ألقى سماحة العلامة السيّد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عددٍ من الشخصيّات العلمائيّة والسياسيّة والاجتماعيّة
ألقى سماحة العلامة السيّد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عددٍ من الشخصيّات العلمائيّة والسياسيّة والاجتماعيّة، وحشدٍ من المؤمنين، ومما جاء في خطبته السياسية: في الوقت الذي يتابع العدو الصهيوني غاراته الوحشية على قطاع غزة والتي لم تكن آخرها ما جرى من اغتيال لبعض قادة فصائل المقاومة ومجاهديها واستهدافه للمدنيين من نساء وأطفال وشيوخ، والذي أوقع عشرات الشهداء والجرحى، فإننا لا نشهد إلا صمتاً عربياً وإسلامياً مطبقاً، يقابله ضوء أخضر أمريكي لاستمرار العدوان وعدم ممانعة غربية...
إنّنا أمام هذا الواقع، نؤكّد على الشعوب العربية والإسلامية الّتي تنشغل بترتيب واقعها الداخلي، أن لا تنسى فلسطين، وأن تنظر بعينين؛ عين إلى إصلاح واقعها الداخلي لتدعيمه وتقويته وإزالة كل الشوائب المتراكمة فيه، وعين أخرى إلى ما يجري في فلسطين، فلا تكون لغتها ما يتداوله البعض، ومفاده أنّ علينا الآن ترتيب واقعنا الدّاخليّ، وبعد ذلك نتفرّغ لمواجهة العدوّ الصّهيونيّ، لأنّ ترتيب هذا البيت قد يطول وقد تعترضه العقبات الكثيرة، وأي ترتيب سيحصل فيما العدو الصهيوني يثبت وجوده في فلسطين، بحيث تضيع فلسطين وتزداد معاناة الشعب الفلسطيني، ويصبح الكيان الصهيوني هو الأقوى في المنطقة...
ونقول للحكّام العرب، الّذين يتحضّرون لعقد قمّتهم في أواخر هذا الشهر، إنّ عليكم أن تبقوا البوصلة بمواجهة هذا العدوّ، أن لا تغيروا وجهة سلاحكم وكل إمكانياتكم وطاقاتكم باتجاه هذا البلد العربي أو ذاك البلد الإسلامي، فالخطر الداهم يبقى من هذا الكيان الذي وُجِد ليكون مربكاً لهذه المنطقة ومانعاً من وحدتها، ومستنـزفاً لقدراتها، واقفاً سداً منيعاً أمام تطورها...
إننا نقول لهؤلاء الحكّام، حرِّكوا دبلوماسيتكم في مجلس الأمن للضغط على هذا العدو، وإذا أردتم أن تسلحوا أحداً فالأولى هو تسليح الشعب الفلسطيني ليكون قادراً على مواجهة غطرسة الكيان الصهيوني واستكباره وتحريره من دنس الصهاينة...
إنَّنا في الوقت الّذي نحيّي الشّعب الفلسطينيّ على مقاومته الباسلة، الّتي أظهرت أنّها القادرة على مواجهة الاحتلال بالأساليب الردعيّة الحاسمة الّتي عجزت منظومته الحديديّة عن مواجهتها وأظهرت مدى ضعف هذا الكيان أمام شعبه والعالم، نؤكِّد عليه العمل بكلّ مسؤوليّة وجهد في هذه المرحلة الصّعبة، لتوحيد صفوفه وجهوده وليكون الموقف واحداً وقوياً أمام عدو لا يفهم إلا بلغة القوة، وأمام عالم لا يحترم إلا الأقوياء...
أمّا سوريا، فلا تزال معاناة شعبها تتصاعد باستمرار دوّامة العنف ومشاهد المجازر الأليمة التي تحدث على أرضه، الأمر الّذي يفرض التأكيد مجدّداً على ضرورة العمل من كلّ الحريصين لإخراج سوريا من كلّ هذا الواقع الدامي الّذي يُراد لها أن تغرق فيه، حتى لا يصبح هذا البلد حلبة صراع المحاور الدّوليّة والإقليميّة وتجاذبها، ومكاناً تتنفّس فيه الأحقاد والعداوات، ويدخل في أتون الصراعات المذهبية والطائفية والقومية...
إننا نرى أن الحل الوحيد الذي يُخرج سوريا من واقعها لا يتم من خلال زيادة منسوب العنف، فالعنف لا يولّد إلى العنف، ولا من خلال طلبات التدخل الخارجي الذي لن يزيد الأمور إلا تعقيداً، ولا من خلال توافق المواقع الدولية والإقليمية التي عندما تتوافق فلمصالحها، لا لصالح الشعب السوري وحاجاته ومتطلباته...
إنّ الحلّ يأتي من خلال حوار سياسي جاد وموضوعي بين النظام والمعارضة للوصول إلى رسم خارطة الطريق للحل، تبدأ بإيقاف العنف ونزيف الدم للوصول بعد ذلك إلى نظام سياسي ينفتح على تطلعات الشعب السوري إلى الحرية والكرامة والإنسانية، ويحافظ على موقع سوريا الريادي في المنطقة في مواجهة العدو الصهيوني وخطط الاستكبار العالمي...
وليس بعيداً من سوريا، نطلّ على معاناة الشّعب الأفغانيّ، تارةً من خلال الاحتلال المستمرّ لأرضه بكلّ تبعاته، وما حصل أخيراً من حرق لنسخ القرآن الكريم، ومن ثم إطلاق النّار المباشر على المتظاهرين الأفغان الّذين احتجّوا على ذلك، وطوراً من خلال الانتقام الأمريكيّ الأعمى، والمتمثّل بالمجزرة الرّهيبة التي ارتكبها جنديّ أمريكيّ في قندهار، حيث قتل 16 شخصاً، بينهم تسعة أطفال بعدما أطلق عليهم النّار بدم بارد...
إنّنا نتساءل أمام ذلك كلّه: أين هو العالم الإسلاميّ، وأين هي كرامات المسلمين، وهل أصبحت دماء المسلمين رخيصة، بحيث تنزف ولا يتحرّك أحد، ولماذا لا ينطلق موقف إسلاميّ موحّد يدعو إلى وقفة إسلامية حاسمة ضدّ الذين لا يحترمون إنساننا ومقدساتنا وأرضنا، ولماذا نرفع الصوت عالياً في صراعاتنا المذهبية والطائفية والسياسية، ولا نرفعه عندما يتعلق الأمر بالقضايا الكبيرة التي تهدد وجودنا ومقدساتنا ومواقع قوتنا..
ونصل إلى البحرين، حيث لا تزال معاناة هذا الشّعب مستمرّة، إذ لم يؤذن له حتى الآن بأن يدخل تحت عنوان الرّبيع العربي، رغم كلّ هذا المدّ الشعبي الّذي خرج في الجمعة الماضية وفيما سبقها، ورغم سلميّة حركته وأحقيّة مطالبه والظلم الذي يعاني منه، حيث بات الأمر واضحاً أنّ هناك في الرّبيع العربي تصنيفات جاهزة بين مَن هو ابن ستّ ومَن هو ابن جارية، وبين نظام ينبغي أن يُثار عليه، وآخر لا بد أن يبقى آمناً لا يهتز...
إنّنا ندعو مجدّداً الدّولة في البحرين، إلى أن تنظر بكلّ مسؤوليّة إلى شعبها الّذي لا يتطلّع إلى العبث بأمن البلد، بل يريد أن يشعر بإنسانيّته واطمئنانه إلى حاضره ومستقبله.. لقد آن الأوان لبدء الحوار الجدّيّ والموضوعيّ الّذي يبعد هذا البلد العزيز عن كلّ المتربّصين به شرّاً، لتبقى البحرين رائدةً في هذا العالم العربي والإسلامي بتنوّعها ووحدتها وقوّتها...
ونصل إلى لبنان، الذي تستمر معاناة أهله، حيث بات قدر اللبنانيين أن لا يعيشوا الاستقرار، فلا استقرار على مستوى عمل المؤسسات لتقوم بدورها في مواكبة حاجات الناس ومتطلباتهم، ولا استقرار سياسي، فالخطاب السياسي المتشنّج هو الحاكم على كل الواقع السياسي، والحوار المطلوب أن يتحرك في الداخل مقطوع، ولا استقرار على مستوى الخدمات، حيث الحكومة التي وُجِدت لتأمين خدمات الناس الأساسية وسدّ حاجاتهم تقف عاجزة أمام الملفات الأساسية العالقة وعلى رأسها الكهرباء وارتفاع أسعار الطاقة وغلاء الأسعار...
هذا إلى جانب فقدان الاستقرار الغذائي والصحي والأمني، حيث اللّحوم الفاسدة والمخدّرات القاتلة والخطف والجريمة لحسابات ماليَّة وغير ذلك، وهي أمور تمثّل الغاية في الخطورة لجهة آثارها المدمّرة على شبابنا وأجيالنا، فيما لا تتخذ الحكومة وقفة جريئة وحاسمة...
إنّنا في هذا المجال، نرفع الصّوت عالياً بضرورة العمل لدراسة كلّ السّبل لمعالجة هذا الواقع الّذي بات المواطن فيه يشعر بأنّه في بلدٍ يتحكّم به من يريدون المال والثّراء على حساب آلام النّاس وصحّتهم...
إنّنا ندعو كلّ الجهات السياسيّة الفاعلة إلى ضرورة الالتفات إلى الدّاخل، بما فيه من مشكلات وأزمات، لأنّه إذا سقط الواقع الداخليّ، فلن تبقى لكم أرضاً ثابتة تقفون عليها، ولن تستطيعوا مواجهة كلّ تحدّيات الخارج...
إنّنا نقول للمسؤولين الّذين يتقاذفون كرة المسؤوليّة كلٌّ باتجاه الآخر: لقد أعطيتم الدّليل للشّعب مرّةً بعد أخرى، أنّكم لا تهتمّون لقضاياه بقدر ما تهتمّون لقضاياكم ومصالحكم الخاصّة، وقد برز الكثيرون منكم كرجال أعمال وكأصحاب برامج خاصّة، ولكنّكم لم تثبتوا للنّاس أنّكم رجال دولة ورجال قانون، ولذلك فعليكم أن تستمعوا برحابة صدر إلى النّاس إذا توجّهوا إليكم بالكلام على طريقة الشاعر:
أيّها المخلصون للوطنيّة..
أيّها الحاملون عبء القضيّة..
في يدينا بقيّة من بلاد..
فاستريحوا قبل أن تطير البقيّة