تبنى الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي ووزير خارجيته آلان جوبيه سياسة صدام وقطيعة من غير رجعة مع النظام في سوريا
لا يشك أحد في فرنسا أن الرئيس الفرنسي القادم لن يكون (نيكولا ساركوزي)، فجميع استطلاعات الرأي تعطي هذه النتيجة. لقد خسر ساركوزي ولم يعد بإمكانه استعادة زمام المبادرة، يقول النائب في البرلمان الفرنسي (جرارد بابت). و تسرب هذه الأيام جهات على علاقة باللوبي الكاثوليكي في فرنسا أن المخابرات العامة الفرنسية أجرت استطلاع الرأي الخاص بها ونتيجته خسارة الرئيس الفرنسي الحالي الانتخابات الرئاسية في الدور الثاني من عملية الانتخاب والمقررة بتاريخ 6 أيار المقبل.
ولا يبدو في المعطيات الانتخابية واستطلاعات الرأي ما يغير النتيجة في هذه المرحلة الحاسمة من خيارات الناخبين، ولا يذكر تاريخ الانتخابات الرئاسية الفرنسية رئيسا مرشحا لدورة ثانية كانت استطلاعات الرأي تقول بخسارته بهذا الفارق الكبير قبل ستة أشهر من موعد الاقتراع إلى يوم التوجه للصناديق الانتخابية. ولا شك أن خروج ساركوزي من قصر الإليزيه سوف يكون له تأثيرات كبيرة على ملفات خارجية كانت فرنسا ساركوزي رأس حربة فيها وفي إدارتها عبر مجلس الأمن الدولي أو عبر التدخل العسكري والضغوط السياسية. و تشكل سوريا أهم ملف في السياسة الخارجية الفرنسية منذ سنة تقريبا لذلك فإن التعاطي سوف يتغير ما يغير التبعات والنتائج على الأرض وفي المحافل الدولية خصوصا مع دخول الولايات المتحدة الأميركية مرحلة (كوما) انتخابية حتى تشرين ثاني المقبل.
خروج فريق المحافظين الجدد..
الرئيس الفرنسي الحالي صديق كبير وعقائدي لجماعة "المحافظين الجدد" في أمريكا. هو اقرب الرؤساء الأوروبيين إلى قلب جورج بوش الابن الذي وصفه بالصديق الكبير لأمريكا والسياسة الأمريكية، وكانت أول زيارة للخارج يقوم بها ساركوزي بعد انتخابه رئيسا لفرنسا إلى واشنطن للقاء جورج بوش شخصيا ولإلقاء كلمة أمام (الأيباك) الذي يمثل مركز النفوذ الإسرائيلي والصهيوني في واشنطن. لم يكن ساركوزي على علاقة جيدة بباراك اوباما طيلة السنوات الماضية ولم تتحسن العلاقات حتى في الحرب الليبية التي شكل فيها ساركوزي مع أمير قطر رأس حربة، كما أن الأزمة السورية لم تقرب بين ساركوزي وأوباما رغم المواقف الأمريكية المعلنة فالحرب على سوريا و التي يبحث عنها الثنائي نيكولا ساركوزي وحمد بن خليفة تحتاج الجيش الأمريكي وأمريكا غير مقتنعة بالحرب وليست مستعدة لإغضاب روسيا أكثر في هذه المرحلة على الأقل.
منذ توليه الحكم شكل ساركوزي المحافظ الجديد حوله مجموعة من المستشارين ذات التوجه المحافظ مثل كبير مستشاريه في قصر الإليزيه (جان دافيد ليفيت) السفير السابق في واشنطن وصاحب نظرية التقارب بين فرنسا شيراك وأمريكا جورج بوش والعقل المدبر للقرار 1559 الشهير. وقد اعتمدت هذه القاعدة في منصب وزير الخارجية حيث تولاها في السنوات الثلاث الأولى (برنارد كوشنير) أخد أبرز وجوه المحافظين الجدد الفرنسيون والمقرب أيديولوجياً وسياسياً وشخصياً من (رونالد رامسفيلد وديسك تشيني وبول ولفوفيتز وريتشارد بيرل)، فيما تولى (آلان جوبيه) المنصب وبدأه بالحرب على ليبيا وبالسعي لشن حرب على سوريا عبر حملة دبلوماسية وسياسية وإعلامية وصلت لحد الهستيريا اليومية، وهذا ما اعترف به جوبيه في مجلس الأمن الدولي لبعض نظرائه عندما قال (سوريا تمنعني من النوم) ومن بديهيات القول الشائعة أن جوبيه يتعامل مع سوريا بحقد سياسي أخذه من شيراك، ولكن الجزء الأهم لخلفية هذا التعاطي والذي لا يشار إليه أبدا هو الإيديولوجي الذي حمله جوبيه بعد إقامته الطويلة متنقلا بين كندا والولايات المتحدة الأمريكية بين الأعوام 2004 و2007 حيث حاضر جوبيه في جامعة (كيبيك) أستاذا جامعيا في نفس الوقت كانت له إطلالات على معاهد ومنظمات غير حكومية في الدولتين المذكورتين وفي المكسيك تقف خلفها قوى المحافظين الجدد في أمريكا، ومن هذه المنظمات مركز العمل اللاعنفي والاستراتيجيات (كونفاس) صاحب الدور الأكبر في تدريب وتجهيز وتمويل نشطاء الانترنت في الثورات العربية ..
بين آلان جوبيه وتوكل كرمان وطل ملوحي إلى وائل غنيم
في نيسان عام 2011 وفي معهد العالم العربي في باريس، ألقى وزير الخارجية الفرنسي (آلان جوبيه) خطاباً يحمل في طياته ومعانيه معالم عقيدة جديدة في التعامل الغربي مع العالم الإسلامي مفادها أن الغرب يقبل حكم الإسلاميين في العالم العربي والسلفيين منهم، طالما أن هذا الأمر هو نتيجة إرادة الشعوب العربية وعلى الغرب مساعدة هذه الشعوب والحركات على إسقاط الأنظمة القائمة حتى ولو بالتدخل العسكري كما حصل في ليبيا. وهذه النظرية السياسية التي سوق لها جوبيه بصفته وزيرا للخارجية وتبناها علنا، حمل رايتها من الفيلسوف الصهيوني (برنار هنري ليفي) وإن كان التنافس على النفوذ بين الرجلين منع التقارب الشخصي بينهما لكن الأهداف السياسية والعقيدة واحدة وساحة العمل نفسها والحليف هو التيارات السلفية والقاعدة بالتحديد. ولم لا؟
في غربته القسرية عن فرنسا خلال سنوات ثلاث تردد (آلان جوبيه) على أكثر من مركز تابع لمنظمة (كونفاس) موطدا علاقات شخصية مع أعضاء في مجلس المنظمة مثل (دافيد ماكين، رتشارد بيرل، محمد البرادعي) في نفس الوقت الذي كانت فيه مراكز المنظمة في ( الدوحة و مكسيكو وبلغراد وكندا والولايات المتحدة الأمريكية) تستقبل عشرات الشبان العرب في دورات تدريبية على استعمال التقنيات الحديثة في توجيه الثورات وتحريض الرأي العام، ويستمر المركز لحد اليوم في عمله هذا عبر مراكزه في العالم، وقد استقبل المركز في العام 2009 عشرات الشبان الإيرانيين والمصريين والسوريين ومن اليمن والجزائر منهم المصري وائل غنيم والسورية طل ملوحي والسوري عمار القربي واليمنية (توكل كرمان) التي حصلت جمعيتها (صحافيون بلا قيود) على دعم مالي من كونفاس بقيمة 150 ألف دولار حسب ما يورد (مزري حداد) سفير تونس السابق في اليونيسكو في كتابه عن الثورة التونسية.
تأثيرات سقوط ساركوزي على سوريا..
تبنى الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي ووزير خارجيته آلان جوبيه سياسة صدام وقطيعة من غير رجعة مع النظام في سوريا ولم يتوقف الرجلان منذ عشرة أشهر عن مطالبة الرئيس السوري بشار الأسد بالتنحي، فيما حولت فرنسا مجلس الأمن الدولي إلى أرشيف ضخم لمشاريع القرار الفاشلة ضد سوريا، وتحولت باريس إلى ملجأ لكل أصناف المعارضات السورية و شاركت باريس في إنشاء المجلس الوطني السوري الذي يحظى باعترافها ورعايتها، وانتقل العمل السياسي إلى العمل العسكري عبر تسليح الجماعات المسلحة في سوريا وتمويلها والدفاع عنها وإظهارها تارة بمظهر المتظاهرين المدنيين وتارة المقاتلين من أجل الحرية، كما سماهم جوبيه نفسه في إحدى المرات.
وهذه المواقف العالية السقف التي تبناها الرجلان جعلت من الصعوبة عليهما التراجع أو إعادة نوع من العلاقات مع دمشق، فيما الوضع سوف يكون مختلفا كليا مع المرشح الاشتراكي المرشح الاشتراكي (فرانسوا هولند) وذلك للأسباب التالية:
1- إحتفاظ ( فرانسوا هولاند ) بهامش حركة أكبر بسبب ابتعاده عن تصريحات السقف العالي و المواقف المتشددة حيث لم يذكر مرة واحدة كلمة تنحي ولم يطالب برحيل الرئيس السوري وهذا سوف يعطيه هامشا كبيرا من الحركة في حال فاز بمنصب الرئاسة، واقتصرت تصريحاته على التنديد "بالقمع" وإطلاق الأوصاف والنعوت الكلامية دون أية مواقف سياسية.
2- انصراف الرئيس الفرنسي المقبل إلى معالجة المشاكل الاقتصادية لبلاده ومنع وصول الأزمة إلى فرنسا عبر العمل أوروبياً لتفادي كارثة في اسبانيا وإيطاليا كما حدث في اليونان، ولا مجال للدخول في المعمعة السورية في ظل الهموم الداخلية المتراكمة.