24-11-2024 12:53 PM بتوقيت القدس المحتلة

نص خطاب السيد نصر الله في ذكرى رحيل الإمام الخميني (قده) كاملاً

نص خطاب السيد نصر الله في ذكرى رحيل الإمام الخميني (قده) كاملاً

نص خطاب الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله في ذكرى رحيل الإمام الخميني (قده) في الأونيسكو ببيروت يوم الجمعة 1-6-2012..

نص خطاب الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله في ذكرى رحيل الإمام الخميني (قده) في الأونيسكو ببيروت يوم الجمعة 1-6-2012..


أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا خاتم النبيين، أبي القاسم محمد وعلى آله الطيّبين الطاهرين، وصحبه الأخيار المنتجبين، وعلى جميع الأنبياء والمرسلين.

أيها الحفل الكريم: السلام عليكم جميعاً ورحمة الله وبركاته.

اليوم، بين يدي ذكرى رحيل إمامنا الغالي، أيضاً وقبل الدخول إلى ساحة الإمام تحضرنا ذكرى النكسة في الخامس من حزيران 1967 وتحضرنا أيضا ذكرى اجتياح لبنان في السادس من حزيران سنة 1982 والتي كان يسميها الإسرائيلي عملية الإجتياح، ولكن بعد حرب تموز أدرك إن ما كان هو بمثابة حرب فسمّاها حرب لبنان الأولى، وأطلق على حرب تموز حرب لبنان الثانية.

طبعا هذه الذكرى وتلك تدعوان الشعوب العربية والإسلامية وشعوب المنطقة دائماً إلى استخلاص العبر والدروس والاستفادة من كل التجارب وكل ما حدث وحصل، من كل الآلام والمعاناة والأخطاء والثغرات والنواقص والانجازات والإيجابيات، لأن هذه المعركة لم تنتهِ بعد، ولأن فلسطين ما زالت تحت الاحتلال ولأن مقدسات المسلمين والمسيحيين ما زالت تنتهك، ولأن شعباً بكامله ما زال مشرداً ومعذباً في أرض الوطن وخارج أرض الوطن، لأن هناك الآلاف من الأسرى في السجون، والمئات ـ ولا أدري إن كان الآلاف ـ من الشهداء ما زالوا أيضا في مقابر الأرقام.
يستوقفوني أيضاً في البداية مشهد نعوش الشهداء الفلسطينيين، الـ 91 شهيدا التي وزعت بالأمس بين قطاع غزة والضفة الغربية، ويمكن للإنسان أن يقرأ أمام هذا المشهد الذي يجمع ما بين الحزن والاعتزاز رسائل كثيرة، وأهمها رسالتان:

الأولى: الدلالة على وحشية هذا العدو الذي يحتجز أجساد الشهداء عمداً ليمسّ بمعنويات وعواطف ومشاعر وأحاسيس شعب بكامله، ليشعره بالإهانة وبالإذلال.

والرسالة الثانية: الإضاءة على مرحلة طويلة من تاريخ المقاومة الفلسطينية التي تميزت وما زالت تتميز بالإقدام والشجاعة والبطولة والعمليات النوعية، بالتصميم على مواصلة طريق المقاومة والجهاد مهما كانت التضحيات. وهذا أيضاً يدعونا في بداية الكلمة ان نستحضر رفاة بقية الشهداء اللبنانيين الذين ما زالت رفاتهم في مقابر الأرقام وكذلك قضية المفقودين اللبنانيين أو الأسرى اللبنانيين الذي يوجد نقاش حول حياتهم أو شهادتهم، وقلنا إن هذه مسؤولية الدولة دائماً ويجب أن تباشرها، فعندما تدعو المقاومة إلى تحمل المسؤولية على هذا الصعيد إنما يكون عادة بسبب غياب تحمّل المسؤولية.

في ذكرى احتلال لبنان أيضاً يجب أن نتذكر بقية أرضنا المحتلة في تلال كفرشوبا ومزارع شبعا، فالمسؤولية الوطنية الملقاة على عاتق الدولة والشعب على عاتقنا جميعاً في تحرير ما تبقى من أرضنا المحتلة.

عندما ندخل إلى ساحة الإمام، للإمام طبعاً مواصفات ذاتية بمعزل عن الفعل الخارجي. هو فقيه كبير، فيلسوف عظيم، عارف من أعاظم العرفاء، مفكر إسلامي مبدع ومجدّد، وله مواصفات ذاتية كثيرة. وله أيضاً مواصفات من موقع الفعل. ما أحدثه الإمام، ما أوجده الإمام في حياة الناس، في حياة الأمة، في التاريخ المعاصر، بل في تاريخ البشرية، وما أسّسه  للمستقبل، أيضا مواصفات كثيرة لكن أقف عند عنوانين سريعين:

العنوان الأول: نقول عن الإمام إنه قائد الثورة الإسلامية الشعبية الجماهرية التي انطلقت في إيران وأدّت في نهاية المطاف إلى إسقاط نظام الشاه الطاغوتي الذي كان شرطي الخليج الأمريكي والحليف الاستراتيجي لإسرائيل .

وهو أيضاً مؤسس الجمهورية الإسلامية وله من موقع الفعل صفات كثيرة، لكن أقف عند هاتين الصفتين.

في الصفة الأولى: كان هو قائد الثورة، بل في الحقيقة يتميز بأنه هو الذي أطلقها في بداية الستينات. بدأت (الثورة) بفرد واحد اسمه روح الله الموسوي الخميني، وقف يخطب ويصرخ ويندّد ويعظ ويرشد ويدعو الناس إلى الوعي، إلى الموقف، إلى اليقظة، إلى القيام. وتحرك معه تلامذته وطلابه وأصحابه وأصدقاؤه، وكانت البدايات.

وهو قائد الثورة الذي أطلق شرارتها، هو أول من تحمل تبعاتها وأعباءها من التهديد بأمنه الشخصي، من مداهمة بيته، ونهب مكتبته واعتقاله، حتى كاد أن ينفّذ فيه حكم الإعدام، إلى نفيه لسنوات طويلة، إلى شهادة نجله السيد مصطفى. وطوال سني الثورة كان تلامذته وطلابه وخيرة أصحابه هم الذين يعلّقون على أعواد المشانق ويزجّون في السجون ويُطردون إلى خارج البلاد. وواكب وقاد وأرشد هذه الثورة، وكان الإنتقال النوعي اللحظة الإنسانية الروحية التاريخية التي تعبّر عن قمة العزم والشجاعة عندما أصر الإمام أن يركب الطائرة من باريس إلى طهران، مع أن احتمال إسقاط الطائرة كان قوياً جداً.

هذا القائد، الذي كان هو يتقدم، يواجه الموت وكل الأخطار وكل الأحوال، هو الذي صنع الثورة وأطلقها بتوفيق من الله سبحانه وتعالى، وهو الذي أوصلها إلى إنجاز الانتصار. وسوف يأتي اليوم ـ لأن الآن هناك ضجيج في المنطقة، ولن يسمح كثيراً جو المزايدات ـ سوف يأتي اليوم الذي يتضح فيه في أجواء هادئة أهمية الدور التأسيسي للإمام الخميني ولانتصار ثورته المباركة في  إيران لكل التحولات الكبرى التي حصلت في منطقتنا، وصولاً إلى الثورات التي انطلقت ولو بعد عقود، الدور التأسيسي لهذه الثورة في موضوع الصراع العربي الإسرائيلي، وفي حركات المقاومة وفي انتصاراتها.

الصفة الثانية:هي صفة مؤسس الجمهورية الإسلامية. كلنا يعرف، وهذا من الواضحات ولا يحتاج الى استدلال، أن الهدم أهون من البناء، يأخذ وقتاً سريعاً، بينما يحتاج البناء لوقت وامكانات وقدرات وزمن وجهد، وكثيرون ربما ينجحون بالهدم ولا ينجحون في البناء. هذا التحدي الحقيقي.

أنا، في العام الماضي، في الذكرى، تحدثت عن أهمية تعويل واعتماد الإمام على إرادة الشعب في صنع البديل، وفي بناء الدولة. وسأتحدث عن أصل بناء الدولة، هذا كان الإنجاز الأعظم والأخطر، لأن بناء الدولة والنجاح في بنائها أكثر تعقيداً من الانتصار في قيادة الثورة وفي إنجازها النهائي، وهذا الاستحقاق هو الذي  تواجهه  الآن العديد من الشعوب العربية التي أنجزت ثورتها بالكامل أو بنسبة مئوية كبيرة أو متواضعة، على اختلاف التقييم والساحات. الآن الاستحقاق الحقيقي، قد تسقط نظاماً، لكن هل تستطيع بناء دولة؟ هنا الاستحقاق.

وهذا (الوضع) موجود اليوم في أكثر من بلدـ وأمام أكثر من شعب. الإمام (رضوان الله تعالى عليه) في الأساس هو ينطلق من خلفية فكرية وعقائدية في مسألة بناء الدولة.  وتكفي الإشارة ـ لأن الوقت لا يتسع ـ (إلى أنه) في الفكر الإسلامي أساساً، وكما يقول الإمام، مسألة وجود دولة وجود نظام سياسي وجود حكومة حاكمة ـ ليس بمعنى مجلس وزراء، يعني حكم أو بحسب أدبيات ذلك الزمان وجود أمير أو إمام أو خليفة ـ هو حاجة طبيعية لأي مجتمع بشري، حاجة فطرية وهذا أمر بديهي لا يحتاج إلى استدلال، كما إن تحدّث الإنسان عن حاجته إلى الطعام والشراب والنوم أنه أمر بديهي لا يحتاج إلى استدلال. حاجة أي مجتمع بشري إلى دولة في الفهم الإسلامي وفي فهم الإمام هو أمر بديهي لا يحتاج إلى استدلال.

نعم ما هو محل نقاش هو طبيعة  الدولة، ماهية الدولة، هوية الدولة، شكل النظام الذي يحكم هذا المجتمع. هذا موضوع نظري يحتاج إلى استدلال ونقاش واستفادة من التجارب البشرية، من الأديان الإلهية، من الفلسفة البشرية.

لكن أصل وجود دولة، والحاجة إلى قيام دولة لتدير الشؤون العامة لأي مجتمع في أي مرحلة من تاريخ البشرية هو أمر طبيعي وفطري وبديهي، ولا يمكن أن تستقيم الشؤون العامة لأي مجتمع إلا بدولة ونظام، ولذلك بمجرد أن انتصرت الثورة الاسلامية في إيران في 11 شباط 1979، في اللحظة الاولى، بدأت عمليّة بناء الدولة، والإمام كان جاهزاً هو وأصحابه وتلامذته والأساسيون في تلك الثورة، كانوا جاهزين، وكانوا قد ناقشوا كثيراً هذه الأفكار مسبقاً، وكان يوجد مسودّات أنه كيف يجب أن يكون الهيكل النظري، الشكل، الهويّة، الماهيّة.

كان هذا معدّاً له بشكل أو بآخر، محضّراً بشكل أو بأخر، لكن الاتقان والحكمة العظيمة في القيادة بدأت منذ اللحظة الأولى.

الإمام أمر، وأعانه أعوانه وأنصاره، واستجاب له شعبه، أولاً بالحفاظ على كل مؤسسات الدولة، (بالنسبة لـ) الجيش الايراني نعم، الجنرالات الكبار الذين كان بعضهم عند الشاه وعند الموساد وعند الأميركي وعند السافاك هربوا، لكن الجيش كجيش تم الحفاظ عليه. (وكذلك) إدارات الدولة، وذلك من اليوم التالي، قالوا للموظفين أن يعودوا إلى أعمالهم، (بالنسبة لـ) الأملاك العامة نعم، الطبقة السياسية هربت واستُبعدت او تمّ محاسبتها، (وتمّ) الحفاظ على أملاك الدولة، الإمام دعا الشعب الايراني إلى إعادة المصادرات من سلاح، من أموال، من وثائق، وكلّنا نتذكر تلك الأيام كيف كان يقف الايرانيون في الطوابير الطويلة  ليعيدوا تسليم ما صادروه في أيام الصدام الاخيرة مع النظام، وصولاً إلى البدء بوضع المداميك الأساسية لبناء دولة. ولذلك دعا الإمام الشعب الإيراني إلى انتخاب مجلس خبراء، وهذا يعني أنه لم يعين مجلس خبراء، مجلس خبراء لوضع الدستور والذي كان يضم فقهاء وعلماء قانون ونخباً سياسية وفكرية وأساتذة جامعات ومثقفين واقتصاديين وما شاكل، ثم دعا إلى انتخاب مجلس خبراء، أعطي مجلس الخبراء مهلة زمنيّة، أعدّ مسودّة دستور. الإمام عرض مسودة الدستور على الشعب الإيراني، على الاستفتاء، وتمّت الموافقة عليها.

الدستور هو الأساس في أي دولة معاصرة، وعلى ضوء الدستور الذي وافق عليه الشعب الإيراني بدأت عمليّة بناء النظام السياسي، وكان إنتخاب أول رئيس للجمهورية الاسلامية في إيران.

يعني خلال أقل من عام ـ أيها الإخوة والإخوات ـ (تم إيجاد) مجلس خبراء ودستور واستفتاء وانتخاب رئيس جمهوريّة وحفاظ على مؤسسات وممتلكات الدولّة. أنظروا الى العراق ماذا فعل الاميركيون (فيه). عندما دخل الامركيون إلى العراق قاموا بتفكيك الجيش والدولة ودمروا كل شيء، طبعاً هذا له قصة خاصة.

وبعد سنة وشهر فقط، كان إنتخاب أول مجلس نواب إيراني، إذاً أريد أن أقول، خلال سنة وشهر، مؤسسات النظام السياسية، قواعد النظام السياسي، من مجلس خبراء، إلى دستور، الى انتخاب رئيس، إلى إنتخاب مجلس نواب، إلى تشكيل حكومة خلال سنة وشهر أو سنة وشهرين، رغم كل الظروف الاستثنائية والطارئة والصعبة التي كانت تحيط بالثورة الاسلاميّة من الداخل ومن الخارج.

الإمام قام بهذا الانجاز، حسناً لماذا استجاب الناس بهذه الدرجة العاليّة جداً؟ بسبب نفوذ الإمام المعنوي والروحي.

الإمام لم يكن حاملاً للسيف على الناس ولا أي شيء، كان يتكلم، يكتب بياناً والناس تستجيب وبشكل هائل، وهنا عظمة الثورة الاسلاميّة في إيران.

عندما نتكلم على الماهيّة الشعبيّة التي تتجلى  هنا، حسنا كان باستطاعة الإمام أن يقول، هناك وضع إستثنائي، الثورة تهددها عوامل من الداخل ومخاطر من الخارج ومؤامرات دوليّة وإقليميّة، إذاً الوضع لا يسمح لا بانتخابات ولا باستفتاءات ولا بوضع دساتير، لنضع قانون طوارىء وقيادة مؤقّتة أو حكومة مؤقتة ويبقى هو الحاكم المطلق خلال سنوات. وهذا الموضوع يحمل سنة أو سنتين أو ثلاث أو أربع، ولكن الإمام لم يفعل ذلك، لأنه لم يكن في بال الإمام ولا في مكان من الأمكنة أنه هو يريد أن يؤسس سلطة لنفسه، وإنما يريد أن يبني دولة للشعب الإيراني، دولة تستمر وتبقى وتتطور وتتقدّم، تواجه كل التهديدات وكل الاخطار، حتى لو لم يكن هو موجوداً، لذلك كتب في وصيّته أنه بقلب مطمئن وبنفس وادعة واثقة يرحل الى مقرّه الابدي، لانه يعرف ماذا ترك ومن ترك، الاستحقاق الأساسي والإنجاز الأضخم ـ إذا صح التعبير ـ للإمام الخميني رضوان الله تعالى عليه، هو نجاحه في بناء دولة عصريّة تجمع بين الأصالة والحداثة وتواجه كل التحديّات والأخطار وتستجيب لأغلب متطلبات وطموحات الشعب الايراني، وقدّم نموذجا راقياً على هذا الصعيد، هذا النموذج يجب أن يُدرس بكل موضوعيّة، بكل واقعيّة، ولا يُصغى إلى أصوات التشويه والتضليل التي تنطلق هنا وهناك، لأنهم لا يريدون لهذا النموذج أن يعمّم، لا يريدون لنموذج يجمع بين الأصالة الحداثة، بين الثوابت والأصول والمبادئ وبين الحريّة والتطوّر والعصرنة، ولذلك مقاربة النموذج الذي أوجده الإمام الخميني يجب أن تكون مقاربة علميّة موضوعيّة وليست خطابيّة، كما يجري الآن في المناخات القاتمة.

قبل أن أنطلق من هذه المسألة إلى الوضع اللبناني، يجب أن اذكّر وفاءً للإمام بأنّ الامام رضوان الله عليه كان اهتمامه بفلسطين وبالقدس منذ البدايات، قبل بداية الثورة، ومنذ إنطلاقتها، الى قيام الدولة، إلى رحيله ووفاته. لا تحدّيات أيّام الثورة، ولا تحدّيات أيام الدولة، ولا كل المخاطر والتهديدات الدوليّة والاقليمية ـ نتمنى أن ننتبه جيدا لهذه النقطة ـ انها لم تبدّل حرفاً في موقف الامام الخميني في مسألة فلسطين والقدس وإسرائيل، وكان يعتقد بأن مسألة فلسطين والقضيّة الفلسطينية والقدس هي مسألة مركزية، هي مسألة عقائديّة، هي مسألة إستراتيجيّة غير قابلة وليست موضوعا لا للمساومة ولا للتكتيك ولا للألاعيب. أيضاً يجب أن أذكّر بأن الإمام الخميني رضوان الله تعالى عليه كان الداعية الدائم للوحدة للتقريب، للتعاون، للتعاضد، للتكامل بين المسلمين وبين المستضعفين، أيضاً في دائرة أوسع من دائرة المسلمين وكان دائماً يتحدّث عن الجامع الإبراهيمي بين الديانات السماوية وبين اتباع الديانات السماويّة، وهذا الإمام كان صادقاً في هذا الالتزام ولم يبدّل من إلتزامه برغم كل المؤامرات.

تعرفون أن هذا الامام وهو يبني هذه الدولة وفي سن متقّدمة شُنّت عليه وعلى شعبه وعلى دولته حرب لثماني سنوات، شنّها صدام حسين وبدعم أميركي وغربي ودولي. وفي ذلك اليوم الكثير من الدول العربيّة وقفت الى جانب صدام حسين في الوقت الذي كان فيه معروف ما هو ذنب الامام، إلا قليل من الدول كان من جملتها سوريا، وأنفق في الحرب على الامام وعلى شعبه وعلى دولته من قبل العديد من دول العالم والدول العربية مئات المليارات الدولارات فيما كانت وما زالت تعاني الشعوب العربيّة من الفقر والأميّة والبطالة والجوع والحرمان وانعدام التنمية، والشعب الفلسطيني يعيش كل هذه الأمور، وكان طوال كل تلك السنين يعاني.

عندما أتكلم عن هذه النقطة أقصد ان أوجّه خطاباً لكل الناس أن الامام رغم كل ما فعله صدام حسين وبعض الأنظمة العربية وباسم العروبة، به وبشعبه من قتل وتدمير وحرب، الإمام لم يتراجع خطوة في فكر الوحدة والتقارب والتقريب والتعاون أوالتكامل والأخوة بين المسلمين وبين المستضعفين، وأن هذه المسألة بالنسبة إليه هي مسألة عقائديّة، هي مسألة إيمانيّة، هي مسألة منطلقة من ارتباطه بالله وسعيه الى رضا الله، وليست مسألة خاضعة لردّات الفعل على أحداث تجري هنا وهناك، ولو كانت بحجم حرب ثماني سنوات. سأشرحها أكثر، أعتقد بأن شخصاً غير الإمام وأصحاب الإمام والشعب الإيراني، عندما تفعل أغلب الحكومات العربية ما فعلته في ثماني سنوات، النتيجة تكون بأنه معه الحق بأن يقول ـ من زاوية من الزوايا ـ ليس لديّ أي شأن بالعرب وبالشعوب العربيّة وفي فلسطين وفي القدس، يدير ظهره لهذا العالم ويبدأ بالبحث عن مصالحه، في آسيا الوسطى أو في أوروبا، كما فعلت في يوم من الايام تركيا الاتاتوركيّة التي أدارت ظهرها للعالم العربي والاسلامي ويمّمت وجهها صوب الغرب، حسناً الإمام لم يفعل ذلك في أي لحظة من اللحظات.

من الفكرة الاساسية أنا أريد أن أدخل بكلمتين الى الوضع اللبناني لأقول إن الاصلاح (مطلوب) ـ وكما هو الحال في سوريا أو في البحرين أو في أماكن أخرى ـ لكن نحن كشعب لبناني أمام هذا التحدي. الدليل (أننا) نحن حتى الآن (عام 2012)، كم مضى على استقلال لبنان؟ ما زال الخطاب السياسي عند الجميع، هناك من يقول نريد دولة، وهناك من يقول العبور إلى الدولة وهناك من يقول بناء الدولة، أي ـ ضمناً ـ هناك إجماع لبناني أنه لا يوجد لدينا دولة فعلية حقيقية، وهذا ما يجب أن ننجزه، هذا ما يجب أن نقدم عليه.

نحن منذ سنوات، واليوم أيضاً الكلّ مشغول، كل اللبنانيين، القوى السياسية والقيادات السياسية، مشغولون بالتطورات وبالأحداث، واسمحوا لي أن أقول نحن اليوم كلنا مياومون، نعمل بشكل يومي في السياسة، هذه  القصة ما هي وهذه الحادثة كيف يجب أن تعالج وكيف يجب أن نعالج ردود أفعالها، وهذا الموضوع كيف يجب أن نتكلم فيه وكيفية اتخاذ موقف فيه.

في ذكرى الامام الخميني عند الحديث عن القضايا الإستراتجية والأساسية نخرج من التفاصيل، مثلما كنا حين نتكلم حتى عن أحداث سوريا، كنا نقف على رأس الجبل من الأعلى، هناك لحظة تأمل في الوضع الموجود في لبنان، ما الذي يجب أن نفعله، هل يجب أن نستمر بهذا الاضطراب،  بهذا التخبط، القلق الذي انتاب كثيراً من اللبنانيين خلال الأسابيع القليلة الماضية هو قلق صحيح ومحقّ، بعض الناس بدأوا يشعرون أن البلد "سوف يفرط، الحرب الأهلية سوف تعود. أين نحن؟ هل نحن في مهب الريح؟ كلبنان كوطن كشعب؟

لنرجع في لحظة هدوء لكي نقول ما الذي سنفعله؟ حتى حين الدخول إلى الأولويات اليوم، إذا ما نزلنا إلى الشارع نسأل الناس عن أولوياتهم من خلال استطلاع رأي، وليس من خلف مكاتبنا، نريد أن يفترض أولويات. حقيقةً يجب أن نستطلع رأي الناس، ما هي أولوياتهم؟ نجد أن هناك مجموعة أولويات يتقدمها أولويتان:

الأولية الأولى: الأمن، السلم الأهلي. من الممكن أنه منذ فترة لم يكن هذا الاحتمال (موجوداً). الآن، نتيجة تداعيات الأحداث في سوريا، نتيجة تطورات المنطقة، نتيجة تراخي مؤسسات الدولة في التعاطي في الشأن الأمني، نتيجة الخلل بالوضع القضائي، نتيجة الانفعال الموجود والتعبئة والتحريض المذهبي الطائفي الخ... هنا نحن في وضع صعب. لماذا؟ لا نختبئ خلف إصبعنا. نحن دائما كنا نقول الأولوية هي الحفاظ على الاستقرار. اليوم غير المشكلة السياسية (هناك) موضوع اللصوص، موضوع المجرمين، موضوع الاعتداءات، موضوع الخطف.. موضوع مفتوح. تسأل الناس، يقولون الأولوية هي الأمن، قد يطلبون ذلك قبل الإصلاح، وقبل أي شيء آخر.

بذلك تكون الأولية الثاني هي الوضع المعيشي. بعد شهرين أو ثلاثة أشهر الناس سوف ترجع إلى المدارس، شتاء الخ.. "طيب شو"؟؟ أولوية الناس الآن الأمن والوضع المعيشي، نقول الوضع المعيشي أهم، طعامهم، شرابهم، صحتهم، عافيتهم، أولادهم، هؤلاء الذين يقول عنهم الإمام علي(ع): نعمتان مجهولتان الصحة والأمان. يكون الإنسان غارقاً بالأمن حتى يصبح لا يشعر بهذه النعمة، غارق بالصحة فلا يشعر بالنعمة، حينما يفقدهم يتنبه لهم، مثل الأوكسيجين الذي نتنفسه ليلا نهاراً، نحن نغرق بهذه النعمة، لكن حينما نشعر بالاختناق نشعر بهذه النعمة.

لكن كيف نعالج هاتين الأولويتان؟

من خلال هاتين الأولويتين أنطلق لكي أصل إلى الفكرة التي أريد:
موضوع الأمن الذي هو اليوم يضغط بكل المناطق، وطبعاً بعض وسائل الإعلام تريد أن تضخّم بعض الأحداث الامنية، بعض وسائل الإعلام وبعض الجهات السياسية تحاول أن تضخم بعض الإحداث الامنية وتحاول أيضاً أن تحرج بعض القوى السياسية، على سبيل المثال نحن حينما يقال أنه في المنطقة الفلانية والمنطقة الفلانية هناك خلل أمني أو ماشاكل  كأنه المطلوب أن نكون نحن مسؤولين عن الأمن، أو أي قوة سياسية متواجدة في أي مكان.

إخواني باختصار شديد تجارب البشرية، والتجربة اللبنانية المعاصرة خلال عشرات السنين، والعلم والتحقيق والواقعية، تقول الامن والسلم الداخلي في أي مجتمع هو ناتج عملية متكاملة، هو ليس ناتج عن عمل أمني محض، هو ناتج عملية كاملة، فيها الثقافي والتربوي والقانوني والقضائي والاقتصادي والسياسي والأمني والإعلامي الخ... العمل الأمني الفني التقني هو جزء من عملية متكاملة توصل لحفظ أمن ولحفظ السلم الأهلي. من يملك عناصر هذه العملية المتكاملة في أي مجتمع هو فقط وفقط الدولة ومؤسسات الدولة، ولا يوجد أحد آخر يملك هذه العناصر، أي تنظيم، أي حزب، وهذه التجربة اللبنانية (أمامنا)، ناس جربوا الإدارة المدنية وأناس جربوا الأمن الذاتي وأناس جربوا "أمن المجتمع المسيحي فوق كل اعتبار"، كل الناس جربت، هل أحد منهم أنجز أمناً حقيقاً؟ أبداً.

أي حزب أو أي تنظيم مهما كان قوياً، نعم يقدر أن يحمي قياداته ومراكزه واحتفالاته، لكن لا يقدر أن يحمي مجتمعاً وشعباً لأنّه قاصر عن ذلك ولأنه لا يمتلك كل عناصر العملية المتكاملة التي تعطي أمناً وسلماً أهلياً. هذه مسؤولية الدولة، نريد أمناً ونريد سلماً داخلياً ونريد سلماً أهلياً ونريد أن تظل الناس تعيش مع بعضها، نريد دولة، دولة حقيقة ودولة قوية ودولة عادلة ودولة فاعلة. إنّ تولّي الأحزاب حتى ولو كانوا "أوادم" وأقوياء ومتقنين، تولي الاحزاب لمسؤليات أمنية ذاتية في أي منطقة من المناطق يحقق خلاف الهدف، بدل أن تنجز أمناً تأخذ إلى حرب أهلية وتأخذ إلى حربٍ بين العشائر والعائلات وبين مكونات المجتمع المدني، الدولة هي التي تستطيع أن تعالج دون أن تأخذ شعبها ومجتمعها إلى حرب أهلية.

الموضوع الإقتصادي المعيشي المالي، أيضا التجارب البشرية والعلم والتحقيق والواقعية تقول إنّ رفاه أي مجتمع وتأمين الحد الأدنى من متطلبات الناس في أي مجتمع على مستوى الأكل والشرب والتعليم والصحة وصولاً إلى الرفاه، نحن في لبنان نقول إن معالجة الأزمات الإجتماعية والمعيشية التي يعاني منها المواطنون اللبنانيون ومن يعيش على الأرض اللبنانية هو ناتج عملية متكاملة أيضا وليس فقط (أمر) الصناعة والتجارة والزراعة والإستيراد والتصدير، هذا جزء من العملية، هو ناتج عملية متكاملة فيها القضائي والقانوني والأمني والسياسي والثقافي والتربوي والإقتصادي في كل معانيه التخصصيّة، هذا واقع الحال. اليوم في لبنان لا أحد يقدر أن يقول عندي مشكلة اسمها منطقة عكار كيف أعمل لهذه المنطقة وضعاً اقتصادياً وأحل لها أزمتها المعيشية والإجتماعية وأنقلها إلى مرحلة الرفاه أو الشمال أو بعلبك الهرمل أو البقاع أو الجبل أو بيروت وضواحيها أو الجنوب، ليس هناك شيء اسمه اقتصاد منطقة، لا أحد يقدر على معالجة اقتصاد منطقة ولا أحد يقدر على القول كيف أعالج الإقتصاد السني أو الإقتصاد الشيعي أو الإقتصاد المسيحي أو الدرزي، هذا خطأ، اليوم هناك اقتصاد لبناني غير قابل للتفكيك لا للمناطق ولا للطوائف، هناك دولة تستطيع أن ترعى الموضوع الإقتصادي لتحل الأزمة الإجتماعية والمعيشية والحياتية لشعبها.

ليس فقط هذا، أساساً في عالم اليوم اليوم، إذا لم تكن الدولة التي ترعى اقتصادها الوطني جزءاً من منظومة اقتصادية إقليمية قوية، لا تستطيع أن تصمد فضلاً أن تعالج.

بل اليوم في العالم الوضع أسوأ من ذلك، إن دولاً اقتصادية قوية تاريخياً وهي جزء من أقوى المنظومات الاقتصادية في العالم كالاتحاد الأوربي، اليوم، تركع على ركابها، مثل اليونان، واسبانيا، وهولندا، والدانمارك، وحتى بريطانيا، وحتى فرنسا الآن تعاني. هناك دول على حافة الانهيار. إذاُ الموضوع الاقتصادي والمالي والمعيشي والاجتماعي لا يحلّه حزب ولا تنظيم ولا تحالف أحزاب. أقصى أمر يمكن أن يعمله أي حزب أو تيار أو جهة هو: تأمين بعض فرص العمل لبعض المواطنين، تقديم بعض الخدمات، صنع بعض الانجازات، لكن هل تستطيع أن تعالج أزمة حياتية اجتماعية معيشية تحتاج إلى عملية كاملة من هذا النوع؟! طبعاً، لا يستطيع، هو قاصر، الدولة هي المسؤولة.

ما أود أن أصل إليه في الاستنتاج هو ما يلي: إذا كنا نحن في لبنان نريد لبنان موحداً في هذه المنطقة التي تواجه الآن خطر التقسيم، إذا أردنا أن يبقى لبنان آمناً يعيش سلمه الداخلي والأهلي بحق، إذا أردنا أن يعالج لبنان أزماته ومشكلاته الاقتصادية والاجتماعية والمعيشية والإدارية وو..، نريد الدولة ومؤسسات الدولة.

أنا لا أقول هذا الكلام للإستهلاك، ولا للشعارات، نحن نؤمن بهذا ونحن نثقّف قواعدنا وكوادرنا في الجلسات الداخلية على هذا. لماذا في الجلسات الداخلية؟ حتى لا تمر على أحد  شبهة أن هذا الكلام للاستهلاك السياسي، كلا، هذا ثقافة داخلية.

نحن اللبنانيون يجب أن نصل إلى هذه القناعة. كلّ الأحزاب، كل التيارات، كل الطوائف، سكان كل المناطق، يجب أن نصل إلى قناعة أن لبنان هذا لا يتحمل تقسيماً ولا يتحمل فدرلة. لبنان هذا، مستقبله هو مستقبل واحد، وليبقى واحداً، ليواجه كل أزماته ويحقق كل طموحات أو أغلب طموحات الشعب اللبناني، الحل هو في دولة وطنية حقيقية قوية فاعلة عادلة محترمة، يحكم فيها القانون وليس العصبيات وليس المزاج الشخصي. هذا طموح، صحيح، يحق لنا أن نطمح. الشعب الذي لا يطمح، الشعب الذي لا يضع أملاً، الشعب الذي لا يضع أمامه غايةً وإن كان هناك صعوبة في تحقيقها هو شعب ليس جدير بالخروج من أزماته. نبقى نورّث أزماتنا لأولادنا وأحفادنا وما بعد أحفادنا وما بعد ما بعد أحفادنا، هل نريد ذلك؟! أم لا. نحن اليوم شعب جدير بأن يحمل المسؤولية، حتى في مسألة الدفاع الوطني، في مواجهة العدو. حتى في مسألة الحفاظ على السيادة اللبنانية. لماذا نحن مضطرون أن نقول: جيش وشعب ومقاومة. لو كان هناك دولة منذ البداية  تتحمل المسؤولية وقادرة على أن تتحمل المسؤولية لماذا كان على الناس أن تترك مدارسها وحوزاتها ومعاهدها وحقولها وتذهب لتصنع مقاومة شعبية؟ الدولة تدافع، الدولة تحرر، الناس تساعد الدولة وتقف معها.

حتى عندما نذهب إلى طاولة الحوار ونتحدث باستراتيجية دفاعية ، بدل أن نذهب هناك لنناقش أو نعالج النتائج، يجب أن نعالج الأسباب. لماذا وصلنا إلى هذا الأمر؟ لماذا لجأنا إلى هذه الخيارات؟ فلنعالج، والعلاج هو بناء الدولة، وأعتقد أن هذا الأمر هناك إجماع نظري عليه من قبل اللبنانيين، لكن تبقى الجدية في الموضوع.  نذهب لنناقش العوائق، كيف نزيل العوائق. هذا هو ما نؤمن به وما نعتقده. في الحقيقة هذا هو فكر الإمام السيد موسى الصدر أعاده الله بخير ورفيقيه. هذا هو إيماننا وفكرنا والتزامنا وثقافتنا، ومن يقول غير ذلك عليه أن يستدل.

ولذلك أنا اليوم، أدعو، أنا اليوم أريد أن أقدم اقتراحاً لطاولة الحوار الوطني التي ستنعقد بعد أيام قليلة. ذاهبون إلى طاولة الحوار، وأتمنى أن لا يقاطع أحد، أنا أقترح ما يلي : تريدون نقاشاً جدياً، فلنبدأ بالأسباب ونعالج الأسباب، أي تعالوا لنتحدث كيف نبني دولة حقيقية وقوية في لبنان. أنا أقول أكثر من هذا، أنا أدعو طاولة الحوار الوطني وأدعو فخامة الرئيس بالتحديد إلى مناقشة هذا الخيار، أن نعقد مؤتمراً وطنياً، مؤتمر حوار وطني في لبنان، وليس فقط طاولة حوار. بل يمكن تطوير الفكرة أكثر، نعقد مؤتمراً تأسيسياً وطنياً في لبنان مثل المؤتمرات التأسيسية التي تعقد اليوم في بعض الأماكن في العالم العربي، يعني مجلس خبراء جديد. ألا نستحق نحن اللبنانيون، ألا يستحق شعبنا وبلدنا ووطننا ومستقبلنا ولو لمرة في التاريخ أن نجلس قبل أن يبدأ قصف المدافع. دائماً عندما كان اللبنانيون يتحاورون إما في جنيف ، أو في  لوزان، أو في دمشق، أو في قصر بعبدا، كانوا يتحاورون تحت قصف المدافع والجثث مقطعة والناس مشردون. لكن اليوم، بحمد الله، وضعنا الأمني معقول نسبياً، الناس تمسك أعصابها وتضبط أنفسها، لدينا فرصة أن نجلس سوياً ونتحدث مع بعضنا البعض، فلماذا لا نعقد مؤتمراً تأسيسياً. وحتى نستطيع أن نطوّر الفكرة أكثر ونقول: ننتخب مؤتمراً تأسيسياً، الشعب اللبناني ينتخب وليس على أساس طائفي أو مناطقي، اعملوا شرائح، واعملوا نسب مئوية، هناك خيارات. نأتي ونقول: عدد معين من السياسيين، عدد معين من أساتذة الجامعات، عدد معين من القضاة ورجال القانون، عدد معين من الممثلين للنقابات والعمال، نضع نسباً مئوية لننتخب أو نكوّن مجلساً تأسيسياً مؤلفاً من خمسين أو  75 أو 100 ممثل، ونعطيهم مهلة ستة أشهر أو سنة. لقد مضى علينا 30 سنة نتقاتل ونتحارب ونبحث عن حل، فلنعطهم فرصة للتحاور ومناقشة كل الخيارات.

اليوم هناك أناس في لبنان عندما تتحدث عن دولة وبناء دولة ودولة قوية وفاعلة، يقولون لك لدينا اتفاق الطائف، تنفيذ اتفاق الطائف. هناك أناس آخرون يقولون تطوير اتفاق الطائف،  هناك قسم ثالث يقول التوافق على عقد اجتماعي أو تعاهد اجتماعي جديد، هناك أناس يقولون لك الحل في إلغاء الطائفية السياسية، هناك قسم يقولون العلمنة الكاملة، ما المشكلة؟ إذا كان هناك مؤتمر وطني حقيقي تمثيلي لكل الشرائح اللبنانية أو أغلبها أو مؤتمر تأسيسي معين أو منتخب، ويجلس الناس ليناقشوا كيف نبني دولة، هذا هو الذي نحتاج إليه إذا أردنا أن نقول كلاماً أساسياً وأصلياً واستراتيجياً في ذكرى الإمام الخميني قدس سره الشريف. غير ذلك، نبقى نعمل يومياً، نستطيع أن نبقى نعمل يومياً مئة سنة ونورّثها لأطفالنا وأحفادنا، ويمكن لهذا الجيل من القيادات والنخب أن يأخذ لبنان إلى مسار سليم وثابت ولا يبقى متوقفاً على شخص أو على مجموعة أشخاص أو على تركيبة معينة. هذه الجمهورية الإسلامية استمرت على الرغم من غياب شخصية عظيمة وتاريخية ولا نظير لها في إيران بل في العصر الحاضر في الحد الأدنى، ومع ذلك استمرت بقوة، بعنفوان، لأن هناك مسار صحيح. أنا أدعو إلى أن نعمل جاهدين لنضع لبنان على خط المسار الصحيح.

يبقى أمران أود أن أشير إليهما، الأمر الأول وبمناسبة هذه الذكرى وهذا اليوم تحضرنا ذكرى عزيزة وغالية، يجب أن نستذكر رجل دولة من الطراز الأول، أعني الرئيس الشهيد رشيد كرامي الذي كان بحق رجل دولة وقائداً تاريخياً ووطنياً أحدث اغتياله فراغاً كبيراً وهائلاً على المستوى الوطني وحتى على المستوى القومي. نحن اليوم في الذكرى السنوية لاستشهاده واغتياله نجدد تضامننا مع هذه العائلة الوطنية الشريفة وعلى رأسها دولة الرئيس عمر كرامي، ونجدد وقوفنا إلى جانبها في كل ما تطالب به من حق وعدالة.

الأمر الأخير هو عن المختطفين اللبنانيين في سورية لأنه لا يمكن أن لا نتحدث ولو بكلمة.
نحن منذ اللحظة الأولى التزمنا على المستوى السياسي، سواء في حزب الله أو في حركة أمل، ودعونا أهالي المخطوفين وكل المحبين إلى ضبط النفس وإلى الهدوء وإلى الصبر. وقلنا أيضاً منذ البداية إن هؤلاء المخطوفين مواطنون لبنانيون، وبالتالي الدولة اللبنانية والحكومة اللبنانية هي المسؤولة بالدرجة الأولى عن إعادتهم وإطلاق سراحهم وكرامتهم وسلامتهم وأمنهم، ونحن جميعاً، كقوى أو قيادات سياسية أو دينية نساعد الدولة، ولكن هذه هي مسؤولية الدولة.

وبالفعل، الدولة، برؤسائها، وعلى المستوى الحكومي، وعلى مستوى العديد من الوزراء، وعلى مستوى العديد من مؤسساتها أيضاً، هي تعمل بجد، وأنا أشهد على ذلك، تعمل بجدّ في الليل والنهار من أجل إيصال هذه القضية إلى خاتمة طيبة.

من بداية هذا الحدث، وخلال الأيام الماضية، حصلت بعض الملابسات، لا مصلحة في التحدث عنها ولا التعليق عليها، من أجل قضية المخطوفين أنفسهم في المرحلة الحالية، في المستقبل ربما نتحدث أو لا نتحدث، (هذا) بحث آخر.

اليوم، وفي ظل المساعي الحثيثة التي يقوم بها المسؤولون اللبنانيون:
أولاً نحن نؤكد على مسؤولية الحكومة والدولة في معالجة هذا الملف، ونحن نساعد، ولكن المسؤولية والطرف المعني بالتواصل، بالتفاوض، بالإجابة هي الدولة اللبنانية والحكومة اللبنانية.
ثانياً يجب أن أشيد ونشيد جميعاً بصبر الأهالي وانضباطية ومناقبية الأهالي، بالحس العالي من المسؤولية لديهم، وأيضاً في هذه الأيام، أمام بعض أشكال الضغوط، بموقفهم الشريف والنبيل، وهذا طبعاً متوقع دائماً منهم ومن أمثالهم.

ثالثاً: أنا أدعو إلى  مواصلة الهدوء وضبط النفس والصبر والتحمل وإعطاء المزيد من الفرصة أو الوقت للدولة لتواكب هذا الأمر وتتابعه وتصل فيه الى النتيجة المطلوبة.
يجب أن أشكر الأخ الكبير والأستاذ الكبير سماحة الشيخ أحمد الزين على موقفه وعلى تعاطفه وعلى محبته لي وللمقاومة.
وأقول في النهاية كلمة للخاطفين: أنتم قلتم بالأمس إنه لا مشكلة لكم مع طائفة، جيّد، عليكم أن تثبتو ذلك. هؤلاء زوّار، هؤلاء أبرياء، يجب أن يعودو إلى أهلهم.
إذا كان لكم مشكلة معي، هناك الكثير من الوسائل والطرق لنحل هذه المشكلة، وهناك كثير من الأساليب والمستويات. لا أودّ الدخول في التفاصيل
"بدكم نحلّ بالحرب بالحرب، بدكم نحلّ بالسلم بالسلم، بدكم نحل بالحب بالحب، بدكم نحلّ كيف بدكم".

هذه مشكلة معي أو  مع حزب الله أو مع حزب الله وحركة أمل أو مع جهة سياسية في لبنان، لها موقف من الأحداث في سورية، افصلوا موضوع الأبرياء "على جنب" وتعالوا حلوا مشكلتكم معنا. أما أن تتخذوا من الأبرياء رهائن من أجل حلّ هذه المشكلة بمعزل عن طبيعتها وحقيقتها، فهذا ظلم كبير يجب أن تنتهوا منه.

هذه الكلمة التي أحببت أن أقولها، ونحن في كل الأحوال قلنا وما زلنا نقول، نحن لدينا رؤية من ما يجري في سورية، لدينا موقف، نحن ندعو إلى الهدوء، إلى الحوار، إلى السلم، إلى الإصلاح، إلى التعالي على الجراح، إلى الحفاظ على وحدة سورية ووحدة شعبها ودماء جيشها وشعبها وأهلها.

نحن قلبنا يحترق على سورية كما هو الحال عند أي سوري، على سورية وكرامتها وموقعها وقوتها ورفاهها وأمنها واستقرارها. نعم قد نختلف مع آخرين في لبنان أو في غير لبنان في مقاربة وفهم ما يجري وقراءة مع يجري وخلفياته وأهدافه وتداخلاته، وهذا من حقنا الذي نمارسه في كل يوم.

انا ارجو واسأل الله سبحانه وتعالى أن يمنّ على هولاء الأبرياء المخطوفين بالحرية وبالعودة السليمة والكريمة، وأن يهبنا جميعا العقل والحكمة في التعاطي مع مسائل من هذا النوع.

رحم الله إمامنا العظيم وكل شهداء هذه الأمة وكبارها، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.