جسر العلاقات الروسية اللبنانية يمتد إلى أكثر من ألف عام ويستحق من الباحثين الكثير من العمل والجهد البحثي العلمي التوثيقي لاستخراج هذه المخطوطات وما فيها من معلومات نادرة تحكي عن حقب تاريخية للعلاقة.
يعدّ كتاب "لبنان حلم المياه الدافئة – روسيا بالخط العربي- الجزء الأول" للدكتور الباحث عماد رزق أول توثيق مكتوب يتعرض بعمق وجدية للعلاقات الروسية – اللبنانية، وبمناسبة صدرو الكتاب القيم ولمرور سبعين عاما على تأسيس هذه العلاقات أقامت سفارة روسيا الاتحادية في لبنان ومركز الاستشارية للدراسات الاستراتيجية حفل توقيع للكتاب الأول من نوعه والصادر عن دار همزة وصل للنشر في قصر الاونيسكو ، في مدينة بيروت، عصر مساء أمس الخميس. ولقد حضر حفل التوقيع شخصيات رسمية تمثلت بممثلين عن السفارات الدبلوماسية في لبنان وعن القوى السياسية والثقافية إلى جانب حضور لفيف من المثقفين ورجال الدين والمهتمين.
رحب الدكتور عماد رزق بالحاضرين المشاركين، وتحدث عن حلمه بتحقيق هذا الكتاب ليصبح في حيز الوجود وأن ذلك كان بعون الله تعالى، وبفضل مساعدة السفارة الروسية وكل من ساهم في تقديم بعض الوثائق والمعلومات التاريخية. الدكتور إدوارد صياح كانت له الكلمة الأولى تحدث فيها الذكرى السبعين عاما لإنشاء العلاقات الثقافية والتربوية والسياسية بين روسيا ولبنان. وبيّن أن هذه القلاقات قديمة تاريخيا من ايام الإمبراطورة كاترين. وان روسيا تحلم بالوصول إلى المياه الدافئة التي هي بين تركيا والشرق الأوسط. ولبنان بمقدروه إفادة روسيا من خلال تاريخه العريض. وطالب الدكتور صياح بتعزيز العلاقات الثقافية والفكرية والاقتصادية بين البلدين. وشكر روسيا على دورها العلمي في دعم طلاب من لبنان درسوا فيها ومدت جسور الصداقة والعلم،كما شكرها على دورها في مساعدة جنوب لبنان في قضية الالغام التي خلفها العدو الإسرائيلي وتقديم خبرتها في هذا المجال، وعلى دورها في العلاقات مع العالم العربي في أنها تتفهم قضاياه المحقة في نيل الاستقلال والحرية.
السفير الروسي ألكسندر زاسبكين أوجز في كلمة مكثفة علاقة الصداقة العميقة التي تربط بين لبنان وروسيا وتحدث عن الأهمية الخاصة للكتاب، ومما قاله : الكاتب إلى جانب المعلومات التي يقدمها عن روسيا ولبنان في عصرنا الحديث وماهية العلاقة الحالية التي تربط بينهما، يسلط الضوء على تاريخ الصلات الثنائية بين لبنان تحديدا وروسيا ويشير إلى التنوع في وجهات النظر لدى الشخصيات السياسية والاجتماعية المرموقة حول كافة نواحي العلاقات المتبادلة، وليس لدي أدنى شك في أن هذا الكتاب سوف يكون مفيدا للمهتمين بالعلاقات الروسية اللبنانية، وأنا واثق أنه سيحظى سواء في لبنان أو في العالم بأهمية كبيرة". وأكد السفير الكسندر أن روسيا الاتحادية تعد اليوم لاعبا مهما على الساحة العربية وهي تعي إلى حد كبير مآسي ومشكلات الشعوب العربية وتسعى بكل إمكانياتها للمساعدة على إيجاد حلول عادلة لها.. وأكد السفير الروسي في ختام كلمته أنهم دائما ينظرون نحو العرب بكل احترام وتقدير راغبين بالعمل وتطوير العلاقات السياسية والاقتصادية المثمرة، وهذا بالذات هو ما سيطلع عليه القارئ في كتاب الدكتور عماد رزق.
الدكتور رزق: لفلسطين وقضيتها موقع في الوجدان الروسي
في لقاء خاص مع الدكتور عماد رزق مع موقع المنار، في سؤال عن جدوى أن يستحق الحديث عن هذه العلاقات أكثر من جزء، قال : "جسر العلاقات الروسية اللبنانية يمتد إلى أكثر من ألف عام فيستحق من الباحثين الكثير من العمل والجهد البحثي العلمي التوثيقي لاستخراج هذه المخطوطات وما فيها من معلومات نادرة تحكي عن حقب تاريخية من هذه العلاقات، خاصة في أرشيف الوزارة الخارجية الروسية. وأعتقد ان ورازتا الخارجية الروسية واللبنانية قد وقعتا منذ عشرات السنين على اتفاقية تعنى باستخراج هذه الوثائق وترجمتها لما لها من أهمية على صعيد منطقة الشرق الأوسط وتاريخها. وتأكيدا إلى أن دور فلسطين كان أساسيا أيضاً في هذه العلاقات .. ولم تكن علاقة روسيا بلبنان علاقة دولة بدولة بل على خلفية أهمية فلسطين وموقعها في الثقافة الروسية والوجدان الروسي لذلك وجود لبنان على تخوم فلسطين هو بهذه الأهمية بالنسبة لروسيا. إضافة إلى التواصل الحضاري والثقافي وحتى الديني الذي كان يشكل ممرا للحجاج إلى فلسطين من كل الطوائف والأديان عبر بوابة لبنان فكانت ارض لبنان أرض القداسة والقديسين والرجالات الذين شكلوا هذا الكم الهائل من المعارف والعلوم الدينية سواء كان للمسيحيين وحتى للمسلمين.
ومن وحي هذه العلاقات التاريخية كان لا بد لنا أن نسأل عن تأثر العلاقات الحالية بما يربطها من تاريخ للأطماع الاستعمارية للإمبراطورية الروسية، فهل انتفت هذه الأطماع اليوم؟.
أكد الدكتور رزق أنه بطبيعة الحال علاقة الإمبراطورية الروسية مع هذا الشرق كانت في جزء منها لمواجهة التمدد الغربي والتنافس على المجال الحيوي الذي كانت تشكله السلطنة العثمانية في ذلك الوقت، لذلك كان متعلقا بمواجهة المشروع الغربي منذ أكثر من 500 عام .وفي الوقت نفسه للوصول إلى المياه الدافئة، كما هو عنوان الكتاب. أن روسيا كانت دائما تبحث كيف يمكن أن تكون هذه الممرات البحرية والمنطقة الجغرافية المميزة بفصولها الأربعة وبخزان الديموغرافي والجغرافي وحتى في البعد الجيواستراتيجي جزءا من هذا الصراع مع العالم الأوروبي. وفي مراحل لاحقة كانت جزءا أيضا من الصراع بين الكاثوليك والأرثوذكس وبين المشروع البروتستانتي الأميركي وبين المسيحي الشرقي. ولذلك نرى أن أهمية روسيا ودورها في هذا الشرق هي أبعد من أطماع إمبراطورية إنما هي أهداف لتحقيق توازن على مستوى البعد المسيحي المشرقي الذي هو بعيد كليا عن الدور التبشيري الذي تقوم به الإرساليات الغربية الأوروبية لتغيير مفهوم هذا الشرق الذي عرف عبر عصوره وتاريخه التعايش الإسلامي المسيحي".
وفي ختام الحفل قام الدكتور الباحث عماد رزق بتوقيع نسخ من كتابه إلى الحضور المشارك الذي احتشد صفاً من أجل شراء الكتاب وتوقيعه.