فشل مؤتمر تونس فشلاً ذريعاً لم يتصوره حتى أشد المتشائمين من الحراك الدبلوماسي الذي تمارسه دول صغيرة في وقت فرضت روسيا والصين أمراً جديداً على المعادلة بفيتو مزدوج لمرتين
فشل مؤتمر تونس فشلاً ذريعاً لم يتصوره حتى أشد المتشائمين من الحراك الدبلوماسي الذي تمارسه دول صغيرة في وقت فرضت روسيا والصين أمراً جديداً على المعادلة بفيتو مزدوج لمرتين خلال شهرين فقط. أريد لمؤتمر تونس أن يكون طريقاً ملتوياً تمرّ عبره مساعي الدول الخليجية وتركيا وفرنسا لشنّ حملة عسكرية على سورية، بعد وقوف روسيا في وجه قرارات مجلس الأمن وبعد فشل مجلس الجامعة العربية في تحقيق هذا الهدف بسبب الخلافات طوراً وبسبب ذهاب من يدير قرار الجامعة إلى نيويورك وعودته خائباً ومهاناً من هناك.
ما حصل من فشل في تونس له أسباب عديدة: دولية ، عربية ، تونسية، إضافة إلى أخطاء ارتكبها المجلس الوطني السوري. ما الذي حصل: عدم حماسة أمريكية بريطانية. لا حرب ضد سورية دون أمريكا، فدول الخليج العربية الضعيفة عسكرياً تريد أن تحارب سوريا بأمريكا كما فعلت في العراق وكما تسعى لفعله مع إيران. حتى تركيا التي تملك جيشاً قوياً وهي محاذية لسورية، لا تستطيع دخول حرب من هذا النوع دون غطاء ودعم أمريكيين، قرار الحرب هنا هو قرار أمريكي بامتياز، والخيبة الكبرى للرباعي السعودي القطري الفرنسي التركي كانت أن الوفدين الأميركي والبريطاني لم يحملا للمؤتمر أي ورقة تحمل إشارة إلى تدخل عسكري في سوريا. وكانت المفاجأة التي أثارت غضب وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل هي في الموقف البريطاني من هذا الأمر، ولم تكفي هذه الخيبة حتى أتى خطاب الرئيس التونسي المنصف المرزوقي ليخرج سعود الفيصل عن طوره ليغادر بعدها قاعة المؤتمر.
هذا الموقف الأمريكي يرجعه الفرنسيون إلى الفيتو الروسي: الولايات المتحدة لا تريد الدخول في مواجهة مع روسيا وهي فهمت أكثر من غيرها رسالة مجلس الأمن، وهذا ما يسمى لغة التواصل بين الكبار بحسب الصحافي الفرنسي جان بول كروز، إضافة إلى ذلك هناك اتجاهين في الإدارة الأمريكية هما فيلتمان والبيت الأبيض. في المعلومات الواردة من الوفد الأميركي في مؤتمر تونس، سمع التوانسة كلاماً عن اتجاهين في أمريكا: اتجاه يقوده فيلتمان ويقول إن في ليبيا كانت القاعدة أكثر عدداً وعدة من سوريا وفي النهاية يمكن القضاء عليهم، ويمكن لنا أيضاً في سوريا أن نستخدمهم في إسقاط الأسد وقطع خط المحور الإيراني السوري حزب الله بينما هناك موقف محيط بأوباما يقول إن الخطر الأكبر سوف يتكون بسقوط الأسد عبر محور سلفي من طرابلس إلى الدمام ينتفي أي خطر شيعي أمامه.
الموقف التونسي
لم يكن الموقف التونسي الرسمي متناغماً مع الهجمة الرباعية، رغم مواقف حركة النهضة التونسية المحابية لقطر تحديداً في كل ما يتعلق من سوريا، غير أن للحكم مصالحه وأساليب أخرى، خصوصاً أن مسؤولي النهضة يدارون تحرك الشارع ضدهم على خلفية هذا المؤتمر ووصلت المظاهرات المناهضة للمؤتمر إلى حديقة الفندق الذي ضمّ المؤتمرين لأنها كرة الثلج التي تخشاها النهضة، يقول أحد المنظمين للتظاهرات ولمؤتمر القوميين العرب في تونس الذي عقد اجتماعاً شعبياً كبيراً على مقربة من المؤتمر.هذا التخوف النهضوي انطبق حالة انفصام بين تصريحات مسؤولي النهضة العالية النبرة والدور الذي قام به وزير الخارجية التونسي رفيق عبد السلام العضو البارز في النهضة وصهر راشد الغنوشي ، في الفشل الذريع لمسعى رباعي الدول الداعية لحرب على سوريا. ولم يرق موقف عبد السلام لوزير الخارجية القطري حمد بن جاسم آل ثاني في الاجتماع الأخير لمجلس الجامعة العربية وكنا ذكرنا تفاصيل ماحصل في تلك الجلسة في تقرير سابق.
موقف وزير الخارجية التونسي أكمله الرئيس التونسي منصف المرزوقي في خطابه الذي شدد فيه على رفض التدخل العسكري في سوريا، وكان هذا الخطاب الورقة الوحيدة التي اعتمدت رسمياً في المؤتمر بينما لم يخرج بيان رسمي عن المؤتمر واكتفي بتقرير كتب في أعلاه ملاحظات رئيس مؤتمر أصدقاء سوريا، فيما تكفل وزير الخارجية التونسي بإفشال مسعى سعودي قطري لعقد مؤتمر جانبي على هامش المؤتمر الأساس.
خديعة المجلس الوطني السوري التي لم يتقبلها التونسيون...
صبيحة 25 شباط الماضي استقبل الرئيس التونسي المنصف المرزوقي وفداً من المجلس الوطني السوري بقيادة برهان غليون. وفي تفاصيل حصلنا عليها من الاجتماع في قصر قرطاج، أن أول المتكلمين كان شخص اسمه غسان عبود الذي خاطب الرئيس التونسي (سيدي الرئيس نحن نعتبر أن هيئة التنسيق هي العقبة الكبيرة في وجه التدخل العسكري في سوريا وهيثم مناع هو سبب انقسام المعارضة). وتضيف مصادرنا أن شخصين كانا ضمن الوفد قدما نفسهما ضابطين في الجيش السوري الحر، طلبوا من الرئيس التونسي دعماً عسكرياً تونسياً لهم، ما أثار امتعاض المرزوقي واستغرابه لوجودهما فردّ قائلا (نحن ضد التدخل العسكري الخارجي في سوريا ونحن ضد تسليح المعارضة التي يجب أن تناضل بالوسائل السلمية، ورفض تلبية طلبهما قائلاً إن تونس لن تسلح أحداً). ولم يكن بالإمكان التعرّف على وقائع هذه الجلسة صباح 25 شباط لولا الانشقاقات والثرثرة التي تبعتها والتي وصلت تفاصيلها إلى الصحفيين.
أما قصة غسان عبود، فتحولت إلى مأزق سياسي للمجلس بعد أن اشتم المقربون من المرزوقي رائحة فخ أريد إيقاع الرئيس التونسي فيه عبر إدخال المسمى بتاجر اللحم الأبيض إلى قصر قرطاج ضمن وفد المجلس الوطني السوري. وتقول مصادر تونسية صحفية إن المخابرات الروسية كشفت حقيقة غسان عبود للأنتربول منذ سنوات ثم تمّ طوي ملفه بطلب من دول عربية. ويبدو أن بعض أعضاء الوفد شعروا بالخطأ الذي حدث أثناء الإجتماع وينقل عن أحدهم قوله عند الخروج من قصر قرطاج أعتقد أننا أخطانا على الأقل بإحضار الضابطين وطلب التسلح.
ولم يتوقف الغضب التونسي عند قضية عبود لكنه تعداه إلى الكيفية التي دخل بها أعضاء الجيش السوري الحر إلى تونس عبر جوازات سفر تركية مزورة بينما دخل نبيل عبود عبر جواز سفر أوروبي صحيح. لماذا ترك وزير الخارجية الفرنسي مقعده وتراجع للخلف؟ وضع وزير الخارجية الفرنسية (آلان جوبيه) السماعة على أذنيه ليفاجأ أن اللغة الفرنسية ليست لغة رسمية في المؤتمر وأن عليه سماع الترجمة باللغة الإنكليزية، تجهم وجهه حسب بعض الذين كانوا حاضرين في قاعة المؤتمر. غير أن الوزير بدأ يضرب على الطاولة بيده بشكل خفيف عندما قال الرئيس التونسي في خطابه إن المؤتمر ضد التدخل العسكري في سوريا، وكانت فقرات الخطاب كافية للوزير الفرنسي اعتبار نفسه موجوداً في مؤتمر ليس له، فترك مكانه في الصف الأمامي وتراجع للخلف. أما غياب اللغة الفرنسية عن المؤتمر، فيعود أيضاً الى وزير الخارجية التونسي رفيق عبد السلام حسب مقربين من حركة النهضة فالرجل يريد الإنتهاء من اللوبي الفرنسي المتواجد بكثافة في السلطة التونسية. وينفي النهضويون أن يكون هذا محاباة للغة الإنكليزية ولكنه سياسة داخلية يتبعها وزير الخارجية تتعلق فقط بالنفوذ الفرنسي الكبير في مرافق السلطة التونسية.