موقع تصوير الجزء الثاني من «الغالبون» يختلط الواقع بالخيال. والشخصيات الحقيقية بالدرامية فيعود بك الزمن إلى الوراء. وتُسنح أمامك فرصة استعادة بعض من حياةٍ هي أشبه بالملاحم الشعبية.
ثكنة عسكرية إسرائيلية هنا. جنود بأسماء عبرية هناك... شيوخٌ مصطفون تحت لهب الشمس. يحملون أجسادهم المُرهَقة، وبأيديهم تصريحات دخول. هي تصريحات الدخول إلى قراهم... صوتٌ أجّش يسبق صاحبه. رجلٌ بلحية طويلة وعين منطفئة وحاجبٍ مشطوب يدخل الموقع. يرفع سلاحه بيد واحدة. ومن خلفه يمشي مسلحون بمناكب عريضة. الجميع يتهامسون «الجلبوط».
كتبت مايا الحاج في جريدة الحياة :
في أعالي منطقة كفرمان (جنوب لبنان)، وعلى حدود قرية عربصاليم تُعيدك هذه الأحداث إلى زمن الاحتلال الإسرائيلي للجنوب. في ذاك المكان اجتمع المقاوم «أبو حسين» والمحتلّ الغاصب «شلومو» ورموز الميليشيا اللحدية المتعاونة مع الاحتلال الإسرائيلي عقل هاشم وعبد النبي بزّي الشهير بـ«الجلبوط». في موقع تصوير الجزء الثاني من «الغالبون» يختلط الواقع بالخيال. والشخصيات الحقيقية بالدرامية فيعود بك الزمن إلى الوراء. وتُسنح أمامك فرصة استعادة بعض من حياةٍ هي أشبه بالملاحم الشعبية.
من على تلك التلّة العالية، تُحلّق إلى الوراء. إلى زمنٍ آخر. إلى ثمانينات القرن العشرين حيث تلتقي شخصيات طالما سمعت أسماءها. ووصلت اليك أخبارها وحكاياتها الساكنة دوماً في ذاكرة الجنوبيين. ولا تتذكّر أنّك داخل موقع تصوير إلاّ عندما تلحظ وجود الكاميرات وتسمع صوت المخرج: Stand By.
رضوان شاهين هو المخرج الجديد للجزء الثاني من المسلسل الذي أدخل الدراما اللبنانية العام الماضي في سِباق رمضان. وإذا كان سبب استبعاد دارين حمزة التي نجحت بدور «بتول» في الجزء الأول من المسلسل بات معلوماً، فإنّ سرّ استبدال رضوان شاهين بالمخرج الفلسطيني- السوري باسل الخطيب لايزال مجهولاً.
مخرج «دعاة على أبواب جهنّم» والحاصل على جوائز من مهرجانات سينمائية وتلفزيونية كبيرة لا تُخيفه المقارنة. «أنا في الأساس ضدّ تنفيذ أجزاء ثانية وثالثة من أيّ عمل، مهما بلغ نجاحه. كما لم أفكّر يوماً في استكمال مسلسل «الحوت» أو «كوم الحجر» على رغم نجاحهما الكبير. أمّا «الغالبون» فهو أمرٌ آخر. المسألة هنا تختلف لأنّ العمل ليس درامياً فحسب بل إنّه أرشفة فنية لعمل مُقاوم ولحياة نضالية، ومن الطبيعي أن أكون مع فكرة تأريخ مرحلة هي من أصعب وأهمّ المراحل التي شهدت لوحات بطولية لشعب ناضل وقهر بعزيمة رجاله أحد أقوى جيوش العالم. وأنا أقف إجلالاً لتاريخ هذا الشعب المؤمن بأرضه وحقه ومُستعدّ لأن أغيّر مفهومي من خلال تصوير أجزاء وليس فقط الجزء الثاني من أعمال تحمل مثل هذه الرسالة». وعن قدرة الفنّ على أرشفة التاريخ يقول شاهين: «الفنّ رسالة وليس عملاً ترفيهياً أتسلّى به وأُسلّي الناس. الفن هو مُحاكاة للواقع. الواقع كما هو. مع فارق إظهاره بأبهى صورة. وأنا من المخرجين الذين يعتمدون على الصورة ويركزّون على ضرورة إبرازها بأسلوب مُدهش. وهذا ما فعلته في «بوابة القدس» العام الماضي». ولم يُخفِ شاهين إعجابه بالممثل اللبناني الذي وصفه بـ «القويّ والمُلتزم والنشيط» والذي لا ينقصه سوى الإدارة الجيّدة.
الممثل حسن فرحات الذي اشتهر مسرحياً في أعمال نضال الأشقر وسينمائياً مع مارون بغدادي ورندة الشهال لا يُشارك عادةً في أعمال تلفزيونية. إلاّ أنّ قيمة «الغالبون» جعلته يتحمّس للمشاركة في هذا العمل الذي يعكس صورة المقاومة الشعبية والعسكرية في لبنان. يؤدّي فرحات دور «الجلبوط». وهذا المصطلح يعني في قاموس اللغة العربية الطير الصغير. أمّا في قاموس اللبنانيين وتحديداً في الذاكرة الشعبية لجنوبيي لبنان فهو مرادف لشخصية أحد أهمّ عملاء الميليشيا اللحدية. هل يصعب على الممثل الجنوبي فرحات أداء دور العميل الذي نكّل بأبناء منطقته شرّ تنكيل؟ «مثل هذه الأدوار تستفزّني. دور «الجلبوط» ليس عادياً. والممثل القوي هو من لا يلعب الشخصيات العاديّة، بل الأدوار المركبّة والصعبة. ومعروف عن الجلبوط شخصيته الفصامية. فهو ابن الجنوب الذي تعامل مع العدوّ المحتلّ وكان أكثر قسوة مع أهله من الأعداء. وفي ساعات تجلّ كان يلين قلبه ويستغلّ روح النكتة التي يتميّز بها للتودّد إلى الآخرين».
لا شكّ في أنّ شخصية «الجلبوط» ستشحذ انتباه المشاهد خلال رمضان، إلاّ أنّ الدور الذي سيكون بمثابة الحدث أو المفاجأة في العمل فهو دور الأمين العام السابق لـ «حزب الله» السيّد عباس الموسوي الذي يؤدّي دوره ابنه ياسر. وقد تكون المرّة الأولى التي يؤدّي فيها الابن دور والده في عمل يتناول سيرته أو جزءاً منها. لا تجارب سابقة للشاب ياسر عباس الموسوي في التمثيل إلاّ أنّ الشبه الكبير بينهما في الشكل والصوت والطلّة يُسهّل على الابن عملية تجسيد دور والده.
ويبقى السؤال هل سيستفيد «الغالبون» من المنعطفات والأزمات التي تعيشها مصر وسورية ويحجز للدراما اللبنانية مكاناً في السباق «الرمضاني» العربي لهذا العام؟.
موقع المنار غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه (مع بعض التصرف)..