منذ ان اصبحت هذه السيدة الستينية العمر اول امراة تنتخب من ولاية فلوريدا في مجلس النواب الاميركي صبت جام غضبها على العرب.
كل القادة العرب من دون استثناء، كانوا وما يزالون يرغبون بعلاقات جيدة مع واشنطن. لا فرق في ذلك بين معتدل أو ممانع. لم تتغير الصورة منذ تقسيم فلسطين بسبب ضياع العرب وتأييد الغرب. صنعت أميركا جل السياسات والقيادات العربية، وأطاحت ببعضهم حين انتهى دوره او حين أصبح بقاؤه عبئاً عليها... ومن حاول الوقوف ضد واشنطن وحلفائها عبر التاريخ الحديث تعرض للويل حتى في عز «المجد السوفياتي».
فرض الأميركيون أنفسهم على جل العرب. خسر العرب وربحت إسرائيل وصار الاوروبيون في شرقنا العربي إما خزينة لتمويل مشاريع أميركية او ألعوبة.
اليوم يعود الروس الى العالم بمنطق القوي. وتبرز قوى دولية أخرى في مقدمها الصين التي تكاد تصبح القوة الاقتصادية العظمى، وربما ستصبح كذلك، مروراً بالهند وصولاً الى البرازيل المرشحة لاحتلال مركز بريطانيا بعد سنوات في الترتيب الاقتصادي العالمي. لكن العرب، ولا فرق هنا أيضاً بين معتدل أو ممانع، يشعرون علانية او في قرارة النفوس بأن أميركا تبقى الأهم.
ليس للعرب مشكلة مع الشعب الاميركي. ولعل المهاجر العربي ما شعر يوماً ببلد أجنبي يحتضنه كما أميركا، ولا شعر بشعب أجنبي أكثر طيبة من الشعب الاميركي، لكن مشكلة العرب مع اميركا تكمن في ان القرار الاميركي ما عاد أميركياً منذ عقود. لا داعي لتقديم نماذج عن مئات القرارات الاميركية التي تظهر أن سيدها الاول هي إسرائيل. يكفي ان يقرأ المرء كتاب «تأثير اللوبي الاسرائيلي في السياسة الخارجية الاميركية» للباحثين الاميركيين ستيفن والت من «جامعة هارفارد» وجون ميرشايمر من «جامعة شيكاغو» ليفهم حجم المصيبة الاميركية عليها وعلى العرب، وتحديداً في سياق تشريح حروب اسرائيل على لبنان وفلسطين.
ولأن مقياس النجاح السياسي في أميركا بات مرتبطاً بمدى الحب لإسرائيل تبرز أسماء غير إسرائيلية تضاهي اللوبي اليهودي غراماً بالدولة العبرية. هذه مثلا سيدة كوبية الاصل اسمها ايلينا روس ليتينين. عارضت فيدل كاسترو ووصلت بسرعة قياسية الى قلب الكونغرس الاميركي، وصارت رئيسة لجنة الشوؤن الخارجية في مجلس النواب، وباتت احد الوجوه البارزة للحزب الجمهوري في أعلى مراكز القرار الاميركية.
منذ ان اصبحت هذه السيدة الستينية العمر اول امراة تنتخب من ولاية فلوريدا في مجلس النواب الاميركي صبت جام غضبها على العرب. إليكم القائمة: بررت حرب إسرائيل على غزة ودعمتها. تعمل بشراسة للاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الاميركية اليها. بررت ودعمت الحرب على العراق. عملت على دعم تقسيم السودان. تضغط على ملك الاردن لإعادة سفيره الى تل ابيب. باركت حرب إسرائيل على لبنان. وقفت خلف قرار محاسبة سوريا، وتريد القضاء على كل مقاوم عربي. بمعنى آخر ان جيفري فليتمان، الضيف الآخر في اللقاء اللبناني الاميركي، يبدو الى جانب ليتينين حمامة سلام.
آخر إنجازات السيدة ليتينين حيال بلد الأزر، أنها ربطت إقرار موازنة الخارجية الاميركية للسنة المالية 2012 بوقف المساعدات العسكرية للجيش اللبناني.
السيدة ايلينا روس ليتينين كانت أبرز الحاضرين قبل يومين في لقاء تيار «المستقبل» و«قوى 14 آذار» والمسؤولين الاميركيين في واشنطن.
حين تأتي السيدة ليتينين من بلاد ثورة فيدل كاسترو وتشي غيفارا لتصافح اللبنانيين، يتذكر المرء مقولة أرنستو تشي غيفارا الشهيرة «أن مغامراً يطلق الثورة، وبطلاً يقودها، وانتهازياً يستغلها». كيف لا يفكر المرء بالانتهازية حين يرى ليتينين تبارك «ثورة الارز» للقضاء على ما بقي من مقاومة، ويرى هيلاري كلينتون تبارك لقاء تونس للقضاء على سوريا، ويرى المسؤولين الاميركيين يجوبون بلاد الثورات العربية من مصر الى ليبيا فتونس واليمن يحصدون ما زرعه محمد البوعزيزي ورفاقه.
كل العرب يخطبون ود أميركا. ليس في الأمر ما يعيب، ولكن بعد ما حصل في العراق والسودان وفلسطين ولبنان وليبيا والصومال واليمن، هل ثمة من يشرح لنا بماذا نفعتنا واشنطن والسيدة ليتينين؟ أولسنا نستعيد تاريخ استقواء واحدنا على الآخر بالأجنبي كما فعل اجدادنا من المحيط الى الخليج قبل تقسيم فلسطين وبعده وفق ما كشفت الوثائق البريطانية او وثائق «ويكيليكس»؟ فهل من يقرأ ويسمع؟
موقع المنار غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه