16-11-2024 07:52 AM بتوقيت القدس المحتلة

مقالات وآراء الصحف الأربعاء 16/3/2011

آراء ومقالات من الصحف المحلية العربية


ـ النهار \\عبد الوهاب بدرخان : رسائل تظاهرة الأحداث
ما كان معروفا ولا يقال أصبح معروفا ويقال: لم يعد هناك إجماع وطني في لبنان على "سلاح المقاومة". والسبب بالغ الوضوح، لأن المقاومة أدارت سلاحها الى الداخل فأصبحت أولا عنصر تهديد وترهيب، وصارت ثانيا تستخدمه من أجل تغيير الواقع السياسي. وأيا تكن حججها فانها – واقعيا وعمليا – لم تكن مضطرة الى ذلك، بل كانت ولا تزال مضطرة لضمان استدامة الاجماع من حولها. ها هي قد فقدته من دون أمل في استعادته.
من الذي تبرع لاسرائيل بهذه الهدية، الذين حولوا وجهة السلاح أم الذين قتلوا بهذا السلاح في الداخل أو تلقوا وطأته وإهاناته؟ هذا جدل عقيم يتأتى خصوصا من ان الفئة التي تحمل هذا السلاح وتتصرف به، وتوابعها الذين يستقوون بسلاحها، يرفضون الاعتراف بحقائق البلد ويستهترون باستقراره ولا يبالون بمستقبل شبابه ولا يحترمون مواطنيهم اللبنانيين مثلهم.
14 آذار 2005 كان إيذانا بانهاء الوصاية السورية، و14 آذار 2011 بات إيذانا بانهاء وصاية السلاح. المسألة ليست شعارات طنانة وانما استحقاق وطني لا بد منه. هذه هي الرسالة التي أطلقتها تظاهرة الاحد بحشد جماهيري لا يمكن تجاهله، وهي بمعانيها الآتية من أعماق المجتمع رسالة مصاغة بمعايير روح التغيير التي استيقظت في العالم العربي من المحيط الى الخليج.
لم يكن لـ"حزب الله" ان يلعب هذه اللعبة العبثية في الداخل. فهو يعرف جيدا الحقائق خصوصا تلك التي تعمد ويتعمد تضخيمها وتركيب مؤامرات عليها وإلباسها أثوابا تمكنه من تخوين الآخرين. فمهما بلغت الهواجس لديه لم يكن هناك ما تتعذر معالجته بالتصارح والتحاور في الداخل ومع الداخل. ذاك ان الآخرين يعرفون ارتباطاته الايرانية والسورية، وارتضوا ان يتوافقوا معه، وأن يجلسوا وإياه ويعملوا معه في الاطار الحكومي، لأنهم يحترمون ما أنجزه من أجل البلد ويقدرون تضحياته، ولديهم تقويم ايجابي للقدرات غير العسكرية وحتى العسكرية التي يتمتع بها، بل لديهم قاسم (أو جامع) مشترك هو التربية التي تشربوا معها المشاعر والثوابت ذاتها ضد العدو الاسرائيلي، لكنهم شأنهم شأن كل شعب عربي رفضوا ويرفضون أن يكون الصراع مع هذا العدو والقتال ضده وسيلة أو غطاء لاضطهاد الشعب والتسلط عليه في الداخل.
الرسالة الثانية التي أطلقتها تظاهرة الاحد هي أن ثمة معارضة سياسية حقيقية كرست ولادتها في لبنان، ربما للمرة الاولى منذ بدايات نظام الوصاية السورية وحتى رحيله الرسمي ومع بدايات عودته غير الرسمية الآن. كان هذا النظام استخدم السلاح ايضا لصنع الوفاقات التي تناسبه وفرض الخلافات والعداوات التي تلائم سياسة "فرّق تسدْ" رغم أنه، هو ايضا، لم يكن مضطرا اليها، لأن اللبنانيين التواقين الى الخروج من حروبهم كانوا سيقدرون لأي جهة خارجية مساعدتها لاعادة الوئام في ما بينهم، فهم يريدون العيش معا، وبالتالي يريدون أن يتبادلوا الغفران والمسامحة وينطلقوا الى تعاهدات جديدة، من دون ان يعني ذلك انهم سينسون اساءات بعضهم الى البعض الآخر. هذه المعارضة كانت في صدد التبلور عام 2005 عشية اغتيال رفيق الحريري، ولعله دفع في ما دفع بموته ثمن اتجاهه للانخراط فيها. بل لعل هذا ما خطر في ذهن سعد الحريري عندما تحدث، بعد "الانقلاب" الذي أقال حكومته، عن السعي الى "اغتياله سياسيا".
هذه معارضة سيقول خصومها إنها لا "تخيف" أحدا. بل ان أحد خصومها، من جماعة السلاح، تكرّم بالاعتراف لها بـ"حقها" في أن تعارض، لكنه لم يتورع عن مطالبتها، صدّقوا أو لا تصدقوا، بأن تعارض "حسب الأصول". أي "أصول" يعني، الارجح أنه لا يعرف، إلا اذا كان يعني ان على المعارضة ان تتسلح... هذه معارضة لا تريد أساسا إخافة أحد، بل تسعى الى اعادة الاعتبار للسياسة، وللتعايش والتواطن السلميين. هكذا كانت قبل ستة أعوام، وهكذا استمرت وهي في الحكم، وهكذا واصلت من خلال جمع كل الاطراف في حكومة وفاقية، وهكذا ستكون وهي خارج الحكم، مثلها مثل الذين ثاروا بعدها في تونس ومصر وليبيا واليمن ولديها الطموح نفسه لأن تنتصر بسلميتها وارادتها وبالاهداف السياسية التي حددتها. بات الصراع الآن على المبادئ والاعراف التي تحترم المواطن ومواطنيته، وعلى اعادة الاعتبار للدستور والدولة والمؤسسات، وهو صراع لا يمكن ان يحسم على طريقة سفاح ليبيا، أو سواه من السفاحين، أي بغلبة السلاح وإخضاع أبناء الشعب.
الرسالة الثالثة لتظاهرة الاحد عنوانها العدالة. وهي مطروحة، بمعزل عن الانقسام بين 8 و14 آذار، لأنها فرضت نفسها استحقاقا وطنيا. وعندما طرحت غداة الاغتيالات لم يعتقد أحد انها قد تصبح يوما عنصر مساومة: العدالة مقابل السلاح، او العكس. بالنسبة الى اللبناني، عندما كان متاحا له ان يحترم "الأصول"، كانت المعادلة كالآتي: الشعب يريد تحقيق العدالة وصون المقاومة وسلاحها. هذه هي المعادلة الصحيحة للبنان لأن في جناحيها دماء لشهداء ينبغي أن نحترمهم جميعا وأن نعتز بتضحياتهم جميعا وأن نتعظ بموتهم ولا نميز بين شهيد وشهيد، وإلا نقع في الاثم "الوطني" المقيت، كما نحن الآن. فالعدالة تحترمها أو لا تحترمها. اذا احترمتها تكون هي الحامية الضامنة للسلاح المقاوم ضد اسرائيل، وهي المحصنة للداخل أمام كل أنواع الهواجس. اذا لم تحترمها فانك تأخذ البلد والمجتمع والمقاومة الى المجازفة، بل الى المهلكة.
أما الرسالة الرابعة فهي موجهة الى الحكومة العتيدة  التي سيبذل أقصى الجهد لاستيلادها ردا على تظاهرة الأحد. المعارضة الجديدة لن تمنع أي حكومة من العمل طالما انها لا تتمتع بـ"الثلث المعطل"، لكنها وضعت أمامها جملة مبادئ وطنية، ولها أن تحترم مصلحة الوطن او تهتم بمصالح من هبّ ودبّ داخليا واقليميا، ولتتمكن عندئذ من مواجهة اللبنانيين.

ـ الحياة \\عبدالله اسكندر : "درع الجزيرة" في البحرين
يعني دخول قوات من «درع الجزيرة» التابعة لمجلس التعاون الخليجي الى البحرين، أن ثمة تقديراً خليجياً بأن الأزمة في هذا البلد تجاوزت حدود مشكلة داخلية بين حكم ومعارضة الى تحدٍّ إقليمي يطول كل دول المجلس.
لقد كانت لهذا التحدي مقدمات ومؤشرات ظهرت منذ ان بدأت حركة الاحتجاج في البحرين واتخذت طابعاً فئوياً، في الوقت الذي حاولت السلطات البحرينية، سواء بمبادرات مباشرة او عملاً بنصائح من الخارج، احتواء الاحتجاجات، بالاعتراف بأن ثمة خللاً ينبغي تصحيحه، وأن الحوار كفيل بالإصلاح المطلوب. وفي الوقت الذي اعتبر مجلس التعاون أن أي خطة إصلاحية في البحرين، كما في سلطنة عُمان، تفترض توافر إمكانات مالية لتنفيذ مشاريع تنموية تستجيب تطلعات المواطنين، أقرَّ مساعدات لكل من البلدين تصل الى عشرة بلايين دولار. بكلام آخر، اعترفت السلطات البحرينية، ومعها مجلس التعاون، ان ثمة حاجة لإصلاح داخلي، وأنه ينبغي توفير الإمكانات لهذا الإصلاح.
لكن لا الدعوات الرسمية البحرينية الى الحوار مع المحتجين من أجل دراسة المطالب والعفو العام عن مدانين، ولا المساعدات المالية الخليجية الكبيرة الهادفة لدعم هذا الاصلاح، نفعت في إقناع المحتجين بضرورة إخلاء الشارع وقبول المعالجة السياسية المقترحة، متمسكين بشروطهم تغيير الطابع الدستوري للسلطة لحسابات فئوية. وهنا تكمن المشكلة في أزمة البحرين.

في عودة الى المقدمات، لقد جرى في البحرين كشف خلايا ترتبط بإيران، وجرت محاكمات لمتورطين فيها بتهم ضرب الاستقرار والعمل على قلب نظام الحكم، وصدرت أحكام في هذا الشأن. وذلك في الوقت الذي صدر كلام من طهران عن تبعية البحرين لإيران. ومع اتضاح هذا الجانب من المشكلة، سعت البحرين الى إبقاء هذه الأحكام في إطار فردي، وحاولت الحفاظ على علاقة ايجابية مع إيران. وربما دفع وزير الخارجية الايراني السابق منوشهر متقي ثمن تصريحات تصب في هذه الايجابية، عندما أقاله الرئيس أحمدي نجاد بعيد حضوره مؤتمراً في المنامة تحدَّث فيه عن علاقة ندية مع دول مجلس التعاون عموماً، والبحرين خصوصاً.وفي الوقت ذاته، نأت اطراف شيعية بحرينية بنفسها عن المواقف المتطرفة التي عبرت عنها الحركة الاحتجاجية في الشارع، خصوصاً بعدما سحبت السلطات قواتها وكررت الدعوات الى الحوار. ومع إطلاق مدانين في الشبكة الايرانية وعودة بعضهم من الخارج، اتخذت الحركة الاحتجاجية طابعاً فئوياً صريحاً في المطالب والتحركات، وتجاوز بعض الشعارات مطالب الاصلاح والتنمية الى تغيير النظام، مع التشدد في الاعتصام وتعطيل الحياة العامة في البلاد. وفي موازاة ذلك، أعلنت طهران رسمياً دعم المعتصمين، محذِّرة من التعرض لهم، ومطالِبة بتلبية مطالبهم كمعارضة سلمية، وذلك في الوقت الذي ترفض السلطات في ايران الاعتراف بالمعارضة الإيرانية وتطارد أفرادها في الشوارع وتمنع تظاهراتهم السلمية وتعتقلهم وتُصدر الأحكام في حقهم، بما ينفي أيَّ تأييد ايراني للاصلاح ويجعل موقف ايران من أحداث البحرين مشكوكاً فيه، إن لم يكن تدخلاً عبر مؤيدين لقلب المعادلة في المنامة لمصلحة إيرانية، لتتخذ الأزمة طابعاً إقليمياً واضحاً، بعدما استنفدت المعالجات المحلية لها. التبريرات الرسمية لدخول قوات «درع الجزيرة» الى البحرين تناولت جانب الاتفاقات داخل مجلس التعاون وتلبية لطلب من المنامة في إطار هذه الاتفاقات. لكن مقدمات الأزمة البحرينية تحمل على الاعتقاد بأن البعد الاقليمي لم يكن غائباً عن الحساب. ويشكِّل هذا الدخول إشارة رمزية من مجلس التعاون، الى أن دوله لن تقبل بتغيير المعادلة البحرينية، سواء بضغط من الداخل او بتدخل من إيران.

ـ الحياة\\ رنده تقي الدين: مخاطر النووي الايراني
الكارثة النووية التي نتجت من انفجار مفاعل ثانٍ في محطة فوكوشيما في اليابان تطرح السؤال عمّا اذا كانت جميع سيناريوات المخاطر قد تم التخطيط لها في جميع المفاعلات النووية التي توجد حالياً في العالم. فما فاجأ اختصاصيي الطاقة النووية انه عندما ضرب اليابان الزلزال المدمر الذي اطلق تسونامي، تمكنت انظمة المفاعل النووي التي تعمل في حالة الطوارئ من وقف المحطة النووية. لكن المشكلة كانت وفق خبراء الطاقة النووية انه من اجل ايقاف المحطة كلياً ينبغي تبريد قلبها الذي يبقى حامياً فينبغي تبريده بالمياه، وعند هذه اللحظة خرب كل شيء، فالمخزون من المياه لم يكن بالامكان التوصل اليه، وانقطع التيار الكهربائي مما اوقف المضخات الكهربائية، ومضخات الطوارئ لم تعمل، فلا شيء من اجراءات الطوارئ تحرك ولم يكن بالوسع تبريد المفاعل النووي. والقلق الآن في كل الدول التي تملك مفاعلات نووية انه ينبغي أن تراجع عمل محطاتها النووية وان تنظر كيف بنيت وما اذا تم اخذ جميع سيناريوات المخاطر والطوارئ المحتملة في الاعتبار، لأن ما حدث في اليابان كان استثنائياً فكان المفروض ان تعمل مضخات الطوارئ للتبريد حتى في حال حدوث تسونامي وفق الخبراء. فهذه المسألة تطرح نفسها على جميع الدول التي لديها طاقة نووية وهي كثيرة. ففرنسا مثلاً تعتمد للطاقة الكهربائية على 80 في المئة من الطاقة النووية، واذا كان بلد مثل اليابان يتميز بتقدم تقني كبير قد واجه مثل هذه الكارثة فالسؤال اليوم مطروح بالنسبة الى مفاعل بوشهر النووي الذي بناه الروس في ايران. وصحيح ان الخليج لا يواجه خطر تسونامي ولكن ايران تقع في منطقة جيولوجية معرضة للزلازل. والسؤال هو عمّا اذا كان الذين بنوا مفاعل بوشهر اخذوا في الاعتبار وجود مفاعل نووي في منطقة زلزالية ولا احد يملك الجواب على ذلك، الا ان المخاوف بالنسبة الى هذا الموضوع مشروعة، وكذلك بالنسبة الى كل المفاعلات النووية الموجودة في هذه المنطقة الزلزالية. هذا بالنسبة الى المفاعل النووي المدني. ففي فرنسا قال احد الخبراء انه يتم درس جميع الزلازل التي ضربت البلد ومضاعفة عددها بحيث تتخذ اجراءات طوارئ لمواجهة اقصى الاحتمالات. والسؤال: هل اتخذت هذه المعايير في بناء محطات نووية في بلدان اخرى؟

وعلى رغم ذلك ترى غالبية خبراء الطاقة ان الطاقة النووية ينبغي ان تبقى مهمة بين مصادر الطاقة، لأن العالم في حاجة اليها على المدى الطويل لانها تكمل مصادر الطاقة الاخرى الاساسية التي قد لا تكفي على المدى الطويل مثل النفط والغاز، ويقول الخبراء ان تقنية النووي هي عموماً متقدمة جداً واجراءات الامن فيها اكثر واشد مما يتم اتخاذه في صنع الطائرات والمحركات، فهي اجراءات لامن هذه الطاقة تتم مراجعتها وتشديدها باستمرار ولكن الطاقة النووية ليست المشكلة انما كيف تتم مراقبة امنها طوال السنوات، ولهذا طرحت كارثة اليابان اسئلة كبيرة لأنه بلد صناعي كبير ومتقدم ومع ذلك حدثت فيه هذه الكارثة.
والآن بعد اخطر كارثة نووية مدنية بعد تشرنوبيل في اوكرانيا عام 1986 تعزز تأثير مقاومي الطاقة النووية في العالم. ففي المانيا اعلنت المستثارة انغيلا مركيل عن تأجيل العمل لتطوير عمر المحطات الالمانية مدة ثلاثة اشهر. وفي اليابان يأتي 30 في المئة من الكهرباء من الطاقة النووية وفي فرنسا 80 في المئة. وكانت المانيا قررت منذ 10 سنوات التخلي عن الطاقة النووية وطورت بدائل طاقة اخرى اصبحت الآن تمثل 20 في المئة من طاقتها الكهربائية. والآن تطرح كارثة اليابان اسئلة كبيرة عن امن هذه الطاقة لان مناهضي النووي يقولون انه لا يمكن مهما تقدمت التقنيات الغاء كل المخاطر.
ـ الحياة جهاد الخازن عيون وآذان : أفهم لماذا يشعر أهل الخليج بالقلق!
ليست لي مشكلة مع الجمهورية الإسلامية في إيران أو مع الشعب الإيراني، ولكن عندي مشكلة كبيرة مع سياسة محمود أحمدي نجاد، ومع العرب من أنصار النظام الإيراني الذين أراهم طابوراً خامساً.
كنا في «الحياة» أقمنا علاقة مباشرة مع الحكومة الإيرانية منذ عودة هذه الجريدة الى الصدور، وأرسلنا مراسلاً ليقيم في طهران ويزودنا بالأخبار الإيرانية يومياً. ووجدنا ان محمد خاتمي مفكر عالي القدرة، فاستكتبناه في «الحياة»، ونشرنا مقالاته عن العلاقات الإقليمية والدولية ومستقبل المنطقة، وأصبح خاتمي رئيساً وزادت أهميته، وأعدنا نشر مقالاته ليعرف الناس كيف يفكر الرئيس الإيراني.محمود أحمدي نجاد خَلَفَ خاتمي في الرئاسة، ورأيته بعد ذلك في قاعة الجمعية العامة للأمم المتحدة حيث ألقى خطاباً يتفق مع أفكاري السياسية لتحرير القدس، وبما أنني أحضر دورة الجمعية العامة كلَّ سنةٍ كعضو وفد، لا كصحافي، وأجلس في مقاعد الوفود العربية، فقد ذهبت إليه بعد الخطاب، وهو واقف بجانب مقاعد إيران القريبة من مقاعد لبنان، بسبب الأبجدية، وهنأته على خطابه، وقلت له إنه أفضل من خطابات عربية كثيرة سمعتها.كل المسؤولين الإيرانيين الذين أعرفهم، من وزراء وسفراء وغيرهم، يجيدون العربية بحكم دراستهم الدينية، غير أن أحمدي نجاد احتاج الى من يترجم له ما قلت بالعربية والإنكليزية. وطلبت من مرافقيه أن يسألوه في أي آية وأي سورة يُمنع على المسلمين امتلاك سلاح نووي، فقد قال ذلك في خطابه، وهم ترجموا، وسألهم وتحدث معهم، ثم التفت إليّ باسماً وصافحني وهو يقول: شكراً، شكراً.

بكلام آخر، علاقة «الحياة» مع إيران كانت دائماً طيبة، وقد أيدت شخصياً إيران في امتلاك سلاح نووي، وهو أهم موضوع في مواجهتها مع الغرب، ولا أزال أؤيدها، ثم جاء أحمدي نجاد، ووجدت تدريجاً أنه أهوج وغوغائي، وقد أثار قلق الجيران ودول العالم. وأعرف مِن صانعي القرار العرب مباشرة أنه هدد دولتين في الخليج، وهو وفّر لإسرائيل ذخيرة ضده بالإصرار على نفي المحرقة، كأنه هو المتهم بالجريمة لا الغرب المسيحي عدوه. أخلص من كل ما سبق الى مقال لي نشر في الثالث من هذا الشهر قلت فيه ان مشكلة الشيعة العرب هي مع إيران لا الدول العربية «لأن الشيعة العرب محاطون بشكوك الولاء لإيران حتى وهم ليسوا كذلك»، أي أنني نفيت التهمة عنهم.ووجدت بسرعة أن أنصار أحمدي نجاد مثله، فقد تلقيت بضع عشرة رسالة تتهمني بالوقوف ضد الشيعة العرب. حتماً لم أقف ضدهم، فقد كانت آخر كلمات في الفقرة هي «وهم ليسوا كذلك» أي أنني نفيت عنهم التهمة، وعندما رددت على جميع الرسائل لم أتلقَّ اعتذاراً أو اعترافاً بالخطأ إلاّ من قارئ واحد فقط. ثم قرأت رسائل أخرى بالمعنى نفسه في بريد «الحياة»، ولا أجد الخطأ فيها غير مقصود.أسوأ تبادل كان مع شيعي كويتي، لي معه مراسلات سابقة، بعث إليّ برسالة بالإنكليزية لغتها سقيمة ملأى أخطاء حتى لا تكاد تُفهم لولا أنني أعرف توجهه، وهو قال إن ليس من حقي أن أتكلم عن تاريخ ألف سنة لدول الخليج مع إيران.قلت له إنه أحمق ونصحته بأن يتعلم الإنكليزية، ورد عليّ بأن الرسالة من 20 باحثاً زعم انهم 12 سنّياً وخمسة من الشيعة وثلاثة مسيحيين (الكلمة التي اختارها للمسيحيين بالإنكليزية جعلتهم من القوقاز أو الشركس). ثم «أمرني» ألاّ أرسل إليه رسائل وقلت له انني رددت على رسائل بدأها هو ووجدتها حقيرة مثله.

طبعاً هو يكذب، وقلت له انه مجرد ناشط شيعي وان لا وقت عندي للمتطرفين من أي طائفة، وردّ كأنه يهددني بأن جماعته تدرس كتابات 45 صحافياً أنا منهم وستنشر رأيها عبر الميديا الجديدة. وهو اتهمني في رسائل متتالية بأنني «وهابي»، مع أنني أرجح ان الوهابيين لا يريدون مثلي بينهم.
عدت الى أوراقي ووجدت بينها جدلاً سابقاً لي مع الرجل نفسه أو الجماعة المزعومة، فقد كنت أكتب عن دورة الجمعية العامة قرب نهاية أيلول (سبتمبر) من السنة الماضية، وتلقيت رسالة تقول ان الإخوان «صُدموا» بما كتبت لأن أفضل خطاب ألقي في الجمعية العامة كان خطاب أحمدي نجاد. ومرة أخرى أنا «وهابي» وهم ليسوا شيعة فقط. وأحمدي نجاد يحمل دكتوراه، أراها في الحمق.والجدل انتقل الى حزب الله، الذي أؤيده ضد إسرائيل بالمطلق، فقد قلت في برنامج لتلفزيون «الجزيرة» انني كنت أفضّل لو أن حزب الله انتظر صدور القرار الظني ثم هاجم ما لا يعجبه فيه بدل أن يهاجم شيئاً غير موجود. هذا الرأي فُسِّر على أنه ضد حزب الله، مع انني أيدت المقاومة دائماً ولا أزال أفعل.
الرسائل الإلكترونية كلها، تنتهي بتوقيع «مجموعة 20 قارئاً من الكويت» ولا أعرف هل هم واحد أم عشرة أم عشرون. ما أعرف هو أنهم طابور خامس ومتطرفون من نوع أحمدي نجاد أو أسوأ، وأفهم بعد ذلك لماذا يشعر أهل الخليج بالقلق ويحاولون حماية أنفسهم من عدو الداخل والخارج.

ـ السفير \\أحمد بعلبكي : هل بري وجنبلاط مع إسقاط النظام الطائفي؟
عشية انطلاق التظاهرة المطالبة بإسقاط النظام الطائفي في لبنان اتصلت بأحد الإعلاميين الناشطين في مجال استقصاء آراء ومواقف السياسيين اليومية متسائلا حول مدى صوابية حدسي بإمكانية نزول مجموعات من أحزاب طائفية للمشاركة في التظاهرة بشكل ما يعطي لطائفيتهم المعهودة ملامح الحداثة والعلمانية. وكان قد ترجح في حدسي أن يبادر الرئيس نبيه بري إلى مباركة مثل هذا النزول باعتباره تجسيدا لدعواته المتكررة لتجاوز النظام الطائفي. دعواته التي لطالما أعلن فيها امتعاضه من فساد التحاصص بين شركاء هذا النظام لقدرات ووظائف الدولة. هؤلاء الشركاء الذين لم يصغوا له «فيضطروه مرغما» إلى سحب السكين الكبير عند تقاسم بطيخ الدولة. وهو يعلم ان مثل تلك الدعوات شكلت وتشكل محورا أساسيا في الثقافة السياسية للنخب المعارضة في الأوساط الشيعية المتضررة من النهج الزبائني الطوائفي. هذا النهج هيمن في إدارة الدولة وتحصن في نظام تأسس على الربط بين زعامات تتساوم القوى النافذة إقليميا ودوليا على دعمها في تمثيل وإدارة محميات الطوائف المتحالفة معها.
غير أن الرئيس بري، وهو الذي لعب أدواراً طليعية ضمن نخب الستينيات القومية، أحسن بفضل نباهته، وفي الظروف الاقليمية الضاغطة مطلع الستينيات، توقيت عدوله عن التطلعات القومية على نطاق الأمة، ليقصرها على إنصاف الطائفة في نطاق الكيان اللبناني سائرا على خطى الإمام موسى الصدر في طرح حرمان المناطق الشيعية من الإنفاق والتوظيف الحكوميين. لقد توفرت لمثل هذا التحول نحو هذا الطرح في ظروف تراجع للمد القومي الناصري وتوسع المد الحزبي والنقابي اليساري وتوسع النفوذ الفلسطيني الذي استثار معارضة الأحزاب الطائفية المسيحية ومناصرة العصبيات الإسلامية ولا سيما السنية منها. فشكلت كل هذه الظروف والحساسيات المزمنة شروطاً ملائمة لترسيخ الكيانية الشيعية القادرة على شد عصبيتها وتحول غالبية نخبها عن النهج القومي واليساري على نطاق الكيان إلى نهج التوازن بالمحاصصة على نطاق الطوائف.

والجدير بالذكر أن الرئيس بري كان يحلو له، على امتداد ثلاثة عقود، أن يخطب أحياناً في ضرورة تجاوز النظام والنهج السياسي الطائفيين من أجل الدخول في نهج بناء الدولة مسجلا في ذلك تحديا سياسيا لأقرانه من زعامات الانغلاق العصبوي في الطوائف الأخرى ومسجلا تحديا إيديولوجيا في وجه التيارات الليبرالية واليسارية في الجنوب الشيعي خاصة. علما بأن الرئيس بري يدرك أن مثل هذا البناء لا يقوم «في البلدان التي تكثر فيها العصائب» على حد قول إبن خلدون. وهو يتذكر أن خطاب الحداثة والعلمانية في بناء الدولة وتجاوز الطائفية، سبق للرئيس كامل الأسعد أن اعتمده من قبله، عندما حاول المزايدة على طروحات الحرمان الشيعي في نهج الإمام الصدر وحاول الاستيعاب السياسي ـ الثقافي للمد القومي الليبرالي واليساري السياسي في أوساط النخب الشيعية الجنوبية، فعمل على تأسيس ما سُمي حينذاك بـ«الحزب الديموقراطي الاشتراكي». لقد كان حدسي في محله عشية التظاهرة حول ما توقعته من نوايا محتملة للقيادات في كل من حركة أمل والحزب التقدمي الاشتراكي. وها هم بعض وجوه الثقافة في كل من قيادتيهما يتنقلون بخطى استطلاعية بين معارفهم ينقلون إليهم آخر ما سمعوه وما لاحظوه من مباركات الزعيمين للتظاهرة ولأهدافها المدنية والديموقراطية. ويضيفون ان هذين الزعيمين يمثلان فعلا ضمانة لوجودهم كعلمانيين أو كديموقراطيين، متكيفين داخل حزبيهما في مواجهة المتعصبين الكثر من اخوانهم ورفاقهم ونوابهم في قيادتي الحزبين. ولذلك تحرص تلك الوجوه الثقافية على الحضور وعلى خرق حدود محرمات عصبياتهم التنظيمية في الظروف الطارئة وفي مناسبات يستعصي على زعيمي الحزبين حضورها ومفاجأة قواعدهما المعبأة حصرا للمناسبات الصدامية بين الطوائف أو للمناسبات التضامنية مع حلفائهما في لبنان أو في الخارج.
ولم يقتصر تذكير مثقفي الاستطلاع بديموقراطية وعلمانية زعيمي حركة أمل والحزب الاشتراكي على التطمينات الداعمة لأهداف التظاهرة. بل أُلحقت غداة التظاهرة، بمثيلات لها على ألسنة قيادات شبابية أولى في مقابلات صحافية حيث قرأنا في جريدة «السفير» (عدد الثلاثاء 8 آذار 2011):
÷ إشادة لمسؤول الجامعات الخاصة في منظمة الشباب التقدمي الأستاذ باسل العود بـ«بموجة التغيير الجدية في بعض الدول العربية...» ومنها مصر حيث رفع المتظاهرون في ميدان التحرير شعار «الشعب يريد بناء النظام» غامزاً من قناة الشعار الغالب في تظاهرة بيروت وهو «الشعب يريد إسقاط النظام» مضيفا «أن الثورة في لبنان غير واردة» متأسفا على المشاركة في ثورة الأرز «التي كانت سياسية ولم تحقق شيئا على المستوى المطلبي» (؟). ومذكراً بأن الحزب التقدمي يطالب منذ فترة طويلة بإلغاء النظام (أم ببناء النظام؟) الطائفي... «وأن إلغاء الطائفية كان مطلبا أساسيا للشهيد كمال جنبلاط منذ تأسيسه الحزب».
÷ وقرأنا في العدد نفسه من «السفير» تأييد ومباركة مسؤول مكتب الشباب والرياضة المركزي في حركة أمل الاستاذ يوسف جابر لـ«كل تغيير يقوم به الشباب فهو ثورة وثروة لوطنهم ليعبروا به نحو الأفضل ويشاركوا في التظاهرات لإسقاط الأنظمة...». وهنا يقصد ما حصل في الانتفاضات الشبابية في البلاد العربية وفي لبنان فيطالب هذا المسؤول بتغيير النظام الطائفي الذي كان الرئيس بري أول من دعا له...».
قد يستهجن أي قارئ او مُلاحظ غير لبناني غرابة المفارقة بين مضامين الخطابات التي توجهها كل من القيادتين لجمهرة أتباعها في المناسبات التعبوية، مضافة إلى السلوكيات الزبائنية في استقطاب وجهاء القرى والعائلات، وإلى الضغوط في ضبط التحاصصات في موارد وخدمات الدولة وفي إعادة توزيعها من جهة، وبين مضامين تصريحات القيادات الشبابية في حركة أمل والحزب التقدمي الاشتراكي التي تذكر بأسبقية الزعماء المؤسسين في المطالبة بإلغاء النظام الطائفي وتطمينات القيادات المثقفة في هذين التنظيمين من جهة ثانية.
ولكن استهجان تلك المفارقة بين الخطاب التعبوي وبين الرأي الثقافي سرعان ما يزول عندما يدرك القارئ او الملاحظ أن لزعامة العصبيات الطائفية أحكامها في ضرورة المزاوجة بين رأي ثقافي مدني يوجهه للنخب من جهة وبين خطاب عصبوي تعبوي يوجهه للجمهرة من جهة أخرى. وعندما يدرك أيضا ان من أحكام عصمة الزعامة ان لا تصدم جمهرتها، التي تفديها بالروح والدم، بآراء تخالف التحسسات المستثمرة عادة في الخطاب التعبوي. فيدرك أي قارئ او ملاحظ في هذه الحال ان معضلة النظام الطائفي في لبنان، وهي معضلة البناء المستعصي للدولة الكثيرة العصائب، لا حل لها طالما واصل كل من الزعيمين بري وجنبلاط نهجهما في الفصل بين الرأي النخبوي من جهة والخطاب الجماهيري من جهة ثانية، فيعوقان تقدم الثقافة المدنية المعاصرة ويرتهنان، كل في طائفته، لميول التعنصر التي يسهمان، بأشكال مباشرة او غير مباشرة، بتغذيتها لدى العامة الدهماء في طائفته.
فهل يأتي اليوم الذي نراهما فيه متخففين من أعباء الزبائنية المرهقة داخل الطائفة وخارج الدولة وسائرين في طليعة التظاهرات الديموقراطية التي تحترم الطائفة كاجتهاد في الدين وتعارض الطائفية كأداة لتحاصص السلطة والثروة في السلم كما في الحرب؟
وهل يأتي اليوم الذي يتوقفان فيه عن لعب الدور الأكثر حنكة في حماية النظام من داخله كما من خارجه؟