25-11-2024 07:40 AM بتوقيت القدس المحتلة

السيد فضل الله : السياسة الأمريكيّة لا تتحرّك إلا بعيون إسرائيل ولحساب مصالحها

السيد فضل الله : السياسة الأمريكيّة لا تتحرّك إلا بعيون إسرائيل ولحساب مصالحها

في هذا الوقت، يأخذ العدوّ الصهيوني دفعة أمريكيّة إضافيّة من الدّعم، حيث تجلّى ذلك في خطاب الرّئيس الأمريكيّ

السيد علي فضل اللهألقى سماحة العلامة السيّد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عددٍ من الشخصيّات العلمائيّة والسياسيّة والاجتماعيّة، وحشدٍ من المؤمنين، ومما جاء في خطبته السياسية: في فلسطين المحتلّة، لا يزال العدوّ الصّهيونيّ يواصل اعتداءاته ضدّ الشّعب الفلسطينيّ، والّتي تتصاعد قتلاً واعتقالاً وإذلالاً، هذا إلى جانب استمرار حفريّاته تحت أساسات المسجد الأقصى، وسعيه لتهويد القدس وغيرها من المدن الفلسطينيّة، وذلك في ظل صمت عربي مريب...
في هذا الوقت، يأخذ العدوّ الصهيوني دفعة أمريكيّة إضافيّة من الدّعم، حيث تجلّى ذلك في خطاب الرّئيس الأمريكيّ أمام مؤتمر "أيباك" الّذي أعلن فيه أنّ لإسرائيل الحقّ في أن تعمل ما تراه مناسباً لأمنها، ولو على حساب الدّماء والجراح الفلسطينية، والآلام والتهجير داخل فلسطين وخارجها...


ولم يقف الرئيس الأمريكي عند هذا الحد، بل حرص على بيان عمق علاقته بالكيان الصهيوني عندما قدّم حسابه إلى هذا المؤتمر عن السنوات الثّلاث الّتي أمضاها في البيت الأبيض، قائلاً: يمكنكم أن تنظروا إلى أعمالي، لأنّني خلال الأعوام الثّلاثة الأخيرة، التزمت بوعودي لدولة إسرائيل، وعند كلّ مفصل أساسيّ كنت سنداً لها...
إنّنا من جهتنا، لم نفاجأ بهذا الكلام ولا نراه جديداً، لا لكونه يجري في ظلّ الانتخابات الأمريكيّة فحسب، حيث الكيان الصّهيونيّ هو لاعب أساسيّ في هذه الانتخابات، بل لأنّنا نعرف جيّداً السياسة الأمريكيّة في كلّ ماضيها وحاضرها، فهي لا تتحرّك إلا بعيون إسرائيل ولحساب مصالحها، ولا تبالي في حساباتها بمعاناة الشعب الفلسطيني، ولا بمواقف العالم العربيّ والإسلاميّ...
وقد أشرنا إلى ذلك عندما تحدَّث هذا الرّئيس الأمريكيّ في خطابه مع بداية ولاية عهده في اسطنبول والقاهرة، حين أبدى استعداده لفتح صفحة جديدة عنوانها حلّ القضية الفلسطينية والانفتاح على العالم الإسلامي وتفهّم حاجاته وتطلّعاته، وصدّق الكثيرون هذا الخطاب، حتى راح البعض يتحدّث عن الأصول الإسلاميّة لهذا الرئيس...


وقلنا حينها إنَّ هذا الكلام المعسول لا واقع له، هو كلام خادع وغير حقيقي، فأمريكا سياساتها ثابتة، فهي لا تنظر إلى العالم العربيّ والإسلاميّ إلا كبقرةٍ حلوب لمصالحها، ولذلك هي لن تمنحه أيّ حالة من حالات الاستقرار، ولن تعطيه الفرصة ليكون قوياً قادراً على حماية نفسه من الآخرين، ولا سيما من تهديدات الكيان الصهيوني...
إنَّنا نشعر بمرارة من عدم تعليق الكثيرين في هذا العالم العربيّ والإسلاميّ على هذا الكلام، إمّا لأنّهم ألفوه وقبلوه وتعاملوا معه كأمرٍ واقع، أو لأنّهم لا يزالون يصدّقون أنّ أمريكا هي حليفٌ للعرب والمسلمين، وهي على استعدادٍ لأن تقف معهم في قضاياهم وأن تكون عوناً لهم, وأنّه بالإمكان الاعتماد عليها في حلّ الكثير من مشاكله، ما يعني أنّهم لم يعوا بعد حقيقة أمريكا...
إنَّنا نشدِّد على الشّعوب والدّول العربيّة والإسلاميَّة، أن يعوا أمريكا على حقيقتها الحاليّة وحتّى المستقبليّة، وأن يدركوا أن لا خيار لهم إلا بأن يكونوا أقوياء، وأن يؤكّدوا مواقع قوّتهم بوحدتهم وتآلفهم وتعاونهم بأن يكونوا جسداً واحداً، إذا تألّم بعضه تداعى الآخرون لنجدته، لا أن يكونوا متفرّقين تعبث بهم الفتن الطائفيّة والمذهبيّة والسياسيّة...
كما أن عليهم أن لا ينصاعوا للرغبات الأمريكية في اعتبار إيران خطراً، فالخطر ليس في إيران أو في أي بلد عربي وإسلامي، بل في الكيان الصهيوني وداعميه...


أما سوريا التي بدأ الموفدون الدوليون بزيارات لها بحثاً عن حلّ سياسي في ظل استمرار العنف الدامي الذي ينتقل من مكان إلى آخر ودعوات التسلح التي، ومع الأسف تنطلق من بعض الدول العربية، والتي كنا نأمل أن تكون هي باعثة الحل في هذا البلد العربي...
فإننا نعيد التأكيد على الشعب السوري بكل فئاته في مواقع الموالاة والمعارضة على ضرورة حسم خياره للانتقال من أجواء العنف التي تسبب المزيد من الضحايا والدمار لهذا البلد، إلى تدارس كل ما يؤدي للوصول بحل يضمن الاستقرار لسوريا، وبلوغ الإصلاح غايته المنشودة ولا سيما بعد ظهور بوادره، وأن يتطلعوا إلى كل الذين يسعون إلى إيقاف نزيف الدم، لا إلى استمراره، وأن لا يسمحوا بأن يتحوّل بلدهم إلى ورقة مساومة بين الكبار، لأنّنا نعرف أنّ الكبار لا يتطلعون إلى الآخرين إلا من باب أنهم كبار ومن خلال مصالحهم...
أما لبنان الذي لا يزال إنسانه يعيش المعاناة والخوف على حاضره ومستقبله ومستقبل أولاده، نتيجة تداعيات ما يجري حوله في ظل التجاذب الداخلي، فهو خائف من الطعام الذي يأكله، حيث يخشى من أن يكون الغش قد دبّ فيه، خائف من صنّاع المخدرات ومروّجيها الذين يعبثون بكباره وصغاره، خائف من العدو الصهيوني الذي يتربّص بأرضه والذي يهدد أمن هذا البلد وسيادته، خائف من الديون التي تُلقى على كاهله وكاهل أولاده بعدما باتت تتجاوز الـ80 ملياراً دولار، هو خائف من كل هؤلاء الذين أمّنهم على أمواله ومقدراته، أن يعبثوا بالمال العام وأن يصرفوه في غير موقعه، وهو يرى المشهد أمامه كيف يُعمل على إيجاد تسوية للمليارات التي صُرفت طوال الحقبات السابقة من دون أن تقدم له حسابات الصرف بكل شفافية، وكأن المال ليس ماله، هو خائف من اللاعبين الدوليين الذين يتحركون في هذا البلد، ويملكون حرية أن يُمْلوا قراراتهم على الدولة، حتى لو كانت هذه القرارات تعتدي على أمنه وسلامة حدوده، يأتي كل ذلك وسط سجالات المواقع السياسية التي لا تسمن إنسان هذا البلد ولا تغنيه من جوع..


إننا، في هذا المجال، نعيد التأكيد على كل المسؤولين في هذا البلد، أن يعوا خوف إنسان هذا البلد، أن لا يضطروه إلى اليأس، ويهاجر تاركاً بلده وراءه، آن الأوان أن نتصرف بطريقة مسؤولة، فمسؤوليتهم كبيرة عن إنسان هذا البلد وأرضه وكل مقدراته، وهم قادرون إن أرادوا، ولكن السؤال هل يريدون أم لكل حساباته، والمواطن هو آخر همهم إلا في يوم الانتخابات...
وأخيراً، إنّنا نلتقي في هذه الأيّام بالذّكرى السابعة والعشرين لمجزرة بئر العبد، هذه المجزرة الّتي أُريد من خلالها القضاء على الرّمز الّذي مثّل الإسلام بكلّ حيويّة وانفتاح، وعاش المقاومة في انطلاقتها، وأعطاها من عقله وقلبه وجهده الكبير، ووقف مع الجمهوريّة الإسلاميّة لأنّها وقفت إلى جانب قضايا الأمّة، وعلى رأسها قضية فلسطين، وعمل للوحدة الإسلاميّة وناصر كلّ قضايا العرب والمسلمين والمستضعفين...


لقد ظنّت الاستخبارات الأمريكيّة المركزيّة، وكلّ الذين آزروها في هذا العمل الإرهابيّ الوحشيّ، أنّهم إذا تمكّنوا من اغتيال سماحة المرجع السيّد فضل الله(رض)، فإنّهم بذلك يسدّدون ضربة حاسمة إلى الإسلام الحركيّ المنفتح على قضايا الحياة، وإلى كلّ هذا الحضور المقاوم.. ومكروا وعند الله مكرهم، وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال.. وانطلق السيّد بعدها ليعطي حركة المقاومة والتيّار الإسلاميّ الحركيّ والأمة دفعاً جديداً، ودماً سياسيّاً وفكريّاً متجدّداً استمرّ لأكثر من 25 سنة، عاشها السيّد معكم، موجّهاً ومعلّماً وفاضحاً لسياسات المستكبرين، وباعثاً للحياة في الأمّة، وهو في ذلك لم يغير ولم يعدل بل بقي ثابتاً على مواقفه رغم التحديات والصعوبات إلى أن غادر هذه الحياة مطمئناً إلى أن الأمة، التي بنى فيها كل هذه المعاني ستتابع هذه المسيرة بكل جدارة وقوة وعنفوان...
إنّنا في هذه المناسبة، نتطلّع إلى الأرواح الّتي ارتفعت إلى بارئها في ذلك اليوم المهول، سائلين الله أن يمنحهم علوّ الدّرجة والمنزلة، وإلى كلّ المعوقين الّذين لا يزالون يعانون آلام الجراح، نسأل الله لهم الصّبر ومزيداً من الأجر والثّواب، وإلى أمّتنا المزيد من الوعي لمعرفة مخطّطات أمريكا وكلّ الّذين يسيرون في فلكها...