تبلّغ لحود أن السيد نصر الله يرغب في زيارته. رحّب بالأمر، وحصلت الزيارة الشهيرة إلى قصر بعبدا التي خرج خلالها لحود من أجل استقبال «سيّد المقاومة» مخالفاً البروتوكول. «انتقدوني، فليكونوا مثله..
في غرفة الانتظار في دارة الرئيس السابق، إميل لحود، صورة تجمعه بالأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصر الله في قصر بعبدا. الصورة تعود إلى حزيران 2000، بعد نحو شهر على اكتمال إنجاز تحرير قرى الشريط الحدودي من الاحتلال الإسرائيلي.
كتبت مهى زراقط في جريدة الأخبار اللبنانية :
كثيرون يعتقدون أن علاقة تنسيق كانت قائمة بين الرئيس لحود، والسيد نصر الله. كيف لا يكون كذلك، وهو الذي استحق من «حزب الله» وجمهوره لقب «فخامة المقاوم» تقديراً لمواقفه الداعمة للمقاومة على مدى سنوات. لكن الرئيس الذي غادر قصر بعبدا وحيداً ليل 24 تشرين الثاني 2007، عشية انتهاء ولايته، لم يكن قد التقى نصر الله إلا مرة واحدة قبل تحرير الجنوب في عام 2000. كان لحود يومها قائداً للجيش، عندما سمع خبر استشهاد هادي نصر الله، نجل السيّدعام 1997. توجه مباشرة إلى التعزية، ويذكر رباطة جأش نصر الله يومها، وقوله له: «ليتني كنت مكانه». لم يكن لحود يحتاج إلى اختبار هذا الموقف، ليحسم خياراته كقائد للجيش. وهنا بيت القصيد. لا يمكن الحديث عن التحرير برأيه، من دون الحديث عن عقيدة الجيش التي بناها منذ تعيينه قائداً له نهاية عام 1989. يومها، أصرّ على تطبيق قرار مجلس الوزراء نشر الجيش اللبناني على الأراضي اللبنانية، على الرغم من المعوقات التي وضعت في الطريق.
لم يكن الانتشار في الجنوب أولها. يسرد كيف تعرّض لمضايقات قبل التوجه إلى الشوف أيضاً، وكان يعتقد بأنه نجح في استعادة أملاك الدولة وردّها إليها، لولا أنه فوجئ بعد انتخابه رئيساً بأنه لا يستطيع الانتقال صيفاً إلى بيت الدين، المقرّ الصيفي لرئاسة الجمهورية. عموماً، هذه رواية ثانية وليست الوحيدة التي يمكن أن تسمعها من الرئيس لحود عن الطبقة السياسية التي اضطر إلى التعامل معها خلال ولايته.
نعود إلى الجنوب، وإصرار لحود على تطبيق قرار الانتشار في عام 1991، على الرغم من الاتصالات التي وصلت محذّرة. «توجهت إلى الجنوب فوجدت قائد الحملة نائماً. قال لي إن رئيس الجمهورية الياس الهراوي ألغى العملية. اتصلت بالرئيس مستوضحاً، فقال لي إن مشاكل قد تقع وعلينا انتظار المفاوضات السياسية. طلبت منه إصدار قرار يلغي العملية، وإلا فإن الجيش سينفذ قرار مجلس الوزراء، إذ لا يجوز أن يبدو الجيش متقاعساً عن تنفيذ الأوامر التي وجهت إليه». انتظر لحود يومها حتى العاشرة صباحاً، وعندما لم يصدر القرار، تقدّم الجيش جنوباً. اندلعت اشتباكات عند حدود المخيمات الفلسطينية، وسقط سبعة شهداء للجيش، لكنه استطاع إحكام السيطرة بعد ثلاثة أيام، ودخل إلى نادي الضباط في صيدا، المحاذي للمخيم. هناك اجتمع بالضباط، وكلّف العميد غسان ملحم (من أحسن الضباط، الله يرحمه، يقول) قيادة المنطقة، وقال هل من أسئلة. سأله الضباط، الذين غابوا عن الجنوب سنوات طويلة، عن الطريقة التي يجب أن يتعاملوا فيها على الأرض مع المقاومة. «لم أكن أعرف شيئاً عن المقاومة إلا ما تكتبه الجرائد، وهو لا يعكس حقيقة الأمر. سألتهم، من يكونون، فأخبروني أنهم لبنانيون يقاتلون من أجل تحرير المنطقة المحتلة، فأجبت: هو جيش وطني إذاً. تتعاملون معهم كذلك».
على مدى سنوات، تعزّزت الثقة بين الجيش والمقاومة، وخصوصاً أن عمليات الأخيرة تصاعدت في التسعينيات، ومع انتخاب لحود رئيساً بدأت أولى خطوات التحرير من جزين «التي زرتها مباشرة وطمأنت أهاليها إلى أن أحداً لن يتعرض لهم، وخصوصاً أنهم كانوا خائفين بفعل الشائعات الكثيرة التي انتشرت يومها». الزيارة نفسها قام بها لحود إلى قرى الشريط الحدودي، مطمئناً أهاليها. التحذيرات من تعرّض الأهالي للخطر كان قد سمعها من الممثل الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة تيري رود لارسن، الذي كان قد زاره قبل الانسحاب للتفاوض بشأن ترسيم الحدود. أصرّ لحود يومها على التحفظ على عدم الانسحاب من مزارع شبعا، وعلى عدم تسمية الخط الأزرق حدوداً دولية، من دون أن ينسى ذكر الجهد الذي بذله العميد أمين حطيط لعدم التفريط بالأراضي اللبنانية، على الرغم من كل الضغوط.
في هذه المرحلة، تبلّغ لحود أن نصر الله يرغب في زيارته. رحّب بالأمر، وحصلت الزيارة الشهيرة إلى قصر بعبدا التي خرج خلالها لحود من أجل استقبال «سيّد المقاومة» مخالفاً البروتوكول. «انتقدوني، فليكونوا مثله، وأنا مستعد لأن أخرج لاستقبالهم». كان هذا اللقاء الثاني الذي جمع الرجلين، وكان أيضاً خالياً من أي تنسيق: «لم نحك خلال لقائنا عن العمليات أو السياسة. تحدّثنا عن القيم والعنفوان والكرامة والوطن، هذا كان كل شيء وإن كان كثر لا يصدّقون».
بعدها كانت تحصل اتصالات (وربما لقاءات). لكن اللقاء الأخير الذي جمع الرجلين، يعود إلى نحو عام. تلقى لحود دعوة من نصر الله، واكتشف هناك أنها بمناسبة عيد ميلاده «وأنا كنت نسيته». تحدثا طويلاً عن أمور كثيرة، ومنها المواقف التي كان لحود يتصدى فيها لنصرة المقاومة «منطلقاً من قناعاتي وضميري». يذكر اجتماعات مجلس الوزراء خلال حرب تموز 2006، ومحاولات الحكومة الموافقة على قرارات لا تصبّ في مصلحة لبنان، وكذلك القمة العربية التي عقدت في الرياض عام 2007 «حاولوا في البيان النهائي أن يعطوا لإسرائيل ما لم تحصل عليه بعد 33 يوماً». كلّ هذه المواقف كان لحود يتخذها من دون تنسيق مباشر «أمور كثيرة كانت تحصل، نتخذ فيها قرارات تظهر كأنها ناتجة عن تنسيق مسبق، علماً بأننا لا نكون قد تحدثنا بشأنها مسبقاً. كنا نلتقي عليها لأن الضمير هو ذاته».
لذلك تعزّ كثيراً على لحود ذكرى التحرير. يقول بثقة «هذا أهمّ عيد، هذا أهم إنجاز. سيأتي يوم يحكي فيه العالم كلّه عنه. اليوم لا يحكون لأنه لا يزال موضوع الساعة، ولأنه لا يناسب أميركا. يخافون أن تتشجع بقية الشعوب العربية لتقوم بما قمنا به».
لا يفكر لحود كثيراً إثر سؤاله عن مشاعره لأن عهده شهد تحرير الجنوب عام 2000، وانتصار تموز 2006، «أنا محظوظ، وسأقول لك لماذا. لأن العهد الذي مررت به وخصوصاً في الجيش، أتاح لي الالتقاء برجال مستعدين للموت من أجل الأرض. لولاهم لم أكن لأستطيع القيام بأي شيء». يعترف لحود هنا بأنه لم ينجح في السياسة، ويتذكر مقابلة له أجريت مباشرة إثر التحرير. «سألتني الصحافية يومها، لقد أسست جيشاً، وأنجزت تحريراً. فهل ستنفذ خطاب القسم في القضايا السياسية والاجتماعية؟ كانت إجابتي: إن الإنجازات التي تحكين عنها حصلت بالقوة، أما ما تتحدثين عنه فيحتاج إلى سياسة، والنظام القائم في لبنان لا يتيح ذلك في ظل قانون انتخابي خاطئ قائم على أساس مذهبي».
موقع المنار غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه