25-11-2024 03:49 PM بتوقيت القدس المحتلة

«الجزيرة للأطفال»: صرف تدريجي لنحو 80 موظفاً.. في ظروف غامضة

«الجزيرة للأطفال»: صرف تدريجي لنحو 80 موظفاً.. في ظروف غامضة

واللافت أن الإداريين العشرة، حجب عنهم تعويض نهاية الخدمة، كما حرموا لأشهر من مستحقاتهم المالية، ليخصص لهم لاحقا نصف الراتب الأساسي. كما ألغت القناة، فور إنهاء خدماتهم، بطاقاتهم المتعلقة بالتأمين الصحي

ليس مبالغة القول إن شيئا شبيها «بالزلزال» الإداري ضرب القناة منذ أواخر العام الماضي، وتستمر ارتداداته حتى اليوم. أيلول العام 2011 إنه تاريخ بدء التحولات في القناة، التي شهدت عملية صرف «قاسية»، حصدت في طريقها حتى اليوم، وعلى دفعات، حوالي 80 موظفا ومتقاعدا. وقد بدأت في خطوة مفاجئة وفورية، مع إنهاء خدمات مؤسسها ومديرها العام التنفيذي الإعلامي التونسي محمود بوناب، (وهو عضو مجلس إدارة أيضا) ومديرة إدارة البرامج مليكة علوان. وكان آخرها 16 موظفا، صرفوا في العاشر من أيار الماضي.

كتبت فاتن قبيسي في جريدة السفير اللبنانية:


عدد من المديريين السابقين لقناة الجزيرة للأطفالالأمر لا ينتهي هنا، بل علمت «السفير» أن ثمة معاناة كبيرة يشكو منها عشرة إداريين، بينهم بوناب، نتيجة «حجزهم» في قطر منذ ثمانية أشهر، بعيدا عن بلدانهم وعائلاتهم، بسبب منعهم من السفر. أما التهمة فهي «هدر المال العام» بتنفيذ برامج ومسلسلات تلفزيونية! علما أن الأسماء العشرة، وردت ضمن بلاغين تقدمت بهما القناة الى النيابة العامة. يشمل الأول ستة أسماء، والثاني أربعة.
وإذا كان لعمليتي الصرف و«الحجز» مبرراتهما بنظر القائمين، فإن المستغرب هو أن القناة، القائمة على شراكة بين شبكة «الجزيرة» و«مؤسسة قطر للتربية والعلوم وتنمية المجتمع»، لم تجر أي تحقيق داخلي مع المعنيين بالأمر، للاستماع إلى أقوالهم، لا استباقا لعملية لصرف ولا بعدها. كما لم تُجر حتى اليوم لجنة «ديوان المحاسبة» المكلفة من النيابة العامة بالنظر في القضية، أي تحقيق مع بوناب، وغيره ممن وردت أسماؤهم في البلاغ الأول. كما لم يتصل بهم أحد منذ ثمانية أشهر.


وفيما أجرت لجنة «ديوان المحاسبة»، تحقيقا مع الأربعة الذين شملهم البلاغ الثاني، في 17 كانون الثاني 2012، وقد أفيدوا بعدها برفع منع السفر عنهم عبر رسالة من النيابة العامة، الا أنهم عادوا وتلقوا بعد ثلاثة أيام، رسالة من وزارة الداخلية على هواتفهم، تفيد بإعادة منعهم من السفر!
والمستغرب أن هذه الخطوة جاءت، بعد سلسلة من الجوائز العربية والعالمية التي حصدتها الإدارة السابقة على انجازاتها «البرامجية»، وإثر موافقة «مؤسسة قطر» على ميزانية القناة للسنوات الخمس المقبلة (2012- 2016). فما الذي تغير فجأة؟. واللافت أن الإداريين العشرة، حجب عنهم تعويض نهاية الخدمة، كما حرموا لأشهر من مستحقاتهم المالية، ليخصص لهم لاحقا نصف الراتب الأساسي. كما ألغت القناة، فور إنهاء خدماتهم، بطاقاتهم المتعلقة بالتأمين الصحي، بالرغم من أنهم ما زالوا يعتبرون قانونيا وإداريا على كفالتها بموجب عقود الإقامة. كما أن أوضاع بعضهم الصحية حرجة، وتحتاج إلى رعاية دائمة خارج قطر.


شعار قناة الجزيرة للأطفالوبالرغم من كل المراجعات التي قام بها هؤلاء، الا أن إجراء القناة بحقهم بقي لغزا كبيرا. وتتسع دائرة هذا اللغز، مع اتساع مروحة عملية الصرف، المرجح استمرارها. والملاحظ أن لا معايير واضحة تخضع لها عملية الصرف التدريجية، خصوصا في ظل «بحبوحة مالية» تنعم بها القناة، لا سميا أن العملية تشمل كل الأقسام وكل الأجيال، والموظفين والمتعاقدين على حد سواء، وكبار الموظفين وصغارهم ممن أثبتوا كفاءة مهنية عالية خلال سنوات الخدمة. وهي تطال إداريين ومنتجين ومعدين ومقدمي برامج. كما تضم أشخاصا من مختلف الجنسيات العربية (بما فيها قطر) والأجنبية. علما أن قائمة الممنوعين من السفر، تستثني القطريين والأجانب.

كما أن ثمة لغزا آخر، يتعلق بمدير الإدارة المالية فيفيك تشاودري (هندي). فاسمه ورد في البلاغ الثاني المقدم للنيابة العامة، ومع ذلك فإنه لا يزال يعمل في القناة. فكيف يبقى أحد المتسببين بهدر المال العام (بحسب التهمة) عى رأس عمله؟ ما يزيد الأمر غموضا.
ولم يصدر عن القناة حتى اليوم أي توضيح «داخلي»، على الأقل ليفهم «أهل البيت» ماذا يحصل. لا سيما أن بعض المصروفين هم من كبار الأسماء الإعلامية، ومن قدامى المقيمين في قطر، ومنهم بوناب الذي يعمل في قطر منذ العام 1984 كمستشار إعلامي للشيخ حمد بن ثامر آل ثاني، رئيس مجلس الإدارة الحالي في «الجزيرة للأطفال». ويسود في القناة، التي تضم 400 موظف، جو من عدم الاستقرار اليوم، نتيجة الغموض الذي يلف عملية الصرف.

ماذا في التفاصيل؟ :
بدأت الحكاية في 27 أيلول 2011، تاريخ صرف المدير العام التنفيذي محمود بوناب ومديرة إدارة البرامج مليكة علوان (زوجة بوناب منذ العام 2006)، ولم يتمكنا من أخذ أغراضهما الشخصية، أو حتى توديع زملائهما، أو استعمال الكمبيوتر الذي تمت مصادرته. وقد تلقيا في بيتيهما في 28 أيلول 2011 رسالة، تفيد بإنهاء خدماتهما فورا، موقعة من المديرة العامة التنفيذية الجديدة للقناة بالإنابة هيا النصر (قطرية)، خلافا لما ينص عليه عقد العمل المبرم بينهما وبين مؤسسة قطر.
وتبع ذلك، ولغاية نهاية تشرين الأول 2011، إنهاء خدمات جميع مديري الإدارات وعددهم سبعة - باستثناء مدير الإدارة المالية فيفيك تشاودري (هندي) - وعدد من المديرين (يتراوح عددهم بين 10 و15 موظفا)، وبينهم ثلاثة مدراء قطريين: مدير إدارة العمليات جاسم المطوع، ومدير الموارد البشرية منصور المري، والخبيرة القانونية هند النابت. كما أنهيت بعدها تباعا، خدمات أكثر من 50 موظفا دائما ومتعاقدا من مختلف الإدارات، كان آخرهم دفعة في العاشر من أيار الماضي.


كما قامت الإدارة الجديدة للقناة فور إنهاء خدمات المدير العام، بوقف أو إلغاء جميع التعاقدات الإنتاجية التي أبرمتها إدارته مع الشركات والمؤسسات العربية والأجنبية، مثل «الهيئة العامة اليابانية للإذاعة والتلفزيون (NHK )، و«مؤسسة MDeC الماليزية»، مما انعكس سلبا على سمعة القناة إزاء شركائها.
وفي 30 تشرين الأول الماضي، تم إخطار محمود بوناب عبر اتصال من مكتب رئيس مجلس الإدارة، مفاده أن إدارة «الجزيرة للأطفال» قدمت ضده، وخمسة من زملائه، بلاغا للنيابة العامة بتهمة «هدر المال العام» وفرض منع السفر عليهم. وهم مدير إدارة الإنتاج محمود أورفلي (لبناني)، ومديرة إدارة البرامج مليكة علوان (مغربية)، ومدير شراء البرامج والحقوق مازن رفقــة (سوري)، ومدير المراقبة المالية هيثم قديح (فلسطيني)، ومدير المشتريات ياسر صالح (فلسطيني - أميركي).
وفي تشرين الثاني، تم تقديم بلاغ ثان بأسماء موظفين آخرين، الى النيابة العامة لمنعهم من السفر، وضم مدير الإدارة التقنية سمير مخازني (جزائري - بلغاري)، ومدير المشاريع خالد أدنـون (مغربي)، ومدير الاستوديوهات صقر حنفي (مصري)، ومدير الإدارة المالية فيفيك تشاودري (هندي) - لا يزال يعمل بالقناة - والمنتج والمخرج سامر جبر (أردني).


أحد إستديوهات قناة الجزيرة للأطفالوتخلو قائمة الموظفين المقدم ضدهم بلاغ للنيابة العامة، من أي موظف قطري أو من جنسية غربية، حيث تم تسريح مدير الخدمات العامة والموارد البشرية (استرالي)، ومدير التطوير والدراسات (فرنسي)، ومدير تقنية المعلومات (بريطاني)، ومدير المشاريع التقنية (بلجيكي)، وغادروا قطر بعد أن حصلوا على مستحقاتهم كافة!
ولم تسدد القناة منذ 28 أيلول 2011، وحتى السابع من شباط الماضي أيا من المستحقات المالية للموظفين المعنيين ببلاغ النيابة العامة، من رواتب ومخصصات ومستحقات نهاية الخدمة، مما أضر بالتزاماتهم المالية إزاء أسرهم وتعليم أبنائهم. وبعد رفع شكوى إلى رئيس مجلس الإدارة، بدأت القناة بتسديد ما يعادل نصف راتبهم الأساسي بأثر رجعي، معتبرة أنها «مساعدة مالية لتمكين الموظفين السابقين من مواجهة متطلبات العيش»!.


وفي حديث لـ«السفير» تؤكد الإدارة السابقة أنها لم تحد على مدى سبع سنوات، «عن الالتزام الصارم بالإدارة السليمة والشفافية والحفاظ على المال العام. وأن القناة كانت تنوه في جميع المناسبات واللقاءات الإعلامية بأنه من الضروري الحفاظ على هذه الخدمة التربوية الفريدة من نوعها في العالم». وتؤكد الإدارة السابقة أنه «لم يكن هناك إطلاقا ما يبرر رفع بلاغ ضدها للنيابة العامة بتهمة خطيرة ومجحفة، مثل «إهدار المال العام» من دون أدنى تحقيق إداري داخلي، وأن هذا البلاغ ليس سوى شكوى مفتعلة مدبرة مسبقا، الله تعالى وحده يعلم أسبابها ودوافعها».
وتوضح أن «إدارة التدقيق الداخلي في القناة، وفي مؤسسة قطر، والمدقق الخارجي «DeLoitte» كانوا يقومون بتدقيق الحسابات بشكل دوري، ولم يحدث بتاتا أن تم لفت نظر الإدارة العامة لأي سوء إدارة، أو هدر أموال، أو أي مخالفات تستحق التنبيه. مشيرة الى أن تعاونا وثيقا كان يجري بين الإدارة المالية في كل من القناة و«مؤسسة قطر»، خصوصا في اعتماد الموازنة وإغلاق الحسابات السنوية. كما كانت القناة تعمل وفق لوائح معتمدة منذ نهاية العام 2008 ومصادق عليها من قبل مجلس الإدارة، وتبلغ بها إدارة «مؤسسة قطر».
ولكن لماذا الإدارة السابقة على مدى ثمانية أشهر؟ تجيب بأنها كانت تأمل، وما تزال، بأن يأخذ القضاء مجراه. ولكن المتضررين لم يعودوا قادرين على تحمل المزيد، فقد تسبب منعهم من السفر بانفصالهم القسري عن عائلاتهم، ووقوعهم في البطالة، وعدم قدرتهم على التخطيط لأي عمل.


وتضيف: «تم انتخاب مدير المشاريع (المغربي) عضوا في البرلمان كأحد ممثلي الجاليات المغربية في المهجر، ولم يتمكن من الالتحاق بوظيفته نتيجة منع السفر، مما تسبب في إلغاء عضويته. كما فقد مدير إدارة الإنتاج (اللبناني) حقه في الهجرة إلى كندا حيث تقيم عائلته، بعدما فاته أجل السفر للتصديق على تأشيرة الهجرة.
وتعتبر أن ما تعرض له الفريق الإداري السابق لقناتي «الجزيرة للأطفال» و«براعم» من ظلم وإجحاف طيلة الأشهر الماضية، يشكل سابقة خطيرة تمثلت في اتهامه باطلا، والتشكيك في ذمته وكفاءته المهنية. وانعكس ذلك على حياة أعضاء الفريق وعائلاتهم وسمعتهم ومستقبلهم المهني. وناشدت السلطات القطرية المختصة، لإيمانها بالعدالة القطرية، البت في هذه القضية في أقرب وقت، وتمكينهم من مواصلة حياتهم، والالتحاق ببلدانهم وأسرهم.
تجدر الإشارة الى أن «السفير» حاولت الوقوف على وجهة نظر إدارة قناة «الجزيرة للأطفال» الا أنها رفضت التعليق.

  موقع المنار غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه