لم يكن المراقب محتاجا لكثير عناء ليرى العجز الكبير للدول التي اجتمعت يوم أمس الخميس في باريس في مؤتمر أصدقاء سوريا بنسخته الثالثة.
لم يكن المراقب محتاجا لكثير عناء ليرى العجز الكبير للدول التي اجتمعت يوم أمس الخميس في باريس في مؤتمر أصدقاء سوريا بنسخته الثالثة.
ولم يكن اختيار التاريخ واختيار البلد اعتباطيا أو صدفة ولكن الرئيس الفرنسي (نيكولاي ساركوزي) ووزير خارجيته (ألان جوبيه) حرصا منذ مؤتمر تونس على عقد هذا المؤتمر قبل يومين من الدور الأول للانتخابات الرئاسية الفرنسية، علها تفيد ساركوزي المترنح في استطلاعات الرأي بفارق كبير في الدور الثاني عن المرشح الاشتراكي (فرانسوا هولند). إنها آخر رصاصة في مخزن ساركوزي أطلقها اليوم وذهبت في الفراغ يقول معلقا احد الصحفيين الفرنسيين على هامش المؤتمر الصحفي الذي عقد الثلاثي ( جوبيه، الفيصل ، بن جاسم).
لم يخرج مؤتمر أصدقاء سوريا في باريس بأي قرار أو فعل قابل للتطبيق على ارض الواقع، أللهم إلا التصريحات العالية النبرة لإعطاء جرعات إعلامية لأطراف في المعارضة السورية مرتبطة عضويا وتنظيميا بفرنسا والسعودية وقطر، وليس الموقف الروسي الرافض للمؤتمر والمتغيب عنه ببعيد عن نتائجه الهزيلة. فروسيا رافعة قراري الفيتو بوجه عرابي مؤتمر باريس أعلنت صراحة أن هذا المؤتمر يهدف إلى ضرب خطة عنان وأن هناك دول لا تريد لسوريا أن تستقر.
ويروي مصدر دبلوماسي فرنسي في باريس فحوى الاتصال الهاتفي الذي أجراه جوبيه بوزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف داعيا فيه الوزير الفرنسي نظيره الروسي لحضور مؤتمر باريس. ويقول المصدر لم يكن لافروف لطيفا بالرد على جوبيه وقال له ان هذا المؤتمر يعقد لضرب خطة عنان ولا يساعد على حل الأزمة في سورية ومن الواضح أن بعض الدول التي سوف تحضر مهتمة بالأزمة حول سوريا أكثر من اهتمامها بحل الأزمة في سوريا، ونحن لن نحضر المؤتمر ولا نؤيده..
مصادر في وفد هيئة التنسيق الوطنية السورية المعارضة العائدة من موسكو قالت لنا أن الروس يؤيدون خطة عنان تأييدا مطلقا وهم يعتبرون أنها أعادتهم إلى الساحة الدولية وهم يقفون مباشرة وراءها، وأضافت المصادر أن المسؤولين الروس الذين التقاهم وفد الهيئة قالوا أن هناك دولا وأطرافا لا تريد لخطة عنان أن تنجح وأن عليكم مساعدتنا في إنجاحها إذا أردتم التوصل لحل سياسي، وتضيف المصادر نفسها أن وفد هيئة التنسيق وعد أن تشير أطراف المعارضة التي لا تنتمي للمجلس الوطني للدول والجهات التي سوف تسعى لإفشال خطة عنان بالأسماء والوقائع ولكن على الجانب الروسي أن يضغط على النظام أولا لوقف العنف حسب المصادر وهذا ما وعد الروس بفعله.
ملاحظات مهمة..
زيادة على الرفض الروسي نورد ملاحظات أربعة على مؤتمر أصدقاء سوريا في باريس:
1 – غياب نوعي ووازن للدول التالية ( روسيا، الصين، الهند، البرازيل، أفريقيا الجنوبية)
2 – عقد المؤتمر تحت رعاية إدارة فرنسية مترنحة انتخابيا
3- بدأ المجتمعون من دول الخليج وفرنسا يومهم بانتقاد خطة كوفي عنان وانهوه بالتمسك بها كل على طريقته لأن لا بديل عنها حسب ما قال جوبيه.
4- لم تحضر هيلاري كلينتون المؤتمر الصحافي الختامي وتركت الثلاثي (جوبيه ، الفيصل ، بن جاسم) يعقدون المؤتمر بينما كانت تستقل الطائرة عائدة إلى بلادها، وقد تلقت غرف التحرير في بعض وسائل الإعلام الفرنسية رسائل بريدية لعدم التركيز على تصريحات كلينتون حول إمكانية طلب تركيا تدخل حلف شمال الأطلسي.
معادلة صعبة لدول عاجزة..
تبدو الدول الساعية لإسقاط النظام في سوريا عبر شن حرب عليه على الطريقة الليبية تخوض معادلة صعبة التنفيذ ومعقدة، في وقت تقف هي عاجزة عن تنفيذ إرادتها بسبب عجزها وحجمها. ويمكن شرح هذه المعادلة ومكان كل دولة فيها بثلاثة محاور هي:
أ – الدول التي تملك المال وبالتحديد ( السعودية وقطر) وهذه الدول تريد خوض الحرب عبر تمويل دول تلعب دور المرتزقة وتخوض الحرب مع سوريا بلحمها ودمها. ولدول المال العربي تجارب سابقة في العراق وليبيا عند الاستعانة بالغرب وباليمن عندما استعانت السعودية بالوحدات الخاصة الأردنية والمغربية والطيران الإماراتي في حربها ضد الحوثيين. وهنا يبدو منطق السعودية وقطر واضحا: نحن نريد تسليح المعارضة ولكن حجمنا وقدراتنا البشرية والعسكرية لا تسمح لنا بالقيام بهذا الأمر لوحدنا وعلى الغرب وتركيا إيصال السلاح وخوض الحرب وعلينا التمويل ودفع الفاتورة وقد نشارك بشكل رمزي لمنح الغطاء الإعلامي كما حصل في ليبيا.
ب – الدول التي سوف تؤمن الغطاء الدولي والحماية الدولية والتقنيات العالية كما القصف الجوي الثقيل وهي الولايات المتحدة الأمريكية
ج - الدول المرتزقة التي سوف تخوض الحرب بلحمها ودمها وهنا دور تركيا المؤهلة تحديدا للعب هذا الدور، غير أن المعادلة الداخلية التركية والمعادلة الدولية الخارجية تمنع الإنكشارية الأتراك من النهوض من قبورهم والعودة إلى بلاد الشام وهذه المعادلة يمكن تفنيدها بسبعة موانع داخلية و هي التالية:
1 – تريد تركيا من الولايات المتحدة أن تخوض معها هذه الحرب عبر القصف الجوي وهذا ما لا تريده أمريكا الواقعة في أزمة اقتصادية خانقة والتي تعاني من التدخل العسكري الفاشل في العراق وأفغانستان، بينما يدخل اوباما مرحلة الحملة الانتخابية ولن يخوض حربا كبرى قبل ستة أشهر من الانتخابات الرئاسية.
2 – لا تريد تركيا أي وجود بري لأية دولة غربية في منطقة الحدود مع سوريا حتى لا تعاد في حضنها مرة ثانية تجربة المنطقة العازلة الكردية في العراق، بينما القصف الجوي لوحده لن يؤدي إلى سقوط النظام في سوريا والتدخل البري التركي غير مضمون النتائج ولن يصل إلى دمشق خصوصا بعد تسلح أكراد سوريا وتمركزهم حول حلب وإمكانية انتقال الحرب إلى الداخل التركي.
3 – حسب مسؤول كبير في حزب العمال الكردستاني التقيته في بروكسيل مؤخرا، لن يجرؤ اردوغان أبدا على إصدار أوامر للعسكر التركي لدخول سوريا لسبب واحد هو أن وجود اردوغان في السلطة أتى نتيجة صراع مرير مع العسكر استمر ثلاثين عاما ولن يجرؤ حزب العدالة والتنمية على وضع رقبته تحت رحمة العسكر مرة أخرى، وأية حرب تخوضها تركيا ضد سوريا أولى نتائجها الداخلية سوف تكون عودة نفوذ العسكر التركي في السياسة التركية مع كل التاريخ الثقيل بين الطرفين.
4 – الوضع الاقتصادي الدقيق في تركيا حيث فقدت الليرة التركية ما يقارب ثلاثين بالمائة من قيمتها منذ بداية السنة الحالية، وحاجة تركيا إلى تمويل سريع بقيمة 200 مليار دولار حسب جريدة (ليزيكو) لمنع تكرار كارثة عام 2003 عندما انهارت البنوك التركية، وهذا السيناريو سوف يتكرر عند الإعلان عن تورط عسكري تركي في سوريا..
5 – تماسك الجيش السوري واحتفاظ سوريا بكامل قوتها الصاروخية ما يجعل التدخل التركي حربا شاملة سوف تصبح حربا بالوكالة مع إيران ولكن في سوريا
6 – الرفض الأمريكي لتورط عسكري آخر مباشر وعدم اتضاح معالم ما بعد هذا التدخل
7 – "لا" روسيّة لتمرير أي قرار بتدخل عسكري في سوريا عبر مجلس الأمن، ما يجعل الوضع الدولي في حالة مواجهة باردة أفضت إلى توازن قوى نتيجتها صفر في جعبة من يسعى لإسقاط النظام...
انها فعلا NIET كبيرة مانعة..
(HET= لا بالروسية وتُلفظ نييت)