست تسلطيّةً، أو اعتباطيّةً، وفيها شيء من الحكمة، بل فيها شيء مما عند العلمانيّة، لذلك عندما نرى تعدّد النظم السياسيّة في الغرب، ومنها مجلس شيوخ، ومجلس نوّاب، والبحث عن أفضل السبل للحفاظ على كرامته، فلا بدّ أن نقع على مواقع ثريّة من الثلاثيّ ومن المساءلة الرصينة.
وقال: المنظومة الإسلاميّة تسائل المسيحيّة. والعلمانيّة تناظر هذا الهمّ الإنسانيّ المعاصر.
أرى أنّ النقاش يجب أن يصبّ في معظمه حول: كيف يمكن لأنظومة تقول بولاية الفقيه ومعصوميّة البابا أن تقنع أهل العلمانيّة بمراعاة حرّية الإنسان الفرد ومراعاة التشاور الحرّ؟
ثم كانت مداخلة للدكتور الشيخ أحمد واعظي تعليقًا على مداخلة الدكتور مشير عون، فأشار إلى أنّ الفكر الإسلاميّ يقوم على عدم الاعتراف بالعصمة لأعلى المراتب الدينيّة، ويقول هذا الفكر باحتمال وقوعهم في الخطأ. والفكر الإسلامي يميّز بين الحجيّة وبين العصمة، وأنّ من يؤمن بنظريّة ولاية الفقيه بالشروط لا يقصد بذلك أنّ صاحب هذه الولاية معصوم عن الخطأ.
وأوضح أنّ هناك مجموعة نظريات سياسيّة تؤمن بالديمقراطيّة، وأخرى تؤمن بالرقابة على الدولة.
وقال عن المدارس التي تندرج تحت المذاهب الفلسفيّة الوصائيّة: يمكننا أن نشير إلى أقوال أفلاطون والماركسيّة التي تعطي لرئيس الحزب الشيوعيّ حقّ الوصاية على الشعب.

وأضاف أنّ نظام ولاية الفقيه يقول بوجود شخص على رأس هذا النظام يعمل على تأمين مصالح الدولة، ومن الشروط عليه ليس ادعاء العصمة له، بل إنّ الإسلام دين يسعى إلى تحقيق قيمة، وإنّ من شروط الوليّ الفقيه الثقافة والعدالة.
وحول نقطة حقوق الإنسان، قال: إنّ نظريّة ولاية الفقيه استطاعت أن تجمع بين وجود رئيس لهذه الدولة، وتأمين مصالح المجتمع.
وأكّد قائلًا: مثلما أنّ فكرة الديمقراطيّة ليست جاهزةً للتطبيق في أيّ مجتمع وبذات الشروط، نؤمن أنّ ولاية الفقيه لا تنطبق على أيّ مجتمع. ورأى أنّه من الطبيعي للمجتمعات الإسلاميّة التي تريد تطبيق الإسلام أن يناسبها الديمقراطيّة الشعبيّة الدينيّة.
ثم دار نقاش، فقال الشيخ جرادي إنّ الشيعة عاتبون على المؤسسات الثقافيّة والدينيّة أنهم ناقشوا بمسألة اعتقاد الشيعة بولاية الفقيه من جوانب شخصيّة، وتلاسن سياسيّ، ومن هنا كان اعتراضنا. وأكّد أن الشيعة منفتحون على تبيان مسألة ولاية الفقيه؛ لأنّها تساهم في إثراء الفكر السياسيّ.


أما في المميزات التي دعا غير الشيعة إلى دراستها، هي كيف استطاعت تجربة الإمام الخميني، في فترة زمنيّة تكاد تكون مذهلةً، أن تُخرج الإنسان من كونه مجرّد رقم في مفهوم الآية، إلى كونه فردًا يتوجّه إليه خطاب القانون والقيم، ويستعيد نفسه في كلّ فعل.
وأشار إلى أنّ فهم الآخر يجب أن يرافقه كسر النمطيّة المسبقة حول الآخر أولًا، ومنها صورة الشيعيّ، وكأنّه غول، وثانيًا: إنّ رأينا أنّ الديمقراطية والليبرالية في أنظمة الغرب هي قشريّة؛ لأنّ الشركات والمال هي من يُحكم فيها، مشيرًا إلى كيفيّة انتخاب أوباما في سياق قرار الدوائر الأميركيّة لتوضيح صورة أميركا في الخارج.
ورأى السيد عبد الله نظام أنّ ولاية الفقيه هي مسألة إجرائيّة. وهي أشبه بآليّة لإدارة المجتمع باعتبارها حيثيّةً ناظمةً وضابطةً..
وتحدّث الشيخ هادي صادقي، فسأل ما هي أوجه المقارنة بين ولاية الفقيه وعصمة البابا في روما؟
وأضاف: إذا كان المقصود بالحرّيّة المطلقة فإنّها غير موجودة حتّى في أكثر الأنظمة تطرّفًا. وبالتالي فإنّ للحرّيّة في كلّ الأنظمة الليبراليّة  إطارًا محدّدًا، وللأمر عينه يُقال عن الشورى: إنّ لها إطارًا تتمّ تحته مناقشة المسائل.
وأعطى مثالًا على أنّ مجموعةً من القوانين في المجتمعات، في الغرب، لا نرى أنّها تُعرض للتشاور مع الناس، بل تقرّ بمعزل عنهم، والحرّيّة المقيّدة بحدود هي أمر موجود في الديمقراطيّة الدينيّة الشعبيّة في إيران، مشيرًا إلى أنّ الفارق بيننا وبين الغربيّين هو الإسلام والشريعة الإسلاميّة، وقد وافق الناس على ذلك من خلال الاستفتاء والدستور.


وذكر أنّ مقدار الحرّيّة الممنوحة للشعب الإيرانيّ هي أكبر من تلك الممنوحة في البلاد الديمقراطيّة، وأن لديه مجموعةً من الأدلّة، وذكر منها سؤالًا: هل يمكن لنظريّة فكريّة أن تصمد وتنتشر من دون أن تكون مدعومةً من الرأسماليّين الكبار؟ إنّ أجهزة الإعلام العالمة في الغرب مملوكة من هذه الأجهزة، ولا تسمح  إلّا بتمرير الأفكار المسموح بها من قبل أصحاب هذه الوسائل.
وتحدّث عن تجربة شخصيّة عاشها، تتعلق بكتاب حول الإمام الخميني، والتهديد الذي تلقّته إحدى دور النشر في الغرب، إذا عملت على طبع الكتاب، وأكّد أنه في إيران  يمنح الشعب الإيرانيّ الحقّ بالحرّيّة، وحماية هذا الحقّ.
ثم ردّ الدكتور مشير عون على هذه التعليقات ووصفها بالرصينة حول مسألة ولاية الفقيه.
وعن المقارنة بين العصمة عند المسيحيّين وولاية الفقيه، قال هناك شيء من الغموض في هذا الفهم. وذكر أنّ العصمة المسيحيّة تقتصر على المسائل الروحيّة وترتبط بالتصوّر الأنثروبولوجيّ المسيحيّ الدينيّ، وحركة الحب الثالوثيّ المسيحيّ.
أما مقارنتي فهي قائمة على افتراض قد أكون مخطئًا فيه، ويقول إن معصوميّة ولاية الفقيه مستمدّة من معصوميّة الأئمة الشيعة، لكنّ توضيحكم أنّ ولاية الفقيه -أمر إجرائيّ عملانيّ- لا تحمل معصوميّةً، وأنّ فيها تشاور حرّ قائم، وبالإمكان العزل والتعيين، يُسقط الكثير من الاعتراضات.


واستدرك قائلًا: هناك اعتراض، وهو أنّ المنظومة العلمانيّة التي تعتمدها الأنظمة الغربيّة تُؤثر أن تكون القيمة الروحيّة في الأفكار وليس في الأشخاص. كما أشار إلى اعتراض آخر يقول بأنّ تصوّر الإنسان بشكل عامّ في الأنظومة العلمانيّة لا تحكمه أيّ اعتبارات دينيّة، ولكنه ليس إنسانًا مخلوعًا من إنسانيّته، بل هو إنسان عامل قادر على أن يحكم نفسه بنفسه.
وشدّد على أنّ لكلّ إنسان أن يكون له أفقًا روحيًّا يأنس إليه.
ورأى أنّ الاختلاف، عندما يحيا الناس بين من سيمثّلهم، الشرع الإسلاميّ، أو المسيحيّ، أو غيره.
فتنشأ الاختلافات في التنوّع شرط احترامها.
وأبدى قناعته حول أنّ المسلك السياسيّ الإيرانيّ، والمسلك السياسيّ الغربيّ، يتفقان ويختلفان وفقًا لمصالحهما.
فالمجتمعات الغربيّة يقال فيها الكثير من جشعها واستبدادها، أما المبدأ العلماني في المجتمع الغربيّ ومناقشة أهل الفكر فيه، فهذا من الأمور الواجبة، عندما نناقش مسألة ولاية الفقيه، أي أن تتم مناقشتها بين أهل الفكر في إيران وأولئك في الغرب.
ولفت إلى قناعته بالحكمة والعقل السياسيّ الذي يفوق كما نرى ما يصدر ويُمارس في الغرب.
ثم تحدّث الشيخ جرادي فقال: إنّ ما يرتبط بحقوق الإنسان، في الإنسان، تجتمع فيه خبرات الفقهاء وأهل العلم والمعرفة.
ونفى أن تكون نظرتنا للعلمانّي بأنّه غير صاحب أخلاق، معلنًا بالقول: لا مشكلة مع العلمانيّة إذا أقرّت أنّ الإنسان مفطورٌ على العلاقة مع الله، وأنّه بحاجة إليه في إدارة شؤونه، فمشكلتنا مع الفكرة وليست مع المصطلح
ثم دعا الإخوة الإيرانيّين إلى حوار مفتوح على أرضيّة الوعي، وصورة الانتظام الإسلاميّ في إيران، وأن تقوم بعض الجهات الفكريّة والثقافيّة بفتح قنوات تواصلٍ وحوارٍ فكريٍّ، وسياسيٍّ رصين.