لم يكن يوم السادس من ايار/ مايو يوما عادياً في فرنسا، بل يوم رسمت فيه البلاد مستقبلها السياسي والاقتصادي للأعوام الخمسة المقبلة.
لم يكن يوم السادس من ايار/ مايو يوما عادياً في فرنسا، بل يوم رسمت فيه البلاد مستقبلها السياسي والاقتصادي للأعوام الخمسة المقبلة.
الاشتراكي فرانسوا اولاند توّج رئيساً جديدا للجمهورية الخامسة في ختام الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية، التي احتدمت المنافسة فيها مع الرئيس السابق نيكولا ساركوزي.
خطاب الانتصار الاول للرئيس المنتخب لم يخرج عن سياق برنامجه الانتخابي رافعا شعاري المعاملة العادلة، ومصلحة الشباب.
وقال: أتعهد امامكم بان اخدم بلدي باخلاص تام. وانا مدرك للمطالب الطبيعية. الى كل الذين انقسموا من اجل فرنسا اقول لهم ان ذلك انتهى الآن. الواجب الاول لرئيس الجمهورية هو توحيد جهود الفرنسيين من اجل هدف مشترك ولمواجهة التحديات التي تنتظرنا.
ومتطلعا الى شركائه في البيت الاوروبي الواحد، اعلن اولاند انه سيبدأ عمله منذ اليوم الاول لانتخابه، باجراء مشاورات مع قادة العالم ولا سيما الاوروبيين سعيا منه لدفع مشروعه القاضي بإعادة مفهوم النمو الى صلب الاتحاد الاوروبي بعد سنوات من سياسات التقشف.
فرنسياً عاد نيكولا ساركوزي مقرا بالهزيمة امام خصمة الاشتراكي، ومتحدثا عن مسار مختلف بعد خمسة وثلاثين عاما من العمل السياسي.
وقال ساركوزي : لم انجح في جعل القيم التي نتشاركها تربح . القيم التي التصق بها بعمق. انا اتحمل المسوؤلية الكاملة عن الفشل. سأقول لكم لماذا : لقد كافحت من اجل مبدأ المسؤولية وانا لست رجلا يتهرب من المسؤولية.
اول المهنئين بفوز اولاند كان الرئيس الاميركي باراك اوباما الذي دعا نظيره الفرنسي لزيارة البيت الابيض، لعقد اجتماع ثنائي قبل قمتي مجموعة الثماني، وحلف شمال الاطلسي اللتين تستضيفهما الولايات المتحدة بعد أسبوعين.
ومن ابرز المهنئين قادة الدول الاوروبية واميركا الجنوبية والصين، فضلاً عن المستشارة الالمانية انغيلا ميركل.
وصول رئيس اشتراكي الى الرئاسة في فرنسا والتخوف من فرض ضرائب عالية على الاغنياء تصل الى خمسة وسبعين بالمئة، ارخى بثقله الكبير على منطقة اليورو التي سجلت تراجعا ملحوظاً في التعاملات.
مواقف دولية
لم تكد الانتخابات الرئاسية الفرنسية تحط رحالَها بوصول فرنسوا أولاند الى كرسي الرئاسة، حتى ألقت هذه النتيجة بظلال سياسيةٍ واقتصاديةٍ على أوروبا والعديد من انحاء العالم.
الاتحاد الاوروبي الغارق بأزماته الاقتصادية، جاءت ردود دوله بمعظمها في اطار من الترقب لما يحمله الوافدُ الجديد، فأعلنت متحدثة باسم الاتحاد أنّ للاتحاد هدفا مشتركا مع فرنسا يتعلق بتنمية الاقتصاد الاوروبي، وسيعمل على تحويل هذه الاهداف الى عمل جدي.
موقف ألمانيا اتسم بالتشدد في مجال السياسة المالية المشتركة، واكدت المستشارة الألمانية انجيلا ميركل تمسكَها بسياسة التقشف، رافضة أي تفاوض على اتفاقية الموازنة الأوروبية، وهو ما يتناقض مع سياسة أولاند.
وبينما اعلن رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون استعداده للعمل مع اولاند برغم اختلاف الرؤى حول سياسة التقشف، رأى رئيس الحكومة الايطالية ماريو مونتي أنّ نتائج الانتخابات الفرنسية واليونانية تفرض مراجعة السياسة الاقتصادية الأوروبية.
وعلى الصعيد السياسي، شكّك وزير الخارجية الفرنسي الان جوبيه بامكانية سحب القوّات الفرنسية من أفغانستان في نهاية العام الحالي، على عكس ما وعد به اولاند خلال حملته الانتخابية.
واكدت كل من واشنطن وموسكو على توثيق العلاقات مع الرئيس الجديد، في حين أملت الخارجية الايرانية أن يشكل انتخابه، مؤشراً لبدء عهد جديد في علاقات طهران مع فرنسا التي تدهورت بسبب تماشيها مع السياسة الأميركية.
بالنسبة للكيان الصهيوني لم يتغير الامر كثيرا، رئيس وزراء العدو الاسرائيلي بنيامين نتنياهو، قال إنَّ العلاقة مع فرنسا كانت علاقةَ صداقةٍ على الدوام، آملاً بلقاء الرئيس الفرنسي الجديد قريباً.
ومن الواضح أنَّ التحديات التي ستواجه اولاند بدءاً من الخامس عشر من الشهر الجاري موعد استلامه للسلطة، لن تكون سهلة، ابتداءً من لقائه المرتقب مع المستشارة الألمانية، مروراً بقمتي مجموعة الثماني والأطلسي، وليس انتهاءً باجتماع المجلس الاوروبي في بروكسل نهاية الشهر المقبل، والذي سيشهدُ اختباراً فعلياً لقدرةِ الرئيس الفرنسي المنتخب على وضع وعوده الانتخابية على سكة التنفيذ.