22-11-2024 11:34 AM بتوقيت القدس المحتلة

حملة آذاريّة مسروقة .. من "لأ" وأخواتها إلى استعراض الشيخ سعد

حملة آذاريّة مسروقة .. من

إن لم تستحِ فافعل ما شئت. إنزل إلى الساحة، شارك في العرض الفولكلوري، واسقط سلاحاً عجزت إسرائيل عن إسقاطه، بـ 18 ألف ليرة لبنانية


"كلنا لأي وطن؟" شعار رنان أطلقته المكينة الإعلامية لقوى "14 آذار ناقص واحد" كعنوان لحملتها التعبوية التي كانت تهدف إلى حشد أكبر عدد للمهرجان الذي أقامته الأحد 13 آذار، والجواب عن هذا السؤال يتحدد برأيها بـ"نزولك إلى الساحة". حملة أقل ما يقال فيها أنها إعلان مكلف لإفلاس سياسي، إرتفع فيها منسوب التحريض الطائفي والمذهبي بشكل غير مسبوق، لم نراه حتى في أبشع المراحل التاريخية التي مرّ بها لبنان وفي مقدمتها الحرب الأهلية. فالقوى التي تريد أن تسترد بحملتها الإعلانية ما خسرته في السياسة، لم تجد لها سبيلاً سوى استعادة النبرة الطائفية والمذهبية التي سمعناها قبيل الإنتخابات النيابية الأخيرة، كلّ ذلك تلبية لمطلب أميركي حمله في جعبته صديق "ثورة الأرز 2" جيفري فيلتمان، بعدما فرغت جعبة أصدقائه اللبنانيين من شعارات تهدف إلى شد عصبيات مقيتة لحشد ما تبقى من مؤيديها، فغاب شعارها الأبرز "لبنان أولاً" كما غابت شعارات أخرى ملّ الناس منها كـ"الحقيقة" و"العدالة" و"المحكمة الخاصة بلبنان" بعد فضيحة الحريري – الصدّيق في "الحقيقة ليكس على تلفزيون الجديد"، ليتصدر القائمة شعار "لأ لوصاية السلاح".

والملفت أنّ هذه الـ"لأ" لم تترك وحيدة، بل أُتبعت بأخوات لها، "لأ للفتنة" و"لأ للخيانة"! لتذكرنا بالـ"لاءات الثلاث" التي أطلقها الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر في مؤتمر القمّة العربي الرابع الخاص بجامعة الدول العربية في 29 آب/أغسطس 1967 في العاصمة السودانية الخرطوم، إلا أن الفارق الوحيد أنّ الـ"لاءات" العربية آنذاك كانت تهدف إلى التمسك بالثوابت وهي: لا صلح ولا اعتراف ولا تفاوض مع العدو الإسرائيلي قبل أن يعود الحق لأصحابه. وجاء الزمن الذي سرقت فيه "لأ" وأخواتها لتوجّه نحو سلاح المقاومة الذي حرّر الأرض وحماها من عدوّ عبد الناصر، فحقق آماله كما رفع رأس كل عربي يعتبر أنّ الكيان الصهيوني هو عدوّ له. ولا يخفى على أحد أنّ المقصود بـ"لأ" للخيانة بشكل مباشر هو الرئيس المكلّف نجيب ميقاتي والنائب وليد جنبلاط ومن يسلك مسلكهما، أما فيما يختص بـ"لأ" الفتنة فلم نجد لها محلاً من الإعراب بعد في ظل انفراد أبواق الحملة، أي إعلام المستقبل و14 آذار، بتذكية النعرات الطائفية!

وعدا عن سرقة ثوابت العرب ضد العدو الإسرائيلي لتوجيهها ضد عدوّ إسرائيل في لبنان، نجد أن حملة "لأ" الإعلانية هي نسخة مسروقة عن جريدة السفير اللبنانية، فـ"لا" هي حملة إعلامية صممها "محترف ديكوبلان"، أطلقتها جريدة السفير في احتفالها في "البيال" لمناسبة عيدها الثلاثين في العام 2002، ووجّهت الحملة كصرخة في وجه العدوان الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني المحاصر. وظهرت "لا" مجدداً عام 2006 مستنكرة العدوان الإسرائيلي على لبنان في تموز من العام نفسه، وأصبحت "لا" شخصّية تستنكر الواقع العربي، وتعبّر عن صرخة لاذعة تتحدى تخاذلات المجتمع الدولي والأنظمة العربيّة تجاه قضايانا المحقّة، واستخدمت في بداية العام 2011 لتندد بأنظمة الإستبداد العربي في تونس ومصر وليبيا والبحرين.


 

هكذا حوّل فريق "المحكمة الدوليّة" في لبنان "لأ" وأخواتها من صرخة مدويّة بوجه العدوّ الإسرائيلي إلى عنصر إسرائيلي لإسقاط سلاح المقاومة وتخوين كل من تسول له نفسه أن يقول "لأ" للفساد، "لأ" لإحتكار السلطة، "لأ" للسياسة المالية التي جوّعت اللبنانيين، "لأ" للمحكمة الإسرائيلية التي تريد القضاء على المقاومة، "لأ" للوصاية الأجنبية على لبنان، "لأ" للإعتدائات الإسرائيلية، "لأ" لنزع السلاح الذي أذلّ المحتل.

لم يعد هذا التصرّف مستغرباً، فسرقة الثورات والشعارات والحملات وتحويرها أصبحت لهم عادة، ولم ننسى بعد سرقتهم للثورات العربيّة والقول بأنها انطلقت من رحم "ثورة" 14 آذار! حتى اضطر أحد كبار أعضاء مجلس الثورة المصرية بأن يصرخ على شاشات التلفزة قائلاً: "إنّ هذا الإدعاء هو مهزلة تاريخية بإمتياز".

وعند مشاهدتك لوسائل الإعلام المرئية التابعة لما تبقى من فريق 14 آذار، كـ"تلفزيون المستقبل"، تلاحظ أثناء كل وقفة إعلانية عرض لمقتطفات من أحداث سابقة أو تراويج تحمل جملاً ذات مضمون تحريضي فتنوي مصبوب في قالب من الصبغة الطائفية، بل أنّ الكذب والتضليل بلغ أشدّه عندما استخدموا مقطع فيديو يظهر خوف احدى العائلات في بيروت واحتماءها من رصاص المقاومة لتظهر العائلة فيما بعد على شاشة قناة المنار لتعبّر عن استيائها الشديد ولتكشف أنّ هذا الإحتماء كان من رصاص ميليشيات 14 آذار! وهكذا انتقلت قوى "ثورة الأرز" من العالم الواقعي لتعيش في عالم خيالي، بنته بنفسها، عالم "ديزني لاند" والـ"بلايستايشن" وأضحت كـ"جحا" الذي كذب وصدّق نفسه.



وبالحديث عن العالم الإفتراضي، ننتقل إلى الإنترنت الذي لم يعد فيه موطئ قدم، فالقوى الثورية التي لم تتسع لملايينها الساحات، إنتقلت لتحتل المواقع الإلكترونيّة، لم تكتفِ بالطبع بما لديها بل استحدثت موقعاً حمل اسم حملتها "كلنا لأي وطن؟"، وصفحة بنفس الإسم على موقع الـ"فايسبوك"، وإدارة هذه المواقع التابعة لقوى "لأ" للسلاح نقلت الحملة بحذافيرها إلى العالم الإفتراضي، الشعارات هي نفسها، والصور أيضاً، مع اختفاء صورة الإمرأة المحجبة التي أهان بها من قام بهذه الحملة "عن قصد أو عن غير قصد" الأمّة الإسلامية بأكملها عبر عرضه للحجاب بطريقة مهينة ورخيصة واعتباره مدعاة أسى وحزن وغم، ولكن لا بأس، فإهانة مليار ونصف المليار من المسلمين خطأ يغفر إن قام به "حزب المستقبل" خاصة وإن قورن الحجاب بصورة امرأة أميركية سرقتها قوى السيادة من إعلان لشركة تأمين (Blue Cross Blue Shield) في ولاية ميتشيغين.

وظهرت صورة بديلة تحمل في كلا طرفيها محجبات، ومختومة بالعبارة الرنانة "كلّنا لأي وطن؟"، وعليكم أن تختاروا بين محجبات "حزب السلاح" ومحجبات "حزب المستقبل"! وتربّعت إلى جانب هذه الأحجية صور أخرى تخيّرك بين هذا وذاك، حتى شعرنا بأنها إعلانات صابون و"كولونيا".

وللـ"يو تيوب" حصّة الأسد، أو الـ"لايون كينج"، الذي حوّله من أطلقوا على أنفسهم "أشبال 14 آذار" من رسوم متحركة تعلّم الأطفال الفرق بين الخير والشرّ، وبين الحق والباطل، إلى مادة فتنوية رخيصة ترسم صورة مستقبل لبنان في ظلّ حكم المستقبل وحلفائه.

وفي هذا السياق يطرح مسؤول قسم العدل في جريدة الأخبار عمر نشابة سؤالاً أساسياً: هل تتضمّن الحملة الإعلانيّة للحريري وفريقه عناصر تحريض طائفي؟ فبحسب نشابة إنّ "القانون اللبناني يعاقب على التحريض الطائفي وإن نتج عن هذا التحريض قتل أو اعتداء تزيد هذه العقوبة، وإن راقبنا هذه الحملة على الإنترنت وفي الشوارع وعلى شاشات التلفزة نجدها تصوّر رجل دين بلباس ديني (العمامة) وكأنّه قاتل! وهذا ما رأيناه  بوضوح في أحد مقاطع الفيديو المنشورة على الإنترنت والتي عممت على كافة الوسائل الإعلامية". ويتابع نشابة "هذا تحريض على مذهب معيّن كون اللباس يدلّ على هذا المذهب ويختلف عن اللباس الذي يستخدمه المذهب الآخر أو الطوائف الأخرى، ويجب أن يتم متابعة هذا الأمر من قبل لجنة قانونية مختصة في هذا الشأن إذا كان هنالك رغبة في متابعة الموضوع قضائياً".

من يحق له قانونياً أن يتابع هذا التعدي على مذهب بأكمله؟
 يجيب نشابة "كل من يشعر بأن هذه الحملة تتضمّن تحريضاً يمكن أن يؤثر على أمن البلد يمكنه فوراً أن يتقدم بدعوى على منظمي هذه الحملة، وهذا الأمر ليس محصوراً بالشيعة باعتبار أن الحملة الإعلانية تعتبر تحريضاً عليهم، وإنّما هو موجود في القانون اللبناني لأنه يشكّل خطراً على أمن البلد ويحرض الناس على بعضهم، ما قد يدخلهم في اقتتال مذهبي، وهكذا يصبح لبنان بأكمله مستهدفاً عند استهداف فئة منه بهكذا أفعال ويدخل البلد في نفق مظلم، وحتى إن لم يحصل اقتتال فوري فإنّ حملة كهذه ترسّخ الكراهية بين اللبنانيين على أساس مذاهبهم وطوائفهم وليس على أساس آرائهم السياسية، وهذا ما يولّد تحريضاً على المدى الطويل".

ويضيف نشابة "لقد قيل كلام فيه إساءة لمقامات دينيّة ولشهداء تعتبرهم الدولة اللبنانية شهداء لبنان كالحاج عماد مغنية، ويجب أن يتم متابعة الموضوع قضائياً من خلال القنوات المناسبة، واستخدام هذا الأسلوب التحريضي الذي يصل إلى حد الشتائم والتعامل بلغة تخرج عن الأخلاقيات العامة وعن الأسلوب السياسي الراقي يدل على الضعف"، ويتابع نشابة "المشكلة ليست إن كنت مع أو ضد السلاح، فالدستور اللبناني الذي يفترض بنا جميعاً أن نحترمه يقرّ بحريّة الرأي والتعبير عنه، ولكل منّا الحق في التعبير عن رأيه، ولكن التحريض المذهبي ضد المقاومة ليس تعبيراً عن الرأي، فالمقاومة ليست شيعية حتى ولو تضمنت عدداً كبيراً من الشيعة إلا أنها لم تسمّي نفسها ولو لمرّة واحدة بأنها مقاومة شيعيّة، والمؤسف أن يصل الأمر في الحملة الإعلانيّة إلى حد استباق التحقيق الدولي والقول بأنّ سماحة السيّد حسن نصرالله قاتل! هذا يعتبر خروجاً عن كل المعايير العدلية فالعدالة تقتضي عدم استباق النتائج، وهذا الإتهام أسوأ من عدم تحقيق العدالة، هذا استخدام لشعار العدالة لتحقيق مآرب سياسية لقوى غربيّة كبرى مصلحتها الأولى حماية إسرائيل".

إنتهى الثالث عشر من آذار وبعد هذا التاريخ لن يكون حتماً كما قبله من النواحي كافة، فالنسخة المقلّدة من الحملة الإنتخابيّة للرئيس الأميركي باراك أوباما من الشعارات التي رفعت مروراً بالكلمات التي ألقيت وصولاً لمهزلة خلع الثياب وعرض العضلات، وصل عدد المشاركين فيها إلى 70 ألف مشارك في حدّ أقصى بحسب تقديرات وكالات الأنباء العالميّة، أي ما يعادل جمهور فريق كرة قدم لبناني إذا سمح له الحضور إلى الملعب في يوم من أيام العمل، وليس يوم عطلة الأحد الأسبوعية، بعدما دمّر السياديون الجدد اللعبة الأكثر شعبيّة في لبنان وحوّلوها إلى صراعات مذهبية ضيّقة. وأحد أسباب هذا الإنخفاض في عدد الثوّار هو انخفاض سعر "الرأس" الذي نزل إلى الساحة هذا العام، وحتى لا يتهمنا أحد بأننا نكيل الإتهامات للقوى الثوريّة إستعنّا ببيان صادر عن منسقيّة المنية في تيار المستقبل، كانت قد أرسلته الجهة المذكورة إلى إدارة موقع "المنية دوت كوم" لتوضح فيه أنّ السعر المدفوع لكل سيارة هو 90 ألف ليرة لبنانية لا 100 ألف كما ادعى الموقع!


 وإن قمنا بعمليّة حسابيّة صغيرة معتمدين على بيان "المستقبل" وافترضنا أن تكلفة البنزين تدفع للمشاركين عن طريق "بون" خاص، يمكننا أن نقسّم مبلغ الـ 90 ألف ليرة على 5 أشخاص هم متوسط ركاب وسيلة نقل - سيارة أو حافلة صغيرة أو بيك أب - أي 18 ألف ليرة لبنانية ثمن "الرأس" الرافض للسلاح! فعلاً إن لم تستحِ فافعل ما شئت .. إنزل إلى الساحة، شارك في العرض الفولكلوري، واسقط سلاحاً عجزت إسرائيل عن إسقاطه، بـ 18 ألف ليرة لبنانية فقط لا غير!