قطعت ايران إمداداتها النفطية عن ألمانيا وأسبانيا وبريطانيا وفرنسا واليونان، الخبير عدنان الحاج يقول إنهم سيجبرون إيران على إغلاق مضيق هرمز وهذا مؤشر على الحرب
يشهد ملف العقوبات النفطية على الجمهورية الإسلامية في إيران تصاعدا ملحوظاً هذه الأيام، حيث تقاطعت معلومات حول قرار من إيران، بقطع إمداداتها النفطية عن ألمانيا وأسبانيا وبريطانيا وفرنسا واليونان، وهي في اتجاه وقفها عن إيطاليا، بحال لم تلتزم بالشروط الايرانية للتعاقد معها.. وكأن إيران لم تكتف بهذا الموقف إذ أردفته، يوم أمس، بإعلان جديد يشي بوقف الاستيراد من 100 شركة أوروبية.. ما هي دلالات هذه الخطوات الايرانية اليوم، مع الاقتراب من المهلة التي حددها الاتحاد الأوروبي لتنفيذ عقوباته في تموز ؟!!.. الخبير الاقتصادي اللبناني مسؤول الصفحة الاقتصادية في جريدة السفير عدنان الحاج، يقول لموقع المنار، أن تصاعد حدة العقوبات على إيران لا يبشر بالخير وهم يدفعونها إلى الاضطرار لإغلاق مضيق هرمز وهذا يعدّ من مؤشرات الحرب!!..
موقف إيران قطع الإمدادات خطوة استباقية في معركة "عض الأصابع"
موقع المنار: إيران أعلنت أنها سوف تقطع إمدادات النفط عن ألمانيا واسبانيا وبريطانيا وفرنسا، ما هي دلالات هذه الخطوة من الناحية الاقتصادية لبلد يواجه الحظر الدائم مثل إيران؟.
الخبير الحاج: جاء القرار الإيراني بمثابة رد على قرار الاتحاد الأوروبي بالحظر على النفط الإيراني ولائحة العقوبات.. وهناك ثلاث لوائح عقوبات صدرت بحق إيران، هي لائحة الاتحاد الأوروبي، والتي كانت فرنسا وألمانيا رأس حربة فيها، واللائحة الأميركية، وطبعا الثالثة هي اللائحة الأميركية التي أقرها مجلس الأمن بشأن بالعقوبات في ما خص تعاون إيران في المفاعل النووي.. من ناحية اقتصادية ينعكس في المرحلة الأولى في ارتفاع أسعار النفط. طبعا تتأثر صادرات إيران اقتصاديا، ولكنها تدرك تماما أنها تجد أسواقا أخرى لتصريف انتاجها النفطي في آسيا والهند والصين واليابان... ومن الجدير ذكره أن أسعار النفط أساسا تسير في وتيرة تصاعدية وبمجرد الحديث عن موضوع قطع إمدادت النفط الإيراني، بالإضافة إلى تهديدات إيران بصورة مستمرة بإغلاق مضيق هرمز، سيؤدي حتما إلى تزايد في ارتفاع اسعار النفط عالميا وستتأثر به كل الدول في العالم. أما إذا أقفلت إيران مضيق هرمز فسوف تقع أزمة نفطية على صعيد العالم ككل ولن تبقى محصورة بالدول الأوروبية أو أميركا، لأن كل النفط الذي يصدر من السعودية وإيران، وهما أكبر دولتين منتجتين للنفط في المنطقة، ودول الخليج الأخرى، وقطر المنتجة للغاز، ستوقف ضخها للعالم.. برأيي القضية برمتها هي اقتصادية وسياسة في آن واحد، ولا ينفكان عن بعضهما أبدا، هي ضغط اقتصادي من أجل تحسين المواقع السياسية..
موقع المنار: هذه الخطوة التي تعد تقدمية كيف تخدم إيران؟.
الخبير الحاج: نحن نعرف أن هناك قرارات أخذت على العقود الإيرانية النفطية وستنتهي في أوائل تموز المقبل من هذا العام، حيث سيباشرون في التطبيق الفعلي لهذه القرارات، ولكن إيران استبقت الموضوع وأصدرت قرارات وقالت إنها هي من سيبادر إلى وقف النفط عن الدول الأوروبية التي تشتري من إيران .. هذا برأيي خطوة استباقية في معركة عض الأصابع .. فهي عملية اقتصادية تحثها العملية السياسية، لتؤدي إلى الحد من العقوبات التي تصدر بحق إيران وهي عقوبات اقتصادية تصاعدية ..
ودعينا نعترف أنها أثرت إلى حد ما على صرف سعر العملة المحلية لأنه في النهاية إيران دولة نفطية مصدّرة، تحضر عملة صعبة، وهي دولة منتجة عندها صادرت وأسواق فبالتالي ستتأثر بأي حظر على المؤسسات الكبرى التي تتعامل معها عالميا .. ولكن يبقى أمام إيران منافذ عديدة لأن هناك دولا لا ترى أنها مجبرة على تطبيق العقوبات الأوروبية أو الأميركية، وإيران تتعامل مع هذه الدول لتعوض أسواقها.. ولا ننسى أن إيران أساسا عليها حظر اقتصادي منذ انتصار الثورة الإسلامية فيها، فاعتادت على أوضاع الحصار وهذا ما يجعلها قادرة بشكل أكبر على التكيف في مثل هذه الظروف الحالية .. لذا من الطبيعي أمام هذا التصاعد من الضغط عليها ومحاصرتها أن يكون لدى إيران قرارات لتقيم توازنا في التهديد الاقتصادي ولن تنتظر إلى تموز .. فهي بهذا تعطي إشارة مهمة على مدى قوتها وقدرتها على تحدي مثل هذه العقوبات وأيضا تقول لهم إنه ليس أنتم من تتخذون قرار الوقف بل نحن من نمنعكم من الاستفادة من نفطنا. هذا في المعنى السياسي وليس الاقتصادي، حيث هو من سيحرك إعادة التفكير في العقوبات الاقتصادية ضدها .. وقرار الإعلان الإيراني، يوم أمس، هو في الحقيقة تهديد فعلي ولكنها لمّا تنفذه بعد، وهنا يكمن القدرة الإيرانية على التعامل مع هذا الملف الشائك.... في تقديري هذه القرارات الإيرانية سوف تؤدي إلى إرباك كبير في السوق الأوروبي ..
النفط الخليجي البديل عن الإيراني عملية مؤقتة غير مدروسة
موقع المنار: ما هي مدى الفعالية للنفط السعودي في التعويض عن الإيراني؟
الخبير الحاج: لا بد من التوضيح أن أسعار النفط مرتبطة بالكميات التي تضخ.. فزيادة الانتاج في السعودية لتعويض عن النفط الإيراني، ستزيد الأسعار أولا، وستلبي بعض الحاجة فقط.. لأن الآليات التي يجري بها التعامل مع النفط الإيراني مختلفة عما هي عليه مع النفط السعودي. فالمصافي المعتادة على تكرير خام النفط الإيراني، ذات الميزة النفطية الخاصة، تحتاج منهم إلى إبدال وإلى عمليات تغيرية عدة وهذا يوقعهم في تكلفة مالية كبيرة جدا من ناحية أخرى. تقديري، نحن الأن أمام مرحلة تهويل بصوت عالي، فكل واحد يحمل سلاحه أو عصاه خلف ظهره، وإذا تشددت العقوبات على إيران أكثر سوف نرى أزمة أكبر.. وطبعا نحن ضمن دول البحر المتوسط سوف نتأثر على المدى الطويل من هذه العقوبات لأننا دول استهلاكية نستهلك أكثر مما ننتج.. فبالتالي الأسعار سوف ترتفع علينا أكثر.. وهم يرتفع عليهم سعر النفط ويصبح عندهم أزمات أكثر حدة.
وهناك مشكلة أخرى، إذا انتجت هذه الكميات التعويضية بدون أفق.. فهذه يشكل للسعودية ودول الخليج أزمة كبرى توقعها في الفراغ.. إلا إذا كانت ستستفيد من ارتفاعات أسعار النفط لتقوم بمشاريع اقتصادية إنتاجية في أمكنة أخرى ..لأن النفط لن يبقى طويلا متوفرا في المنطقة .. الحسابات عند الدول بالاحتياطات .. إذا سمعت مؤخرا أن البديل عن أزمة النفط الحالية ونقص الإمدادت هو إنشاء عمليات تخزين نفط في أوروبا وأميركا ..
موقع المنار: وهناك أيضا تصريحات أميركية صدرت مؤخرا عن أنهم قد يضطرون اللجوء إلى الاحتياطي في ظل قطع الإمدادات الكافية؟!!
الخبير الحاج: صحيح لأنهم مضطرون... بمجرد أن توقف إيران إمدادات النفط، ولن يتأمن البديل الكافي والمناسب سوف يقعون في المحظور .... ولا أعرف ما هو رأي دول منظمة "أوبك"، حيث إيران عضو أساسي فيها. وأوبك تحدد حصة كل دولة من الانتاج النفطي. في هذه الحال يجب أن يصار إلى اجتماع وأن يقولوا من يعوض عن من.. هذا إذا اتخذوا القرار وإذا لم يختلفوا مع بعضهم البعض في أوبك.. لأنه من مصلحة أوبك ان تبقى متحكمة في السعر، وأن لا يفلت منها وبالتالي هناك سقف معين للكميات التي يجب أن تنتج يوميا .. وإذا أخل بهذه المبادئ فمن شأنها أن تنفذ إلى الوضع السياسي لتثير المزيد من المشكلات.. ..
موقع المنار: معظم دول الاتحاد الأوروبي عندهم أزمات خانقة في بلدانهم ألا يزيدون على أنفسهم هذه الأزمة بفعل العقوبات التي يتخذونها بحق إيران؟..
الخبير الحاج : صحيح ..هم يعانون من أزمات مالية سيادية تعالج ضمن الاتحاد الأوروبي.. والحظر على النفط الإيراني يزيد أزمتهم، وهذا يعني أن التعويض عن النفط الإيراني سيجبرهم على دفع قيمة اكبر سعرا للنفط مما ينعكس على أزمة المديونية في الأموال السيادية في الشركات الكبرى المالية، لأن النفط أيضا جزء من البورصة ..
إيران تنطلق من موقف تحد ..وإغلاق مضيق هرمز يبشر بالحرب
موقع المنار: توافق إعلان إيران عن وقف إمدادات النفط مع إعلان أخر وهو وقف الإستيراد من 100 شركة أوروبية، كيف يصب هذان الإعلانان في خانة واحدة من "اللعبة الإيرانية"؟.
الخبير الحاج: بطبيعة الحال.. هناك صراع بين القوى الاقتصادية الثلاث في العالم، أميركا والاتحاد الأوروبي واليابان، وإن كانت الصين قوة تتصاعد وتحاول الدخول في هذه المعادلة .. صراع هذه الاقتصاديات هي على إيجاد أسواق في العالم لتصريف انتاجها.. والسوق الإيراني كبير جدا في المنطقة وعنده صناعة تحويلية. والسوق الذي يتعامل مع إيران من دول العالم أيضا ليس بصغير أبدا .. فإذا أوقفت إيران الاستيراد من هذه الدول هي بذلك تنشط السوق الصيني والياباني على حساب السوق الأوروبي .. وهذا يهدد بشكل كبير الاقتصاد الأوروبي وهو أساسا مصاب بكساد في المرحلة الراهنة .. هنا حرب المصالح فالقراران الصادران عن إيران عدا عن أنهما ينطلقان من موقف متحدي، هي تقول أيضا للغرب الأميركي والأوروبي "أنا الغريق وما خوفي من البلل؟".. بمعنى تهديدكم لي لا ينفع، وحظركم قائم منذ عقود وبأشكال مختلفة وأنا متكيفة معه، الآن أتى دوري لأمارس الحظر والمنع..
موقع المنار: كررت في حديثك التخوف من التصعيد الكبير بحال إغلاق مضيق هرمز، إلى أي مكان يمكن ان يؤدي هذا التصاعد في العقوبات؟.
الخبير الحاج: برأيي هذه الأجواء كلها إذا تصاعدت تبشر بالحرب.. لأن الخلاف على المواقع السياسية في العالم هي في تزايد ولكنها لمّا تصل بعد إلى الحد المأزوم، ولكن الخلاف الاقتصادي والمصالح الاقتصادية الكبرى يكاد يصل إلى أفق مسدود، إلى جانب الوجود الأميركي في المنطقة عبر دول الخليج وفي مراكز النفط .. إيران سوف تجد نفسها أمام خيار لا بد منه وهو الإضطرار إلى إغلاق مضيق هرمز .. وهنا مؤشر كبير للحرب.. إذ إنه دائما الضائقة الاقتصادية لدى الدول تؤدي إلى شن حروب لتغير المعادلات القائمة. فالأزمات الاقتصادية والمصالح النفطية الكبرى إذا تصاعدت أكثر مما هي عليه حاليا برأي هي من مؤشرات الحروب...وسبب الحروب هي الأزمات الاقتصادية في الدرجة الأولى.