24-11-2024 04:02 PM بتوقيت القدس المحتلة

نص كلمة السيد نصرالله بمناسبة ملتقى إعلان القدس عاصمة فلسطين والعرب والمسلمين

نص كلمة السيد نصرالله بمناسبة ملتقى إعلان القدس عاصمة فلسطين والعرب والمسلمين

كلمة الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصرالله بمناسبة "ملتقى إعلان القدس عاصمة فلسطين والعرب والمسلمين" يوم الأحد 04-03-2012

كلمة الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصرالله بمناسبة "ملتقى إعلان القدس عاصمة فلسطين والعرب والمسلمين" يوم الأحد 04-03-2012


أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا خاتم النبيين أبي القاسم محمد وعلى آله الطيبين وصحبه المنتجبين وعلى جميع الأنبياء والمرسلين. السلام عليكم جميعاً ورحمة الله وبركاته.

يشرّفني أن ألقي كلمة الإفتتاح لهذا الملتقى الكريم، والذي يهدف إلى الإعلان عن القدس عاصمة لفلسطين والعرب والمسلمين، من موقع الإرادة الشعبية. وطبيعة البرنامج أنه هناك مجموعة كلمات في هذا الملتقى، تفرض عليَّ أن أتحدث باختصار شديد، ولذلك أنا كتبت وسألتزم بالنص حتى لا نأخذ وقتاً أطول.

سأتكلم عن القدس،عن الواقع الحالي والتحديات، عن المسؤولية والخيارات، عن الافق والمستقبل.


أولاً: في الواقع الحالي: مسألة القدس من جوانبها المتعددة هي مسألة فريدة في هذا العالم حالياً، يعني لا مثيل لها ولا نظير، فهي مدينة مقدّسة من أرض مقدّسة، ومدينة مباركة ومبارك ما حولها، وهذا ما تُجمع عليه الديانات السماوية. ولذلك هي حاضرة في عقيدتي وثقافتي ووجدان مليارات البشر من المسلمين والمسيحيين في العالم، والذين يسكنون القارات الخمس، تتطلع إليها عيونهم وتهوي إليها أفئدتهم. لا يوجد مدينة مشابهة للقدس في العالم، وهي فعلياً إضافة إلى قداستها، تضم العديد من مقدّسات المسلمين والمسيحيين من المسجد الأقصى إلى كنيسة القيامة وغيرهما.

ومن جهة أخرى، هي مدينة خاضعة للإحتلال من قبل من لا يمتّ بصلة إلى كل هذه المليارات من البشر، ولا يمثّلهم بأي شكل أو عنوان أو ميزان، وهي أيضاً ما زالت تحت الاحتلال تنوء تحت الإحتلال منذ عشرات السنين، وقد تم الإعلان عنها عاصمة أبدية لكيان إرهابي عنصري إستيطاني مصطنع معادٍ لهذه الأمة، ولكل هذا المحيط هو "إسرائيل"، وهناك جهود حثيثة لإعلانها عاصمة أبدية لما يسمى بالشعب اليهودي في العالم. هذه الجهود ما زالت قائمة، وهناك مشروع أو اقتراح قانون يُدرس في كنيست العدو.

وهي كانت طوال التاريخ (القدس) محوراً أساسياً للصراع في المنطقة، وعليها كانت كذلك أيضاً في القرن الماضي وما زالت وستبقى كذلك في المستقبل، ومن أجل السيطرة عليها قسمت هذه المنطقة بـ "سايكس بيكو"، ومن أجل إحكام السيطرة عليها خطّط دائماً لمشاريع جديدة كان آخرها مشروع الشرق الاوسط الجديد الذي أسقطته حركات المقاومة ودول الممانعة، وسنبقى نواجه المشروع تلو المشروع الذي يهدف الى تصفية القضية الفلسطينية وفي قلبها القدس، وعلى محوريتها سيرسم مستقبل هذه المنطقة أي بكلمة واحدة: "قولوا لي (أين القدس) أقل لكم أين ستكون المنطقة".

وهي اليوم (القدس) تتعرض لحملة تهويد منظمة، وأيضاً تتعرض فيها مقدسات المسلمين والمسيحيين إلى الإهانة والتدنيس من جهة، وإلى خطر التخريب والتدمير والمسح من جهة أخرى، كما يتعرض سكانها الأصليون والتاريخيون إلى عملية تهجير وإقصاء وإبعاد لتصبح المدينة خالية من سكانها المسلمين والمسيحيين ومن مقدساتهم أيضاً، ولتصبغ بلون واحد معروف.

إذاً، في مسألة القدس، نحن حقيقة أمام واقع فريد لا مثيل له في العالم، وأمام تحدٍّ حقيقي يرتبط بهوية ومستقبل ومصير هذه المدينة المقدسة.


ثانياً: في المسؤولية والخيارات: أنا اعتقد أن كل فلسطيني وعربي ومسلم ومسيحي، أن كل واحد من هؤلاء يتحمل مسؤولية وطنية قومية وأخلاقية وإيمانية ودينية تجاه هذه المدينة المقدسة وتجاه مستقبلها وهويتها ومصيرها.


ثالثاً: إنني أود أن أشدّد بشكل خاص على المسؤولية الإيمانية والدينية، أو بحسب المصطلح "(المسؤولية) الشرعية". نحن أيها الإخوة نؤمن بيوم القيامة ويوم الحساب، ونؤمن بنوعين من يوم الحساب في ذلك العالم الآخر: حساب الأفراد وحساب الأمم والجماعات، وإننا جميعاً سنسأل ونحاسب كأفراد وأمة وجماعات، ماذا فعلنا للقدس ولفلسطين وفي مواجهة هذا التحدي؟

إن الأجيال التي عاصرت قيام دولة الكيان الصهيوني وخصوصاً إحتلال القدس تتحمل المسؤولية، كل هذه الأجيال في أمتنا، تتحمل المسؤولية بنسب متفاوتة وستسأل يوم القيامة عن ضياع القدس، (بالدنيا يمكن لا أحد يسأل أحد ولا أحد يحاسب أحد). ولكن كما أن مضي الزمان لا يجعل الحق باطلاً ولا الباطل حقاً، فإن مضي الزمان لا يسقط المسؤوليات في الدنيا ولا يغيّر الحساب يوم القيامة، الناس ينسون ويهملون ويتجاهلون، أما بين يدي الله سبحانه وتعالى ميزان الحق.

نحن أغلبنا من الجيل الذي بلغ سن التكليف بعد (1967)، يعني بعد احتلال القدس وضياعها، وبالتالي لسنا شركاء في تحمّل مسؤولية ضياعها وإحتلالها، ولكننا بالتأكيد نتحمل جميعاً مسؤولية بقائها تحت الإحتلال الى اليوم، وسنُسأل، وعلى كل فرد منا وكل جماعة منا وكل تنظيم وحركة وحزب وتيار وجمعية ومؤسسة وعشيرة وقبيلة وشعب وقطر أن يُعدّ جواباً يوم القيامة عما قدَّم وفعل وما أنجز على طريق تحريرها واستعادتها.... 

أيها الأخوة والأخوات، إن الواجب والمسؤولية يفرضان على هذه الأمة هدفاً مركزياً كبيراً يجب السعي لتحقيقه، وهو تحرير القدس من دنس الاحتلال، والعمل الجاد في هذا السبيل. وإلى أن يتحقق هذا الهدف، هناك تحديات أخرى يجب مواجهتها يومياً وبكل الوسائل المتاحة، أعني الدفاع عن المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس، والحفاظ على أهلها من التشريد والتهجير ومواجهة تهويد القدس، وهذا يمكن إنجازه من خلال برامج موضوعة ومدروسة. يعني لسنا بحاجة إلى وضع برامج وندرس برامج، عقدت الكثير من المؤتمرات، أسست مؤسسة القدس الدولية، وشكلت مؤتمرات عديدة في طهران وغير طهران، وأعتقد على مستوى البرامج لا يوجد أي نقص. ما نحتاجه في هذه المواجهة، في مواجهة التهويل والدفاع عن المقدسات والحفاظ على هوية القدس وسكانها، نحتاج إلى العمل والجدية وإعطائها الأولوية اللازمة.

أما في الخيارات، من الواضح أن خيار التفاوض لاستعادة القدس ليس واقعياً، لأنه وبمعزل عن الموقف من مبدأ المفاوضات، وبمعزل عن الموقف من عملية التسوية ككل، ولو سلمنا جدلاً أن التفاوض مع العدو يمكن أن يجد حلاً لقسم من الأرض الفلسطينية المحتلة، أو لجزء من اللاجئين الفلسطينيين أو غيرها من القضايا المطروحة، إلا أنه من المحسوم  والمقطوع به أن القدس لا مكان لها في هذا السياق، بسبب الاجماع الإسرائيلي على التمسك بها عاصمة موحدة لدولة إسرائيل، يعني ليس هناك مجال للتفاوض، فهو غير قابل أن يفاوض عليها، لا على القدس الشرقية ولا على المسجد الأقصى، ولا فوق الأرض ولا تحت الأرض، هذا كله خارج النقاش وخارج التفاوض.

يضاف إلى ذلك، التبني الغربي والأميركي المطلق لإسرائيل وأمنها وتفوقها العسكري والذي اعتبره الرئيس أوباما  قبل أيام التزاماً مقدساً، يعني ارتقى بهذا الالتزام من مستوى الالتزام الاستراتيجي أو السياسي أو الانساني،  بحسب اعتبارهم، إلى مستوى القداسة، اي غير قابل للنقاش. وبين هلالين لم نسمع أحداً من حلفاء وأصدقاء أمريكا والإدارة الأميركية والمراهنين عليها في العالم العربي والإسلامي علقوا بكلمة واحدة على هذا الالتزام المقدس. هذه الحقيقة التي لا نقاش فيها لا تبقي أمام الشعب الفلسطيني ومعه الأمة بأجمعها، سوى خيار المقاومة والجهاد المسلح.

أما في الأفق والمستقبل، نحن نعتقد أن التحولات الكبرى في المنطقة، والتي كان لحركات المقاومة في إنجازها وفي صنعها نصيب وافر، وأن التحولات الكبرى الجارية في العالم على أكثر من صعيد، تجعلنا نشعر أننا أقرب إلى تحقيق هدف تحرير القدس من أي زمن مضى.


وعلى سبيل المثال:
ـ صمود الشعب الفلسطيني خلال كل العقود السابقة بالرغم مما تعرض له هذا الشعب من حروب ومخاطر وعمليات إبادة وتشريد ... ورفضه للاستسلام وللتسويات وللشروط الإسرائيلية.

ـ العجز الدولي وحتى العربي الرسمي عن تصفية القضية الفلسطينية وبالتالي بقاء هذه القضية حية حاضرة قوية في الوجدان والمعادلات والميادين، وفي هذا السياق كان إعلان الإمام الخميني قدس سره الشريف عن آخر يوم جمعة من شهر رمضان يوماً عالمياً للقدس  واحداً من أشكال إبقاء هذه القضية حية.

ـ سقوط نظام الشاه وقيام الجمهورية الإسلامية في إيران، المساندة بالمطلق لهذا الحق الفلسطيني والعربي والإسلامي، وعلينا هنا أن نقف حقيقة باجلال أمام هذه الجمهورية وأمام شعبها وأمام قادتها الذين يعلنون وبوضوح  وبدون أي لبس، أن إسرائيل هذه غير شرعية وأنها غدة سرطانية وأنها يجب أن تزول من خارطة الوجود، مع أن إيران دولة ولها مصالح ولها علاقات وجزء من المجتمع الدولي وتتعرض لضغوطات، ولكن حتى في الموقف وفي الرؤية هي لا تلجأ إلى التكتيك، تعبّر عن استراتيجية وعن العمق بشكل سليم وواضح.

ـ انتصارات وانجازات المقاومة في لبنان وفلسطين وأخيراً في العراق.

ـ التحول الكبير في مصر، والذي اعتبره الصهاينة زلزالاً يهدد وجود كيانهم.

ـ التحول الكبير في العراق، والذي إذا قدر له، يعني العراق، أن يستعيد عافيته بسرعة، يستطيع أن يلعب دوراً مركزياً في هذا الصراع، كما نعلق نحن في هذا المجالا آمالاً كبيرة، على القوى العراقية وعلى المقاومة العراقية، وعلى الشعب العراقي.

ـ ضعف وتراجع الولايات المتحدة والدول الغربية عموماً وعلى أكثر من صعيد ومستوى.

ـ التحولات داخل كيان العدو، الثقافية والمعنوية والنفسية والعسكرية والسياسية.

ـ ثبات محور المقاومة من إيران إلى سوريا إلى حركات المقاومة في مواجهة كل التحديات.

ـ فشل التسوية وعمليات التطبيع.

ـ قبول الأمة لخيار المقاومة، واقتناعها بجدواه أكثر من أي زمن مضى، واستعدادها للمضي في هذا الطريق كما أثبتت السنوات الماضية.


هذه كلها عوامل استراتيجية، عوامل كبيرة جداً تضعنا على هذا الطريق ونحو هذا الهدف، وتجعل الحديث عن هدف تحرير القدس حديثاً واقعياً يستند إلى الأدلة والمعطيات الاستراتيجية والإقليمية والدولية والمحلية.


أيها الأخوة والأخوات، مكتوب لهذه الأمة أن يجري عليها ما جرى على الأمم السابقة، نفس القوانين والسنن الإلهية والتاريخية التي حكمت الأقوام السابقين تحكمنا. عندما رفض بنو إسرائيل الاستجابة لنداء نبي الله موسى عليه السلام ودعوته لهم بالدخول إلى الأرض المقدسة وقالوا له إذهب أنت وربك فقاتلا إنّا هاهنا قاعدون، ضربت عليهم الذلة والمسكنة، وحكم عليهم بالتيه أربعين سنة في صحراء خالية، وعندما لم تستجب هذه الأمة لاستغاثة القدس وشعب فلسطين في القرن الماضي، وعجزت وتخاذلت عن حماية الأرض المقدسة، وأضاعت المدينة المقدسة، ضربت على هذه الأمة الذلة والمسكنة وحكم عليها بالتيه أيضاً في صحراء الضياع والتمزق والحيرة والوهن أربعين عاماً.

أيها الأخوة والأخوات، لقد انقضت الأربعون عاماً، ووُلد من رحم المعاناة والتحديات والتحولات الكبرى أجيال جديدة تؤمن بأن الجهاد باب من أبواب الجنة فتحه الله لخاصة أوليائه، فهو درع الله الحصينة وجُنّته الوثيقة، وأن طريق المقاومة هو طريق العزة والكرامة والتحرير والنصر.

لقد خرجنا من التيه، وبدايات العلامات، كان تحرير الجنوب في عام 2000 وتحرير قطاع غزة بعد ذلك، وتأكيد العلامات على خروج الأمة من التيه كان انتصار المقاومة في حربي تموز في لبنان وحرب غزة في فلسطين.

إن كل المعطيات العقائدية والفكرية والواقعية والسياسية والمعنوية والميدانية، تؤكد وعلى ضوء السنن والقوانين أننا دخلنا زمن الانتصارات وغادرنا زمن الهزائم.

في الماضي كتب (الإمام) الحسين (ع) لمن خلفه "من لحق بنا استشهد ومن تخلّف عنا لم يبلغ الفتح"، واليوم يقول المقاومون في هذا الزمن لكل أبناء هذه الأمة، في طريق مقاومتنا في لبنان وفلسطين والمنطقة: من لحق بنا صنع النصر وانتصر ومن تخلّف عنا لم يبلغ الفتح".

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته