22-11-2024 03:53 PM بتوقيت القدس المحتلة

الخبير إسماعيل لموقع المنار: لا هوية موحدة بعد 64 عاما من ولادة "إسرائيل"

الخبير إسماعيل لموقع المنار: لا هوية موحدة بعد 64 عاما من ولادة

المجتمع الصهيوني ما زال إلى اليوم غير قادر على أن يكون أمة واحدة ذات هوية متصالحة مع الانتماء إلى التاريخ الحضاري الإنساني الذي تتميز به الأمم. هذا أهم ما أفاد به الخبير عباس إسماعيل موقع المنار

اليهود في مظاهرة ضد الحكومة الإسرائيليةيمثل ما يعرف بـ"المجتمع الإسرائيلي" مجموعة من التناقضات، فالأرض قديمة قدم التاريخ، من هنا اختلق الخطاب التوراتي "إسرائيل القديمة"، من أجل عقد تواصل تاريخي بين مملكة إسرائيل القديمة في بداية العصر الحديدي، وبين دولة إسرائيل الحديثة ما مكّن الصهيونية من الادّعاء بأنّ إسرائيل المعاصرة ما هي إلاّ إعادة بناء لما كان موجودًا في السابق. وهذا، بطبيعة الحال، كان له الدور الحاسم والخطير في طمس التاريخ الفلسطيني. والسؤال الذي يبرز بقوة اليوم بعد مرور 64 عاما على ولادة ما يسمى "دولة إسرائيل الديموقراطية" هل استطاعت هذه الصهيونية أن تصنع من مجموعات المهاجرين اليهود الشتات مجتمعاً إنسانياً ذا أبعاد إنسانية وحضارية متجانسة، المجتمع الإسرائيلي أو شئت أن تسميه المجتمع الصهيوني ما زال إلى اليوم غير قادر على أن يكون أمة واحدة ذات هوية متصالحة مع الانتماء إلى التاريخ الحضاري الإنساني الذي تتميز به الأمم. هذا أهم ما أفادنا به الخبير في الشؤون الإسرائيلية الباحث الأستاذ عباس إسماعيل في حوار خاص لموقع المنار أجريناه معه حول مناسبة مرور 64 عاماً على قيام "دولة إسرائيل".

توقعات كبيرة باختلال الواقع الديموغرافي لصالح الفلسطينيين

موقع المنار: تقول بعض الدراسات إن الهاجس الديموغرافي سيكون سيد الموقف في المشهد الإسرائيلي في السنوات القادمة، على أي أساس يتوقعون ذلك؟.

إسماعيل: هذا الاستنتاج له حيز واقعي إلى حد بعيد، فحسب التوقعات الديموغرافية في إسرائيل في العقدين القادمين، تشير إلى تراجع نسبي في عدد اليهود داخل الدولة مقابل ارتفاع نسبة العرب في فلسطين المحتلة في أراضي الـ 48. وهذا يعني اختلال التوزان الديموغرافي الموجود في إسرائيل.. فقد كان هناك نوع من التوافق على أن نسبة الديموغرافية بين اليهود والعرب تترواح بين 20 إلى 25 % من العرب مقابل 75 % من اليهود هذا كحد أقصى.. أما التوقعات للعام 2030 يؤكد الباحثون أن هذه النسبة سوف تختل، وبالتالي هذا الاختلال سوف يؤثر على الواقع الديموغرافي في إسرائيل خاصة في العقد الأخير. بالإضافة إلى وجود نحو 300 ألف إلى 400 ألف من المهاجرين هم لا يعدون من اليهود أصلاً، حسب التعريف الأرثوذكسي اليهودي. وهؤلاء مشكوك بهويتهم اليهودية وهم أيضا يخفضون من عدد اليهود. وهذا الاختلال الديموغرافي سوف يخلق أزمة هوية جديدة وله إنعكاساته أيضا على دولة تتدعي الديموقراطية، وهي ملزمة تاليا أن تعطي هذه الجماعات حقوقها العامة والخاصة من حق الانتخاب إلى الحقوق الاجتماعية والإنسانية وإلى ما هنالك .. وعندما تزيد الهوة الديموغرافية بين اليهود وهذه الجماعات وبين الفلسطينيين ستزيد القوة الثقافية والسياسية والاجتماعية لهذه المجموعات .. هذا كله ينعكس سلبا على إسرائيل بما هي مشروع قائم على الإقصاء وهذا من شأنه ان يخلق أزمة حقيقية .. فلا هي قادرة على استيعاب هذا التوازن الجديد ولا هي قادرة على التخلص منه.

سياسة تهويد الأراضي مستمر في الكيان الصهيونيموقع المنار: في هذا المورد  إلى أي مدى ترتبط سياسة تهويد الأراضي في هذا المشروع؟ .
إسماعيل: ممكن أن يكون موضوع تهويد الأراضي له علاقة من حيث التضييق على العرب مما يدفعهم إلى الهجرة وترك أراضيهم..  من هذا الباب ممكن أن يكون له تأثير مهم على الواقع الديموغرافي الذي تحاول إسرائيل أن تعدّله لصالحها، ولكن حتى لو كان الواقع الديموغرافي مقتصرا على سياسة تهويد الأراضي ما كانت إسرائيل لتتراجع عنها ..

الأحزاب المتناحرة صورة طبيعية عن تشتت "المجتمع الإسرائيلي"

موقع المنار: في الحياة السياسية في "إسرائيل" أحزاب متناحرة، كيف يمكن أن نرسم صورة شاملة لانعكاس هذا الصراع على المجتمع نفسه؟.
إسماعيل:  أحد أزمات المجتمع الإسرائيلي هي أزمة الهوية التي تتمظهر بشكل كبير، بين مختلف فئاته. فالانقسام الموجود في بينهم والأحزاب المتناحرة هي إنعكاس لصورة المجتمع المنقسم والمشتت لذلك نرى أن هناك أحزاباً للمتدينيين والعلمانيين، ونرى هناك أحزاباً للشرقيين وللغربيين، ونرى هناك أحزاباً للعرب واليهود.. فهذه الأحزاب تبيّن بشكل جلي مدى تعدد الهويات وأزماتها أكثر مما تدعي إسرائيل أنها بلد الديموقراطية والتعدد الثقافي. لذلك نلاحظ أن هذا الصراع المستمر والمشاكل الدائمة تؤدي إلى عدم  قدرة أي حزب منهم على تشكيل إئتلاف حكومي موحدّ في الهوية او الشكل والانتماء السياسي والثقافي مقتصرا على أتباعه، بل دائما ما كنا نرى أن ائتلاف الحكومي لا يجري تحقيقه إلا عبر مستوطنيين منتمين إلى عدة أحزاب متناقضة في ما بينها، خاصة في ظل قانون الانتخاب الإسرائيلي الذي يعمل به حاليا وطبيعة النظام السياسي الموجودة .. لذلك يمكن القول إن الأحزاب في إسرائيل وما شاكلها هي انعكاس لصورة المجتمع الصهيوني .

يهود الفلاشة من أكثر المضهدين في اليهود يمارسون التمييز العنصري بحق بعضهم البعض وهي سمتهم الطبيعية

موقع المنار: حمل الشتات اليهودي معه إلى فلسطين نزعة التمييز العنصري، ويمارسونها على بعضهم البعض، من هي العناصر الأضعف في بؤرة هذا المجتمع الهجين؟.
إسماعيل: إذا كنت تقصدين التركيبة الاجتماعية للكيان الإسرائيلي ككل، الأكيد ان التمييز الأكبر هو ضد العرب أهل فلسطين الأصليين، باعتبارهم من غير اليهود، وبالتالي التمييز العنصري يكون ضدهم. أما إذا كنت تقصدين العنصر الأضعف ضمن التركيبة اليهودية نفسها، فسوف نجدها في الجماعات التي هاجرت في الفترات الأخيرة، والتي هي أكثر فقرا ودونية بالنسبة لليهود الأخرين.. لذلك نرى الأثيوبيين، مثلا "اليهود الفلاشة"، هم من أكثر اليهود الذين يتعرضون للتمييز العنصري بحقهم داخل إسرائيل. وإذا اعتمدنا التدرج التصاعدي في هذا السلم العنصري نلحظ التمييز الثاني ضد بعض اليهود الشرقيين، ومن ثمّ ضد بعض جماعات الحريديين، الجماعات المنعزلة منهم، وصولا إلى ما يعرف بـ"الإشكناز" القادمون من الغرب الأوروبي والأميركي الذين ينظرون لبقية اليهود نظرة دونية. لذلك مثلا نرى أن اليهود الفلاشة يعانون كثيرا من الاضطهاد والتمييز العنصري، مثل الإقصاء عن المدارس وعن المؤسسات الرسمية وإقصاء حتى داخل الجيش الإسرائيلي، حيث يتعرضون للترهيب.. فيمكننا أن نعد اليهود الفلاشة بأنهم هم الفئة الأضعف. وهذا له علاقة بالعقلية اليهودية ككل وجزء من التركيبة النفسية لليهودي هي نظرة الاستعلاء نحو الأخرين.. هذا تاريخهم من قرون بعيدة فنقلوها معهم إلى أرض فلسطين المحتلة. فالمهاجر الذي يأتي من أميركا لن يجد نفسه على المستوى نفسه مع المهاجر الآتي من أثيوبيا مثلا .. في النهاية هذا مجتمع مهاجرين، ومن العادة ان كل مجتمع يحمل معه تقاليده وعاداته وأفكاره ونزاعاته، فاليهودي الأوروبي يجد نفسه حتما أفضل من اليهودي العربي أو المغربي. وهذا شيء طبيعي بالنسبة إليه. 

الصهيونية فشلت في تحد الطبيعة بخلق مجتمع متجانس من الشتات اليهودي

موقع المنار: هنا نسأل عن الدور الثقافي الذي كان من المفترض أن تؤديه "الصهيونية" ألم يكن من أهدافها أن تجمع كل اليهود في بوتقة ثقافية وإنسانية، وأن تخلق منهم مجتمعاً ذات هوية واحدة؟.
إسماعيل: هذا سؤال مطروح بالفعل، هل فشلت الصهيونية في أن تبني لليهود مجتمعاً منسجماً؟!!.. طبعاً فشلت بذلك، وكل الأطروحات العملانية التي عملوا عليها طوال سنين لإقامة هذا المجتمع كلها باءت فشلت. لأنه خلاف الطبيعة ان يستقدموا جماعات من مختلف البلدان المنتشرة في العالم ومن مختلف الأثنيات والقوميات والأعراق وجمعهم في بوتقة واحدة من المكان والزمان. وجمعيهم قادم من ثقافات ومشارب وعادات مختلفة حد التناقض، وهؤلاء كلهم يفرض عليهم أن يعيشوا ضمن نمط معيشي واحد متماثل. وهذا خلاف الطبيعة وبالتالي لم يكتب للصهيونية المجال أن تخلق مجتمعاً متجانساً. من هنا لا يوجد في إسرائيل "أمة إسرائيلية" على  غرار الأمة العربية وغيرها من الأمم، أو يوجد ما يسمى "الشعب الإسرائيلي" بكل ما تعنيه الكلمة من معنى مثل الشعب الالماني أو الشعب الفرنسي وغيره.. فلم ينجحوا أبداً ولن ينجحوا في ذلك .. فهم لا يعيشون مفهوم الأمة أو الشعب، لمجرد وضعهم في أرض مشتركة وليصبحوا بالتالي كتلة منسجمة طبيعية. وهذا ما يعزّز عندهم روح الانقسامات ونظرات الدونية والاضطهاد الفئات إلى بعضهم البعض وتقوقع بعض الفئات الأخرى حول ذاتها .. على الأقل هذا ما يراه المراقب لإسرائيل بشكل يومي.

مجزرة الدبابات في وادي الحجير في حرب تموز 2006ثلاث تحديات تواجة إسرائيل أخطرها التحدي الأمني مع حزب الله وإيران

موقع المنار: قطعت إسرائيل 64 عاما من عمرها في ظل كل هذه الأزمات، اليوم ما هي أبرز التحديات التي تواجه هذه الدولة الهجينة وتهدد وجودها في المنطقة؟.
إسماعيل: اليوم إسرائيل تواجه ثلاث تحديات صعبة للغاية. التحدي الأول هو التحدي الديموغرافي، فإذا اختل التوازن الديموغرافي فسوف تختل هويتها أكثر مما هي عليه الأن وكذلك أمنها الاجتماعي والاقتصادي. التحدي الثاني هو التحدي الأمني، خاصة بعد تطور الصراع لعسكري والأمني معها وانتقاله من الصراع التقليدي إلى صراع حرب عصابات متطورة على شاكلة حزب الله وفصائل المقاومة الأخرى. وأيضاً إذا تطورت القوة الإيرانية النووية بما تشكله من تهديد وجودي لدولة إسرائيل فهي أمام هذا التحدي الأمني الكبير الاستراتجي الذي يتطور مع الوقت. والتحدي الثالث له علاقة بهوية الدولة نتيجة الصراع المتقادم بين المتدينيين والعلمانيين وهذا يزيد من حدته. وكل الاستطلاعات والتوقعات تشير إلى ارتفاع قوة المتديينين الحريديم وزيادتها مقابل تراجع قوة العلمانيين وتحديدا على صعيد القوة الديموغرافية وما يترتب عنها من قوة سياسية واجتماعية.

فهذا بدوره يشكل تحدي لها لأن المتدينيين الحريديم لا يشاركون في الدورة السياسية والاقتصادية لدولة الكيان ولا ينخرطون في الجيش هم معفون من الخدمة العسكرية. وهذا يشكل عبئاً على الدولة بشكل كبير يتفاقم مع مرور السنوات على مختلف الصعد المالية والأمنية وحتى الثقافية والاجتماعية، ومستقبلا سيؤدي إلى ارتفاع نسبتهم بين الإسرائيليين وكل التقديرات والدراسات تؤكد أن الارتفاع سيكون كبيرا جدا، لأن التوالد والتكاثر عندهم أكثر بأضعاف مما هو عند العلمانيين، إذا معدل العائلة الحريدية يصل إلى 7 أو 8 افراد لكل عائلة بينما العائلة العلمانية لا تتعدى الثلاثة. وستجد إسرائيل نفسها، في فترة ليست ببعيدة، أمام واقع أن أكثر من نصف سكانها هم من العرب والحريديم، مما يعني أن أكثر من نصف سكانها لن يخدموا في الجيش، الذي هو العمود الفقري لاستمرار الدولة، ومبعدون عن الدورة الاقتصادية سواء قصرا مثل العرب أو طوعا مثل الحريديم، الذين هم ايضا يأخذون مخصصات مالية من الدولة. وهذا العامل الثالث يزيد من صعوبة التحدي الأمني والصراع الوجودي أمامها. الإسرائيليون يرون هذه التحديات هم يخشون منها ويعملون على تذليلها وتجنبها.