ألقى سماحة العلامة السيّد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عددٍ من الشخصيّات العلمائيّة
ألقى سماحة العلامة السيّد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عددٍ من الشخصيّات العلمائيّة والسياسيّة والاجتماعيّة، وحشدٍ من المؤمنين، ومما جاء في خطبته السياسية:لا يزال العدو الصّهيونيّ يواصل عدوانه على أرض فلسطين، فيعمل على تهويد البقيّة الباقية من القدس، ويواصل عمليّات التّنكيل بالشّعب الفلسطينيّ، عبر عمليّات الاعتقال المتواصلة تحت عنوان الاعتقال الإداريّ الّذي يستمرّ لستّة أشهر قابلة للتجديد من دون محاكمة، كما حصل مع الأسير خضر عدنان، وكما يحصل في هذه الأيّام مع الأسيرة هناء الشّلبي.. في الوقت الّذي بات الأقصى في دائرة استهداف المستوطنين الصّهاينة الّذين يستبيحونه يوماً بعد يوم، وتحت وطأة عمليّات الحفر والاستهداف المباشر من الآلة العسكريّة والأمنيّة الصّهيونيّة...
إنّ كلّ هذا الواقع يستدعي عملاً ووقفةً مسؤولةً من الدّول العربيّة والإسلاميّة مع شعوبها، في مواجهة هذه الغطرسة الإسرائيليّة الّتي لا تواجه البشر والحجر فحسب، بل المقدّسات أيضاً، غير آبهة بوجود جامعة عربيّة، ولا منظّمة التّعاون الإسلاميّ، ولا الأمم المتّحدة، ولا منظّمات حقوق الإنسان.. فهذه المنظّمات لا وجود لها في نظر العدوّ الصهيوني...
وفي هذا المجال، فإنّنا نقدّر كلّ اجتماع يتم تحت عنوان القدس، كما حصل أخيراً.. ونرى فيه بادرة إيجابيّة بحثِّه على إيقاظ الوجدان العربيّ لحماية القدس الّتي باتت نجدتها رمزاً وعنواناً لقوّة المسلمين، كما بات التخلّي عنها يمثّل ضعفاً وتخاذلاً وتقصيراً عن واجبٍ يتّصل بالأمّة كلّها...
إلا أنّنا كنّا نتمنّى أن يكون الموقف بحجم المواقف الّتي اتخذت لمواجهة قضيّة ظلم الشّعوب في هذا البلد العربيّ أو ذاك، حيث لم يصل الموقف إلى مستوى الدّعوة إلى جلسة للأمم المتّحدة لتدارس الأخطار الّتي تتعرّض لها القدس، ودعوة العالم إلى مؤتمر أصدقاء القدس، فضلاً عن ملامسة الدّعوة تسليح الشّعب الفلسطينيّ في مواجهة العدوّ الذي يتهدّده كل يوم...
وكم كنّا نأمل لو كان هذا اللّقاء هو السّبيل للإعلان عن توحيد كلّ الجهود العربيّة، وحلّ كلّ الخلافات والنزاعات والتوتّرات لحساب هذه القضيّة الأساس، الّتي لا نعتقد أنّ أيّة قضيّة ينبغي أن تفوقها في الاهتمام أو المتابعة، فهي أمّ القضايا ورمز عنفوانها...
إنّنا نعيد التّأكيد على أنّ جديّة العرب وصدقيّتهم تبرز في القدس وفي فلسطين، فإذا كانوا جدّيّين في التّغيير، فليعطوا المسألة الفلسطينيّة أهميّتها، وليبدأوا بالدّعم الحقيقيّ للمقدسيّين الّذين يعمل الاحتلال على إخراجهم من بيوتهم وطردهم من القدس زرافاتٍ ووحداناً، وليبدأ الدّعم الحقيقيّ للمجاهدين في فلسطين، ليشعر الشّعب الفلسطينيّ بأنّه لم يعد وحيداً في السّاحة، وأنّ الرّبيع العربيّ بدأ يقترب منه، وعندها تكون مسيرة التّغيير قد حققت الهدف الكبير...
وننتقل إلى سوريا؛ هذا البلد الّذي لا يزال يعاني من استمرار نزيف الدّم ودوّامة العنف الّتي ما أن تنتهي من منطقة حتى تبدأ من منطقة أخرى، ما ينذر بعواقب وخيمة على هذا البلد العزيز.. وما يزيد الأمور تفاقماً، الدّعوات الّتي تنطلق من هنا وهناك للتسلّح، بينما يتوارى وراء ذلك الحديث عن الحلّ السياسيّ وتهيئة الظروف والشّروط لإيجاد هذا الحلّ...
إنّنا نخشى من أن تكون المواقف الدّاعية إلى تكرار المشهد اللّيبيّ في سوريا، والرّافضة لأيّة صيغة من صيغ الحوار السياسيّ، مدعاة لإدخال سوريا في مرحلة دمويّة جديدة، ليكون الشعب السوري وقوداً لحرائق جديدة شاملة، ولتصل شراراتها إلى المحيط العربيّ بألوانه السياسيّة والطائفيّة والمذهبيّة والقوميّة المتعدّدة...
إنّنا نراهن على حكمة أولئك الّذين يختزنون في مواقفهم ووجدانهم آلام الشّعوب العربيّة والإسلاميّة، وخصوصاً الشّعب السوري، لكي تبدأ مسيرة التّغيير بالحوار في سوريا بدلاً من الإصرار على التّغيير بأدوات العنف الّتي نرى أنّها تزيد الأمور تعقيداً، ولا تفتح المستقبل على آفاق الحلول اللازمة والمطلوبة، لا سيما في ظل التجاذبات الدولية والإقليمية على هذا البلد...
إنّنا نعيد التأكيد على كلّ الدّول الّتي تتحدّث عن التسلح حرصاً على إزالة المعاناة عن الشعب السوري، أن هذا ليس هو السبيل لتحقيق ذلك، بل أن تبذلوا كلّ جهودكم لفتح سبل الحوار وإزالة كلّ أسباب العنف، فهذا هو السّبيل لإنهاء معاناة الشّعب السوريّ...
إنّنا في الوقت الّذي نرى إيجابيّةً في الاستفتاء الّذي حصل أخيراً، ونراه خطوةً ضرورية في الطريق إلى الإصلاح والسير بسوريا نحو مرحلة جديدة، إلا أنّنا نؤكّد ضرورة أن تتبع ذلك خطوات فاعلة وعمليّة تؤسّس لإعادة مناخ الثّقة بين المواطن وحكومته، وتنهي كلّ ما أدّى إلى تعكير صفو هذه العلاقة طوال التّاريخ الماضي وأوصل الأمور إلى ما وصلت إليه...
ونطل على الجمهورية الإسلامية في إيران، والتي تدخل اليوم في مرحلة جديدة تجدد فيها الثورة دماءها وحركيّتها من خلال انتخاب الشعب الإيراني للبرلمان التاسع، في الوقت الذي تتعرض إيران لأوسع حملة تهويل صهيونية أمريكية للإيحاء بضربها والضغط سياسياً وإعلامياً ونفسياً على الشعب الإيراني وقيادته بعد سلسلة من العقوبات الفاشلة، التي انطلقت بها أمريكا والاتحاد الأوروبي...
ونحن في الوقت الذي نحيّي الثورة الإسلامية الإيرانية على تجاربها الرائدة في مجال الانتخابات والحرية السياسية والإعلامية، والتي مثّلت ولا تزال، صفعةً لكل مدّعي الديمقراطية في المنطقة والعالم.. نؤكد على الشعب الإيراني البقاء على قوته ووحدته إلى جانب قيادته الحكيمة لإسقاط كل المؤامرات التي قد تستهدف إيران، لأن بقاء الجمهورية الإسلامية على قوتها وتماسكها إلى جانب تقدمها العلمي، والتكنولوجي يمثل قوة أساسية، كما يمثل عنصر دعم مستمر لقضايا العرب والمسلمين وعلى رأسها قضية فلسطين، ولن يكون مشكلة أبداً لمحيطه العربي، بل قوة داعمة له...
أمّا لبنان، الّذي يقف على مفترق طرق، وعلى منعطفات "الرّبيع العربيّ"، والّذي يرتفع فيه الصّخب تارة، وشعارات النّأي بالنّفس طوراً، فإنّنا نتمنّى أن يكون قد استعاد شيئاً من الأمل بإعلان الحكومة عن العودة إلى العمل وعقد جلسات جديدة لمجلس الوزراء، لمعالجة المشاكل الاجتماعية والاقتصادية والخدماتية، فضلاً عن ملء شواغر الإدارات العامة، بعدما اتّضح أنّ ما تمّ إنتاجه خلال الشّهور السّابقة لمن يكن بالمستوى المطلوب، هذا إلى جانب ما اكتنفه من المناكفة والمواجهة داخل مجلس الوزراء، أو في النّدوة البرلمانيّة، وفي غيرها من المؤسَّسات الّتي لطالما تطلّع اللّبنانيّون إليها كملاذٍ لحماية البلد من تمزّقاته وآلامه ومشاكله...
إنّ الجميع ينتظرون تعاوناً سياسيّاً جديداً بين المعارضة والموالاة تحت عنوان "قوننة الإنفاق الاستثنائيّ"، فيما الشّعب اللّبنانيّ يريد من هذا التّعاون أن يكون أوّلاً مصالحة مع الذات بعد فتح أبواب الحوار في كلّ الاتجاهات، لحماية لبنان ومؤسّساته على مستوى الحاضر والمستقبل، وأن تكون القاعدة هي حماية المال العام وعدم التفريط فيه...
وفي هذا الوقت، لا بدّ من أن نعيد التّأكيد على إبعاد الساحة اللّبنانيّة عن كلّ عناصر التوتّر نتيجة تداعيات ما يحصل في المحيط العربي، وندعو إلى وعي المخاطر التي تترتب لتجمّع هنا قد يقابله تجمّع هناك، ما يساهم في زيادة مناخ التوتر وانعكاس تداعياته على الواقع اللبناني، ولا سيما عندما تأخذ هذه التجمعات بعداً مذهبياً وطائفياً، ولا تبقى في بعدها السياسي، فلا يكفي أن يعلن المنظمون سلمية هذا التحرك، بل لا بد لهم أن يدرسوا الأرض جيداً.. ويدركوا ماذا يؤدي الخطاب المتوتر عندما ينزل إلى الشارع؟
أيّها المسؤولون.. إنّ المسؤوليّة على عاتقكم كبيرة في إيجاد كلّ السّبل لإزالة التوتّر من النفوس، وتعزيز سبل التواصل بين كلّ فئات الشّعب اللّبنانيّ، بدلاً من شحن النّفوس بكلّ ما يؤدّي إلى التوتّر المذهبيّ والطائفيّ والسياسيّ لحسابات خاصّة أو لأهدافٍ أخرى...
إنّ عليكم أن تعوا أنّ محافظتكم على مواقعكم لا تتمّ من خلال شحن النفوس بالأحقاد والعداوات في الداخل، بل من خلال تعزيز مناخات الألفة والمحبّة ومدّ جسور التواصل، فهذا ما يريده كل مواطن وهو الذي يسعى إليه...
إنّ حرارة الوحدة الّتي عشناها في متابعة الفريق الكرويّ اللّبنانيّ، نريدها أن لا تبرد بانتهاء المناسبة، فيرجع كلٌّ إلى مواقعه السابقة، بل أن تبقى هذه الحرارة متأجّجة في مواجهة كلّ التحدّيات الّتي تواجه هذا البلد من داخله وخارجه. ونحن نتساءل: أفلا تستحقّ كلّ هذه التحدّيات، ولا سيّما تحدّي العدوّ الصّهيونيّ المتربّص على حدودنا، والذي يعبث بأمننا الداخلي من خلال عملائه أن نتوحّد؟!...