على وقع المعارك بين الثوار وكتائب القذافي.. لا يزال الانقسام الغربي سيد الموقف حول فرض الحظر الجوي من مجلس الامن الى قمة مجموعة الثماني مروراً بالجامعة العربية.
استعادت كتائب العقيد الليبي معمر القذافي السيطرة على مدينة زوارة في غرب ليبيا قرب الحداد مع تونس إثر هجوم عنيف شبهه شاهد عيان بأنه "حرب إبادة". في حين جددت تلك الكتائب غاراتها الجوية على مدينة أجدابيا في شرق ليبيا اليوم. وأفاد شهود عيان بأن قوات القذافي قتلت عشرات المواطنين واعتقلت عشرات آخرين. كما حالت دون وصول المصابين الى مستشفيات المدينة.
وقبل دخول قوات القذافي المدينة قصفتها لساعات طويلة برا وجوا، فيما اقتحمت الدبابات وسط المدينة واشتبكت مع الثوار، بينما حاصرت قوات أخرى المدينة من كل الجهات. وكانت مصادر ليبية قد أعلنت في وقت سابق استشهاد شخص وإصابة سبعة آخرين في القصف الذي استهدف المنازل شرقي زوارة.
وفي الشرق الليبي، تعرضت مدينة أجدابيا اليوم لأربع غارات جوية. وكانت الطائرات التابعة للقذافي قد شنت أمس غارات عدة على المدخل الغربي للمدينة، لم تسفر عن إصابات بشرية. وقالت مصادر الثوار إن قصف المدينة يهدف إلى بث الذعر والهلع في نفوس الأهالي وإجبارهم على الهرب عن المدينة، لكن الأهالي يرفضون المغادرة. وتعد أجدابيا أحد معاقل الثوار الإستراتيجية والحيوية، ومنها ينطلقون للدفاع عن البريقة خط الدفاع عن الشرق.
من ناحيته أكد المتحدث العسكري باسم المجلس الوطني الانتقالي الليبي ومقره بنغازي "أن مدينة اجدابيا التي تتعرض منذ يومين للقصف من قبل الجيش الليبي ما زالت بايدي الثوار".
واضاف "قصفوا المدينة من مسافة بعيدة لكن حاليا الوضع جيد، حاولت وحدات من الجيش دخول المدينة لكن قواتنا تصدت لها".
أما في البريقة, فما يزال الثوار يحكمون سيطرتهم على المدينة بعد معارك عنيفة مع قوات القذافي. وتؤكد مصادر صحفية أن البريقة لا تزال منذ الاثنين تحت سيطرة الثوار الذين تمكنوا من صد كتائب القذافي، بعد معارك عنيفة وكمين أوقع منهم أسرى وكبدهم خسائر فادحة في القوات والمعدات، ودفع بهم إلى الصحراء. وأضاف أن الثوار أعطبوا عددا من الآليات واستولوا من فلول الكتائب الهاربة والأسرى على عدد كبير من الأسلحة المتطورة والخفيفة.
من جهته, قال الزعيم الليبي معمر القذافي انه يشعر بان حلفاء اوروبيين سابقين خذلوه مثل رئيس الوزراء الايطالي سيلفيو برلسكوني الذي تحول ضده. وقال ان العلاقات التجارية مع اوروبا تخاطر بمواجهة ضرر دائم. واستبعد القذافي مطالب قوى عالمية بفرض منطقة حظر طيران فوق ليبيا او احتمال شن ضربات جوية وقال للعدد الصادر يوم الثلاثاء من صحيفة الجورنال الايطالية اليومية "سنقاتل وسننتصر. وضع من هذا النوع لن يؤدي الا الى توحيد الشعب الليبي."
وقال القذافي ان الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي الذي اعترف رسميا بالمجلس الوطني الليبي المؤقت ودعا الى ضربات جوية ضد اهداف معينة يعاني من"خلل عقلي." وقال للصحيفة "صدمت فعلا بموقف اصدقائي الاوروبيين.. لقد اضروا وعرضوا للخطر سلسلة من الاتفاقيات الرئيسية بشأن الامن كانت في مصلحتهم والتعاون الاقتصادي الذي كان بيننا."
وسئل عن علاقاته مع برلسكوني الذي كان اقرب صديق له في اوروبا سابقا فقال"انني مصدوم جدا واشعر بالخذلان لا اعرف حتى ما اقوله لبرلسكوني." وقال "اعتقد واتعشم ان يعيد الشعب الليبي النظر في العلاقات الاقتصادية والمالية وتلك العلاقات ايضا في مجال الامن مع الغرب." واضاف القذافي"عندما تحل المعارضة محل حكومتكم ويحدث نفس الشيء في بقية اوروبا ربما يفكر الشعب الليبي في اقامة علاقات جديدة مع الغرب."
على صعيد التحرك السياسي الغربي لا يزال الانقسام سيد الموقف حول فرض الحظر الجوي, فقد اختتم مجلس الأمن الدولي جلسة مشاورات حول ليبيا من دون إصدار قرار بشأن فرض حظر جوي على ليبيا، بينما تستمر المشاورات بين الدول الأعضاء لتوضيح بعض النقاط حول مشروع القرار، منها الجهة التي ستطبقه وكيف سيكون ذلك التطبيق. وقدم لبنان -نيابة عن جامعة الدول العربية- بالتعاون مع بعض أعضاء مجلس الأمن مشروع القرار الذي يدعو لفرض حظر جوي على الأجواء الليبية لمنع تنفيذ هجمات جوية من قبل قوات العقيد معمر القذافي ضد المدنيين.
لكن المشروع أثار تساؤلات حول كيفية تطبيقه والمنظمات التي ستكون مسؤولة عن ذلك، وقال السفير الفرنسي لدى الأمم المتحدة جيرار أرود إن المجلس تبنى قرارا بفرض حظر جوي في الماضي، واصفا الإجراء بأنه "بسيط" لأن الأمم المتحدة أعطت تفويضا بهذا التحرك وتركت مسألة تنفيذه للمنظمات الإقليمية. وأضاف "أعتقد أن هذا الأمر ممكن.. ليس هناك رفض تام في المجلس، هناك مخاوف، هناك تساؤلات.. لكنني أعتقد أننا نمضي للأمام". وأوضح السفير الفرنسي أن "المشكلة بالنسبة لنا هي العجلة.. قوات القذافي تتحرك للأمام، لذا نفضل أن نتحرك بأسرع وقت ممكن".
ومن جانبه، قال السفير الروسي فيتالي تشوركين إن المجلس عقد "سلسلة من المناقشات" حول منطقة حظر الطيران المقترحة، مضيفا أن موسكو تريد أن تعرف الجهة التي ستكون مسؤولة عن التنفيذ. وقال تشوركين "إذا كانت هناك منطقة حظر طيران، فمن الذي سيطبقها؟ وكيف؟، بدون معرفة تلك التفاصيل أو الإجابات، من الصعب أن يتم اتخاذ قرار مسؤول لسوء الحظ.. لم يقدم مقدمو الاقتراح إجابات عن تلك الأسئلة". وأضاف "يحتاج المرء إلى أن يكون على يقين من أن أي قرار سيتخذه المجلس لن يؤدي إلى تفاقم الوضع في ليبيا".
بدوره, قال سفير لبنان لدى الأمم المتحدة نواف سلام إن بلاده ترى أن فرض حظر جوي خطوة في الاتجاه الصحيح. واعترف سلام بضعف المشروع المقدم، رغم أنه صرح عقب الاجتماع المغلق للمجلس برغبته في تبني القرار "في أسرع وقت ممكن". وحذر من أنه ليس من المؤكد أن الحظر الجوي سيحقق أهدافه المنشودة، والمتمثلة في حماية المدنيين والقضاء على قدرة القذافي على استخدام قوته الجوية لقصف معاقل الثوار.
وكانت جامعة الدول العربية -التي عقدت اجتماعا على مستوى وزراء الخارجية في القاهرة السبت الماضي- دعت مجلس الأمن إلى فرض حظر جوي فوق ليبيا.
وقبل الاجتماع، قال وزير الخارجية البريطاني وليم هيغ إن لندن تريد من الأمم المتحدة أن تصدر قرارا جديدا يزيد الضغوط على القذافي, وإنها ستناقش ذلك ضمن مجموعة الثماني التي ستعقد اجتماعا لها خلال 24 ساعة المقبلة. وأضاف أن كل الأمور المطلوبة لاتخاذ قرار دولي بفرض حظر للطيران في الأجواء الليبية قد استوفيت, ومنها الدعم الدولي, والحاجة الواضحة، والأساس القانوني.
ومن جهته قال رئيس الوزراء البريطاني ديفد كاميرون إن بلاده لا تعتزم المشاركة في حرب بليبيا، مضيفا أن الأمور المطروحة هي "كيفية إحكام الضغط على نظام غير مقبول وغير شرعي، في محاولة لإعطاء بعض الفرص للانتقال السلمي للسلطة".
ومن جانب آخر وصلت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون إلى باريس لحضور اجتماع قمة الثماني، وقالت إنها ستبحث مع وزراء خارجية هذه الدول الموقف في ليبيا، كما ستلتقي مندوبين عن المجلس الوطني الليبي الانتقالي.
وبعد الاجتماع, اعلن وزير الخارجية الفرنسي الان جوبيه الثلاثاء، ان وزراء خارجية دول مجموعة الثماني لم يتفقوا خلال اجتماعهم في باريس على ضرورة التدخل عسكريا في ليبيا، معترفا بانه لم يتمكن من "اقناع" نظرائه بهذه المسألة. وذكر بان فرنسا وبريطانيا "بادرتا" الى الدعوة لاقامة منطقة حظر جوي او شن ضربات محددة الاهداف لاضعاف القدرة العسكرية لمعمر القذافي. واقر بان "القذافي يسجل نقاطا"، ومن دون الحديث علنا عن مصير بنغازي معقل الثوار الليبيين وثاني مدن البلاد، اعترف الوزير الفرنسي بان المجتمع الدولي لن يتمكن من منع القذافي من استعادتها.
واوضح جوبيه ان وزراء مجموعة الثماني اتفقوا على الاستئناف السريع للمحادثات داخل مجلس الامن الدولي للتوصل الى قرار يزيد الضغط على الزعيم الليبي، متحدثا عن امكان اقامة حظر بحري. كما اتفق وزراء مجموعة الثماني على اشراك الدول العربية والافريقية في اي تحرك حول ليبيا. ومن المقرر ان يستأنف وزراء خارجية مجموعة الثماني محادثاتهم اليوم على ان تنتهي في الساعات الاولى من بعد الظهر.