28-04-2024 02:51 AM بتوقيت القدس المحتلة

هكذا تحوّل حلم السيد حسن نصر الله إلى حقيقة

هكذا تحوّل حلم السيد حسن نصر الله إلى حقيقة

سجّل الرابع عشر من آذار / مارس عام ثمانية وتسعين حدثاً إستثنائياً على صعيد مقاومة الإحتلال الإسرائيلي في جنوب لبنان.

نادر عزالدين


سجّل الرابع عشر من آذار / مارس عام ثمانية وتسعين حدثاً إستثنائياً على صعيد مقاومة الإحتلال الإسرائيلي في جنوب لبنان، ففي تمام الساعة الخامسة والنصف من صباح هذا اليوم أطلقت "السرايا اللبنانية لمقاومة الإحتلال الإسرائيلي" رصاصتها الأولى على صدر العدو الصهيوني وعملائه في مواقع برعشيت وحداثا والسويداء، وذلك بعد أشهر قليلة على إعلان الأمين العام لحزب الله سماحة السيّد حسن نصر الله تشكيل السرايا، حيث يكون لكل لبناني مهما كانت هويته السياسية أو الطائفية أو إمكاناته المادية والعلمية، القدرة على المشاركة في شرف دعم المقاومة وصناعة فجر التحرير.

وفكرة السرايا كانت قد تولّدت لدى السيد حسن نصر الله لحظة تقبّله التبريكات باستشهاد نجله هادي في أيلول / سبتمير العام 1997. يومها، جاءه شبان من كل الطوائف، بعضهم من لبنان وبعضهم من دول عربية وإسلامية يطلبون الإنخراط في صفوف المقاومة.
 
فعرض سماحته فكرة السرايا، التي لطالما حلم بها وأمل بتحقيقها، أمام مجلس شورى حزب الله، فشدّد المجلس على وجوب إنضاج صيغة تؤمّن الإنخراط في صفوف المقاومة من كل الطوائف ولكن من دون أن يسمح ذلك بأي خروقات أمنية في صفوف الحزب والمقاومة.
وبعد اجتماعات عدة وطول بحث وتدقيق، ولدت صيغة "السرايا اللبنانية لمقاومة الإحتلال الاسرائيلي" التي كان للشهيد القائد عماد مغنيّة دوراً كبيراً في تأسيسها.

لاقت الفكرة ترحيباً من الأحزاب اللبنانية وطلاب الجامعات، فما أن أنهى السيّد مؤتمره الصحافي الذي أطلق فيه السرايا، حتى بدأت أرقام الهواتف تستقبل عشرات المكالمات من متصلين من جميع الطوائف والمناطق اللبنانية، وتبيّن بعد فترة أنّ حوالي نصف المنتسبين للسرايا كانوا من السُنّة وما بين خمسة عشر إلى عشرين بالمئة من مسيحيي المتن والجبل والبقاع والشمال فضلاً عن الجنوب، أما الثلاثون بالمئة المتبقية كانت من الدروز والشيعة. وبعد مدّة زمنيّة قصيرة من الإعداد العسكري وإعداد الشخصيّة المقاومة، إفتتحت السرايا إلى جانب شقيقتها المقاومة الإسلاميّة، عهدها في مقارعة الإحتلال وعملائه، وفي اليوم الأول هاجمت مجموعات السرايا مواقع برعشيث، وحداثا، والسويداء بمختلف أنواع الأسلحة الخفيفة والمتوسطة ودمّرت بعض دشم المواقع وتحصيناتها ومرابضها الرشاشة.


ومما جاء في بيانها الأول: إخترنا هذا اليوم لنؤكد أنّ العدو الإسرائيلي لا يفهم منطق القانون والقرارات الدولية وأنّ هناك منطقاً واضحاً يفهمه هو منطق القوة.

وكرّت سبحة العمليات ضد مواقع الإحتلال، حيث نفذت السرايا اللبنانية لمقاومة الإحتلال الإسرائيلي إلى تاريخ خروج الجيش الذي لا يقهر مدحوراً من لبنان عام ألفين حوالي ثلاثمئة واثنتين وثمانين عملية عسكرية ضد العدو وعملائه. ومع إنجاز تحرير معظم الجنوب اللبناني، ظنّ كثيرون أن الحزب قام بحلّ السرايا اللبنانية، لكن مجريات حرب تموز / يوليو 2006 أظهرت أنّ الصيغة لم تمت وأنّ كثيرين ممن شاركوا فيها كانوا بمثابة جيش احتياطي سرعان ما نزل إلى أرض المعركة. فقد شارك عناصر السرايا في رد العدوان الإسرائيلي وكانوا منتشرين في الخطوط الأمامية للجبهة في معظم المناطق اللبنانية، وهم من المخضرمين الذين التحقوا بالسرايا منذ تأسيسها وسبق أن خاضوا العديد من العمليات العسكرية وخضعوا لدورات تدريب وأثبتوا جدارتهم ومناقبيتهم في الميدان. وقد توزّع عناصر السرايا أثناء الحرب في جميع المناطق وفق مهمات كانت مقررة لهم مسبقاً، فمن كان في الجنوب منهم، التحق مع شباب المقاومة، في حين التحق البعض بتشكيلات خاصة في الضاحية الجنوبية، وقد تولى البعض الآخر مهاماً لوجيستية وأخرى اجتماعية، وكانوا مستعدين للمواجهة أينما وجدت الجبهة ضد العدو الإسرائيلي.

ويرى النائب في كتلة المقاومة والتحرير علي فياض وفق دراسة أجراها بأنّ "السرايا اللبنانية لمقاومة الإحتلال تندرج كتجربة ونموذج في سياق تطوّر نوعي في مسار الصراع مع العدو الإسرائيلي، ولئن شكلت ولادة السرايا اللبنانية استجابة لدعوة سماحة السيد حسن نصر الله لتأسيسها إلا أنّ هذه الدعوة في جوهرها كانت تعبيراً عن لحظة تاريخية لوعي لبناني مكثف، إلتقط الأمين العام نضج ظروفها ومعطياتها وتضافر مقومات نجاحها واكتمال شروط تشكلها وانطلاقها، وبهذا لم تكن " السرايا" بحال من الأحوال تكيُّفاً تكتيكياً مع ضرورات مرحلة، ولا استجابة عابرة لمناخات المطالبة بعدم الاستئثار، بل نقلة تطورية في مسار المقاومة بالاستناد إلى تطور في وعي وواقع الصراع مع العدو".‏

ولطالما طرحت المقاومة في أدبياتها ضرورة تشكيل مجتمع مقاوم، وبناء كتلة تاريخية تضم بين جنباتها تيارات وتنويعات سياسية وفكرية مختلفة تنضوي جميعها في إطار مواجهة تاريخية مع العدو، ويبدو ذلك ضرورة لا مناص منها، في إطار رسم استراتيجية مستقبلية لمواجهة شاملة وجذرية مع العدو تتجاوز الحسابات الموضعية الحاكمة لهذه الساحة أو تلك من ساحات المواجهة.

وإذا كانت المقاومة الاسلامية في الجنوب، تشكّل الرافعة العملية لهذا المشروع، إلا أنّ السرايا اللبنانية لمقاومة الإحتلال الاسرائيلي تشكِّل النواة العملية لتلك الكتلة التاريخية العتيدة، ويشير فياض في دراسته أنّ "السرايا هي إطار مقاومة توحيدي هاضم للتنوعات السياسية والإختلافات الفكريّة، دون أن تتحوّل عائقاً أمام التفاعل وحائلاً دون التكامل، وتدل تجربة السرايا بعد نجاحها في الولادة والإستمرار أنها أضحت نموذجاً على إمكانية تحويل المقاومة مع العدو إلى هوية جامعة، وايديولوجية سياسية تترتب على أساسها الأولويات والبرامج.‏

سيبقى ملفتاً في هذه التجربة، وهو أقوى مواطن تميّزها، أنها إطار توحيدي لمقاومين من روافد سياسية وطائفية ومناطقية مختلفة، وهي بذلك تعكس صورة الفسيفساء اللبنانية الراسخة، لكن وفق مفارقة مختلفة ومدهشة، تنأى بالتنوع اللبناني خارج مجاله التصارعي إلى مجال تكاملي وتوحيدي، تمدّه المقاومة بمادته ومعناه، وتخترق الإنقسام اللبناني بمنطقها التوحيدي بدل أن يخترقها هذا الانقسام بخطابه و تجاذباته، وكذلك سيبقى ملفتاً في هذه التجربة ولدى مقاومي السرايا، ذلك الإنتماء المحض للوطن وذلك العداء المطلق للمحتل الاسرائيلي من خلال انخراطهم الصامت لكن المؤثر جداً في فعاليات المقاومة، خارج سياق التحزّب وبعيداً عن تناحر السياسات والأفكار.‏